[الطلاق : 1] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا
1 - (يا أيها النبي) المراد أمته بقرينة ما بعده أو قل لهم (إذا طلقتم النساء) أي أردتم الطلاق (فطلقوهن لعدتهن) لأولها بأن يكون الطلاق في طهر لم تمس فيه لتفسيره صلى الله عليه وسلم بذلك رواه الشيخان (وأحصوا العدة) احفظوها لتراجعوا قبل فراغها (واتقوا الله ربكم) أطيعوه في أمره ونهيه (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن) منها حتى تنقضي عدتهن (إلا أن يأتين بفاحشة) زنا (مبينة) بفتح الياء وكسرها بينت أو بينة فيخرجن لإقامة الحد عليهن (وتلك) المذكورات (حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك) الطلاق (أمرا) مراجعة فيما إذا كان واحدة أو اثنتين
أخرج الحاكم عن ابن عباس قال طلق عبد يزيد أبو ركانة أم ركانة ثم نكح امرأة من مزينة فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ما عني ما عني إلا عن هذه الشقرة فنزلت يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وقال الذهبي واه والخبر خطأ فإن عبد يزيد لم يدرك الإسلام
وأخرج ابن ابي حاتم من طريق قتادة عن أنس قال طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة فأتت أهلها فأنزل الله يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن فقيل له راجعها فإنها صوامة قوامة وأخرجه ابن جرير عن قتادة مرسلا وابن المنذر عن ابن سيرين مرسلا
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله يا أيها النبي إذا طلقتم النساء الآية قال بلغنا أنها نزلت في عبد الله بن عمرو بن العاص وطفيل بن الحرث وعمرو بن سعيد بن العاص
يعني تعالى ذكره بقوله : " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن " يقول : إذا طلقتم نساءكم فطلقوهن لطهرهن الذي يحصينه من عدتهن ، طاهراً من غير جماع ، ولا تطلقوهن بحيضهن الذي لا يعتددن به من قرئهن .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت الأعمش ، عن مالك بن الحارث ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله ، قال : الطلاق للعدة طاهراً من غير جماع .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مالك بن الحارث ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله " فطلقوهن لعدتهن " قال : بالطهر في غير جماع .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبد الله " إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن " يقول : إذا طلقتم ، قال : الطهر في غير جماع .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبد الله " فطلقوهن لعدتهن " قال : طهراً من غير جماع .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس ، أنه كان يرى طلاق السنة طاهراً من جماع ، وفي كل طهر ، وهي العدة التي أمر الله بها .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد ، أن رجلاً سأل ابن عباس فقال : إنه طلق امرأته مئة ، فقال : عصيت ربك ، وبانت منك امرأتك ، ولم تتق الله فيجعل لك مخرجاً ، وقرأ هذه الآية " ومن يتق الله يجعل له مخرجا " وقال ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن ) .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : ثنا شعبة ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد ، عن ابن عباس بنحوه .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا أيوب ، عن عبد الله بن كثير ، عن مجاهد ، قال : كنت عند ابن عباس ، فجاءه رجل فقال ، إنه طلق امرأته ثلاثاً ، فسكت حتى ظننا أنه رادها عليه ، ثم قال : ينطلق أحدكم فيركب الحموقة ، ثم يقول : يا ابن عباس يا ابن عباس ، وإن الله عز وجل قال : " ومن يتق الله يجعل له مخرجا " وإنل لم تتق الله فلا أجد لك مخرجاً ، عصيت ربك ، وبانت منك امرأتك ، قال الله ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن ) .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن الحكم ، قال سمعت مجاهداً ، يحديث عن ابن عباس في هذه الآية " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن " قال ابن عباس : في قبل عدتهن .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أمية ، عن عبد الله بن كثير ، عن مجاهد ، أنه قرأ ( فطلقوهن في قبل عدتهن ) .
حدثنا العباس بن عبد العظيم ، قال : ثنا جعفر بن عون ، قال : أخبرنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، " فطلقوهن لعدتهن " قال : طاهر في غير جماع .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا هارون بن المغيرة ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن الحسن ، في قوله " فطلقوهن لعدتهن " قال : طاهراً من غير حيض ، أو حاملاً قد استبان حملها .
قال : ثنا هارون ، عن عيسى بن يزيد بن دأب ، عن عمرو ، عن الحسن و ابن سيرين ، فيمن أراد أن يطلق ثلاث تطليقات جميعاً في كلمة واحدة ، أنه لا بأس به بعد أن يطلقها في قبل عدتها ، كما أمره الله ، وكانا يكرهان أن يطلق الرجل امرأته تطليقة ، أو تطليقتين ، أو ثلاثاً ، إذا كان بغير العدة التي ذكرها الله .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا عون ، عن ابن سيرين أنه قال : في قوله " فطلقوهن لعدتهن " قال : يطلقها وهي طاهر من غير جماع ، أو حبل يستبين حملها .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل " فطلقوهن لعدتهن " قال : لطهرهن .
حدثنا علي بن عبد الأعلى المحاربي ، قال : ثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قول الله " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن " قال : العدة : القرء ، والقرء : الحيض ، والطاهر : الطاهر من غير جماع ، ثم تستقبل ثلاث حيض .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن " والعدة : أن يطلقها طاهراً من غير جماع تطليقة واحدة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله " فطلقوهن لعدتهن " قال : إذا طهرت من الحيض في غير جماع ، قلت : كيف ؟ قال : إذا طهرت من قبل أن تمسها ، فإن بدا لك أن تطلقها أخرى تركتها حتى تحيض حيضة أخرى ، ثم طلقها إذا طهرت الثانية ، فإذا أردت طلاقها الثالثة أمهلتها حتى تحيض ، فإذا طهرت طلقها الثالثة ، ثم تعتد حيضة واحدة ، ثم تنكح إن شاءت .
قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : وقال ابن طاوس : إذا أردت الطلاق فطلقها حين تطهر قبل أن تمسها تطليقة واحدة ، لا ينبغي لك أن تزيد عليها ، حتى تخلو ثلاثة قروء ، فإن واحدة تبينها .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ن قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " فطلقوهن لعدتهن " يقول : طلقها طاهراً من غير جماع .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " فطلقوهن لعدتهن " قال : إذا طلقتها للعدة كان ملكها بيدك ، من طلق للعدة جعل الله له في ذلك فسحة ، وجعل له ملكاً إن أراد أن يرتجع قبل أن تنقضي العدة ارتجع .
حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله " إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن " قال : طاهراً في غير جماع ، فإن كانت لا تحيض ، فعند غرة كل هلال .
"حدثني أبو السائب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن عبيد الله ، عن نافع عن ابن عمر ، قال : طلقت امرأتي وهي حائض ، قال فأتى عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فقال : مره فليراجعها حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر ، ثم إن شاء طلقها قبل أن يجامعها ، وإن شاء أمسكها ، فإنها العدة التي قال الله عز وجل ".
قال : ثنا ابن إدريس ، عن يحيى بن سعيد ، عن نافع ، عن ابن عمر بنحوه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
"حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن مهدي ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض ، فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : مره فليراجعها ، ثم ليمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسكها ، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء ".
"حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه طلق امرأته حائضاً ، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، فأمره أن يراجعها ثم يتركها حتى إذا طهرت ثم حاضت طلقها ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : فهي العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء " ، يقول حتى يطهرن .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس في قوله " فطلقوهن لعدتهن " يقول لا يطلقها وهي حائض ، ولا في طهر قد جعلها فيه ، ولكن يتركها حتى إذا حاضت وطهرت طلقها تطليقة ، فإن كانت تحيض فعدتها ثلاث حيض ، وإن كانت لا تحيض فعدتها ثلاث أشهر ، وإن كانت حاملاً ، فعدتها أن تضع حملها .
حدثنا ابن البرقي ، قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن سعيد بن عبد العزيز ، سئل عن قوله الله " فطلقوهن لعدتهن " قال : طلاق السنة أن يطلق الرجل امرأته وهي في قبل عدتها وهي طاهر من غير جماع واحدة ، ثم يدعها ، فإن شاء راجعها قبل ان تغتسل من الحيضة الثالثة ، وإن أراد أن يطلقها ثلاثاً طلقها واحدة في قبل عدتها ، وهي طاهر من غير جماع ، ثم يدعها حتى إذا حاضت وطهرت طلقها أخرى ثم يدعها ، حتى إذا حاضت وطهرت طلقها أخرى ، ثم لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره .
ذكر أن هذه الآية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبب طلاقه حفصة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر تطليقة ، فأنزلت هذه الآية " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن " فقيل : راجعها فإنها صوامة قوامة ، وإنها من نسائك في الجنة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله " وأحصوا العدة " قال : احفظوا العدة .
وقوله : " واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن " يقول : وخافوا الله أيها الناس ربكم فاحذوا معصيتة أن تتعدوا حده ، لا تخرجوا من طلقتم من نسائكم لعدتهن من بيوتهن التي كنتم أسكنتموهن فيها قبل الطلاق حتى تنقضي عدتهن .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قوله " واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن " حتى تنقضي عدتهن .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا أبو عاصم ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : قال عطاء : إن أذن لها أن تعتد في غير بيته ، فتعتد في بيت أهلها ، فقد شاركها إذاً في الإثم ، ثم تلا " لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " قال : قلت هذه الآية في هذه ؟ قال : نعم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا حيوة بن شريح ، عن محمد بن عجلان ، عن نافع ، أن عبد الله بن عمر كان يقول في هذه الآية " لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " قال : خروجها قبل انقضاء العدة ، قال ابن عجلان عن زيد بن أسلم : إذا أتت بفاحشة أخرجت .
وحدثنا علي بن عبد الأعلى المحاربي ، قال : ثنا المحاربي عبد الرحمن بن محمد ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله " لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " قال : ليس لها أن تخرج إلا بإذنه ، وليس للزوج أن يخرجها ما كانت في العدة ، فإن خرجت فلا سكنى لها ولا نفقة .
حدثني محمد بن سعد ، قال ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن " قال : هي المطلقة لا تخرج من بيتها ، ما دام لزوجها عليها رجعة ، وكانت في عدة .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن " وذلك إذا طلقها واحدة أو ثنتين لها ما لم يطلقها ثلاثاً .
قوله " ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " يقول جل ثناؤه : لا تخرجوهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة أنها فاحشة لمن عاينها أو علمها .
واختلف أهل التأويل في معنى الفاحشة التي ذكرت في هذا الموضع ، والمعنى الذي من أجله أذن الله بإخراجهن في حال كونهن في العدة من بيوتهن ، فقال بعضهم : الفاحشة التي ذكرها الله في هذا الموضع هو الزنى ، والإخراج الذي أباح اله هو الإخراج لإقامة الحد .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، في قوله " لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " قال : الزنى ، قال : فتخرج ليقام عليها الحد .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، مثله .
حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن صالح بن مسلم ، قال : سألت عامراً قلت : رجل طلق امرأته تطليقة أيخرجها من بيتها ؟ قال : إن كانت زانية .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " قال : إلا أن يزنين .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، وسألته عن قول الله عز وجل : " لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " قال : قال الله جل ثناؤه ، " واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم " [ النساء : 15 ] ، قال : هؤلاء المحصنات " فاستشهدوا عليهن أربعة منكم " [ النساء : 15 ] ...الآية ، قال : فجعل الله سبيلهن الرجم ، فهي لا ينبغي لها أن تخرج من بيتها إلا أن تأتي بفاحشة مبينة ، فإذا أتت بفاحشة مبينة أخرجت إلى الحد فرجمت ، وكان قبل هذا للمحصنة الحبس تحبس في البيوت لا تترك تنكح ، وكان للبكرين الأذى ، قال الله جل ثناؤه " واللذان يأتيانها منكم فآذوهما " [ النساء : 16 ] ، يا زان ، يا زانية ، " فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما " [ النساء : 16 ]، قال : ثم نسخ هذا كله ، فجعل الرجم للمحصنة والمحصن ، وجعل جلد مئة للبكرين ، قال : ونسخ هذا .
وقال آخرون : الفاحشة التي عناها الله في هذا الموضع : البذاء على أحمائها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : ثنا محمد بن عمرو ، عن محمد بن إبراهيم ، عن ابن عباس قال الله " لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " قال : الفاحشة المبينة أن تبذو على أهلها .
وقال آخرون : بل هي كل معصية لله .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " والفاحشة : هي المعصية .
وقال آخرون : بل ذلك نشوزها على زوجها ، فيطلقها على النشوز ، فيكون لها التحول حينئذ من بيتها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، " إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " قال قتادة : إلا أن يطلقها على نشوز ، فلها أن تحول من بيت زوجها .
وقال آخرون : الفاحشة المبينة التي ذكر الله عز وجل في هذا الموضع خروجها من بيتها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله " ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " قال : خروجها من بيتها فاحشة ، قال بعضهم خروجها إذا أتت بفاحشة أن تخرج فيقام عليها الحد .
حدثني ابن عبد الرحيم البرقي ، قال : ثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم ، قال : أخبرنا يحيى بن أيوب قال : ثني محمد بن عجلان ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ، في قوله " لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " قال : خروجها قبل انقضاء العدة فاحشة .
والصواب من القول في ذلك عندي قول من قال : عني بالفاحشة في هذا الموضع : المعصية ، وذلك أن الفاحشة هي كل أمر قبيح تعدى فيه حده ، فالزنى من ذلك والسرق والبذاء على الأحماء ، وخروجها متحولة عن منزلها الذي يلزمها أن تعتد فيه منه ، فأي ذلك فعلت وهي في عدتها ، فلزوجها إخراجها من بيتها ذلك ، لإتيانها بالفاحشة التي ركبتها .
وقوله " وتلك حدود الله " يقول تعالى ذكره : وهذه الأمور التي بينتها لكم من الطلاق للعدة ، وإحصاء العدة ، والأمر باتقاء الله ، وأن لا تخرج المطلقة من بيتها إلا أن تأتي بفاحشة مبينة ، حدود الله التي حدها لكم أيها الناس فلا تعتدوها " ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه " يقول تعالى ذكره ومن يتجاوز حدود الله التي حدها لخلقه فقد ظلم نفسه ، يقول : فقد أكسب نفسه وزراً ، فصار بذلك لها ظالماً ، وعليها متعدياً .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا علي بن عبد الأعلى ، قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك في قول الله " وتلك حدود الله " يقول : تلك طاعة الله فلا تعتدوها ، قال : يقول : من كل على غير هذه فقد ظلم نفسه .
وقوله : " لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " يقول جل ثناؤه : لا تدري ما الذي يحدث ، لعل الله يحدث بعد طلاقكم إياهن رجعة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، أن فاطمة بنت قيس كانت تحت أبي حفص المخزومي ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمر علياً على بعض اليمن ، فخرج معه ، فبعث إليها بتطليقة كانت لها ، وأمر عياش بن أبي ربيعة المخزومي ، والحارث بن هشام أن ينفقا عليها ، فقالا : لا والله ما لها علينا نفقة ، إلا أن تكون حاملاً ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فلم يجعل لها نفقة إلا أن تكون حاملاً ، واستأذنته في الانتقال ، فقالت : أين أنتقل يا رسول الله ؟ قال : عند ابن أم كلتوم ، وكان أعمى ، تضع ثيابها عنده ، ولا يبصرها ، فلم تزل هنالك حتى أنكحها النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد حين مضت عدتها ، فأرسل إليها مروان بن الحكم يسألها عن هذا الحديث ، فأخبرته ، فقال مروان : لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة ، وسنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها ، فقالت فاطمة : بيني وبينكم الكتاب ، قال الله جل ثناؤه " فطلقوهن لعدتهن " حتى بلغ " لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " قالت : فأي أمر يحدث بعد الثلاث ، وإنما هو في مراجعة الرجل امرأته ، وكيف تحبس امرأة بغير نفقة ؟
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله " لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " : أي هذا في مراجعة الرجل امرأته .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " : أي مراجعة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " قال : يراجعها في بيتها هذا في الواحدة والثنتين ، هو أبعد من الزنى .
قال سعيد ، وقال الحسن : هذا في الواحدة والثنتين ، وما يحدث الله بعد الثلاث .
حدثنا يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أيوب ، قال : سمعت الحسن و عكرمة يقولان : المطلقة ثلاثاً والمتوفى عنها ، لا سكنى لها ولا نفقة ، قال : فقال عكرمة ، " لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " فقال : ما يحدث بعد الثلاث .
حدثنا علي بن عبد الأعلى المحاربي ، قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله " لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " يقول : لعل الرجل يراجعها في عدتها .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ن قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " هذا ما كان له عليها رجعة .
حدثنا أحمد ، قال ثنا أسباط ، عن السدي " لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " قال : الرجعة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " قال : لعل الله يحدث في قلبك تراجع زوجتك ، قال : قال ومن طلق للعدة جعل الله له في ذلك فسحة ، وجعل له ملكاً إن أراد أن يرتجع قبل أن تنقضي العدة ارتجع .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان " لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " قال : لعله يراجعها .
سورة الطلاق
مدنية في قول الجميع. وهي إحدى عشر آية، أ اثنتا عشرة آية.
فيه أربع عشرة مسألة: الأولى -: قوله تعالى: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء " الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، خوطب بلفظ الجماعة تعظيماً وتفخيماً. وفي سنن ابن ماجه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة رضي الله عنها ثم راجعها ". وروى قتادة عن أنس قال: " طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة رضي الله عنها فأتت أهلها، فأنزل الله تعالى عليه : " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ". وقيل له : راجعها فإنها قوامة صوامة، وهي من أزواجك في الجنة ". ذكره الماوردي والقشيري والثعلبي. زاد القيشري: ونزل في خروجها إلى أهلها قوله تعالى: " لا تخرجوهن من بيوتهن ". وقال الكلبي: سبب نزول هذه الآية غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفصة، لما أسر إليها حديثاً فأظهرته لعائشة فطلقها تطليقةً، فنزلت الآية. وقال السدي: نزلت في عبد الله بن عمر، طلق امرأته حائضاً تطليقة واحدة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يراجعها ثم يمسكها حتى تظهر وتحيض ثم تطهر، فإذا أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها. فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء. وقد قيل: إن رجالاً فعلوا مثل ما فعل عبد الله بن عمر، منهم عبد الله بن عمرو بن العاص، وعمرو بن سعيد بن العاص، وعتبة بن غزوان، فنزلت الآية فيهم. قال ابن العربي: وهذا كله وإن لم يكن صحيحاً فالقول الأول أمثل. والأصح فيه أنه بيان لشرع مبتدأ. وقد قيل: إنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته. وغاير بين اللفظيين من حاضر وغائب وذلك لغة فصيحة، كما قال: " حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة " يونس:22 . تقديره: يأيها النبي قل لهم إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن.
وهذا هو قولهم: إن الخطاب له وحده والمعنى له وللمؤمنين. وإذا أراد الله بالخطاب المؤمنين لاطفه بقوله: يأيها النبي. فإذا كان الخطاب باللفظ والمعنى جميعاً له قال: يأيها الرسول.
قلت: ويدل على صحة هذا القول نزول العدة في أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية. ففي كتاب أبي داود عنها أنها طلقت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن للمطلقة عدة، فأنزل الله تعالى حين طلقت أسماء بالعدة للطلاق، فكانت أول من أنزل فيها العدة للطلاق. وقيل: المراد به نداء النبي صلى الله عليه وسلم تعظيماً، ثم ابتداء فقال: " إذا طلقتم النساء"، كقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام " المائدة:90 الآية. فذكر المؤمنين على معنى تقديمهم وتكريمهم، ثم افتتح فقال: " إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام " المائدة: 90 الآية.
الثانية-: روى الثعلبي من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق ". وعن علي: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز منه العرش ". وعن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تطلقوا النساء إلا من ريبة فإن الله عز وجل لا يحب الذواقين ولا الذواقات. وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما حلف بالطلاق ولا استحلف به إلا منافق " . أسنا جميعه الثعلبي رحمه الله في كتابه. وروى الدارقطني قال: حدثنا أبو العباس محمد بن موسى بن علي الدولابي ويعقوب بن إبراهيم قالا حدثنا الحسن بن عرفة قال حدثنا إسماعيل بن عياش عن حميد بن مالك اللخمي عن مكحول عن معاذ بن جبل قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معاذ ما خلق الله شيئاً على وجه الأرض أحب إليه من العتاق ولا خلق الله شيئاً على وجه الأرض أبغض من الطلاق. فإذا قال الرجل لمملوكه أنت حر إن شاء الله فهو حر ولا استثناء له. وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله فله استثناؤه ولا طلاق عليه ". حدثنا محمد بن موسى بن علي قال: حدثنا حميد بن الربيع قال حدثنا يزيد بن هارون حدثنا إسماعيل بن عياش بإسناده نحوه. قال حميد: قال لي يزيد: سررتني سررتني ! الآن صار حديثا. حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن سنين حدثنا عمر بن إبراهيم بن خالد حدثنا حميد بن مالك اللخمي حدثنا مكحول عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق فمن طلق واستثنى فله ثنياه " . قال ابن المنذر: اختلفوا في الاستثناء في الطلاق والعتق، فقالت طائفة: ذلك جائر. وروينا هذا القول عن طاوس. وبه قال حماد الكوفي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي. ولا
يجوز الاستثناء في الطلاق في قول مالك والأوزاعي. وهكذا قول قتادة في الطلاق خاصة. قال ابن المنذر: وبالقول الأول أقول.
الثالثة-: روى الدارقطني من حديث عبد الرزاق أخبرني عمي وهب بن نافع قال سمعت عكرمة يحدث عن ابن عباس يقول: الطلاق أربعة وجوه: وجهان حلالان ووجهان حرامان، فأما الحلال فأن الحلال فأن يطلقها طاهراً عن غير جماع وأن يطلقها حاملاً مستبيناً حملها. وأما الحرام فأن يطلقها وهي حائض، أو يطلقها حين يجامعها، ولا تدري اشتمل الرحم على ولد أم لا.
الرابعة-: قوله تعالى: " فطلقوهن لعدتهن " في كتاب أبي داود عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية أنها طلقت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن للمطلقة عدة، فأنزل الله سبحانه حين طلقت أسماء بالعدة للطلاق، فكانت أول من أنزل فيها العدة للطلاق وقد تقدم.
الخامسة-: قوله تعالى: " لعدتهن" يقتضي أنهن اللاتي دخلن بهن من الأزواج، لأن غير المدخول بهن خرجن بقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها " الأحزاب:49 .
السادسة-: من طلق في طهر لم يجامع فيه نفذ طلاقه وأصاب السنة. وإن طلقها حائضاً نفذ طلاقه وأخطأ السنة. وقال سعيد بن المسيب في أخرى: لا يقع الطلاق في الحيض لأنه خلاف السنة. وإليه ذهبت الشيع. وفي الصحيحين - واللفظ للدارقطني-: عن عبد الله بن عمر قال: طلقت امرأتي وهي حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ليراجعها ثم ليمسكها حتى تحيض حيضة مستقبلة سوى حيضتها التي طلقها فيها فإن بدا له أن يطلقها فيطلقها طاهراً من حيضتها قبل أن يمسها فذلك الطلاق للعدة كما أمر الله " . وكان عبد الله بن عمر طلقها تطليقة، فحسبت من طلاقها وراجعها عبد الله بن عمر كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم. في رواية عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هي واحدة. وهذا نص. وهو يرد على الشيعة قولهم.
السابعة-: عن عبد الله بن مسعود قال: طلاق السنة أن يطلقها في كل طهر تطليقة، فإن كان آخر ذلك فتلك العدة التي أمر الله تعالى بها. رواه الدارقطني عن الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله. قال علماؤنا: طلاق السنة ما جمع شروطاً سبعة: وهو أن يطلقها واحدة، وهي ممن تحيض، طاهراً لم يمسها في ذلك الطهر، ولا تقدمه طلاق في حيض، ولا تبعه طلاق في طهر يتلوه، وخلا عن العوض. وهذه الشروط السبعة من حديث ابن عمر المتقدم. وقال الشافعي: طلاق السنة أن يطلقها في كل طهر خاصة، ولو طلقها ثلاثاً في طهر لم يكن بدعة. وقال أبو حنيفة: طلاق السنة أن يطلقها في كل طهر طلقة. وقال الشعبي يجوز أن يطلقها في طهر جامعها فيه. فعلماؤنا قالوا: يطلقها واحدة في طهر لم يمس فيه، ولا تبعه طلاق في عدة، ولا يكون الطهر تالياً لحيض وقع فيه الطلاق.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق. فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء " وتعلق الإمام الشافعي بظاهر قوله تعالى: " فطلقوهن لعدتهن " وهذا عام في كل طلاق كان واحدة أو اثنين أو أكثر. وإنما راعى الله سبحانه الزمان في هذه الآية ولم يعتبر العدد. وكذلك حديث ابن عمر لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الوقت لا العدد. قال ابن العربي: وهذه غفلة عن الحديث الصحيح، فإنه قال: مره فليراجعها وهذا يدفع الثلاث. وفي الحديث أنه قال: أرأيت لو طلقها ثلاثاً ؟ قال حرمت عليك وبانت منك بمعصية. وقال أبو حنيفة: ظاهر الآية يدل على أن الطلاق الثلاث والواحدة سواء. وهو مذهب الشافعي لولا قوله بعد ذلك: " لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ". وهذا يبطل دخول الثلاث تحت الآية. وكذلك قال أكثر العلماء، وهو بديع لهم. وأما مالك فلم يخف عليه إطلاق الآية كما قالوا، ولكن الحديث فسرها كما قلنا. وأما قول الشعبي: إنه يجوز طلاق في طهر جامعها فيه، فيرده حديث ابن عمر بنصه ومعناه. أما نصه فقد قدمناه، وأما معنها فلأنه إذا منع من طلاق الحائض لعدم الاعتداء به، فالطهر المجامع فيه أولى بالمنع، لأن يسقط الاعتداد به مخالفة شغل الرحم وبالحيض التالي له.
قلت: وقد احتج الشافعي في طلاق الثلاث بكلمة واحدة بما رواه الدارقطني عن سلمة بن أبي بن عبد الرحمن عن أبيه أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته تماضر بنت الأصبغ الكلبية وهي أم أبي سلمة ثلاث تطليقات في كلمة واحدة، فلم يبلغنا أن أحداً من أصحابه
عاب ذلك. قال: وحدثنا سلمة بن أبي سلمة عن أبيه أن حفص بن المغيرة طلق امرأته فاطمة بنت قيس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث تطليقات في كلمة، فأبانها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم عاب ذلك عله. واحتج أيضاً بحديث عويمر العجلاني لما لا عن قال: يا رسول الله، هي طالق ثلاث. فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم. وقد انفصل علماؤنا عن هذا أحسن انفصال. بيانه في غير هذا الموضع. وقد ذكرناه في كتاب المقتبس من شرح موطأ مالك بن أنس. وعن سعيد بن المسيب وجماعة من التابعين أن من خالف السنة في الطلاق فأوقعه في حيض أوثلاث لم يقع، وشبهوه بمن وكل بطلاق السنة فخالف.
الثامنة-: قال الجرجاني: اللام في قوله " لعدتهن " بمعنى في، كقوله تعالى: " هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر " الحشر:2 أي في أول الحشر. فقوله: " لعدتهن " أي في عدتهن، أي في الزمان الذي يصلح لعدتهن. وحصل الإجماع على أن الطلاق في الحيض ممنوع وفي الطهر مأذون فيه. ففيه دليل على أن القرء هو الطهر. وقد مضى القول فيه في البقرة فإن قيل: معنى " فطلقوهن لعدتهن " أي في قبل عدتهن، أو لقبل عدتهن.وهي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال ابن عمر في صحيح مسلم وغيره. فقبل العدة آخر الطهر حتى يكون القرء الحيض، قيل له: هذه هو الدليل الواضح لمالك ومن قاله بقوله، على أن الأقراء هي الأطهار. ولو كان كما قال الحنفي ومن تبعه لوجب أن يقال: إن من طلق في أول الطهر لا يكون مطلقاً لقبل الحيض، لأن الحيض لم يقبل بعد. وأيضاً إقبال الحيض يكون بدخول الحيض، وبانقضاء الطهر لا يتحقق إقبال الحيض. ولو كان إقبال الحيض يكون ضده لكان الصائم مفطراً قبل مغيب الشمس، إذ الليل يكون مقبلاً في إدبار النهار قبل انقضاء النهار. ثم إذا طلق في آخر الطهر قرء، ولأن بعض القرء يسمى قرءاً لقوله تعالى: " الحج أشهر معلومات " البقرة:197 يعني شوالاً وذا القعدة وبعض ذي الحجة، لقوله تعالى: " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " البقرة:203 وهو ينفر في بعض اليوم الثاني. وقد مضى هذه كله في البقرة مستوفى.
التاسعة-: قوله تعالى: " وأحصوا العدة " يعنى في المدخول بها، لأن عبر المدخول بها لا عدة عليها، وله أن يراجعها فيما دون الثلاث قبل انقضاء العدة، ويكون بعدها كأحد الخطاب. ولا تحل له في الثلاث إلا بعد زوج.
العاشرة-: قوله تعالى: " وأحصوا العدة " معناه احفظوها، أي احفظوا الوقت الذي وقع فيه الطلاق، حتى إذا انفصل المشروط منه وهو الثلاثة قروء قوله تعالى: " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " البقرة:228 حلت للأزواج. وهذا يدل على أن العدة هي الأطهار وليس بالحيض. ويؤكده ويفسره قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لقبل عدتهن وقبل الشيء بعضه لغةً وحقيقةً ، بخلاف استقباله فإنه يكون غيره.
الحادية عشرة-: من المخاطب بأمر الإحصاء ؟ وفيه ثلاث أقوال: أحدها - أنهم الأزواج. الثاني - أنهم الزوجات. الثالث - أنهم المسلمون. ابن العربي: والصحيح أن المخاطب بهذا اللفظ الأزواج، لأن الضمائر كلها من طلقتم وأحصوا ولا تخرجوهن على نظام واحد يرجع إلى الأزواج، ولكن الزوجات داخلة فيه الإلحاق الزوج، يحصي ليراجع، وينفق أو يقطع، وليسكن أو يخرج، وليلحق نسبه أو يقطع. وهذه كلها أمور مشتركة بينه وبين المرأة، وتنفرد المرأة دونه بغير ذلك. وكذلك الحاكم يفتقر إلى الإحصاء للعدة للفتوى عليها، وفصل الخصومة عند المنازعة فيها وهذه فوائد الإحصاء المأمور به.
الثانية عشرة-: قوله تعالى: " واتقوا الله ربكم" أي لا تعصوه. " لا تخرجوهن من بيوتهن " أي ليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح ما دامت في العدة، ولا يجوز لها الخروج أيضاً لحق الزوج إلا لضرورة ظاهرة، فإن خرجت أثمت ولا تنقطع العدة. والرجعية والمبتوتة في هذا سواء. وهذا لصيانة ماء الرجل. وهذا معنى إضافة البيوت إليهن، كقوله تعالى: " واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة " الأحزاب: 34، وقوله تعالى: " وقرن في بيوتكن " الأحزاب:33 فهو إضافة إسكان وليس إضافة تمليك. وقوله: لا تخرجوهن يقتضي أن يكون حقاً في الأزواج. ويقتضي قوله " ولا يخرجن" أنه حق على الزوجات. وفي صحيح الحديث: "عن جابر بن عبد الله قال: طلقت خالتي فأردت أن تجد نخلها فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بلى فجدي نخلك فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفاً. خرجه مسلم. ففي هذا الحديث دليل لمالك والشافعي وابن حنبل والليث على قولهم: إن المعتدة تخرج بالنهار في حوائجها، وإنما تلزم منزلها بالليل.
وسواء عند مالك كانت رجعية أو بائنة. وقال الشافعي في الرجعية: لا تخرج ليلاً ولا نهاراً، وإنما تخرج نهارً المبتوتة. وقال أبو حنيفة : ذلك المتوفى عنها زوجها، وأما المطلقة فلا تخرج لا ليلاً ولا نهارً. والحديث يرد عليه. وفي الصحيحين: أن أبا حفص بن عمرو خرج مع علي بن أبي طالب إلى اليمين، فأرسل إلى امرأته فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت بقيت من طلاقها، وأمر لها الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة بنفقة، فقالا لها: والله ما لك من نفقة إلا أن تكوني حاملاً. فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له قولهما. فقال: لا نفقة لك، فاستأذنته في الانتقال فأذن لها، فقالت: أين يا رسول الله ؟ فقال: إلى ابن أم مكتوم، وكان أعمى تضع ثيابها عنده ولا يراها. فلما مضت عدتها أنكحها النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد. فأرسل إليها مروان قبيصة بن ذؤيب يسألها عن الحديث، فحدثته . فقال مروان: لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة، سنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها. فقالت فاطمة حين بلغها قول مروان: فبيني وبينكم القرآن، قال الله عز وجل: " لا تخرجوهن من بيوتهن " الآية، قالت: هذا لمن كانت له رجعة، فأي أمر يحدث بعد الثلاث ؟ فكيف تقولون: لا نفقة لها إذا لم تكن حاملاً فعلام تحسبونها ؟ لفظ مسلم. فبين أن الآية في تحريم الإخراج والخروج إنما هو في الرجعية. وكذلك استدلت فاطمة بأن الآية التي تليها إنما تضمنت النهي عن خروج المطلقة الرجعية، لأنها بصدد أن يحدث لمطلقها رأي في ارتجاعها ما دامت في عدتها، فكأنها تحت تصرف الزوج في كل وقت. وأما البائن فليس له شئ من ذلك فيجوز لها أن تخرج إذا دعتها إلى ذلك حاجة، أو خافت عورة منزلها، كما أباح لها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. فأمرها فتحولت. وفي البخاري عن عائشة أنها كانت في مكان وحش فخفيف على ناحيتها، فلذلك أرخص النبي صلى الله عليه وسلم لها. وهذا كله يرد على الكوفي قوله. وفي حديث فاطمة: أن زوجها أرسل إليها بتطليقة كانت بقيت من طلاقها، فهو حجة لمالك وحجة على الشافعي. وهو أصح من حديث سلمة بن أبي سلمة عن أبيه أن حفص بن المغيرة طلق امرأته ثلاث تطليقات في كلمة، على ما تقدم.
الثالثة عشرة-: قوله تعالى: " إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " قال ابن عباس وابن عمر والحسن والشعبي ومجاهد هو الزني، فتخرج ويقام عليها الحد. وعن ابن عباس أيضاً و الشافعي: أنه البذاء على أحمائها، فيحل لهم إخراجها. وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال في فاطمة: تلك امرأة استطاعت على أحمائها بلسانها فأمرها عليه السلام أن تنتقل. وفي كتاب أبي داود قال سعيد: تلك امرأة فتنت الناس، إنها كانت لسنة فوضعت على يدي ابن أم مكتوم الأعمى. قال عكرمة: في مصحف أبي إلا أن يفحش عليكم. ويقوى هذا أن محمد بن إبراهيم بن الحارث روى عن عائشة قالت لفاطمة بنت قيس: اتقي الله فإنك تعلمين لم أخرجت ؟ وعن ابن عباس أيضاً : الفاحشة كل معصية كالزنى والسرقة والبذاء على الأهل. وهو اختيار الطبري. وعن ابن عمر أيضاً والسدي: الفاحشة خروجها من بيتها في العدة. وتقدير الآية: إلا أن يأتين بفاحشة مبينة بخروجهن من بيوتهن بغير الحق، أي لو خرجت كانت عاصية، وقال قتادة: الفاحشة النشوز، وذلك أن يطلقها على النشوز فتتحول عن بيته. قال ابن العربي: أما من قال إنه الخروج للزنى، فلا وجه له، لن ذلك الخروج هو خروج القتل والإعدام، وليس ذلك بمستثنى في حلال ولا حرام. وأما من قال: إنه البذاء، فهو مفسر في حديث فاطمة بنت قيس. وأما من قال: إنه كل معصية، فوهم لأن الغيبة ونحوها من المعاصي لا تبيح الإخراج ولا الخروج. وأما من قال: إنه الخروج بغير حق، فهو صحيح. وتقدير الكلام: لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن شرعاً إلا أن تعدياً.
الرابعة عشرة-: قوله تعالى:" وتلك حدود الله " أي هذه الأحكام التي بينها أحكام الله على العباد، وقد منع التجاوز عنها، فمن تجاوز فق أظلم نفسه وأوردها مورد الهلاك. " لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " الأمر الذي يحدثه الله أن يقلب قلبه من بعضها إلى محبتها، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها، ومن عزيمة الطلاق إلى الندم عليه، فيراجعها. وقال جميع المفسرين: أراد بالأمر هنا الرغبة في الرجعة. ومعنى القول: التحريض على طلاق الواحدة والنهي عن الثلاث، فإنه إذ طلق ثلاثاً أضر بنفسه عند الندم على الفراق والرغبة في الارتجاع، فلا يجد عند الرجعة سبيلاً. وقال مقاتل: بعد ذلك أي بعد طلقة أو طلقتين أمراً أي المراجعة من غير خلاف.

تفسير سورة الطلاق
بسم الله الرحمـن الرحيم
خوطب النبي صلى الله عليه وسلم أولاً تشريفاً وتكريماً ثم خاطب الأمة تبعاً فقال تعالى: "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن ثواب بن سعيد الهباري, حدثنا أسباط بن محمد عن سعيد عن قتادة عن أنس قال طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة فأتت أهلها فأنزل الله تعالى: "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن" فقيل له: راجعها فإنها صوامة قوامة وهي من أزواجك ونسائك في الجنة, ورواه ابن جرير عن ابن بشار عن عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة فذكره مرسلاً, وقد ورد من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها.
وقال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير, حدثنا الليث, حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني سالم أن عبد الله بن عمر أخبره أنه طلق امرأة له وهي حائض فذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر, فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهراً قبل أن يمسها, فتلك العدة التي أمر بها الله عز وجل" هكذا رواه البخاري ههنا وقد رواه في مواضع من كتابه ومسلم ولفظه "فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء" ورواه أصحاب الكتب والمسانيد من طرق متعددة وألفاظ كثيرة, وموضع استقصائها كتب الأحكام, وأمس لفظ يورد ههنا ما رواه مسلم في صحيحه من طريق ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل ابن عمر وأبو الزبير يسمع: كيف ترى في الرجل طلق امرأته حائضاً ؟ فقال: طلق ابن عمر امرأته حائضاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليراجعها ـ فردها وقال ـ إذا طهرت فليطلق أو يمسك".
قال ابن عمر: وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن" وقال الأعمش عن مالك بن الحارث عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله في قوله تعالى: "فطلقوهن لعدتهن" قال: الطهر من غير جماع, وروي عن ابن عمر وعطاء ومجاهد والحسن وابن سيرين وقتادة, وميمون بن مهران ومقاتل بن حيان مثل ذلك, وهو رواية عن عكرمة, والضحاك, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: "فطلقوهن لعدتهن" قال: لا يطلقها وهي حائض ولا في طهر قد جامعها فيه, ولكن يتركها حتى إذا حاضت وطهرت طلقها تطليقة. وقال عكرمة "فطلقوهن لعدتهن" العدة الطهر والقرء الحيضة أن يطلقها حبلى مستبيناً حملها ولا يطلقها, وقد طاف عليها ولا يدري حبلى هي أم لا. ومن ههنا أخذ الفقهاء أحكام الطلاق وقسموه إلى طلاق سنة وطلاق بدعة, فطلاق السنة أن يطلقها طاهرة من غير جماع, او حاملاً قد استبان حملها, والبدعة هو أن يطلقها في حال الحيض, أو في طهر قد جامعها فيه ولا يدري أحملت أم لا, وطلاق ثالث لا سنة فيه ولا بدعة وهو طلاق الصغيرة والايسة وغير المدخول بها, وتحرير الكلام في ذلك وما يتعلق به مستقصى في كتب الفروع والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقوله تعالى: "وأحصوا العدة" أي احفظوها واعرفوا ابتداءها وانتهاءها, لئلا تطول العدة على المرأة فتمنع من الأزواج "واتقوا الله ربكم" أي في ذلك. وقوله تعالى: "لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن" أي في مدة العدة لها حق السكنى على الزوج ما دامت معتدة منه فليس للرجل أن يخرجها ولا يجوز لها أيضاً الخروج لأنها معتقلة لحق الزوج أيضاً. وقوله تعالى: "إلا أن يأتين بفاحشة مبينة" أي لا يخرجن من بيوتهن إلا أن ترتكب المرأة فاحشة مبينة فتخرج من المنزل, والفاحشة المبينة تشمل الزنا كما قاله ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب والشعبي, والحسن وابن سيرين ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو قلابة, وأبو صالح والضحاك وزيد بن أسلم وعطاء الخراساني والسدي وسعيد بن أبي هلال وغيرهم, وتشمل ما إذا نشزت المرأة أو بذت على أهل الرجل وآذتهم في الكلام والفعال كما قاله أبي بن كعب وابن عباس وعكرمة وغيرهم. وقوله تعالى: "وتلك حدود الله" أي شرائعه ومحارمه "ومن يتعد حدود الله" أي يخرج عنها ويتجاوزها إلى غيرها ولا يأتمر بها "فقد ظلم نفسه" أي بفعل ذلك.
وقوله تعالى: "لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً" أي إنما أبقينا المطلقة في منزل الزوج في مدة العدة لعل الزوج يندم على طلاقها ويخلق الله تعالى في قلبه رجعتها, فيكون ذلك أيسر وأسهل, قال الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن فاطمة بنت قيس في قوله تعالى: "لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً" قالت: هي الرجعة, وكذا قال الشعبي وعطاء وقتادة والضحاك ومقاتل بن حيان والثوري, ومن ههنا ذهب من ذهب من السلف ومن تابعهم كالإمام أحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى, إلى أنه لا تجب السكنى للمبتوتة أي المقطوعة وكذا المتوفى عنها زوجها, واعتمدوا أيضاً على حديث فاطمة بنت قيس الفهرية حين طلقها زوجها أبو عمرو بن حفص آخر ثلاث تطليقات وكان غائباً عنها باليمن, فأرسل إليها بذلك فأرسل إليها وكيله بشعير يعني نفقة فتسخطته فقال: والله ليس لك علينا نفقة, فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ليس لك عليه نفقة" ولمسلم "ولا سكنى" وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال: "تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك" الحديث.
وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى بلفظ آخر فقال: حدثنا يحيى بن سعيد, حدثنا مجالد, حدثنا عامر قال: قدمت المدينة فأتيت فاطمة بنت قيس فحدثتني أن زوجها طلقها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية قالت: فقال لي أخوه: اخرجي من الدار, فقلت: إن لي نفقة وسكنى حتى يحل الأجل, قال: لا, قالت: فأتيت رسول الله فقلت: إن فلاناً طلقني وإن أخاه أخرجني ومنعني السكنى والنفقة, فقال له: "مالك ولابنة آل قيس ؟" قال: يا رسول الله إن أخي طلقها ثلاثاً جميعاً, قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظري يا بنت آل قيس إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة, فإذا لم يكن له عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى اخرجي فانزلي على فلانة" ثم قال إنه يتحدث إليها "انزلي على ابن أم مكتوم فإنه أعمى لا يراك" وذكر تمام الحديث.
وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن عبد الله البزار التستري, حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف, حدثنا بكر بن بكار, حدثنا سعيد بن يزيد البجلي, حدثنا عامر الشعبي أنه دخل على فاطمة بنت قيس, أخت الضحاك بن قيس القرشي, وزوجها أبو عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي فقالت: إن أبا عمرو بن حفص أرسل إلي وهو منطلق في جيش إلى اليمن بطلاقي, فسألت أولياءه النفقة علي والسكنى فقالوا ما أرسل إلينا في ذلك شيئاً ولا أوصانا به, فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن أبا عمرو بن حفص أرسل إلي بطلاقي, فسألت أولياء السكنى والنفقة علي فقال أولياؤه لم يرسل إلينا في ذلك بشيء, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما السكنى والنفقة للمرأة إذا كان لزوجها عليها رجعة فإذا كانت لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره فلا نفقة لها ولا سكنى" وكذا رواه النسائي عن أحمد بن يحيى الصوفي عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن سعيد بن يزيد وهو الأحمسي البجلي الكوفي, قال أبو حاتم الرازي: وهو شيخ يروى عنه.
هي إحدى عشرة آية، وقيل اثنتا عشرة
وهي مدنية، قال القرطبي: في قول الجميع. وأخرج ابن الضريس وابن النحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة الطلاق بالمدينة.
قوله: 1- "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء" نادى النبي صلى الله عليه وسلم أولاً تشريفاً له، ثم خاطبه مع أمته، أو الخطاب له خاصة، والجمع للتعظيم، وأمته أسوته في ذلك، والمعنى: إذا أردتم تطليقهن وعزمتم عليه "فطلقوهن لعدتهن" أي مستقبلات لعدتهن أو في قبل عدتهن، أو لقبل عدتهن. وقال الجرجاني: إن اللام في لعدتهن بمعنى في: أي في عدتهن. وقال أبو حيان: هو على حذف مضاف: أي لاستقبال عدتهن، واللام للتوقيت نحو لقيته لليلة بقيت من شهر كذا، والمراد أن يطلقوهن في طهر لم يقع فيه جماع ثم يتركن حتى تنقضي عدتهن، فإذا طلقوهن، هكذا فقد طلقوهن لعدتهن، وسيأتي بيان هذا من السنة في آخر البحث إن شاء الله "وأحصوا العدة" أي احفظوها واحفظوا الوقت الذي وقع فيه الطلاق حتى تتم العدة: وهي ثلاثة قروء، والخطاب للأزواج، وقيل للزوجات، وقيل للمسلمين على العموم، والأول أولى لأن الضمائر كلها لهم "واتقوا الله ربكم" فلا تعصوه فيما أمركم ولا تضاروهن "لا تخرجوهن من بيوتهن" أي التي كنا فيها عند الطلاق ما دمن في العدة، وأضاف البيوت إليهن وهي لأزواجهن لتأكيد النهي، وبيان كمال استحقاقهن للسكنى في مدة العدة، وثله قوله: "واذكرن ما يتلى في بيوتكن" وقوله: "وقرن في بيوتكن" ثم لما نهى الأزواج عن إخراجهن من البيوت التي وقع الطلاق وهن فيها نهى الزوجات عن الخروج أيضاً فقال: "ولا يخرجن" أي لا يخرجن من تلك البيوت ما دمن في العدة إلا لأمر ضروري كما سيأتي بيان ذلك، وقيل المراد لا يخرجن من أنفسهن إلا إذا أذن لهن الأزواج فلا بأس، والأول أولى "إلا أن يأتين بفاحشة مبينة" هذا الاستثناء هو من الجملة الأولى: أي لا تخرجوهن من بيوتهن، لا من الجملة الثانية. قال الواحدي: أكثر المفسرين على أن المراد بالفاحشة هنا الزنا، وذلك أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها. وقال الشافعي وغيره: هي البذاء في اللسان والاستطالة بها على من هو ساكن معها في ذلك البيت، ويؤيد هذا ما قال عكرمة: إن في مصحف أبي إلا أن يفحشن عليكم وقيل المعنى: إلا أن يخرجن تعدياً، فإن خروجهن على هذا الوجه فاحشة، وهو بعيد، والإشارة بقوله: "وتلك" إلى ما ذكر من الأحكام وهو مبتدأ وخبره "حدود الله" والمعنى: أن هذه الأحكام التي بينها لعباده هي حدوده التي حدها لهم لا يحل لهم أن يتجاوزوها إلى غيرها "ومن يتعد حدود الله" أي يتجاوزها إلى غيرها أو يخل بشيء منها "فقد ظلم نفسه" بإيرادها مورد الهلاك وأوقعها في مواقع الضرر بعقوبة الله له على مجاوزته لحدوده وتعديه لرسمه، وجملة "لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً" مستأنفة لتقرير مضمون ما قبلها وتعليله. قال القرطبي: قال جميع المفسرين: أراد بالأمر هنا الرغبة في الرجعة، والمعنى: التحريض على طلاق الواحدة والنهي عن الثلاث، فإنه إذا طلق ثلاثاً أضر بنفسه عند الندم على الفراق والرغبة في الارتجاع فلا يجد إلى المراجعة سبيلاً. وقال مقاتل بعد ذلك: أي بعد طلقة أو طلقتين أمراً بالمراجعة. قال الواحدي: الأمر الذي يحدث أن يوقع في قلب الرجل المحبة لرجعتها بعد الطلقة والطلقتين. قال الزجاج: وإذا طلقها ثلاثاً في وقت واحد فلا معنى لقوله: "لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً".
1- "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء"، نادى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خاطب أمته، لأنه السيد المقدم، فخطاب الجميع معه.
وقيل: مجازه: يا أيها النبي قل لأمتك "إذا طلقتم النساء": إذا أردتم تطليقهن، كقوله عز وجل: "فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله" (النحل- 98) أي: إذا أردت القراءة.
"فطلقوهن لعدتهن"، أي لطهرهن بالذي يحصينه من عدتهن. وكان ابن عباس وابن عمر يقرآن: فطلقوهن في قبل عدتهن. نزلت هذه الآية في عبد الله بن عمر كان قد طلق امرأته في حال الحيض.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد الفقيه، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر "أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء".
ورواه سالم عن ابن عمر قال: "مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً".
ورواه يونس بن جبير وأنس بن سيرين عن ابن عمر، ولم يقولا: ثم تحيض ثم تطهر.
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، أخبرنا أبو العباس الأصم، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا مسلم وسعيد بن سالم، عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه "سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل عبد الله بن عمر -وأبو الزبير يسمع- فقال: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضاً؟ فقال ابن عمر: طلق عبد الله بن عمر امرأته حائضاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك"، قال ابن عمر: وقال الله عز وجل: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن "، الشافعي يشك.
ورواه حجاج بن محمد عن ابن جريج، وقال: قال ابن عمر: وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن.
اعلم أن الطلاق في حال الحيض والنفاس بدعة، وكذلك في الطهر الذي جامعها فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وإن شاء طلق قبل أن يمس".
والطلاق السني: أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه. وهذا في حق امرأة تلزمها العدة بالأقراء.
فأما إذا طلق غير المدخول بها في حال الحيض، أو طلق الصغيرة التي لم تحض قط، أو الآيسة بعد ما جامعها، أو طلق الحامل بعد ما جامعها، أو في حال رؤية الدم، لا يكون بدعياً. ولا سنة ولا بدعة في طلاق هؤلاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً".
والخلع في حال الحيض أو في طهر جامعها فيه لا يكون بدعياً لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لثابت بن قيس في مخالعة زوجته من غير أن يعرف حالها، ولولا جوازه في جميع الأحوال لأشبه أن يتعرف الحال.
ولو طلق امرأته في حال الحيض أو في طهر جامعها فيه قصداً يعصي الله تعالى، ولكن يقع الطلاق لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمر بالمراجعة فلولا وقوع الطلاق لكان لا يأمر بالمراجعة، وإذا راجعها في حال الحيض يجوز أن يطلقها في الطهر الذي يعقب تلك الحيضة قبل المسيس، كما رواه يونس بن جبير وأنس عن سيرين عن ابن عمر.
وما رواه نافع عن ابن عمر: "ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر"، فاستحباب، استحب تأخير الطلاق إلى الطهر الثاني حتى لا يكون مراجعته إياها للطلاق، كما يكره النكاح للطلاق.
ولا بدعة في الجمع بين الطلقات الثلاث، عند بعض أهل العلم، حتى لو طلق امرأته في حال الطهر ثلاثاً لا يكون بدعياً، وهو قول الشافعي وأحمد. وذهب بعضهم إلى أنه بدعة، وهو قول مالك وأصحاب الرأي.
قوله عز وجل: "وأحصوا العدة"، أي عدد أقرائها، احفظوها، قيل: أمر بإحصاء العدة لتفريق الطلاق على الأقراء إذا أراد أن يطلق ثلاثاً. وقيل: للعلم ببقاء زمان الرجعة ومراعاة أمر النفقة والسكنى.
"واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن"، أراد به إذا كان المسكن الذي طلقها فيه للزوج لا يجوز له أن يخرجها منه، "ولا يخرجن"، ولا يجوز لها أن تخرج ما لم تنقض عدتها فإن خرجت لغير ضرورة أو حاجة أثمت، فإن وقعت ضرورة -وإن خافت هدماً أو غرقاً- لها أن تخرج إلى منزل آخر، وكذلك إن كان لها حاجة من بيع غزل أو شراء قطن فيجوز لها الخروج نهاراً ولا يجوز ليلاً فإن رجالاً استشهدوا بأحد فقالت نساؤهم: نستوحش في بيوتنا، فأذن لهن النبي صلى الله عليه وسلم أن يتحدثن عند إحداهن، فإذا كان وقت النوم تأوي كل امرأة إلى بيتها، وأذن النبي صلى الله عليه وسلم لخالة جابر طلقها زوجها أن تخرج لجذاذ نخلها.
وإذا لزمتها العدة في السفر تعتد ذاهبة وجائية، والبدوية تتبوأ حيث يتبوأ أهلها في العدة، لأن الانتقال في حقهم كالإقامة في حق المقيم.
قوله: "إلا أن يأتين بفاحشة مبينة"، قال ابن عباس: الفاحشة المبينة: أن تبذو على أهل زوجها، فيحل إخراجها.
وقال جماعة: أراد بالفاحشة: أن تزني، فتخرج لإقامة الحد عليها، ثم ترد إلى منزلها، يروى ذلك عن ابن مسعود.
وقال قتادة: معناه إلا أن يطلقها على نشوزها، فلها أن تتحول من بيت زوجها والفاحشة: النشوز.
وقال ابن عمر، والسدي: خروجها قبل انقضاء العدة فاحشة.
"وتلك حدود الله"، يعني: ما ذكر من سنة الطلاق وما بعدها، "ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً"، يوقع في قلب الزوج مراجعتها بعد الطلقة والطلقتين. وهذا يدل على أن المستحب أن يفرق الطلقات، ولا يوقع الثلاث دفعة واحدة، حتى إذا ندم أمكنه المراجعة.
1-" يا أيها النبي إذا طلقتم النساء " خص النداء وعم الخطاب بالحكم لأنه أمام أمته فنداؤه كندائهم ، أو لأن الكلام معه والحكم يعمهم . والمعنى إذا أردتم تطليقهن على تنزيل المشارف له منزلة الشارع فيه . "فطلقوهن لعدتهن " أي في وقتها وهو الطهر ، فإن اللام في الأزمان ومن يشبهها للتأقيت ، ومن عد العدة بالحيض علق اللام بمحذوف مثل مستقبلات ، وظاهره يدل على أن العدة بالأطهار وأن طلاق المعتدة بالأقراء ينبغي أن يكون في الطهر ، وأنه يحرم في الحيض من حيث إن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده ولا يدل على عدم وقوعه ، إذ النهي لا يستلزم الفساد كيف وقد صح "أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لما طلق امرأته حائضاً أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالرجعة" وهو سبب نزوله . " وأحصوا العدة " واضبطوها وأكملوها ثلاثة أقراء . " واتقوا الله ربكم " في تطويل العدة والإضرار بهن . " لا تخرجوهن من بيوتهن " من مساكنهن وقت الفراق حتى تنقضي عدتهن . "ولا يخرجن " باستبدادهن أما لو اتفقنا على الانتقال جاز إذ الحق لا يعدوهما ، وفي الجمع بين النهيين دلالة على استحقاقهما السكنى ولزومها ملازمة مسكن الفراق وقوله : " إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " مستثنى من الأول ،والمعنى إلا أن تبذو على الزوج فإنه كالنشوز في إسقاط حقها ، أو إلا أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها ، أو من الثاني للمبالغة في النهي والدلالة على أن خروجها فاحشة . " وتلك حدود الله " الإشارة إلى الأحكام المذكورة . " ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه " بأن عرضها للعقاب . " لا تدري " أي النفس أو أنت أيها النبي أو المطلق . " لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً " وهو الرغبة في المطلقة برجعة أو استئناف .
Surah 65. At-Talaq
1. O Prophet! When ye (men) put away women, put them away for their (legal) period and reckon the period, and keep your duty to Allah, your Lord. Expel them not from their houses nor let them go forth unless they commit open immorality. Such are the limits (imposed by) Allah; and whoso transgresseth Allah's limits, he verily wrongeth his soul. Thou knowest not: it may be that Allah will afterward bring some new thing to pass.
SURA 65: TALAQ
1 - O Prophet! When ye do divorce women, divorce them at their prescribed periods, and count (accurately) their prescribed periods: and fear God your Lord: and turn them not out of their houses, nor shall they (themselves) leave, except in case they are guilty of some open lewdness, those are limits set by God: and any who transgresses the limits of God, does verily wrong his (own) soul: thou knowest not if perchance God will bring about thereafter some new situation.