[التغابن : 2] هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
2 - (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) في أصل الخلقة ثم يميتكم ويعيدكم على ذلك (والله بما تعملون بصير)
يقول تعالى ذكره : الله " الذي خلقكم " أيها الناس ، و ( هو ) من ذكر اسم الله " فمنكم كافر ومنكم مؤمن " يقول : فمنكم كافر بخالقه وأنه خلقه ، ومنكم مؤمن : يقول : ومنكم مصدق به موقن أنه خالقه أو بارئه " والله بما تعملون بصير " يقول : والله الذي خلقكم بصير بأعمالكم عالم بها ، لا يخفى عليه منها شيء ، وهو مجازيكم بها ، فاتقوه أن تخالفوه في أمره ونهيه ، فيسطو بكم .
حدثنا محمد بن منصور الطوسي ، قال : ثنا حسن بن موسى الأشيب ، قال : ثنا ابن لهيعة ، قال : ثنا بكر بن سوادة ، عن أبي تميم الجيشاني ، عن أبي ذر ، : إن المني إذا مكث في الرحم أربعين ليلة ، أتى ملك النفوس ، فعرج به إلى الجبار في راحته ، فقال : أي رب عبدك هذا ذكر أم أنثى ؟ فيقضي الله إليه ما هو قاض ، ثم يقول : أي رب أشقي أم سعيد ؟ فيكتب ما هو لاق ، قال : وقرأ أبو ذر فاتحة التغابن خمس آيات .
قوله تعالى: " هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير ".
قال ابن عباس: إن الله خلق بين آدم مؤمناً وكافراً، ويعيدهم في يوم القيامة مؤمناً وكافراً. وروى أبو سعيد الخدري قال:
خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم عشية فذكر شيئاً مما يكون فقال: يولد الناس على طبقات شتى. يولد الرجل مؤمناً ويعيش مؤمناً ويموت مؤمناً. ويولد الرجل كافراً ويعيش كافراً ويموت كافراً. ويولد الرجل مؤمناً ويعيش مؤمناً ويموت كافراً. ويولد الرجل كافراً ويعيش كافراً ويموت مؤمناً.وقال ابن مسعود:
قال النبي صلى الله عليه وسلم:" خلق الله فرعون في بطن أمه كافراً وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنا" و"في الصحيح من حديث ابن مسعود:
وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو باع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو باع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ".
خرجه البخاري، والترمذي وليس فيه ذكر الباع. وفي صحيح مسلم عن سهل بن سعد الساعدي:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار. وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة ". قال علماؤنا: والمعنى تعلق العلم الأزلي بكل معلوم، فيجري ما علم وأراد الكفر. وقيل في الكلام محذوف: فمنكم مؤمن ومنكم كافر ومنكم فاسق، فحذف لما في الكلام من الدلالة عليه، قاله الحسن. وقال غيره: لا حذف فيه، لأن المقصود ذكر الطرفين. وقال جماعة من أهل العلم: إن الله خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا. قالوا: وتمام الكلام " هو الذي خلقكم ". ثم وصفهم فقال: " فمنكم كافر ومنكم مؤمن ". واحتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام:
" كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه " الحديث.
وقد مضى في الروم مستوفى. قال الضحاك: فمنكم كافر في السر مؤمن في العلانية كالمنافق، ومنكم مؤمن في السر كافر في العلانية كعمار وذويه. وقال عطاء بن أبي رباح. فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب، ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب، يعني في شأن الأنوار. وقال الزجاج - وهو أحسن الأقوال، والذي عليه الأئمة والجمهور من الأمة-: إن الله خلق الكافر، وكفره فعل ل وكسب، مع أن الله خالق الكفر. وخلق المؤمن، وإيمانه فعل له وكسب، مع أن الله خالق الإيمان. والكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق الله إياه، لأن الله تعالى قدر ذلك عليه وعلمه منه. ولا يجوز أن يوجد من كل واحد منهما غير الذي قدر عليه وعلمه منه، لأن وجود خلاف المقدور عجز، ووجود خلاف المعلوم جهل، ولا يليقان بالله تعالى. وفي هذا سلامة من الجبر والقدر، كما قال الشاعر:
يـا ناظراً فـي الـديـن مـا الأمر لا قـدر صـح و لا جبـر
وقال سيلان: قدم أعرابي البصرة فقيل له: ما تقول في القدر ؟ فقال: أمر تغالت فيه الظنون، واختلفت فيه المختلفون، فالواجب أن نرد ما أشكل علينا من حكمه إلى ما سبق من علمه.

هذه السورة هي آخر المسبحات وقد تقدم الكلام على تسبيح المخلوقات لبارئها ومالكها, ولهذا قال تعالى: "له الملك وله الحمد" أي هو المتصرف في جميع الكائنات المحمود على جميع ما يخلقه ويقدره. وقوله تعالى: "وهو على كل شيء قدير" أي ما أراد كان بلا ممانع ولا مدافع وما لم يشأ لم يكن. وقوله تعالى: "هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن" أي هو الخالق لكم على هذه الصفة, وأراد منكم ذلك فلا بد من وجود مؤمن وكافر, وهو البصير بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلال, وهو شهيد على أعمال عباده وسيجزيهم بها أتم الجزاء, ولهذا قال تعالى: "والله بما تعملون بصير" ثم قال تعالى: "خلق السموات والأرض بالحق" أي بالعدل والحكمة "وصوركم فأحسن صوركم" أي أحسن أشكالكم, كقوله تعالى: " يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك ". وكقوله تعالى: "الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات" الاية, وقوله تعالى: "وإليه المصير" أي المرجع والمآب, ثم أخبر تعالى عن علمه بجميع الكائنات السمائية والأرضية والنفسية فقال تعالى: "يعلم ما في السموات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور".
2- "هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن" أي فبعضكم كافر وبعضكم مؤمن. قال الضحاك: فمنكم كافر في السر مؤمن في العلانية كالمنافق، ومنكم مؤمن في السر كافر في العلانية كعمار بن ياسر ونحوه ممن أكره على الكفر. وقال عطاء: فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب، ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب. قال الزجاج: إن الله خلق الكافر وكفره فعل له وكسب مع أن الله خالق الكفر، وخلق المؤمن وإيمانه فعل له وكسب مع أن الله خالق الإيمان، والكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق الله إياه، لأن الله تعالى قدر ذلك عليه وعلمه منه، لأن وجود خلاف المقدر عجز، ووجود خلاف المعلوم جهل. قال القرطبي: وهذا أحسن الأقوال وهو الذي عليه جمهور الأمة، وقدم الكافر على المؤمن لأنه الأغلب عند نزول القرآن "والله بما تعملون بصير" لا تخفى عليه من ذلك خافية، فهو مجازيكم بأعمالكم.
2- "هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير"، قال ابن عباس: إن الله خلق بني آدم مؤمناً وكافراً، ثم يعيدهم يوم القيامة كما خلقهم مؤمناً وكافراً.
وروينا عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام طبع كافراً".
وقال جل ذكره "ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً" (نوح- 27).
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد، عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وكل الله بالرحم ملكاً فيقول: أي رب نطفة أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال: يارب أذكر أم أنثى أشقى أم سعيد؟ فما الرزق فما الأجل؟ فيكتب كذلك في بطن أمه".
وقال جماعة: معنى الآية: إن الله خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا، لأن الله تعالى ذكر الخلق ثم وصفهم بفعلهم، فقال: "فمنكم كافر ومنكم مؤمن"، كما قال الله تعالى: "والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي" (النور- 45) والله خلقهم والمشي فعلهم. ثم اختلفوا في تأويلها:
روي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: "فمنكم كافر" في حياته مؤمن في العاقبة، "ومنكم مؤمن" في حياته كافر في العاقبة.
وقال عطاء بن أبي رباح: فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب، ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب.
وقيل /: فمنكم كافر بأن الله تعالى خلقه، وهو مذهب الدهرية، ومنكم مؤمن بأن الله خلقه.
وجملة القول فيه: أن الله خلق الكافر، وكفره فعل له وكسب، وخلق المؤمن، وإيمانه فعل له وكسب، فلكل واحد من الفريقين كسب واختيار، وكسبه واختياره بتقدير الله ومشيئته، فالمؤمن بعد خلق الله إياه يختار الإيمان، لأن الله تعالى أراد ذلك منه، وقدره عليه، وعلمه منه، والكافر بعد خلق الله تعالى إياه يختار الكفر، لأن الله تعالى أراد ذلك منه، وقدره عليه، وعلمه منه. وهذا طريق أهل السنة والجماعة من سلكه أصاب الحق وسلم من الجبر والقدر.
2-" هو الذي خلقكم فمنكم كافر " مقدر كفره موجه إليه ما يحمله عليه . " ومنكم مؤمن " مقدر إيمانه موفق لما يدعوه إليه . " والله بما تعملون بصير " فيعاملكم بما يناسب أعمالكم .
2. He it is Who created you, but one of you is a disbeliever and one of you is a believer, and Allah is Seer of what ye do.
2 - It is He Who has created you; and of you are some that are Unbelievers, and some that are Believers: and God sees well all that ye do.