[الصف : 3] كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ
3 - (كبر) عظم (مقتا) تمييز (عند الله أن تقولوا) فاعل كبر (ما لا تفعلون)
" كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " يقول : عظم مقتاً عند ربكم قولكم ما لا تفعلون .
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أنزلت هذه الآية ، فقال بعضهم : أنزلت توبيخاً من الله لقوم من المؤمنين ، تمنوا معرفة أفضل الأعمال ، فعرفهم الله إياه ، فلما عرفوا قصروا ، فعوتبوا بهذه الآية .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون " قال : كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون : لوددنا أن الله دلنا على أحب الأعمال إليه ، فنعمل به ، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إليه الإيمان بالله لا شك فيه ، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به ، فلما نزل الجهاد ، كره ذلك أناس من المؤمنين ، وشق عليهم أمره ، فقال الله " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون " .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " قال : كان قوم يقولون : والله لو أنا نعلم ما أحب الأعمال إلى الله لعملناه ، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا " إلى قوله " بنيان مرصوص " فدلهم على أحب الأعمال إليه .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران عن سفيان ، عن محمد بن جحادة ، عن أبي صالح ، قال : قالوا لو كنا نعلم أي الأعمال أحب إلى الله وأفضل ، فنزلت " يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم " [ الصف : 10 ] ، فكرهوا ، فنزلت " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون " .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله " لم تقولون ما لا تفعلون " إلى قوله " مرصوص " فيما بين ذلك في نفر من الأنصار فيهم عبد الله بن رواحة ، قالوا في مجلس : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملنا بها حتى نموت ، فأنزل الله هذا فيهم ، فقال عبد الله بن رواحة ، لا أزال حبيساً في سبيل الله حتى أموت ، فقتل شهيداً .
وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية في توبيخ قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان أحدهم يفتخر بالفعل من أفعال الخير التي لم يفعلها ، فيقول فعلت كذا وكذا ، فعذلهم الله على افتخارهم بما لم يفعلوا كذباً .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله " لم تقولون ما لا تفعلون " قال : بلغني أنها كانت في الجهاد ، كان الرجل يقول : قاتلت وفعلت ، ولم يكن فعل ، فوعظهم الله في ذلك أشد الموعظة .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون " يؤذنهم ويعلمهم كما تسمعون " كبر مقتا عند الله " وكانت رجال تخبر في القتال بشيء لم يفعلوه ولم يبلغوه فوعظهم الله في ذلك موعظة بليغة ، فقال " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون " إلى قوله " كأنهم بنيان مرصوص " .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " لم تقولون ما لا تفعلون " أنزل الله هذا في الرجل يقول في القتال ما لم يفعله من الضرب والطعن والقتل ، قال الله " كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " .
وقال آخرون : بل هذا توبيخ من الله لقوم من المنافقين ، كانوا يعدون المؤمنين النصر وهم كاذبون .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله " كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه : لو خرجتم خرجنا معكم وكنا في نصركم ، وفي وفي ، فأخبرهم أنه " كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " .
وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال : عني بها الذين قالوا : لو عرفنا أحب الأعمال إلى الله لعملنا به ، ثم قصروا في العمل بعد ما عرفوا .
وإنما قلنا : هذا القول أولى بها ، لأن الله جل ثناؤه خاطب بها المؤمنين ، فقال : " يا أيها الذين آمنوا " ولو كانت نزلت في المنافقين لم يسموا ، ولم يوصفوا بالإيمان ، ولو كانوا وصفوا أنفسهم بفعل ما لم يكونوا فعلوه ، كانوا قد تعمدوا قيل الكذب ، ولم يكن ذلك صفة القوم ، ولكنهم عندي أملوا بقولهم : لو علمنا أحب الأعمال إلى الله عملناه أنهم لو علموا بذلك عملوه ، فلما علموا ضعفت قوى قوم منهم عن القيام بما أملوا القيام به قبل العلم ، وقوي آخرون فقاموا به ، وكان لهم الفضل والشرف .
واختلف أهل العربية في معنى ذلك ، وفي وجه نصب قوله " كبر مقتا " فقال بعض نحويي البصرة : قال " كبر مقتا عند الله " : أي كبر مقتكم مقتاً ، ثم قال " أن تقولوا ما لا تفعلون " : أذى قولكم ، وقال بعض نحويي الكوفة : قوله " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون " : كان المسلمون يقولون : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لأتيناه ، ولو ذهبت فيه أنفسنا وأموالنا ، فلما كان يوم أحد ، نزلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى شج ، وكسرت رباعيته ، فقال " لم تقولون ما لا تفعلون " ، ثم قال " كبر مقتا عند الله " كبر ذلك مقتاً : أي فأن في موضع رفع ، ، لان كبر كقوله : بئس رجلاً أخوك .
وقوله " كبر مقتا عند الله " وعند الذين آمنوا : أضمر في كبر اسم يكون مرفوعاً .
والصواب من القول في ذلك عندي أن قوله " مقتا " منصوب على التفسير ، كقول القائل : كبر قولاً هذا القول .
قوله تعالى: " كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " قد يحتج به في وجوب الوفاء في اللجاج والغضب على أحد قولي الشافعي . وأن وقع بالابتداء وما قبلها الخبر ، وكأنه قال : قولكم ما لا تفعلون مذمون ،ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف .الكسائي أن في موضع رفع ، لأن كبر فعل بمنزلة بئس رجلا أخوك . ومعتا نصب بالتمييز ، المعنى كبر قولهم ما لا يفعفلون مقتا . وقيل : هو حال . والمقت والمقاتة مصدران ، يقال : رجل مقيت وممقوت إذا لم يحبه الناس .
قد تقدم الكلام على قوله تعالى: "سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم" غير مرة بما أغنى عن إعادته. وقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون" إنكار على من يعد وعداً أو يقول قولاً لا يفي به, ولهذا استدل بهذه الاية الكريمة من ذهب من علماء السلف إلى أنه يجب الوفاء بالوعد مطلقاً, سواء ترتب عليه عزم الموعود أم لا, واحتجوا أيضاً من السنة بما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "آية المنافق ثلاث إذا وعد أخلف, وإذا حدث كذب, وإذا اؤتمن خان". وفي الحديث الاخر في الصحيح "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها" فذكر منهن إخلاف الوعد, وقد استقصينا الكلام على هذين الحديثين في أول شرح البخاري ولله الحمد والمنة, ولهذا أكد الله تعالى هذا الإنكار عليهم بقوله تعالى: "كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".
وقد روى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا صبي فذهبت لأخرج لألعب فقالت أمي: يا عبد الله تعال أعطك فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما أردت أن تعطيه ؟" قالت: تمراً. فقال: "أما إنك لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة" وذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى إلى أنه إذا تعلق بالوعد غرم على الموعود وجب الوفاء به كما لو قال لغيره تزوج ولك علي كل يوم كذا فتزوج وجب عليه أن يعطيه ما دام كذلك, لأنه تعلق به حق آدمي وهو مبني على المضايقة, وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب مطلقاً, وحملوا الاية على أنها نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم فلما فرض نكل عنه بعضهم كقوله تعالى: " ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا * أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ".
وقال تعالى: "ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة ؟ فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت" الاية. وهكذا هذه الاية معناها كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون" قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون لوددنا أن الله عز وجل دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به, فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إيمان به لا شك فيه, وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به, فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين وشق عليهم أمره فقال الله سبحانه وتعالى: " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون " وهذا اختيار ابن جرير: وقال مقاتل بن حيان: قال المؤمنون لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لعملنا به, فدلهم الله على أحب الأعمال إليه فقال: "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً" فبين لهم فابتلوا يوم أحد بذلك, فولوا عن النبي صلى الله عليه وسلم مدبرين فأنزل الله في ذلك "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون" وقال: أحبكم إلي من قاتل في سبيلي.
ومنهم من يقول: أنزلت في شأن القتال, يقول الرجل قاتلت ولم يقاتل وطعنت ولم يطعن وضربت ولم يضرب وصبرت ولم يصبر. وقال قتادة والضحاك: نزلت توبيخاً لقوم كانوا يقولون قتلنا وضربنا وطعنا وفعلنا, ولم يكونوا فعلوا ذلك. وقال ابن زيد: نزلت في قوم من المنافقين كانوا يعدون المسلمين النصر ولا يفون لهم بذلك, وقال مالك عن زيد بن أسلم " لم تقولون ما لا تفعلون " قال: في الجهاد. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد " لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون * إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص " فما بين ذلك في نفر من الأنصار فيهم عبد الله بن رواحة قالوا في مجلس لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملنا بها حتى نموت فأنزل الله تعالى هذا فيهم, فقال عبد الله بن رواحة لا أبرح حبيساً في سبيل الله حتى أموت, فقتل شهيداً.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا فروة بن أبي المغراء, حدثنا علي بن مسهر عن داود بن أبي هند, عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي عن أبيه قال: بعث أبو موسى إلى قراء أهل البصرة, فدخل عليه منهم ثلثمائة رجل كلهم قد قرأ القرآن, فقال أنتم قراء أهل البصرة وخيارهم. وقال كنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيناها غير أني قد حفظت منها "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون" فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ولهذا قال تعالى: "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص" فهذا إخبار من الله تعالى بمحبته عباده المؤمنين إذا صفوا مواجهين لأعداء الله في حومة الوغى, يقاتلون في سبيل الله من كفر بالله لتكون كلمة الله هي العليا ودينه هو الظاهر العالي على سائر الأديان.
وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عبد الله, حدثنا هشيم, أخبرنا مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة يضحك الله إليهم: الرجل يقوم من الليل, والقوم إذا صفوا للصلاة, والقوم إذا صفوا للقتال" ورواه ابن ماجه من حديث مجالد عن أبي الوداك جبر بن نوف به وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين حدثنا الأسود يعني ابن شيبان حدثني يزيد بن عبد الله بن الشخير قال: قال مطرف كان يبلغني عن أبي ذر حديث كنت أشتهي لقاءه فلقيته, فقلت يا أبا ذر كان يبلغني عنك حديث فكنت أشتهي لقاءك, فقال: لله أبوك فقد لقيت فهات, فقلت كان يبلغني عنك أنك تزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثكم أن الله يبغض ثلاثة ويحب ثلاثة, قال أجل فلا إخالني أكذب على خليلي صلى الله عليه وسلم قلت فمن هؤلاء الثلاثة الذين يحبهم الله عز وجل ؟ فقال: رجل غزا في سبيل الله خرج محتسباً مجاهداً فلقي العدو فقتل وأنتم تجدونه في كتاب الله المنزل ثم قرأ "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص" وذكر الحديث هكذا أورد هذا الحديث من هذا الوجه بهذا السياق, وهذا اللفظ واختصره, وقد أخرجه الترمذي والنسائي من حديث شعبة عن منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش عن زيد بن ظبيان عن أبي ذر بأبسط من هذا السياق وأتم, وقد أوردناه في موضع آخر ولله الحمد.
وعن كعب الأحبار أنه قال: يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: "عبدي المتوكل المختار ليس بفظ ولا غليط ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر, مولده بمكة وهجرته بطابة وملكه الشام وأمته الحمادون يحمدون الله على كل حال, وفي كل منزلة لهم دوي كدوي النحل في جو السماء بالسحر, يوضون أطرافهم ويأتزرون على أنصافهم صفهم في القتال مثل صفهم في الصلاة" ثم قرأ "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص" رعاة الشمس يصلون الصلاة حيث أدركتهم لو على ظهر دابة. رواه ابن أبي حاتم. وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى: "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً" قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاتل العدو إلا أن يصافهم, وهذا تعليم من الله للمؤمنين. قال وقوله تعالى: "كأنهم بنيان مرصوص" أي ملتصق بعضه في بعض من الصف في القتال, وقال مقاتل بن حيان: ملتصق بعضه إلى بعض, وقال ابن عباس "كأنهم بنيان مرصوص" مثبت لا يزول ملصق بعضه ببعض.
وقال قتادة "كأنهم بنيان مرصوص" ألم تر إلى صاحب البنيان كيف لا يحب أن يختلف بنيانه. فكذلك الله عز وجل لا يحب أن يختلف أمره وإن الله صف المؤمنين في قتالهم وصفهم في صلاتهم, فعليكم بأمر الله فإنه عصمة لمن أخذ به, أورد ذلك كله ابن أبي حاتم, وقال ابن جرير: حدثني سعيد بن عمرو السكوني, حدثنا بقية بن الوليد عن أبي بكر بن أبي مريم عن يحيى بن جابر الطائي عن أبي بحرية قال: كانوا يكرهون القتال على الخيل ويستحبون القتال على الأرض لقول الله عز وجل: "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص" قال: وكان أبو بحرية يقول: إذا رأيتموني ألتفت في الصف فجئوا في لحيي.
ثم ذمهم سبحانه على ذلك فقال: 3- "كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" أي عظم ذلك في المقت، وهو البغض، والمقت والمقاتة مصدران، يقال رجل مقيت وممقوت: إذا لم يحبه الناس قال الكسائي: "أن تقولوا" في موضع رفع، لأن كبر فعل بمعنى بئس، ومقتاً منتصب على التمييز، وعلى هذا فيكون في كبر ضمير مبهم مفسر بالنكرة، وأن تقولوا هو المخصوص بالذم، ويجيء فيه الخلاف هل رفعه بالابتداء، وخبره الجملة المتقدمة عليه، أو خبره محذوف أو هو خبر مبتدأ محذوف. لو قيل إنه قصد بقوله كبر التعجب، وقد عده ابن عصفور من أفعال التعجب. وقيل إنه ليس من أفعال الذم ولا من أفعال التعجب، بل هو مسند إلى أن تقولوا، ومقتاً تمييز محول عن الفاعل.
3- "كبر مقتاً عند الله أن تقولوا"، في موضع الرفع فهو كقولك بئس رجلاً أخوك، ومعنى الآية: أي عظم ذلك في المقت والبغض عند الله، أي: إن الله يبغض بغضاً شديداً أن تقولوا "ما لا تفعلون"، أن تعدوا من أنفسكم شيئاً ثم لم توفوا به.
3-" كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " المقت أشد البغض ونصبه على التمييز للدلالة على أن قولهم هذا مقت خالص " كبر " عند من يحقر دونه كل عظيم ،مبالغة في المنع عنه .
3. It is most hateful in the sight of Allah that ye say that which ye do not.
3 - Grievously odious is it in the sight of God that ye say that which ye do not.