[الممتحنة : 9] إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
9 - (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا) عاونوا (على إخراجكم أن تولوهم) بدل اشتمال من الذين أن تتخذوهم أولياء (ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)
يقول تعالى ذكره : " إنما ينهاكم الله " أيها المؤمنون " عن الذين قاتلوكم في الدين " من كفار أهل مكة " وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم " يقول : وعاونوا من أخرجكم من دياركم على إخراجكم أن تولوهم ، فتكونوا لهم أولياء ونصراء " ومن يتولهم " يقول : ومن يجعلهم منكم أو من غيركم أولياء " فأولئك هم الظالمون " يقول : فأولئك هم الذين تولوا غير الذي يجوز لهم أن يتولوهم ، ووضعوا ولايتهم في غير موضعها ، وخالفوا أمر الله في ذلك .
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله " الذين قاتلوكم في الدين " قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين " قال : كفار أهل مكة .
قوله تعالى : " إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين " أي جاهدوكم على الدين ، " وأخرجوكم من دياركم " وهم عتاة أهل مكة ، " وظاهروا " أي عاونوا على إخراجكم ، وهم مشركوا أهل مكة " أن تولوهم " (( أن )) في موضع جر على البدل على ما تقدم في (( أن تبروهم )) ، " ومن يتولهم " أي يتخذهم أولياء وأنصاراً وأحباباً " فأولئك هم الظالمون " .
يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد أن أمرهم بعداوة الكافرين "عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة" أي محبة بعد البغضة ومودة بعد النفرة وألفة بعد الفرقة "والله قدير" أي على ما يشاء من الجمع بين الأشياء المتنافرة والمتباينة والمختلفة فيؤلف بين القلوب بعد العداوة والقساوة فتصبح مجتمعة متفقة, كما قال تعالى ممتناً على الأنصار "واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها" الاية. وكذا قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟" وقال الله تعالى: " هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين * وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم " وفي الحديث "أحبب حبيبك هوناً ما فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما, وأبغض بغيضك هوناً ما فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما" وقال الشاعر:
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
وقوله تعالى: "والله غفور رحيم" أي يغفر للكافرين كفرهم إذا تابوا منه وأنابوا إلى ربهم وأسلموا له, وهو الغفور الرحيم بكل من تاب إليه من أي ذنب كان.
وقد قال مقاتل بن حيان: إن هذه الاية نزلت في أبي سفيان صخر بن حرب, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ابنته, فكانت هذه مودة ما بينه وبينه, وفي هذا الذي قاله مقاتل نظر, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بأم حبيبة بنت أبي سفيان قبل الفتح, وأبو سفيان إنما أسلم ليلة الفتح بلا خلاف, وأحسن من هذا ما رواه ابن أبي حاتم حيث قال: قرى على محمد بن عزيز, حدثني سلامة, حدثني عقيل, حدثني ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل أبا سفيان صخر بن حرب على بعض اليمن, فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل فلقي ذا الخمار مرتداً فقاتله, فكان أول من قاتل في الردة وجاهد عن الدين, قال ابن شهاب: وهو ممن أنزل الله فيه "عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة" الاية. وفي صحيح مسلم عن ابن عباس أن أبا سفيان قال: يا رسول الله ثلاث أعطنيهن قال: "نعم" قال: تأمرني أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين, قال: "نعم" قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك, قال: "نعم" قال: وعندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها ـ الحديث ـ وقد تقدم الكلام عليه.
وقوله تعالى: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم " أي يعاونوا على إخراجكم أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين كالنساء والضعفة منهم "أن تبروهم" أي تحسنوا إليهم "وتقسطوا إليهم" أي تعدلوا "إن الله يحب المقسطين" قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا, فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها ؟ قال: "نعم صلي أمك" أخرجاه. وقال الإمام أحمد: حدثنا عارم, حدثنا عبد الله بن المبارك, حدثنا مصعب بن ثابت, حدثنا عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: قدمت قتيلة على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا صناب وأقط وسمن وهي مشركة, فأبت أسماء أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها. فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين" إلى آخر الاية. فأمرها أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها.
وهكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث مصعب بن ثابت به, وفي رواية لأحمد ولابن جرير قتيلة بنت عبد العزى بن عبد أسعد من بني مالك بن حسل, وزاد ابن أبي حاتم في المدة التي كانت بين قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار: حدثنا عبد الله بن شبيب حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو قتادة العدوي عن ابن أخي الزهري عن الزهري عن عروة عن عائشة وأسماء أنهما قالتا: قدمت علينا أمنا المدينة وهي مشركة في الهدنة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش فقلنا يا رسول الله إن أمنا قدمت علينا المدينة وهي راغبة أفنصلها ؟ قال: "نعم فصلاها ؟" ثم قال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن الزهري عن عروة عن عائشة إلا من هذا الوجه.
(قلت): وهو منكر بهذا السياق لأن أم عائشة هي أم رومان وكانت مسلمة مهاجرة وأم أسماء غيرها كما هو مصرح باسمها في هذه الأحاديث المتقدمة والله أعلم. وقوله تعالى: "إن الله يحب المقسطين" قد تقدم تفسير ذلك في سورة الحجرات وأورد الحديث الصحيح "المقسطون على منابر من نور عن يمين العرش, الذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وما ولوا".
وقوله تعالى: "إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم" أي إنما ينهاكم عن موالاة هؤلاء الذين ناصبوكم بالعداوة فقاتلوكم وأخرجوكم وعاونوا على إخراجكم ينهاكم الله عز وجل عن موالاتهم ويأمركم بمعاداتهم, ثم أكد الوعيد على موالاتهم فقال: "ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون" كقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين".
ثم بين سبحانه من لا يحل بره ولا العدل في معاملته فقال: 9- "إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم" وهم صناديد الكفر من قريش "وظاهروا على إخراجكم" أي عاونوا الذين قاتلوكم على ذلك، وهم سائر أهل مكة ومن دخل معهم في عهدهم، وقوله: "أن تولوهم" بدل اشتمال من الموصول كما سلف "ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون" أي الكاملون في الظلم لأنهم تولوا من يستحق العداوة لكونه عدواً لله ولرسوله ولكتابه وجعلوهم أولياء لهم.
وقد أخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس "إلا قول إبراهيم لأبيه" قال: نهوا أن يتأسوا باستغفار إبراهيم لأبيه، وقوله: "ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا" لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك، فيقولون لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم هذا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه "لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة" قال: في صنيع إبراهيم كله إلا في الاستغفار لأبيه، وهو مشرك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "لا تجعلنا فتنة للذين كفروا" قال:لا تسلطهم علينا فيفتنونا. وأخرج ابن مردويه عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: أول من قاتل أهل الردة على إقامة دين الله أبو سفيان بن حرب وفيه نزلت هذه الآية: " عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ". وأخرج ابن أبي حاتم عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل أبا سفيان بن حرب على بعض اليمن، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل ذا الخمار مرتداً، فكان أول من قاتل في الردة وجاهد عن الدين. قال: وهو فيمن قال الله فيه: "عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة". وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن عدي ابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في الآية قال: كانت المودة التي جعل بينهم تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان، فصارت أم المؤمنين: فصار معاوية خال المؤمنين. وفي صحيح مسلم عن ابن عباس "أن أبا سفيان قال:يا رسول الله ثلاث أعطنيهن. قال: نعم، قال: تؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال نعم، قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك، قال: نعم، قال: وعندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها" الحديث. وأخرج الطيالسي وأحمد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والحاكم وصححه وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال: قدمت قتيلة بنت عبد العزى على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا: ضباب وأقط وسمن وهي مشركة، فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخلها بيتها حتى أرسلت إلى عائشة أن سلي عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته. فأنزل الله: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين" الآية، فأمرها أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها، وزاد ابن أبي حاتم في المدة التي كانت بين قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي البخاري وغيره عن أسماء بنت أبي بكر قالت: "أتتني أمي راغبة وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم أأصلها؟ فأنزل الله: "لا ينهاكم الله" الآية، فقال: نعم صلي أمك".
ثم ذكر الذين نهاهم عن صلتهم فقال:
9- "إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم"، وهم مشركو مكة، "أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون".
9-" إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم " كمشركي مكة فإن بعضهم سعوا في إخراج المؤمنين وبعضهم أعانوا المخرجين . " أن تولوهم " بدل من " الذين " بدل الاشتمال " من يتولهم فأولئك هم الظالمون " لوضعهم الولاية في غير موضعها .
9. Allah forbiddeth you only those who warred against you on account of religion and have driven you out from your homes and helped to drive you out, that ye make friends of them. Whosoever maketh friends of them (All) such are wrong doers.
9 - God only forbids you, with regard to those who fight you for (your) Faith, and drive you out of your homes, and support (others) in driving you out, from turning to them (for friendship and protection). It is such as turn to them (in these circumstances), that do wrong.