[الممتحنة : 11] وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ
11 - (وإن فاتكم شيء من أزواجكم) أي واحدة فأكثر منهن أو شيء من مهورهن بالذهاب (إلى الكفار) مرتدات (فعاقبتم) فغزوتم وغنمتم (فآتوا الذين ذهبت أزواجهم) من الغنيمة (مثل ما أنفقوا) لفواته عليهم من جهة الكفار (واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) وقد فعل المؤمنون ما أمروا به من الايتاء للكفار والمؤمنينن ثم ارتفع هذا الحكم
ك وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله وإن فاتكم شيء من أزواجكم الآية قال نزلت في أم الحكم بنت أبي سفيان ارتدت فتزوجها رجل ثقفي ولم ترتد امرأة من قريش غيرها
يقول جل ثناؤه للمؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " وإن فاتكم " أيها المؤمنون " شيء من أزواجكم إلى الكفار " فلحق بهم .
واختلف أهل التأويل في الكفار الذين عنوا بقوله " إلى الكفار " من هم ؟ قال بعضهم : هم الكفار الذين لم يكن بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ، قالوا : ومعنى الكلام : وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى من ليس بينكم وبينهم عهد من الكفار .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار " الذين ليس بينكم وبينهم عهد .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، " وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار " إذا فررن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كفار ليس بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن مجاهد " وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار " قال : لم يكن بينهم عهد .
وقال آخرون : بل هم كفار قريش الذين كانوا أهل هدنة ، وذلك قول الزهري .
حدثني بذلك يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس عنه .
وقوله " فعاقبتم " اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار " فعاقبتم " بالألف على مثال فاعلتم ، بمعنى : أصبتم منهم عقبى ، وقرأه حميد الأعرج فيما ذكر عنه ( فعقبتم ) على مثال فعلتم مشددة القاف ، وهما في اختلاف الألفاظ بهما نظير قوله " ولا تصعر خدك للناس " [ لقمان : 18 ] ، وتصاعر مع تقارب معانيهما .
قال أبو جعفر : وأولى القراءتين عندي بالصواب في ذلك قراءة من قرأه " فعاقبتم " بالألف لإجماع الحجة من القراء عليه .
وقوله " فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا " يقول : فأعطوا الذين ذهبت أزواجهم منكم إلى الكفار مثل ما أنفقوا عليهن من الصداق .
واختلف أهل التأويل في المال الذي أمر أن يعطى منه الذي ذهبت زوجته إلى المشركين ، فقال بعضهم : أمروا أن يعطوهم صداق من لحق بهم من نساء المشركين .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن الزهري ، قال : أقر المؤمنون بحكم الله ، وأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين التي أنفقوا على نسائهم ، وأبى المشركون أن يقروا بحكم الله فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين ، فقال الله للمؤمنين : " وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون " فلو أنها ذهبت بعد هذه الآية امرأة من أزواج المؤمنين إلى المشركين ، رد المؤمنون إلى زوجها النفقة التي أنفق عليها من العقب الذي بأيديهم ، الذي أمروا أن يردوه على المشركين من نفقاتهم التي أنفقوا على أزواجهم اللاتي آمن وهاجرن ، ثم ردوا إلى المشركين فضلاً إن كان بقي لهم ، والعقب : ما كان بأيدي المؤمنين من صداق نساء الكفار حين آمن وهاجرن .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، قال : أنزل الله " وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا " فأمر الله المؤمنين أن يردوا الصداق إذا ذهبت امرأة من المسلمين ولها زوج أن يرد إليه المسلمون صداق امرأته من صداق إن كان في أيديهم مما أمروا أن يردوا إلى المشركين .
وقال آخرون : بل أمروا أن يعطوه من الغنيمة أو الفيء .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون " يعني : إن لحقت امرأة رجل من المهاجرين بالكفار ، أمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطى من الغنيمة مثل ما أنفق .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، أنهم كانوا أمروا أن يردوا عليهم من الغنيمة ، وكان مجاهد يقرأ " فعاقبتم " .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " فعاقبتم " يقول : أصبتم مغنماً من قريش أو غيرهم " فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا " صدقاتهن عوضاً .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن مجاهد " وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار " قال : من لم يكن بينهم وبينهم عهد فذهبت امرأة إلى المشركين فيدفع إلى زوجها مهر مثلها " فعاقبتم " فأصبتم غنيمة " فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله " قال : مهر مثلها يدفع إلى زوجها .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله " كن إذا فررن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكفار ليس بينهم وبين نبي الله عهد ، فأصاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيمة ، أعطي زوجها ما ساق إليها من جميع الغنيمة ، ثم يقتسمون غنيمتهم .
حدثني أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : سمعت الكسائي يخبر عن زائدة عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق أنه قرأها " فعاقبتم " وفسرها فغنمتم .
حدثنا أحمد ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، في قوله " فعاقبتم " قال : غنمتم .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : سألنا الزهري عن هذه الآية وقول الله " وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار " ، قال : يقول : إن فات أحداً منكم أهله إلى الكفار ، ولم تأتكم امرأة تأخذون لها مثل الذي يأخذون منكم ، فعوضوه من فيء إن أصبتموه .
وقال آخرون في ذلك ما :
حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله " وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم " قال : خرجت امرأة من أهل الإسلام إلى المشركين ، ولم يخرج غيرها ، قال : فأتت امرأة من المشركين ، فقال القوم : هذه عقبتكم قد أتتكم ، فقال الله " وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم " : أمسكتم الذي جاءكم منهم من أجل الذي لكم عندهم " فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا " ثم أخبرهم الله أنه لا جناح عليهم إذا فعلوا الذي فعلوا أن ينكحوهن إذا استبرئ رحمها ، قال : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذهبت امرأته إلى الكفار ، فقال لهذه التي أتت من عند المشركين : هذا زوج التي ذهبت أزوجكه ؟ فقالت : يا رسول الله ، عذر الله زوجة هذا أن تفر منه ، لا والله ما لي به حاجة ، فدعا البختري رجلاً جسيماً ، قال : هذا ؟ قالت : نعن ، وهي ممن جاء من مكة .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : أمر الله عز وجل في هذه الآية المؤمنين أن يعطوا من فرت زوجته من المؤمنين إلى أهل الكفر إذا هم كانت لهم على أهل الكفر عقبى ، إما بغنيمة يصيبونها منهم ، أو بلحاق نساء بعضهم بهم ، مثل الذي أنفقوا على الفارة منهم إليهم ، ولم يخصص إيتاءهم ذلك من مال دون مال ، فعليهم أن يعطوهم ذلك من كل الأموال التي ذكرناها .
وقوله : " واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون " يقول : وخافوا الله الذي أنتم به مصدقون أيها المؤمنون فاتقوه بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه .
فيه ثلاث مسائل:
الأولى _ : قوله تعالى : " وإن فاتكم شيء من أزواجكم " في الخبر : أن المسلمين فالوا: رضينا بماحكم الله ، وكتبوا إلى المشركين فامتهوا فنزلت : " وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا " .وروى الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : حكم الله عز وجل بينكم فقال فقال جل ثناؤه : " واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا " فكتب إليهم المسلمون : قد حكم الله عز وجل بيننا بأنه إن جاءتكم امرأة منا أن توجهوا إلينا بصداقها ،وإن جاءتنا امرأة منكم وجهنا إليكم بصداقها .فكتبوا إلهم : أما نحن فلا تعلم لكم عندنا شيئا ، فإن كان لنا عندكم شيء فوجهوا به ، فأنزل الله عز وجل : " وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ". وقال ابن عباس في قوله تعالى : " ذلكم حكم الله يحكم بينكم " أي بين المسلمين والكفار منأهل العهد من أهل مكة يرد بعضهم إلى بعض . قال الزهري ولولا العهد لأمسك النساء ولو يرد إليهم صدافا . وقال قتادة ومجاهد : إنما أمروا أن يعطوا الذين ذهب الله أزواجهم مثل ماانفقوا من الفيء والغنيمة . وقالا : هي فيمن بيننا وبينه عهد وليس بيننا وبينه عهد . وقالا : ومعنى " فعاقبتم " فاقتصصتم . " فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا " يعني الصدقات . فهي عامة في جميع الكفار . وقال قتادة أيضا : وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار الذين بينكم وبينهم عهد فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنقطعوا . ثم نسخ هذا في سورة برا ءة . وقال الزهري : انعطع هذا عام الفتح . وقال سفيان الثوري : لا يعمل به اليوم . وقال قوم : هو ثابت الحكم الآن أيضا حكاه القشيري .
الثانية -: قوله تعالى : " فعاقبتم " قراءة العامة "فعاقبتم " وقرأ علقمة و النخعي وحميد الأعرج فعقبتم مشددة وقرأ مجاهد فأعقبتم وقال : صنعتم كما صنعوا بكم . وقال الزهري فعقبتم خفيفة تغير ألف . وقرأ مسروق وشقيق بن سلمة فعقبتم بكسر القاف خفيفة . وقال :غنمتم . وكلها لغات بمعنى واحد يقال ك عاقب وعقب وعقب وأعقب وتعقب واعتقب وتعاقب إذا غنم . وقال القتبي فعاقبتم فغزوتم معاقبين غزوا بعد غزو . وقال ابن بحر : أي فعاقبتم المرتد بالقتل فلزوجها مهرها من غنائم المسلمين .
الثالثة -: قوله تعالى : " فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا " قال ابن عباس : يقول إن لحقت امرأة مؤمنة بكفار أهل مكة ، وليس بينكم وبينهم عهد ولها زوج مسلم قبلكم فغنمتم ،فإعطوا هذا الزوج المسلم مهره من الغنيمة فبل أن تخمس .وقال الزهري : يعطى من مال الفيء .وعنه يعطى من صداق من لحق بنا . وقيل: أي إن امتنعوا من أن يغرموا مهر هذه المرأة التي ذهبت إليهم ، فانبذوا العهد إليهم حتى إذا ظفرتم فخذوا ذلك منهم . قال الأعمش هي منسوخة . وقال عطاء : بل حكمها ثابت . وقد تقدم جميع هذا . القشيري : والآية نزلت في أم الحكم بنت أبي سفيان ، ارتدت وتركت زوجها عياض بن غنم القرشي ، ولم ترتد امرأة من قريش غيرها ثم عادت إلى الإسلام وحكى الثعلبي عن ابن عباس : هن ست نسوة رجعن عن الإسلام ولحقن بالمشركين نم نساء المؤمنين المهاجرين : أم الحكم بنت أبي سفيان كانت تحت عياض بن أبي شداد الفهري . وفاطمة بنت أبي أمية بن المغيرة اخت أم سلمة ، وكات تحت عمر بن الخطاب ، فلما هاجر عمر ابت وارتدت . وبروع بنت عقبة ، كانت تحت شماس بن عثمان . وعبدة بنت عبد العزى ، كانت تحت هشام بن العاص . وأم كلثوم بنت جرول تحت عمر بن الخطاب . وشهبة بنت غيلان . فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم مهور نسائهم من الغنيمة . "واتقوا الله " احذروا أن تتعدوا ما أمرتم به .
تقدم في سورة الفتح في ذكر صلح الحديبية الذي وقع بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش فكان فيه: على أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا, وفي رواية: على أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا, وهذا قول عروة والضحاك وعبد الرحمن بن زيد والزهري ومقاتل بن حيان والسدي, فعلى هذه الرواية تكون هذه الاية مخصصة للسنة, وهذا من أحسن أمثلة ذلك وعلى طريقة بعض السلف ناسخة, فإن الله عز وجل أمر عباده المؤمنين إذا جاءهم النساء مهاجرات أن يمتحنوهن, فإن علموهن مؤمنات فلا يرجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن, وقد ذكرنا في ترجمة عبد الله بن أبي أحمد بن جحش من المسند الكبير من طريق أبي بكر بن أبي عاصم عن محمد بن يحيى الذهلي عن يعقوب بن محمد عن عبد العزيز بن عمران عن مجمع بن يعقوب عن حنين بن أبي لبانة عن عبد الله بن أبي أحمد قال: هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في الهجرة فخرج أخواها عمارة والوليد حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكلماه فيها أن يردها إليهما فنقض الله العهد بينه وبين المشركين في النساء خاصة, فمنعهم أن يردوهن إلى المشركين وأنزل الله آيات الامتحان.
قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا يونس بن بكير عن قيس بن الربيع عن الأغر بن الصباح عن خليفة بن حصين عن أبي نصر الأسدي قال سئل ابن عباس كيف كان امتحان رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء, قال: كان يمتحنهن بالله ما خرجت من بغض زوج وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض, وبالله ما خرجت التماس دنيا, وبالله ما خرجت إلا حباً لله ولرسوله, ثم رواه من وجه آخر عن الأغر بن الصباح به, وكذا رواه البزار من طريقه وذكر فيه أن الذي كان يحلفهن عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له عمر بن الخطاب, وقال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن" وكان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبد الله ورسوله, وقال مجاهد: "فامتحنوهن" فاسألوهن عما جاء بهن, فإذا كان جاء بهن غضب على أزواجهن أو سخطة أو غيره ولم يؤمن فارجعوهن إلى أزواجهن, وقال عكرمة: يقال لها ما جاء بك إلا حب الله ورسوله, وما جاء بك عشق رجل منا ولا فرار من زوجك فذلك قوله: "فامتحنوهن" وقال قتادة: كانت محنتهن أن يستحلفن بالله ما أخرجكن النشوز وما أخرجكن إلا حب الإسلام وأهله وحرص عليه, فإذا قلن ذلك قبل ذلك منهن.
وقوله تعالى: "فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار" فيه دلالة على أن الإيمان يمكن الاطلاع عليه يقيناً. وقوله تعالى: "لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن" هذه الاية هي التي حرمت المسلمات على المشركين وقد كان جائزاً في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك المؤمنة, ولهذا كان أبو العاص بن الربيع زوج ابنة النبي صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها, قد كانت مسلمة وهو على دين قومه, فلما وقع في الأسارى يوم بدر بعثت امرأته زينب في فدائه بقلادة لها كانت لأمها خديجة فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال للمسلمين: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا" ففعلوا فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يبعث ابنته إليه, فوفى له بذلك وصدقه فيما وعده وبعثها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زيد بن حارثة رضي الله عنه, فأقامت بالمدينة من بعد وقعة بدر. وكانت سنة اثنتين إلى أن أسلم زوجها أبو العاص بن الربيع سنة ثمان فردها عليه بالنكاح الأول ولم يحدث لها صداقاً.
كما قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب, حدثنا أبي, حدثنا ابن إسحاق حدثنا داود بن الحصين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبي العاص, وكانت هجرتها قبل إسلامه بست سنين على النكاح الأول ولم يحدث شهادة ولا صداقاً, ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ومنهم من يقول بعد سنتين, وهو صحيح, لأن إسلامه كان بعد تحريم المسلمات على المشركين بسنتين وقال الترمذي: ليس بإسناده بأس ولا نعرف وجه هذا الحديث ولعله جاء من حفظ داود بن الحصين, وسمعت عبد بن حميد يقول: سمعت يزيد بن هارون يذكر عن ابن إسحاق هذا الحديث وحديث ابن الحجاج يعني ابن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد, فقال يزيد: حديث ابن عباس أجود إسناداً والعمل على حديث عمرو بن شعيب, ثم قلت وقد روى حديث الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وضعفه الإمام أحمد وغير واحد, والله أعلم.
وأجاب الجمهور عن حديث ابن عباس بأن ذلك كان قضية عين, يحتمل أنه لم تنقض عدتها منه لأن الذي عليه الأكثرون أنها متى انقضت العدة ولم يسلم انفسخ نكاحها منه. وقال آخرون بل إذا انقضت العدة هي بالخيار, إن شاءت أقامت على النكاح واستمرت, وإن شاءت فسخته وذهبت فتزوجت وحملوا عليه حديث ابن عباس, والله أعلم. وقوله تعالى: "وآتوهم ما أنفقوا" يعني أزواج المهاجرات من المشركين ادفعوا إليهم الذي غرموه عليهن من الأصدقة, قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والزهري وغير واحد, وقوله تعالى: "ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن" يعني إذا أعطيتموهن أصدقتهن فانكحوهن أي تزوجوهن بشرطه من انقضاء العدة والولي وغير ذلك. وقوله تعالى: "ولا تمسكوا بعصم الكوافر" تحريم من الله عز وجل على عباده المؤمنين نكاح المشركات والاستمرار معهن.
وفي الصحيح عن الزهري عن عروة عن المسور ومروان بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية, جاءه نساء من المؤمنات فأنزل الله عز وجل " يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر " فطلق عمر بن الخطاب يومئذ امرأتين تزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية. وقال ابن ثور عن معمر عن الزهري: أنزلت هذه الاية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأسفل الحديبية حين صالحهم, على أنه من أتاه منهم رده إليهم, فلما جاء النساء نزلت هذه الاية وأمره أن يرد الصداق إلى أزواجهن, وحكم على المشركين مثل ذلك إذا جاءتهم امرأة من المسلمين أن يردوا الصداق إلى أزواجهن وقال "ولا تمسكوا بعصم الكوافر".
وهكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقال: وإنما حكم الله بينهم بذلك لأجل ما كان بينهم وبينهم من العهد. وقال محمد بن إسحاق عن الزهري: طلق عمر يومئذ قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة. فتزوجها معاوية وأم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية, وهي أم عبيد الله فتزوجها أبو جهم بن حذيفة بن غانم رجل من قومه وهما على شركهما, وطلق طلحة بن عبيد الله أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب فتزوجها بعده خالد بن سعد بن العاص. وقوله تعالى: "واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا" أي وطالبوا بما أنفقتم على أزواجكم اللاتي يذهبن إلى الكفار إن ذهبن وليطالبوا بما أنفقوا على أزواجهم اللاتي هاجرن إلى المسلمين.
وقوله تعالى: "ذلكم حكم الله يحكم بينكم" أي في الصلح واستثناء النساء منه والأمر بهذا كله هو حكم الله يحكم به بين خلقه "والله عليم حكيم" أي عليم بما يصلح عباده حكيم في ذلك, ثم قال تعالى: "وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا" قال مجاهد وقتادة: هذا في الكفار الذين ليس لهم عهد إذا فرت إليهم امرأة ولم يدفعوا إلى زوجها شيئاً, فإذا جاءت منهم امرأة لا يدفع إلى زوجها شيء حتى يدفع إلى زوج الذاهبة إليهم مثل نفقته عليها, وقال ابن جرير: حدثنا يونس, حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن الزهري قال: أقر المؤمنون بحكم الله فأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين التي أنفقوا على نسائهم, وأبى المشركون أن يقروا بحكم الله فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين, فقال الله تعالى للمؤمنين به " وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ".
فلو أنها ذهبت بعد هذه الاية امرأة من أزواج المؤمنين إلى المشركين, رد المؤمنون إلى زوجها النفقة التي أنفق عليها من العقب الذي بأيديهم الذي أمروا أن يردوه على المشركين من نفقاتهم, التي أنفقوا على أزواجهم اللاتي آمن وهاجرن, ثم ردوا إلى المشركين فضلاً إن كان بقي لهم, والعقب ما كان بقي من صداق نساء الكفار حين آمن وهاجرن, وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الاية, يعني إن لحقت امرأة رجل من المهاجرين بالكفار أمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يعطى مثل ما أنفق من الغنيمة, وهكذا قال مجاهد "فعاقبتم" أصبتم غنيمة من قريش أو غيرهم "فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا" يعني مهر مثلها. وهكذا قال مسروق وإبراهيم وقتادة ومقاتل والضحاك وسفيان بن حسين والزهري أيضاً. وهذا لا ينافي الأول لأنه إن أمكن الأول فهو الأولى وإلا فمن الغنائم اللاتي تؤخذ من أيدي الكفار, وهذا أوسع وهو اختيار ابن جرير, ولله الحمد والمنة.
قال القرطبي: وكان هذا مخصوصاً بذلك الزمان في تلك النازلة خاصة بإجماع المسلمين. "وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار" لما نزلت الآية المتقدمة قال المسلمون: رضينا بحكم الله وكتبوا إلى المشركين فامتنعوا.فنزل قوله: 11- "وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار" مما دفعتم إليهم من مهور النساء المسلمات، وقيل المعنى: وإن انفلت منكم أحد من نسائكم إلى الكفار بأن ارتدت المسلمة "فعاقبتم" قال الواحدي: قال المفسرون: فعاقبتم فغنمتم. قال الزجاج: تأويله وكانت العقبى لكم: أي كانت الغنيمة لكم حتى غنمتم "فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا" من مهر المهاجرة التي تزوجوها وادفعوه إلى الكفار ولا تؤتوه زوجها الكافر. قال قتادة ومجاهد: إنما أمروا أن يعطوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من الفيء والغنيمة، وهذه الآية منسوخة قد انقطع حكمها بعد الفتح. وحاصل معناها أن من أزواجكم يجوز أن يتعلق بفاتكم أي من جهة أزواجكم، ويراد بالشيء المهر الذي غرمه الزوج، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة لشيء. ثم يجوز في شيء أن يراد به المهر، ولكن لا بد على هذا من مضاف محذوف: أي من مهر أزواجكم ليتطابق الموصوف، وصفته، ويجوز أن يراد بشيء النساء:
ي نوع وصنف منهن، وهو ظاهر قوله: "من أزواجكم" وقوله: "فآتوا الذين ذهبت أزواجهم" والمعنى: أنهم يعطون من ذهبت زوجته إلى المشركين فكفرت ولم يرد عليه المشركون مهرها كما حكم الله مثل ذلك المهر الذي أنفقه عليها من الغنيمة "واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون" أي احذروا أن تتعرضوا لشيء مما يوجب العقوبة عليكم، فإن الإيمان الذي أنتم متصفون به يوجب على صاحبه ذلك.
فلما نزلت هذه الآية أقر المؤمنون بحكم الله عز وجل وأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين على نسائهم، وأبى المشركون أن يقروا بحكم الله فيما أمروا به من أداء نفقات المسلمين على نسائهم، فأنزل الله عز وجل:
11- "وإن فاتكم"، أيها المؤمنون، "شيء من أزواجكم إلى الكفار"، فلحقن بهم مرتدات، "فعاقبتم"، قال المفسرون: معناه غنمتم، أي غزوتم فأصبتم من الكفار عقبى وهي الغنيمة، وقيل: ظهرتم وكانت العاقبة لكم، وقيل: أصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم، قرأ حميد الأعرج فعقبتم بالتشديد، وقرأ الزهري: فعقبتم خفيفة بغير ألف، وقرأ مجاهد " فأعقبهم "، أي صنعتم بهم كما صنعوا بكم. وكلها لغات بمعنى واحد، يقال: عاقب وعقب وعقب، وأعقب وتعقب وتعاقب واعتقب: إذا غنم. وقيل: التعقيب: غزوة بعد غزوة، "فآتوا الذين ذهبت أزواجهم"، إلى الكفار منكم، "مثل ما أنفقوا"، عليهن من الغنائم التي صارت في أيديكم من أموال الكفار. وقيل: فعاقبتم المرتدة بالقتل.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لحق بالمشركين من نساء المؤمنين والمهاجرين ست نسوة: أم الحكم بنت أبي سفيان، وكانت تحت عياض بن شداد الفهري، وفاطمة بنت أبي أمية بن المغيرة أخت أم سلمة، كانت تحت عمر بن الخطاب، فلما أراد عمر أن يهاجر أبت وارتدت، وبروع بنت عقبة، كانت تحت شماس بن عثمان، وعزة بن عبد العزيز بن نضلة، وزوجها عمرو بن عبد ود، وهند بنت أبي جهل بن هشام، كانت تحت هشام بن العاص بن وائل، وأم كلثوم بنت جرول، كانت تحت عمر بن الخطاب، فكلهن رجعن عن الإسلام، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجهن مهور نسائهم من الغنيمة.
"واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون"، واختلف القول في أن رد مهر من أسلمت من النساء إلى أزواجهن، كان واجباً أو مندوباً؟.
وأصله أن الصلح هل كان وقع على رد النساء؟ فيه قولان: أحدهما أنه وقع على رد الرجال والنساء جميعاً، لما روينا: أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، ثم صار الحكم في رد النساء منسوخاً بقوله: "فلا ترجعوهن إلى الكفار"، فعلى هذه كان رد المهر واجباً.
والقول الآخر: أن الصلح لم يقع على رد النساء، لأنه روي عن علي: أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، وذلك لأن الرجل لا يخشى عليه من الفتنة في الرد ما يخشى على المرأة من إصابة المشرك إياها، وأنه لايؤمن عليها الردة إذا خوفت، وأكرهت عليها لضعف قلبها، وقلة هدايتها إلى المخرج منها بإظهار كلمة الكفر مع التورية، وإضمار الإيمان، ولا يخشى ذلك على الرجل لقوته وهدايته إلى التقية، فعلى هذا كان رد المهر مندوباً.
واختلفوا في أنه هل يجب العمل به اليوم في رد المال إذا شرط في معاقدة الكفار؟.
فقال قوم: لا يجب، وزعموا أن الآية منسوخة، وهو قول عطاء ومجاهد وقتادة.
وقال قوم: هي غير منسوخة ويرد إليهم ما أنفقوا.
11-" وإن فاتكم " وإن سبقكم وانفلت منكم ." شيء من أزواجكم " أحد من أزواجكم ، وقد قرئ به وإيقاع " شيء " موقعه للتحقير والمبالغة في التعميم ، أو " شيء" من مهورهن . "إلى الكفار فعاقبتم " فجاءت أي نوبتكم من أداء المهر ، شبه الحكم بأداء هؤلاء مهور نساء أولئك تارة وأداء أولئك مهور نساء هؤلاء أخرى بأمر يتعاقبون فيه كما يتعاقب في الركوب وغيره ." فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا " من مهر المهاجرة ولا تؤتوه زوجها الكافر .روي أنه لما نزلت الآية المتقدمة أبى المشركون أن يؤدوا مهو الكوافر فنزلت .وقيل معناه إن فاتكم فأصبتم من الكفار عقبى وهي الغنيمة " فآتوا " بدل الفائت من الغنيمة " واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون " فإن الإيمان به يقتضي التقوى منه .
11. And if any of your wives have gone from you unto the disbelievers and afterward ye have your turn (of triumph), then give unto those whose wives have gone the like of that which they have spent, and keep your duty to Allah in whom ye are believers.
11 - And if any of your wives deserts you to the Unbelievers, and ye have an accession (by the coming over of a woman from the other side), then pay to those whose wives have deserted the equivalent of what they had spent (on their dower). And fear God, in whom ye believe.