[الممتحنة : 1] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ
1 - (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم) أي كفار مكة (أولياء تلقون) توصلون (إليهم) قصد النبي صلى الله عليه وسلم غزوهم الذي أسره إليكم وورى بحنين (بالمودة) بينكم وبينهم كتب حاطب بن أبي بلتعة إليهم كتابا بذلك لما له عندهم من الأولاد والأهل المشركين فاسترده النبي صلى الله عليه وسلم ممن أرسله معه بإعلام الله تعالى له بذلك وقبل عذر حاطب فيه (وقد كفروا بما جاءكم من الحق) أي دين الإسلام والقرآن (يخرجون الرسول وإياكم) من مكة بتضييقهم عليكم (أن تؤمنوا) أي لأجل أن آمنتم (بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا) للجهاد (في سبيلي وابتغاء مرضاتي) وجواب الشرط دل عليه ما قبله أي فلا تتخذوهم أولياء (تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم) أي إسرار خبر النبي إليهم (فقد ضل سواء السبيل) أخطأ طريق الهدى والسواء لإي الأصل الوسط
أخرج االشيخان عن علي قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد بن الأسود فقال انطلقوا حتى تاتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فتأتوني به فخرجنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب قالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا يا حاطب قال لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة فأحببت إذ فاتني ذلك من نسب فيهم أن أتخذ يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق وفيه أنزلت هذه السورة يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي " من المشركين " وعدوكم أولياء " يعني أنصاراً .
وقوله " تلقون إليهم بالمودة " يقول جل ثناؤه : تلقون إليهم مودتكم إياهم ، ودخول الباء في قوله " بالمودة " وسقوطها سواء ، نظير قول القائل : أريد بأن تذهب وأريد أن تذهب ، سواء ، وكقوله " ومن يرد فيه بإلحاد بظلم " [ الحج : 25 ] ، والمعنى : ومن يرد فيه إلحاداً بظلم ، ومن ذلك قول الشاعر :
فلما رجت بالشرب هز لها العصا شحيح له عند الإزاء نهيم
بمعنى : فلما رجت الشرب .
" وقد كفروا بما جاءكم من الحق " يقول : وقد كفر هؤلاء المشركون الذين نهيتكم أن تتخذوهم أولياء بما جاءكم من عند الله من الحق ، وذلك كفرهم بالله ورسوله وكتابه الذي أنزله على رسوله .
وقوله " يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم " يقول جل ثناؤه : يخرجون رسول الله صلى الله عليه وسلم وإياكم ، بمعنى : ويخرجونكم أيضاً من دياركم وأرضكم ، وذلك إخراج مشركي قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة .
وقوله : " أن تؤمنوا بالله ربكم " يقول جل ثناؤه : يخرجون الرسول وإياكم من دياركم ، لأن آمنتم بالله .
وقوله : " إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي " من المؤخر الذي معناه التقديم ، ووجه الكلام : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ، وقد كفروا بما جاءكم من الحق إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي ، وابتغاء مرضاتي " يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم " ويعني بقوله تعالى ذكره : " إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي " : إن كنتم خرجتم من دياركم ، فهاجرتم منها إلى مهاجركم للجهاد في طريقي الذي شرعته لكم ، وديني الذي أمرتكم به ، والتماس مرضاتي .
وقوله " تسرون إليهم بالمودة " يقول تعالى ذكره للمؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : تسرون أيها المؤمنون المودة إلى المشركين بالله " وأنا أعلم بما أخفيتم " يقول : وأنا أعلم منكم بما أخفى بعضكم من بعض ، فأسره منه " وما أعلنتم " يقول : وأعلم أيضاً منكم ما أعلنه بعضكم لبعض " ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل " يقول جل ثناؤه : ومن يسر منكم إلى المشركين بالمودة ايها المؤمنون فقد ضل : يقول ، فقد جار عن قصد السبيل التي جعلها الله طريقاً إلى الجنة ومحجة إليها .
وذكر أن هذه الآيات من أول هذه السورة نزلت في شأن حاطب بن أبي بلتعة ، وكان كتب إلى قريش بمكة يطلعهم على أمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخفاه عنهم ، وبذلك جاءت الآثار والرواية عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري ، و الفضيل بن الصباح قالا : ثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن حسن بن محمد بن علي ، أخبرني عبيد الله بن أبي رافع ، قال : سمعت علياً رضي الله عنه يقول : بعنثي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير بن العوام والمقداد ، قال الفضل ، قال سفيان : نفر من المهاجرين فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن بها ظعينة معها كتاب ، فخذوه منها ، فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة ، فوجدنا امرأة ، فقلنا : أخرجي الكتاب ، قالت : ليس معي كتاب ، قلنا : لتخرجن الكتاب ، أو لنلقين الثياب ، فأخرجته من عقاصها ، وأخذنا الكتاب ، فانطلقنا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا فيه ، من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة ، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا حاطب ما هذا ؟ قال : يا رسول الله لا تعجل علي ، كنت أمراً ملصقاً في قريش ، ولم يكن لي فيهم قرابة ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات ، يحمون أهليهم بمكة ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب أن أتخذ فيها يداً يحمون بها قرابتي ، وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني ، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد صدقكم فقال عمر : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال : إنه قد شهد بدراً ، وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ، زاد الفضل في حديثه ، قال سفيان : ونزلت فيه " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء " إلى قوله " حتى تؤمنوا بالله وحده " .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن أبي سنان سعيد بن سنان ، عن عمرو بن مرة الجملي ، عن أبي البختري الطائي ، عن الحارث ، عن علي رضي الله عنه قال : لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي مكة ، أسر إلى ناس من أصحابه أنه يريد مكة ، فيهم حاطب بن أبي بلتعة ، وأفشى في الناس أنه يريد خيبر ، فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة أن النبي صلى الله عليه وسلم يريدكم ، قال : فبعثني النبي صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد وليس منا رجل إلا وعنده فرس ، فقال : ائتوا روضة خاخ ، فإنكم ستلقون بها امرأة ومعها كتاب ، فخذوه منها ، فانطلقنا حتى رأيناها بالمكان الذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلنا : هاتي الكتاب ، فقالت : ما معي كتاب ، فوضعنا متاعها وفتشنا ، فلم نجده في متاعها ، فقال أبو مرثد : لعله أن لا يكون معها ، فقلت : ما كذب النبي صلى الله عليه وسلم ولا كذب ، فقلنا : أخرجي الكتاب ، وإلا عريناك ، قال عمرو بن مرة ، فأخرجته من حجزتها ، وقال حبيب أخرجته من قبلها ، فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم فإذا الكتاب ، من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة ، فقال عمر فقال : خان الله ورسوله ، ائذن لي أضرب عنقه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أليس قد شهد بدراً ؟ قال : بلى ولكنه قد نكث وظاهر أعداءك عليك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فلعل الله قد اطلع على أهل بدر ، فقال اعملوا ما شئتم ، ففاضت عينا عمر وقال : الله ورسوله أعلم ، فأرسل إلى حاطب ، فقال : ما حملك على ما صنعت ؟ فقال : يا نبي الله إني كنت أمرأً ملصقاً في قريش ، وكان لي بها أهل ومال ، ولم يكن من أصحابك أحد إلا وله بمكة من يمنع أهله وماله ، فكتبت إليهم بذلك ، والله يا نبي الله إني لمؤمن بالله وبرسوله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق حاطب بن أبي بلتعة ، فلا تقولوا لحاطب إلا خيراً ، فقال حبيب بن أبي ثابت ، فأنزل الله عز وجل " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم " الآية .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثنا عمي ، قال : ثني ابي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة " إلى آخر الآية نزلت في رجل كان مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة من قريش ، كتب إلى أهله وعشيرته بمكة ، يخبرهم وينذرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سائر إليهم ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحيفته ، فبعث إليها علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فأتاه بها .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا ، قالوا : لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم ، ثم أعطاه امرأة يزعم محمد بن جعفر أنها من مزينة ، وزعم غيره أنها سارة مولاة لبعض بني عبد المطلب ، وجعل لها جعلاً على أن تبلغه قريشاً ، فجعلته في رأسها ، ثم فتلت عليه قرونها ، ثم خرجت وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب ، فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام رضي الله عنهما ، فقال : أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش ، يحذرهم ما قد اجتمعنا له في أمرهم ، فخرجا حتى أدركاها بالحليفة ، حليفة ابن أبي أحمد ، فاستنزلاها فالتمسا في رحلها ، فلم يجدا شيئاً ، فقال لها علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إني أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا ، ولتخرجن إلي هذا الكتاب ، أو لنكشفنك فلما رأت الجد منه ، قالت : أعرض عني ، فأعرض عنها فحلت قرون رأسها ، فاستخرجت الكتاب فدفعته إليه فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطباً ، فقال يا حاطب ما حملك على هذا ؟ فقال : يا رسول الله ، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ، ما غيرت ولا بدلت ، ولكني كنت أمرأً في القوم ليس لي أصل ولا عشيرة ، وكان لي بين أظهرهم أهل وولد ، فصانعتهم عليه ، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : دعني يا رسول الله فلأضرب عنقه ، فإن الرجل قد نافق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أصحاب بدر يوم بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله عز وجل في حاطب " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء " إلى قوله " وإليك أنبنا " إلى آخر القصة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة قال : لما نزلت : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء " في حاطب بن أبي بلتعة ، كتب إلى كفار قريش كتاباً ينصح لهم فيه ، فأطلع الله نبيه عليه الصلاة والسلام على ذلك ، فأرسل علياً والزبير ، فقال : اذهبا فإنكما ستجدان امرأة بمكان كذا وكذا ، فأتيا بكتاب معها ، فانطلقا حتى أدركاها ، فقالا : الكتاب الذي معك ! قالت : ليس معي كتاب ، فقالا : والله لا ندع معك شيئاً إلا فتشناه ، أو تخرجينه ، قالت : أولستم مسلمين ؟ قالا : بلى ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن معك كتاباً قد أيقنت أنفسنا أنه معك ، فلما رأت جدهما أخرجت كتاباً من بين قرونها ، فذهبا به إلى نبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى كفار قريش ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أنت كتبت هذا الكتاب ؟ قال : نعم ، قال : ما حملك على ذلك ؟ قال : أما والله ما ارتبت في الله منذ أسلمت ، ولكني كنت امرأ غريباً فيكم أيها الحي من قريش ، وكان لي بمكة مال وبنون ، فأردت أن أدفع بذلك عنهم ، فقال عمر رضي الله عنه : ائذن لي يا رسول الله فأضرب عنقه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مهلاً يا ابن الخطاب ، وما يدريك لعل الله قد اطلع إلى أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فإني غافر لكم ، قال الزهري : فيه نزلت حتى " غفور رحيم " .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله " لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء " إلى قوله " بما تعملون بصير " في مكاتبة حاطب بن أبي بلتعة ومن معه كفار قريش يحذرهم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء " حتى بلغ " سواء السبيل " ذكر لنا أن حاطباً كتب إلى أهل مكة يخبرهم سير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم زمن الحديبية ، فأطلع الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام على ذلك ، وذكر لنا أنهم وجدوا الكتاب مع امرأة في قرن من رأسها ، فدعاه نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما حملك على الذي صنعت ؟ قال : والله ما شككت في أمر الله ، ولا ارتددت فيه ، ولكن لي هناك أهلاً ومالاً ، فأردت مصانعة قريش على أهلي ومالي ، وذكر لنا أنه كان حليفاً لقريش لم يكن من أنفسهم ، فأنزل الله عز وجل في ذلك القرآن ، فقال " إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون " .
الممتحنة ( بكسر الحاء ) أي المختبرة ، أضيف الفعل إليها مجازاً ، كما سميت سورة (( براءة )) والفاضحة ، لما كشفت عن عيوب المنافقين ، ومن قال في هذه السورة الممتحنة ( بفتح الحاء )) فإنه أضافها إلى المرأة التي نزلت فيها ، وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، قال الله تعالى : " فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن " الآية ، وهي امرأة عبد الرحمن بن عوف ، ولدت له إبراهيم بن عبد الرحمن .
قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء " عدى اتخذ إلى مفعولين ، وهما (( عدوكم أولياء )) ، والعدو فعول من عدا ، كعفو من عفا ، ولكونه على زنة المصدر أوقع على الجماعة إيقاعه على الواحد ، وفي هذه الآية سبع مسائل :
الأول : قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم " روى الأئمة واللفظ لـ مسلم ، " عن علي رضي الله عنه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال : أئتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها ، فانطلقنا تعادى بنا خيلنا ، فإذا نحن بالمرأة ، فقلنا : أخرجي الكتاب ، فقالت : ما معي كتاب ، فقلنا : لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب ، فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا حاطب ما هذا ؟ قال لا تعجل علي يا رسول الله ، إني كنت أمرأً ملصقاً في قريش ، قال سفيان كان حليفاً لهم ، ولم يكن من أنفسها وكان ممن كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يداً يحمران بها قرابتي ، ولم أفعله كفراً ولا ارتداداً عن ديني ، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق ، فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ، فقال إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ، فأنزل الله عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء " " ، قيل اسم المرأة سارة من موالي قريش ، وكان في الكتاب : أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل ، وأقسم بالله لو لم يسر إليكم إلا وحده لأظفره الله بكم ، وأنجز له موعده فيكم ، فإن الله وليه وناصره ، ذكره بعض المفسرين وذكر القشيري و الثعلبي : " أن حاطب بن أبي بلتعة كان رجلاً من أهل اليمن ، وكان له حلف بمكة في بني أسد بن عبد العزى رهط الزبير بن العوام ، وقيل : كان حليفاً للزبير بن العوام ، فقدمت من مكة سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هشام بن عبد مناف إلى المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز لفتح مكة ، وقيل : كان هذا في زمن الحدييبة ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمهاجرة جئت يا سارة ، فقالت : لا قال : أمسلمة جئت قالت : لا ، قال : فما جاء بك قالت : كنتم الأهل والموالي والأصل والعشيرة ، وقد ذهب الموالي تعني قتلوا يوم بدر وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت علكيم لتعطوني وتكسوني ، فقال عليه السلام : فأين أنت عن شباب أهل مكة ، وكانت مغنية ، قال : ما طلب مني شيء بعد وقعة بدر ، فحث رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وبني المطلب على إعطائها فكسوها وأعطوها وحملوها فخرجت إلى مكة ، وأتاها حاطب فقال : أعطيك عشرة دنانير وبرداً على أن تبلغي هذا الكتاب إلى أهل مكة ، وكتب في الكتاب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم ، فخرجت سارة ، ونزل جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فبعث علياً والزبير وأبا مرثد الغنوي ، وفي رواية علياً والزبير والمقداد ، وفي رواية : أرسل علياً وعمار بن ياسر ، وفي رواية : علياً وعماراً وعمر والزبير وطلحة والمقداد وأبا مرثد ، وكانوا كلهم فرساناً وقال لهم : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها طغينة ومعها كتاب من حاطب إلى المشركين فخذوه منها وخلو سبيلها فإن لم تدفعه لكم فاضربوا عنقها ، فأدركوها في ذلك المكان ، فقالوا لها : أين الكتاب ؟ فحلفت ما معها كتاب ، ففتشوا أمتعتها فلم يجدوا معها كتاباً ، فهموا الرجوع فقال علي : والله ما كذبنا ولا كذبنا ! وسل سيفه وقال : أخرجي الكتاب وإلا والله لأجردنك ولأضربن عنقك ، فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها ، وفي رواية من حجرتها ، فخلوا سبيلها ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأرسل إلى حاطب فقال : هل تعرف الكتاب ؟ قال نعم " ، وذكر الحديث بنحو ما تقدم وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمن جميع الناس يوم الفتح إلا أربعة هي أحدهم .
الثانية : السورة أصل في النهي عن مولاة الكفار ، وقد مضى ذلك في غير موضع .
ومن ذلك قوله تعالى : " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين " [ آل عمران : 28 ] ، " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم " [ آل عمران : 118 ] ، " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء " [ المائدة : 51 ] ، ومثله كثير ، وذكر أن حاطباً سمع " يا أيها الذين آمنوا " غشي عليه من الفرح بخطاب الإيمان .
الثالثة : قوله تعالى : " تلقون إليهم بالمودة " يعني بالظاهر ، لأن قلب حاطب كان سليماً ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم : (( أما صاحبكم فقد صدق )) وهذا نص في سلامة فؤاده وخلوص اعتقاده ، والباء في (( المودة )) زائدة ، كما تقول : قرأت السورة وقرأت بالسورة ، ورميت إليه ما في نفسي وبما في نفسي ، ويجوز أن تكون ثابتة على أن مفعول (( تلقون )) محذوف ، معناه تلقون إليهم أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب المودة التي بينكم وبينهم ، وكذلك (( تسرون إليهم بالمودة )) أي بسبب المودة ، وقال الفراء : " تلقون إليهم بالمودة " من صلة (( أولياء )) ودخول الباء في المودة وخروجها سواء ، ويجوز أن تتعلق بـ(( لا تتخذوا )) حالاً من ضميره ، وبـ(( أولياء )) صفة له ، ويجوز أن تكون استئنافاً ، ومعنى (( تلقون إليهم بالمودة )) تخبرونهم بسرائر المسلمين وتنصحون لهم ، وقاله الزجاج .
الرابعة : من كثر تطلعه على عورات المسلمين وينبه عليهم ويعرف عدوهم بأخبارهم لم يكن بذلك كافراً إذا كان فعله لغرض دنيوي واعتقاده على ذلك سليم ، كما فعل حاطب حين قصد بذلك اتخاذ اليد ولم ينو الردة عن الدين .
الخامسة : إذا قلنا لا يكون بذلك كافراً فهل يقتل بذلك حداً أم لا ؟ اختلف الناس فيه ، فقال مالك و ابن القاسم و أشهب : يجتهد في ذلك الإمام ، وقال عبد الملك : إذا كانت عادته قتل ، لأنه جاسوس ، وقد قال : مالك بقتل الجاسوس وهو الصحيح لإضراره بالمسلمين وسعيه بالفساد في الأرض ، ولعل ابن الماجشون إنما اتخذ التكرار في هذا لأن حاطباً أخذ في أول فعله ، والله أعلم .
السادسة : فإن كان الجاسوس كافراً فقال الأوزاعي : يكون نقضاً لعهده ، وقال أصبغ الجاسوس الحربي يقتل ، والجاسوس المسلم والذمي يعاقبان إلا أن تظاهرا على الإسلام فيقتلان ، وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بعين للمشركين اسمه فرات بن حيان ، فأمر به أن يقتل ، فصاح : يا معشر الأنصار ، أقتل وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ! فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فخلى سبيله ، ثم قال : إن منكم من أكله إلى إيمانه منهم فرات بن حيان ".
وقوله : " وقد كفروا " حال ، إما من " لا تتخذوا " وإما من " تلقون " أي لا تتولوهم وتوادوهم ، وهذه حالهم ، وقرأ الجحدري (( لما جاءكم )) أي كفروا لأجل ما جاءكم من لحق .
السابعة : قوله تعالى : " يخرجون الرسول " استئناف كلام كالتفسير لكفرهم عتوهم ، أو حال من (( كفروا )) ، " وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم " تعليل لـ(( يخرجون )) المعنى يخرجون الرسول ويخرجوكم من مكة لأن تؤمنوا بالله ، أي لأجل إيمانكم بالله ، قال ابن عباس : وكان حاطب ممن أخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي ، وقيل : في الكلام حذف ، والمعنى إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي ، فلا تلقوا إليهم المودة ، وقيل : " إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي " شرط وجوابه مقدم .
والمعنى : إن خرجتم جهاداً في سبيلي فلا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ، ونصب (( جهاداً )) و(( إبتغاء )) لأنه مفعول له ، وقوله : " تسرون إليهم بالمودة " بدل من (( تلقون )) ومبين عنه ، والأفعال تبدل من الأفعال ، كما قال تعالى : " ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب " ، وأنشد سيبويه :
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطباً جزلاً وناراً تأججا
وقيل : هو على تقدير أنتم تسرون إليهم بالمودة ، فيكون استئنافاً ، وهذا كله معاتبة لحاطب ، وهو يدل على فضله وكرامته ونصيحته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق إيمانه ، فإن المعاتبة لا تكون إلا من محب لحبيبه كما قال :
أعاتب ذا المودة من صديق إذا ما رابني مه اجتناب
إذا ذهب العتاب فليس ود ويبقى الود ما بقي العتاب
ومعنى (( بالمودة )) أي بالنصيحة في الكتاب إليهم ، والباء زائدة كما ذكرنا ، أو ثابتة غير زائدة .
قوله تعالى : " وأنا أعلم بما أخفيتم " أضمرتم " وما أعلنتم " أظهرتم ، والباء في (( بما )) زائدة ، يقال : علمت كذا وعلمت بكذا ، وقيل : وأنا أعلم من كل أحد بما تخفون وما تعلنون ، فحذف من كل أحد ، كما يقال : فلان أعلم وأفضل من غيره ، وقال ابن عباس : وأنا أعلم بما أخفيتم في صدوركم ، وما أظهرتم بألسنتكم من الإقرار والتوحيد " ومن يفعله منكم " أي من يسر إليهم ويكاتبهم منكم " فقد ضل سواء السبيل " أي أخطأ قصد الطريق .
تفسير سورة الممتحنة
بسم الله الرحمـن الرحيم
كان سبب نزول صدر هذه السورة الكريمة قصة حاطب بن أبي بلتعة, وذلك أن حاطباً هذا كان رجلاً من المهاجرين, وكان من أهل بدر أيضاً, وكان له بمكة أولاد ومال ولم يكن من قريش أنفسهم, بل كان حليفاً لعثمان, فلما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتح مكة لما نقض أهلها العهد, فأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتجهيز لغزوهم وقال "اللهم عم عليهم خبرنا" فعمد حاطب هذا فكتب كتاباً وبعثه مع قريش إلى أهل مكة, يعلمهم بما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوهم, ليتخذ بذلك عندهم يداً فأطلع الله تعالى على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم استجابة لدعائه, فبعث في أثر المرأة فأخذ الكتاب منها, وهذا بين في هذا الحديث المتفق على صحته.
قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن عمه, أخبرني حسن بن محمد بن علي, أخبرني عبد الله بن أبي رافع وقال مرة إن عبيد الله بن أبي رافع أخبره أنه سمع علياً رضي الله عنه يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها, فانطلقنا تعادي بنا خيلنا حتى أتينا الروضة, فإذا نحن بالظعينة قلنا أخرجي الكتاب, قالت: ما معي كتاب, قلنا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب, قال: فأخرجت الكتاب من عقاصها, فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة, يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حاطب ما هذا ؟ قال: لا تعجل علي إني كنت امرأً ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسهم, وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة, فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم, أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي, وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه صدقكم".
فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر, فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" وهكذا أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه من غير وجه عن سفيان بن عيينة به, وزاد البخاري في كتاب المغازي: فأنزل الله السورة "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء" وقال في كتاب التفسير: قال عمرو ونزلت فيه "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء" وقال لا أدري الاية في الحديث أو قال عمرو. قال البخاري قال علي يعني ابن المديني قيل لسفيان في هذا نزلت "لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء" فقال سفيان: هذا في حديث الناس حفظته من عمرو, ما تركت منه حرفاً ولا أدري أحداً حفظه غيري.
وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة, عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد والزبير بن العوام وكلنا فارس, وقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين, فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: الكتاب ؟ فقالت: ما معي كتاب, فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتاباً, فقلنا ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردنك فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته, فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما حملك على ما صنعت ؟" قال حاطب: والله ما بي إلا أن أكون مؤمناً بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم, أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله, فقال: "صدق لا تقولوا له إلا خيراً".
فقال عمر: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه, فقال: "أليس من أهل بدر ؟ ـ فقال ـ لعل الله قد اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة ـ أو قد غفرت لكم ـ" فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم, هذا لفظ البخاري في المغازي في غزوة بدر, وقد روي من وجه آخر عن علي قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسن الهسنجاني, حدثنا عبيد بن يعيش, حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي عن أبي سنان هو سعيد بن سنان عن عمرو بن مرة الجملي عن أبي البحتري الطائي, عن الحارث عن علي قال: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي مكة أسر إلى أناس من أصحابه أنه يريد مكة منهم حاطب بن أبي بلتعة, وأفشى في الناس أنه يريد خيبر, قال: فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم, فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد وليس منا رجل إلا وعنده فرس فقال: "ائتوا روضة خاخ فإنكم ستلقون بها امرأة معها كتاب فخذوه منها".
فانطلقنا حتى رأيناها بالمكان الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا لها هات الكتاب فقالت ما معي كتاب, فوضعنا متاعها وفتشناها فلم نجده في متاعها, فقال أبو مرثد لعله أن لا يكون معها, فقلت ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا فقلنا لها لتخرجنه أو لنعرينك. فقالت أما تتقون الله! ألستم مسلمين! فقلنا لتخرجنه أو لنعرينك. قال عمرو بن مرة. فأخرجته من حجزتها. وقال حبيب بن أبي ثابت: أخرجته من قبلها, فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا الكتاب من حاطب بن أبي بلتعة, فقام عمر فقال يا رسول الله خان الله ورسوله فائذن لي فلأضرب عنقه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أليس قد شهد بدراً ؟ قالوا: بلى, وقال عمر: بلى ولكنه قد نكث وظاهر أعداءك عليك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم إني بما تعملون بصير ففاضت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حاطب فقال: يا حاطب ما حملك على ما صنعت ؟ فقال: يا رسول الله إني كنت امرأً ملصقاً في قريش, وكان لي بها مال وأهل ولم يكن من أصحابك أحد إلا وله بمكة من يمنع أهله وماله, فكتبت بذلك إليهم والله يا رسول الله إني لمؤمن بالله ورسوله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق حاطب فلا تقولوا لحاطب إلا خيراً" قال حبيب بن أبي ثابت: فأنزل الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة" الاية. وهكذا رواه ابن جرير عن ابن حميد عن مهران, عن أبي سنان سعيد بن سنان بإسناده مثله.
وقد ذكر ذلك أصحاب المغاري والسير فقال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا قال: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة, كتب حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم ثم أعطاه امرأة, زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة, وزعم غيره أنها سارة مولاة لبني عبد المطلب وجعل لها جعلاً على أن تبلغه لقريش, فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونها, ثم خرجت به, وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب, فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام فقال: "أدركا امرأة قد كتب معها حاطب كتاباً إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا له من أمرهم".
فخرجا حتى أدركاها بالحليفة, حليفة بني أبي أحمد, فاستنزلاها بالحليفة فالتمسا في رحلها فلم يجدا شيئاً, فقال لها علي بن أبي طالب: إني أحلف بالله ما كذب رسول الله وما كذبنا, ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك. فلما رأت الجد منه قالت: أعرض, فأعرض فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منها فدفعته إليه, فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطباً فقال: "يا حاطب ما حملك على هذا ؟ فقال: يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله وبرسوله ما غيرت ولا بدلت ولكني كنت امرأً ليس لي في القوم من أهل ولا عشيرة, وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليهم, فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه فإن الرجل قد نافق, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما يدريك يا عمر ؟ لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر فقال "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم".
فأنزل الله عز وجل في حاطب " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل * إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون * لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير * قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده " إلى آخر القصة, وروى معمر عن الزهري عن عروة نحو ذلك, وهكذا ذكر مقاتل بن حيان أن هذه الايات نزلت في حاطب بن أبي بلتعة أنه بعث سارة مولاة بني هاشم, وأنه أعطاها عشرة دراهم, وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث في أثرها عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما فأدركاها بالجحفة وذكر تمام القصة كنحو ما تقدم, وعن السدي قريباً منه, وهكذا قال العوفي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وغير واحد أن هذه الايات نزلت في حاطب بن أبي بلتعة.
فقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق" يعني المشركين والكفار الذين هم محاربون لله ولرسوله وللمؤمنين الذين شرع الله عداوتهم ومصارمتهم ونهى أن يتخذوا أولياء وأصدقاء وأخلاء كما قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم" وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين" وقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا " وقال تعالى: "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه" ولهذا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عذر حاطب, لما ذكر أنه إنما فعل ذلك مصانعة لقريش لأجل ما كان له عندهم من الأموال والأولاد.
ويذكر ههنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا مصعب بن سلام, حدثنا الأجلح عن قيس بن أبي مسلم عن ربعي بن حراش سمعت حذيفة يقول: ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمثالاً واحداً وثلاثة وخمسة وسبعة وتسعة وأحد عشر, قال فضرب لنا منها مثلاً وترك سائرها قال: "إن قوماً كانوا أهل ضعف ومسكنة قاتلهم أهل تجبر وعداء فأظهر الله أهل الضعف عليهم فعمدوا إلى عدوهم فاستعملوهم وسلطوهم, فأسخطوا الله عليهم إلى يوم يلقونه" وقوله تعالى: "يخرجون الرسول وإياكم" هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتهم وعدم موالاتهم لأنهم أخرجوا الرسول وأصحابه من بين أظهرهم كراهة لما هم عليه من التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده, ولهذا قال تعالى: "أن تؤمنوا بالله ربكم" أي لم يكن لكم عندهم ذنب إلا إيمانكم بالله رب العالمين كقوله تعالى: "وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد" وكقوله تعالى: "الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله".
وقوله تعالى: "إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي" أي إن كنتم كذلك فلا تتخذوهم أولياء, إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي باغين لمرضاتي عنكم, فلا توالوا أعدائي وأعداءكم وقد أخرجوكم من دياركم وأموالكم حنقاً عليكم وسخطاً لدينكم. وقوله تعالى: "تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم" أي تفعلون ذلك وأنا العالم بالسرائر والضمائر والظواهر "ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل * إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء" أي لو قدروا عليكم لما اتقوا فيكم من أذى ينالونكم به بالمقال والفعال "وودوا لو تكفرون" أي ويحرصون على أن لا تنالوا خيراً فهم عداوتهم لكم كامنة وظاهرة فكيف توالون مثل هؤلاء ؟ وهذا تهييج على عداوتهم أيضاً.
وقوله تعالى: "لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير" أي قراباتكم لا تنفعكم عند الله إذا أراد الله بكم سوءاً, ونفعهم لا يصل إليكم إذا أرضيتموهم بما يسخط الله, ومن وافق أهله على الكفر ليرضيهم فقد خاب وخسر وضل عمله ولا ينفعه عند الله قرابته من أحد, ولو كان قريباً إلى نبي من الأنبياء. قال الإمام أحمد: حدثنا عفان, حدثنا حماد عن ثابت عن أنس أن رجلاً قال: يا رسول الله أين أبي ؟ قال "في النار" فلما قفى دعاه فقال "إن أبي وأباك في النار" ورواه مسلم وأبو داود من حديث حماد بن سلمة به.
هي ثلاث عشرة آية
وهي مدنية. قال القرطبي: في قول الجميع. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة الممتحنة بالمدينة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. والممتحنة بكسر الحاء اسم فاعل أضيف الفعل إليها مجازاً، كما سميت سورة براءة الفاضحة لكشفها عيوب المنافقين، وقيل الممتحنة بفتح الحاء اسم مفعول أضافه إلى المرأة التي نزلت فيها، وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، لقوله سبحانه: "فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن".
قال المفسرون: نزلت: 1- "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء" في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى مشركي قريش بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، وسيأتي ذكر القصة آخر البحث إن شاء الله، وقوله: "عدوي" هو المفعول الأول "وعدوكم" معطوف عليه، والمفعول الثاني أولياء، وأضاف سبحانه العدو إلى نفسه تعظيماً لجرمهم، والعدو مصدر يطلق على الواحد والاثنين والجماعة، والآية تدل على النهي عن موالات الكفار بوجه من الوجوه " تلقون إليهم بالمودة " أي توصلون إليهم المودة على أن الباء زائدة، أو هي سببية. والمعنى: تلقون إليهم أخبار النبي صلى الله عليه وسلم بسبب المودة التي بينكم وبينهم. قال الزجاج: تلقون إليهم أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وسره بالمودة التي بينكم وبينهم، والجملة في محل نصب على الحال من ضمير تتخذوا، ويجوز أن تكون مستأنفة لقصد الإخبار بما تضمنته أو لتفسير موالاتهم إياهم، ويجوز أن تكون في محل نصب صفة لأولياء، وجملة "وقد كفروا بما جاءكم من الحق" في محل نصب على الحال من فاعل تلقون، أو من فاعل لا تتخذوا، ويجوز أن تكون مستأنفة لبيان حال الكفار. قرأ الجمهور "بما جاءكم" بالباء الموحدة. وقرأ الجحدري وعاصم في رواية عنه لما جاءكم باللام: أي لأجل ما جاءكم من الحق على حذف المكفور به: أي كفروا بالله والرسول لأجل ما جاءكم من الحق، أو على جعل ما هو سبب للإيمان سبباً للكفر توبيخاً لهم "يخرجون الرسول وإياكم" الجملة مستأنفة لبيان كفرهم، أو في محل نصب على الحال، وقوله: "أن تؤمنوا بالله ربكم" تعليل للإخراج: أي يخرجونكم لأجل إيمانكم، أو كراهة أن تؤمنوا "إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي" جواب الشرط محذوف أي إن كنتم كذلك فلا تلقوا إليهم بالمودة، أو إن كنتم كذلك فلا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء، وانتصاب جهاداً وابتغاءً على العلة: أي إن كنتم خرجتم لأجل الجهاد في سبيلي ولأجل ابتغاء مرضاتي، وجملة "تسرون إليهم بالمودة" مستأنفة للتقريع والتوبيخ: أي تسرون إليهم الأخبار بسبب المودة، وقيل هي بدل من قوله: تلقون: ثم أخبر سبحانه بأنه لا يخفى عليه من أحوالهم شيء، فقال: "وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم" والجملة في محل نصب على الحال: أي بما أضمرتم وما أظهرتم، والباء في بما زائدة: يقال علمت كذا وعلمت بكذا، هذا على أن أعلم مضارع، وقيل هو أفعل تفضيل: أي أعلم من كل أحد بما تخفون وما تعلنون "ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل" أي من يفعل ذلك الاتخاذ لعدوي وعدوكم أولياء ويلقي إليهم بالمودة فقد أخطأ طريق الحق والصوب وضل عن قصد السبيل.
1- "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء"، الآية.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، حدثنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار، أخبرني الحسن بن محمد أنه سمع عبد الله بن أبي رافع يقول سمعت علياً رضي الله عنه يقول: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال: انطلقوا حتى تأتوا (روضة خاخ) فإن بها ظعينة عها كتاب فخذوه منها، قال: فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب فقالت: ما معي كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب، قال: فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا حاطب ما هذا؟ قال: يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقاً في قريش -يقول كنت حليفاً ولم أكن من أنفسها- وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت -إذ فاتني ذلك من النسب فيهم- أن أتخذ عندهم يداً يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقكم، فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدراً فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فأنزل الله تعالى هذه السورة: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة" إلى قوله: "سواء السبيل"".
قال المفسرون: نزلت الآية في حاطب بن أبي بلتعة كما جاء في الحديث، وذلك أن سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف أتت المدينة من مكة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز لفتح مكة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسلمة جئت؟ قالت: لا، قال أمهاجرة جئت؟ قالت: لا، قال: فما جاء بك قالت: كنتم الأصل والعشيرة والموالي وقد ذهبت موالي وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني وتحملوني، فقال لها: وأين أنت من شبان مكة؟ وكانت مغنية نائحة، قالت: ما طلب مني شيء / بعد وقعة بدر، فحث رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وبني المطلب فأعطوها نفقة وكسوها وحملوها، فأتاها حاطب بن أبي بلتعة حليف بني أسد بن عبد العزى، فكتب معها إلى أهل مكة، وأعطاها عشرة دنانير، وكساها برداً، على أن توصل الكتاب إلى أهل مكة، وكتب في الكتاب: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم، فخذوا حذركم.
فخرجت سارة، ونزل جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما فعل، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وعماراً والزبير وطلحة والمقداد بن الأسود وأبا مرثد فرساناً، فقال لهم: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين، فخذوا منها وخلوا سبيلها، وإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها.
قال: فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا لها: أين الكتاب؟ فحلفت بالله ما معها كتاب، فبحثوها وفتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتاباً، فهموا بالرجوع، فقال علي رضي الله عنه: والله ما كذبنا ولا كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسل سيفه فقال: أخرجي الكتاب وإلا لأجردنك ولأضربن عنقك. فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها، قد خبأته في شعرها، فخلوا سبيلها ولم يتعرضوا لها ولا لما معها، فرجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حاطب، فأتاه فقال: هل تعرف الكتاب؟ قال: نعم، قال: فما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول الله والله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك، ولا أحببتهم منذ فارقتهم، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته، وكنت غريباً فيهم، وكان أهلي بين ظهرانيهم، فخشيت على أهلي، فأردت أن أتخذ عندهم يداً، وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه، وأن كتابي لا يغني عنهم شيئاً، فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذره.
فقام عمر بن الخطاب فقال: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم؟ فأنزل الله عز وجل في شأن حاطب: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء".
"تلقون إليهم بالمودة"، قيل: أي المودة، والباء زائدة، كقوله: "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم" (الحج- 25) وقال الزجاج: معناه تلقون إليهم أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وسره بالمودة التي بينكم وبينهم، "وقد كفروا"، الواو للحال، أي: وحالهم أنهم كفروا، "بما جاءكم من الحق"، يعني القرآن "يخرجون الرسول وإياكم"، من مكة، "أن تؤمنوا"، أي لأن آمنتم، كأنه قال: يفعلون ذلك لإيمانكم، "بالله ربكم إن كنتم خرجتم"، هذا شرط جوابه متقدم وهو قوله: " لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم "، "جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة"، قال مقاتل: بالنصيحة، "وأنا أعلم بما أخفيتم"، من المودة للكفار، "وما أعلنتم"، أظهرتم بألسنتكم "ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل"، أخطأ طريق الهدى.
1-" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء " " نزلت في حاطب بن أبي بلتعة ، فإنه لما علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو أهل مكة كتب إليهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم ، وأرسل كتابه مع سارة مولاة بني المطلب ، فنزل جبريل عليه السلام فأعلم رسول الله ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وعماراً وطلحة والزبير والمقداد وأبا مرثد وقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب حاطب إلى أهل مكة ، فخذوه منها وخلوها فإن أبت فاضربوا عنقها ، فأدركوها ثمة فجحدت فهموا بالرجوع ، فسل علي رضي الله تعالى عنه السيف فأخرجته من عقاصها . فاستحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطباً وقال : ما حملك عليه ؟ فقال : يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولكني كنت أمراً ملصقاً في قريش وليس لي فيهم من يحمي أهلي ، فأردت أن آخذ عندهم يداً وقد علمت أن كتابي لا يغني عنهم شيئاً فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذره " . " تلقون إليهم بالمودة " تفضون إليهم المودة بالمكاتبة ، والباء مزيدة أو إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب المودة ، والجملة حال من فاعل " لا تتخذوا " أو صفة لأولياء جرت على غير من هي له ، ولا حاجة فيها إلى إبراز الضمير لأنه مشروط في الاسم دون الفعل . " وقد كفروا بما جاءكم من الحق " حال من فاعل أحد الفعلين " يخرجون الرسول وإياكم " أي من مكة وهو حال من " كفروا " أو استئناف لبيانه . " أن تؤمنوا بالله ربكم " بأن تؤمنوا به وفيه تغليب المخاطب والالتفات من التكلم إلى الغيبه للدلالة على ما يوجب الإيمان . " إن كنتم خرجتم " عن أوطانكم " جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي " علة للخروج وعمدة للتعليق وجواب الشرط محذوف دل عليه " لا تتخذوا " . " تسرون إليهم بالمودة " بدل من " تلقون " أو استئناف معناه : أي طائل لكم في اسرار المودة أو الإخبار بسبب المودة . " وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم " أي منكم . وقيل " أعلم " مضارع والباء مزيدة و ما موصولة او مصدرية " ومن يفعله منكم " أي من يفعل الاتخاذ . " فقد ضل سواء السبيل " أخطأه .
Surah 60. Al-Mumtahana
1. O ye who believe! Choose not My enemy and your enemy for friends. Do ye give them friendship when they disbelieve in that truth which hath come unto you, driving out the messenger and you because ye believe in Allah, your Lord? If ye have come forth to strive in My way and seeking My good pleasure, (show them not friendship). Do ye show friendship unto them in secret, when I am best Aware of what ye hide and what ye proclaim? And whosoever doeth it among you, be verily hath strayed from the right way.
SURA 60: MUMTAHANA
1 - O ye who believe! Take not My enemies and yours as friends (or protectors), offering them (your) love, even though they have rejected the Truth that has come to you, and have (on the contrary) driven out the Prophet and yourselves (from your homes), (simply) because ye believe in God your Lord! If ye have come out to strive in My Way and to seek My Good Pleasure, (take them not as friends), holding secret converse of love (and friendship) with them; for I know full well all that ye conceal and all that ye reveal. And any of you that does this has strayed from the Straight Path.