[الأنعام : 63] قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ
63 - (قل) يا محمد لأهل مكة (من ينجِّيكم من ظلمات البر والبحر) أهوالها في أسفاركم حين (تدعونه تضرعا) علانية (وخفية) سراً تقولون (لئن) لام قسم (أنجيتنا) وفي قراءة {أنجانا} أي الله (من هذه) الظلمات والشدائد (لنكونن من الشاكرين) المؤمنين
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل ، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم ، الداعين إلى عبادة أوثانهم : من الذي ينجيكم ، "من ظلمات البر"، إذا ضللتم فيه فتحيرتم ، فاظلم عليكم الهدى والمحجة، ومن ظلمات البحر إذا ركبتموه ، فأخطأتم فيه المحجة، فاظلم عليكم فيه السبيل ، فلا تهتدون له ، غير الله الذي إليه مفزعكم حينئذ بالدعاء، "تضرعا"، منكم إليه واستكانة جهراً ، "وخفية"، يقول : وإخفاءً للدعاء أحياناً، وإعلاناً وإظهاراً تقولون : لئن أنجيتنا من هذه يارب ، أي من هذه الظلمات التي نحن فيها ، "لنكونن من الشاكرين"، يقول : لنكونن ممن يوحدك بالشكر، ويخلص لك العبادة، دون من كنا نشركه معك في عبادتك .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية"، يقول : إذا أضل الرجل الطريق ، دعا الله : "لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين".
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر"، يقول: من كرب البر والبحر.
قوله تعالى: "قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر" أي شدائدهما، يقال: يوم مظلم أي شديد. قال النحاس: والعرب تقول: يوم مظلم إذا كان شديداً، فإن عظمت ذلك قالت: يوم ذو كواكب، وأنشد سيبويه:
بني أسد هل تعلمون بلاءنا إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا
وجمع الظلمات على أنه يعني ظلمة البر وظلمة البحر وظلمة الليل وظلمة الغيم، أي إذا أخطأتم الطريق وخفتم الهلاك دعوتموه "لئن أنجيتنا من هذه"أي من هذه الشدائد "لنكونن من الشاكرين". أي من الطائعين. فوبخهم الله في دعائهم إياه عند الشدائد، وهم يدعون معه في حالة الرخاء غيره بقوله: "ثم أنتم تشركون". وقرأ الأعمش وخيفة من الخوف، وقرأ أبو بكر عن عاصم خفية بكسر الخاء، والباقون بضمها، لغتان. وزاد الفراء خفوة وخفوة. قال: ونظيره حبية وحبية وحبوة وحبوة. وقراءة الأعمش بعيدة، لأن معنى تضرعاً أن تظهروا التذلل وخفية أن تبطنوا مثل ذلك. وقرأ الكوفيون لئن أنجانا واتساق المعنى بالتاء، كما قرأ أهل المدينة وأهل الشام.
يقول تعالى ممتناً على عباده, في إنجائه المضطرين منهم من ظلمات البر والبحر, أي الحائرين الواقعين في المهامه البرية, وفي اللجج البحرية, إذا هاجت الرياح العاصفة, فحينئذ يفردون الدعاء له وحده لا شريك له, كقوله "وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه" الاية, وقوله "هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين" الاية, وقوله " أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون " وقال في هذه الاية الكريمة "قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفية" أي جهراً وسراً "لئن أنجانا" أي من هذه الضائقة "لنكونن من الشاكرين" أي بعدها قال الله "قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون" أي تدعون معه في حال الرفاهية آلهة أخرى, وقوله "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم" لما قال ثم أنتم تشركون, عقبه بقوله "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً" أي بعد إنجائه إياكم, كقوله في سورة سبحان " ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما * وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا * أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا * أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا " قال ابن أبي حاتم: ذكر عن مسلم بن إبراهيم, حدثنا هارون الأعور, عن جعفر بن سليمان, عن الحسن في قوله "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم" قال: هذه للمشركين. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد, في قوله "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم" لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وعفا عنهم, ونذكر هنا الأحاديث, الواردة في ذلك والاثار, وبالله المستعان وعليه التكلان وبه الثقة.
قال البخاري رحمه الله تعالى في قوله تعالى: " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون " يلبسكم يخلطكم من الالتباس, يلبسوا يخلطوا شيعاً فرقاً, حدثنا أبو النعمان, حدثنا حماد بن زيد, عن عمرو بن دينار, عن جابر بن عبد الله, قال: لما نزلت هذه الاية "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعوذ بوجهك" "أو من تحت أرجلكم" قال "أعوذ بوجهك" "أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هذه أهون ـ أو أيسر" وهكذا رواه أيضاً في كتاب التوحيد, عن قتيبة عن حماد به, ورواه النسائي أيضاً في التفسير عن قتيبة, ومحمد بن النضر بن مساور, ويحيى بن حبيب بن عدي, أربعتهم عن حماد بن زيد به, وقد رواه الحميدي في مسنده عن سفيان بن عيينة, عن عمرو بن دينار, سمع جابراً عن النبي صلى الله عليه وسلم به. ورواه ابن حبان في صحيحه, عن أبي يعلى الموصلي, عن أبي خيثمة, عن سفيان بن عيينة به, ورواه ابن جرير في تفسيره, عن أحمد بن الوليد القرشي, وسعيد بن الربيع, وسفيان بن وكيع, كلهم عن سفيان بن عيينة به, ورواه أبو بكر بن مردويه, من حديث آدم بن أبي إياس ويحيى بن عبد الحميد, وعاصم بن علي, عن سفيان بن عيينة به, ورواه سعيد بن منصور, عن حماد بن زيد, كلاهما عن عمرو بن دينار به .
[طريق آخر] ـ قال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره: حدثنا سليمان بن أحمد, حدثنا مقدام بن داود, حدثنا عبد الله بن يوسف, حدثنا عبد الله بن لهيعة, عن خالد بن يزيد, عن أبي الزبير, عن جابر, قال: لما نزلت "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعوذ بالله من ذلك" "أو من تحت أرجلكم" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعوذ بالله من ذلك" "أو يلبسكم شيعاً" قال "هذا أيسر" ولو استعاذه لأعاذه. ويتعلق بهذه الاية, أحاديث كثيرة (أحدها) قال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده, حدثنا أبو اليمان, حدثنا أبو بكر يعني ابن أبي مريم, عن راشد هو ابن سعد المقرائي, عن سعد بن أبي وقاص, قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الاية "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم" فقال "أما إنها كائنة ولم يأت تأويلها بعد" وأخرجه الترمذي عن الحسن بن عرفة, عن إسماعيل بن عياش, عن أبي بكر بن أبي مريم به, ثم قال هذا حديث غريب.
[حديث آخر] ـ قال الإمام أحمد: حدثنا يعلى هو ابن عبيد, حدثنا عثمان بن حكيم, عن عامر بن سعيد بن أبي وقاص, عن أبيه, قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مررنا على مسجد بني معاوية, فدخل فصلى ركعتين, فصلينا معه, فناجى ربه عز وجل طويلاً ثم قال "سألت ربي ثلاثاً: سألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها, وسألته أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها, وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها" انفرد بإخراجه مسلم, فرواه في كتاب الفتن, عن أبي بكر بن أبي شيبة, عن محمد بن عبد الله بن نمير, كلاهما عن عبد الله بن نمير, وعن محمد بن يحيى بن أبي عمرو, عن مروان بن معاوية, كلاهما عن عثمان بن حكيم به.
[حديث آخر] ـ قال الإمام أحمد: قرأت على عبد الرحمن بن مهدي, عن مالك, عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك, عن جابر بن عتيك, أنه قال: جاءنا عبد الله بن عمر في حرة بني معاوية ـ قرية من قرى الأنصار ـ فقال لي: هل تدري أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدكم هذا ؟ فقلت: نعم, فأشرت إلى ناحية منه, فقال: هل تدري ما الثلاث التي دعاهن فيه ؟ فقلت: نعم, فقال: أخبرني بهن, فقلت: دعا أن لا يظهر عليهم عدواً من غيرهم, ولا يهلكهم بالسنين فأعطيهما: ودعا بأن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعها, قال: صدقت فلا يزال الهرج إلى يوم القيامة. ليس هو في شيء من الكتب الستة, إسناده جيد قوي, ولله الحمد والمنة.
[حديث آخر] ـ قال محمد بن إسحاق: عن حكيم بن عباد, عن خصيف, عن عبادة بن حنيف, عن علي بن عبد الرحمن, أخبرني حذيفة بن اليمان, قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حرة بني معاوية, قال: فصلى ثماني ركعات فأطال فيهن, ثم التفت إلي فقال "حبستك يا حذيفة" قلت الله ورسوله أعلم, قال "إني سألت الله ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة: سألته أن لا يسلط على أمتي عدواً من غيرهم فأعطاني, وسألته أن لا يهلكهم بغرق فأعطاني, وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعني", رواه ابن مردويه من حديث محمد بن إسحاق.
[حديث آخر] ـ قال الإمام أحمد: حدثنا عبيدة بن حميد, حدثني سليمان بن الأعمش, عن رجاء الأنصاري, عن عبد الله بن شداد, عن معاذ بن جبل رضي الله عنه, قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لي: خرج قبل, قال: فجعلت لا أمر بأحد إلا قال: مر قبل, حتى مررت فوجدته قائماً يصلي, قال: فجئت حتى قمت خلفه, قال: فأطال الصلاة, فلما قضى صلاته قلت: يا رسول الله, قد صليت صلاة طويلة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني صليت صلاة رغبة ورهبة, إني سألت الله عز وجل ثلاثاً, فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة: سألته أن لا يهلك أمتي غرقاً فأعطاني, وسألته أن لا يظهر عليهم عدواً ليس منهم فأعطانيها, وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فردها علي" ورواه ابن ماجه في الفتن عن محمد بن عبد الله بن نمير, وعلي بن محمد, كلاهما عن أبي معاوية, عن الأعمش به, ورواه ابن مردويه: من حديث أبي عوانة, عن عبد الله بن عمير, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن معاذ بن جبل, عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله أو نحوه.
[حديث آخر] ـ قال الإمام أحمد: حدثنا هارون بن معروف, حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث, عن بكير بن الأشج, أن الضحاك بن عبد الله القرشي حدثه, عن أنس بن مالك, أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر, صلى سبحة الضحى ثماني ركعات, فلما انصرف, قال "إني صليت صلاة رغبة ورهبة, وسألت ربي ثلاثاً, فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة: سألته أن لا يبتلي أمتي بالسنين ففعل, وسألته أن لا يظهر عليهم عدوهم ففعل, وسألته أن لا يلبسهم شيعاً فأبى علي", ورواه النسائي في الصلاة عن محمد بن سلمة, عن ابن وهب به.
[حديث آخر] ـ قال الإمام أحمد: حدثنا أبو اليمان, أخبرنا شعيب بن أبي حمزة, قال: قال الزهري, حدثني عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل, عن عبد الله بن خباب, عن أبيه, خباب بن الأرت مولى بني زهرة, وكان قد شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, أنه قال: وافيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة صلاها كلها, حتى كان مع الفجر, فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته, فقلت: يا رسول الله لقد صليت الليلة صلاة ما رأيتك صليت مثلها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أجل إنها صلاة رغب ورهب, سألت ربي عز وجل فيها ثلاث خصال, فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة, سألت ربي عز وجل أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا فأعطانيها, وسألت ربي عز وجل أن لا يظهر علينا عدواً من غيرنا فأعطانيها, وسألت ربي عز وجل أن لا يلبسنا شيعاً فمنعنيها" ورواه النسائي: من حديث شعيب بن أبي حمزة به. ومن وجه آخر وابن حبان في صحيحه بإسناديهما, عن صالح بن كيسان والترمذي, في الفتن, من حديث النعمان بن راشد, كلاهما عن الزهري به, وقال: حسن صحيح .
[حديث آخر] ـ قال أبو جعفر بن جرير في تفسيره: حدثني زياد بن عبد الله المزني, حدثنا مروان بن معاوية الفزاري, حدثنا أبو مالك, حدثني نافع بن خالد الخزاعي, عن أبيه, أن النبي صلى الله عليه وسلم, صلى صلاة خفيفة تامة الركوع والسجود, فقال "قد كانت صلاة رغبة ورهبة, سألت الله عز وجل فيها ثلاثاً أعطاني اثنتين ومنعني واحدة: سألت الله أن لا يصيبكم بعذاب أصاب به من كان قبلكم فأعطانيها, وسألت الله أن لا يسلط عليكم عدواً يستبيح بيضتكم فأعطانيها, وسألت الله أن لا يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض فمنعنيها" قال أبو مالك: فقلت له أبوك سمع هذا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: نعم, سمعته يحدث بها القوم, أنه سمعها من في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[حديث آخر] ـ قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق قال: قال معمر: أخبرني أيوب عن أبي قلابة, عن الأشعث الصنعاني, عن أبي أسماء الرحبي, عن شداد بن أوس, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن الله زوى لي الأرض, حتى رأيت مشارقها ومغاربها, وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها, وإني أعطيت الكنزين الأبيض والأحمر, وإني سألت ربي عز وجل أن لا يهلك أمتى بسنة عامة, وأن لا يسلط عليهم عدواً فيهلكهم بعامة, وأن لا يلبسهم شيعاً, وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض, فقال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء, فإنه لا يرد, وإني قد أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة, وأن لا أسلط عليهم عدواً ممن سواهم, فيهلكهم بعامة حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً, وبعضهم يقتل بعضاً, وبعضهم يسبي بعضاً, قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين, فإذا وضع السيف في أمتي, لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة" ليس في شيء من الكتب الستة, وإسناده جيد قوي, وقد رواه ابن مردويه من حديث حماد بن زيد, وعباد بن منصور, وقتادة, ثلاثتهم عن أيوب عن أبي قلابة, عن أبي أسماء, عن ثوبان, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه والله أعلم.
[حديث آخر] ـ قال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم الهاشمي, وميمون بن إسحاق بن الحسن الحنفي, قالا: حدثنا أحمد بن عبد الجبار, حدثنا محمد بن فضيل, عن أبي مالك الأشجعي, عن نافع بن خالد الخزاعي عن أبيه, قال: وكان أبوه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان من أصحاب الشجرة, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى والناس حوله, صلى صلاة خفيفة تامة الركوع والسجود, قال فجلس يوماً فأطال الجلوس, حتى أومأ بعضنا إلى بعض أن اسكتوا إنه ينزل عليه, فلما فرغ, قال له بعض القوم: يا رسول الله لقد أطلت الجلوس, حتى أومأ بعضنا إلى بعض أنه ينزل عليك, قال "لا ولكنها كانت صلاة رغبة ورهبة, سألت الله فيها ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألت الله أن لا يعذبكم بعذاب عذب به من كان قبلكم فأعطانيها, وسألت الله أن لا يسلط على أمتي عدواً يستبيحها فأعطانيها, وسألته أن لا يلبسكم شيعاً وأن لا يذيق بعضكم بأس بعض فمنعنيها" قال: قلت له: أبوك سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم سمعته يقول: إنه سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد أصابعي هذه عشر أصابع.
[حديث آخر] ـ قال الإمام أحمد: حدثنا يونس هو ابن محمد المؤدب, حدثنا ليث هو ابن سعد, عن أبي وهب الخولاني, عن رجل قد سماه, عن أبي بصرة الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "سألت ربي عز وجل أربعاً فأعطاني ثلاثاً, ومنعني واحدة, سألت الله أن لا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها, وسألت الله أن لا يظهر عليهم عدواً من غيرهم فأعطانيها, وسألت الله أن لا يهلكهم بالسنين كما أهلك الأمم قبلهم فأعطانيها, وسألت الله عز وجل أن لا يلبسهم شيعاً وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها" لم يخرجه أحد من أصحاب الكتاب الستة.
[حديث آخر] ـ قال الطبراني: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة, حدثنا منجاب بن الحارث, حدثنا أبو حذيفة الثعلبي, عن زياد بن علاقة, عن جابر بن سمرة السوائي, عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سألت ربي ثلاث خصال فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة, فقلت: يا رب لا تهلك أمتي جوعاً فقال هذه لك قلت: يا رب لا تسلط عليهم عدواً من غيرهم يعني أهل الشرك فيجتاحهم قال: ذلك لك, قلت: يا رب لا تجعل بأسهم بينهم ـ قال ـ فمنعني هذه ".
[حديث آخر] قال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم, عن أحمد بن محمد بن عاصم, حدثنا أبو الدرداء المروزي, حدثنا إسحاق بن عبد الله بن كيسان, حدثني أبي عن عكرمة, عن ابن عباس, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "دعوت ربي عز وجل أن يرفع عن أمتي أربعاً, فرفع الله عنهم اثنتين, وأبى علي أن يرفع عنهم اثنتين دعوت ربي أن يرفع الرجم من السماء, والغرق من الأرض, وأن لا يلبسهم شيعاً, وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض, فرفع الله عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض, وأبى الله أن يرفع اثنتين القتل والهرج".
[طريق أخرى] عن ابن عباس أيضاً, قال ابن مردويه: حدثنا عبد الله بن محمد بن يزيد, حدثني الوليد بن أبان, حدثنا جعفر بن منير, حدثنا أبو بدر شجاع بن الوليد, حدثنا عمرو بن قيس, عن رجل عن ابن عباس, قال: نزلت هذه الاية "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض" قال: فقام النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ ثم قال "اللهم لا ترسل على أمتي عذاباً من فوقهم ولا من تحت أرجلهم, ولا تلبسهم شيعاً ولا تذق بعضهم بأس بعض" قال: فأتاه جبريل فقال: يا محمد إن الله قد أجار أمتك, أن يرسل عليهم عذاباً من فوقهم أو من تحت أرجلهم.
[حديث آخر] ـ قال ابن مردويه: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله البزاز, حدثنا عبد الله بن أحمد بن موسى, حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد, حدثنا عمرو بن محمد العنقزي, حدثنا أسباط عن السدي, عن أبي المنهال, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سألت ربي لأمتي أربع خصال, فأعطاني ثلاثاً, ومنعني واحدة, سألته أن لا تكفر أمتي صفقة واحدة فأعطانيها, وسألته أن لا يعذبهم بما عذب به الأمم قبلهم فأعطانيها, وسألته أن لا يظهر عليهم عدواً من غيرهم فأعطانيها, وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها" ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد بن يحيى بن سعيد القطان, عن عمرو بن محمد العنقزي به نحوه.
[طريق أخرى] ـ وقال ابن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم, حدثنا محمد بن يحيى, حدثنا أبو كريب, حدثنا زيد بن الحباب, حدثنا كثير بن زيد الليثي المدني, حدثني الوليد بن رباح مولى آل أبي ذباب, سمع أبا هريرة يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم "سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة, سألته أن لا يسلط على أمتي عدواً من غيرهم فأعطاني, وسألته أن لا يهلكهم بالسنين فأعطاني, وسألته أن لا يلبسهم شيعاً وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعني" ثم رواه ابن مردويه بإسناده, عن سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري, عن أبيه عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه, ورواه البزار من طريق عمرو بن أبي سلمة, عن أبيه عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
[أثر آخر] قال سفيان الثوري, عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية, عن أبي بن كعب, قال: أربع في هذه الأمة, قد مضت اثنتان وبقيت اثنتان, "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم" قال: الرجم "أو من تحت أرجلكم" قال: الخسف "أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض" قال سفيان: يعني الرجم والخسف, وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية, عن أبي بن كعب, "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض" قال: فهي أربع خلال, منها اثنتان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة, ألبسوا شيعاً وذاق بعضهم بأس بعض. وبقيت اثنتان لا بد منهما واقعتان, الرجم والخسف, ورواه أحمد عن وكيع, عن أبي جعفر. ورواه ابن أبي حاتم: حدثنا المنذر بن شاذان, حدثنا أحمد بن إسحاق, حدثنا أبو الأشهب عن الحسن في قوله "قل هو القادر على أن يبعث" الاية, قال: حبست عقوبتها حتى عمل ذنبها, فلما عمل ذنبها أرسلت عقوبتها, وهكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وأبو مالك والسدي, وابن زيد وغير واحد في قوله "عذاباً من فوقكم" يعني الرجم "أو من تحت أرجلكم" يعني الخسف وهذا هو اختيار ابن جرير, وروى ابن جرير: عن يونس, عن ابن وهب, عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم" قال: كان عبد الله بن مسعود يصيح وهو في المسجد أو على المنبر, يقول: ألا أيها الناس إنه قد نزل بكم, إن الله يقول "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم" لو جاءكم عذاب السماء لم يبق منكم أحداً, "أو من تحت أرجلكم" لو خسف بكم الأرض أهلككم, ولم يبق منكم أحداً, "أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض" ألا إنه نزل بكم أسوأ الثلاث. (قول ثان) ـ قال ابن جرير وابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى, أخبرنا ابن وهب, سمعت خلاد بن سليمان يقول: سمعت عامر بن عبد الرحمن يقول: إن ابن عباس كان يقول: في هذه الاية "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم" فأئمة السوء "أو من تحت أرجلكم" فخدم السوء, وقال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس "عذاباً من فوقكم" يعني أمرءاكم "أو من تحت أرجلكم" يعني عبيدكم وسفلتكم, وحكى ابن أبي حاتم عن أبي سنان وعمرو بن هانىء, نحو ذلك. قال ابن جرير: وهذا القول وإن كان له وجه صحيح, لكن الأول أظهر وأقوى, وهو كما قال ابن جرير رحمه الله, ويشهد له بالصحة قوله تعالى: " أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير " وفي الحديث "ليكونن في هذه الأمة قذف وخسف ومسخ" وذلك مذكور مع نظائره في أمارات الساعة وأشراطها, وظهور الايات قبل يوم القيامة, وستأتي في موضعها إن شاء الله تعالى, وقوله "أو يلبسكم شيعاً" يعني يجعلكم متلبسين شيعاً فرقاً متخالفين. وقال الوالبي عن ابن عباس: يعني الأهواء, وكذا قال مجاهد وغير واحد, وقد ورد في الحديث المروي من طرق عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة, كلها في النار إلا واحدة" وقوله تعالى: "ويذيق بعضكم بأس بعض" قال ابن عباس وغير واحد: يعني يسلط بعضكم على بعض بالعذاب والقتل. وقوله تعالى: " انظر كيف نصرف الآيات " أي نبينها ونوضحها مرة ونفسرها, "لعلهم يفقهون" أي يفهمون ويتدبرون عن الله آياته وحججه وبراهينه. قال زيد بن أسلم: لما نزلت "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم" الاية, قالرسول الله صلى الله عليه وسلم "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف" قالوا ونحن ونشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله, قال "نعم" فقال بعضهم: لا يكون هذا أبداً أن يقتل بعضنا بعضاً ونحن مسلمون, فنزلت " انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون * وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل * لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون " رواه ابن أبي حاتم وابن جرير .
قيل المراد بظلمات البر والبحر: شدائدهما. قال النحاس: والعرب تقول يوم مظلم: إذا كان شديداً، فإذا عظمت ذلك قالت: يوم ذو كوكب: أي يحتاجون فيه لشدة ظلمته إلى كوكب، وأنشد سيبويه:
بني أسد هل تعلمون بلاءنا إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا
والاستفهام للتقريع والتوبيخ: أي من ينجيكم من شدائدهما العظيمة؟ قرأ أبو بكر عن عاصم 63- "خفية" بكسر الخاء، وقرأ الباقون بضمها، وهما لغتان، وقرأ الأعمش "وخفية" من الخوف، وجملة "تدعونه" في محل نصب على الحال: أي من ينجيكم من ذلك حال دعائكم له دعاء تضرع وخفية أو متضرعين ومخفين. والمراد بالتضرع هنا: دعاء الجهر. قوله: "لئن أنجيتنا" كذا قرأ أهل المدينة وأهل الشام. وقرأ الكوفيون "لئن أنجانا" والجملة في محل نصب على تقدير القول: أي قائلين لئن أنجيتنا من هذه الشدة التي نزلت بنا وهي الظلمات المذكورة "لنكونن من الشاكرين" لك على ما أنعمت به علينا من تخليصنا من هذه الشدائد.
63- قوله عز وجل: " قل من ينجيكم "، قرأ يعقوب بالتخفيف، وقرأ العامة بالتشديد، " من ظلمات البر والبحر "، أي: من شدائدهما وأهوالهما، كانوا إذا سافروا في البر والبحر فضلوا الطريق وخافوا الهلاك، دعوا الله مخلصين له الدين فينجيهم، فذلك قوله تعالى: " تدعونه تضرعاً وخفيةً "، أي: علانية وسراً، قرأ أبو بكر عن عاصم " وخفيةً " بكسر الخاء هاهنا وفي الأعراف، وقرأ الآخرون بضمها وهما لغتان، " لئن أنجانا "، أي: يقولون لئن أنجيتنا، وقرأ أهل الكوفة: لئن أنجانا الله، " من هذه "، يعني: من هذه الظلمات، " لنكونن من الشاكرين "، والشكر: هو معرفة النعمة مع القيام بحقها .

63 " قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر " من شدائدهما ، استعيرت الظلمة للشدة لمشاركتهما في الهول وإبطال الإبصار فقيل لليوم الشديد يوم مظلم ويوم ذو كواكب ، أو من الخسف في البر و الغرق في البحر . وقرأ يعقوب " ينجيكم " بالتخفيف والمعنى واحد . " تدعونه تضرعا وخفية " معلنين ومسرين . أو إعلانًا وإسراراً وقرأ أبو بكر هنا وفي الأعراف " وخفية " بالكسر وقرئ " خيفة " . " لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين " على إرادة القول أي تقولون لئن أنجيتنا . وقرأ الكوفيون لئن أنجانا ليوافق قوله " تدعونه " وهذه إشارة إلى الظلمة .
63. Say: Who delivereth you from the darkness of the land and the sea? Ye call upon Him humbly and in secret, (saying): If we are delivered from this (fear) we truly will be of the thankful.
63 - Say: who is it that delivereth you from the dark recesses of land sea, when ye call upon him in humility and silent terror: if he only delivers us from these (dangers), (we vow) we shall truly show our gratitude.