[الأنعام : 62] ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ
62 - (ثم ردوا) أي الخلق (إلى الله مولاهم) مالكهم (الحق) الثابت العدل ليجازيهم (ألا له الحكم) القضاء النافذ فيهم (وهو أسرع الحاسبين) يحاسب الخلق كلهم في قدر نصف نهار من أيام الدنيا لحديث بذلك
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : ثم ردت الملائكة الذين توفوهم فقبضوا نفوسهم وأرواحهم ، إلى الله سيدهم الحق ، "ألا له الحكم"، يقول : ألا له الحكم والقضاء دون من سواه من جميع خلقه ، "وهو أسرع الحاسبين"، يقول : وهو أسرع من حسب عددكم وأعمالكم وآجالكم وغير ذلك من أموركم ، أيها الناس ، وأحصاها، وعرف مقاديرها ومبالغها، لأنه لا يحسب بعقد يد، ولكنه يعلم ذلك ولا يخفى عليه منه خافية، "لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين" [سبأ : 3].
"ثم ردوا إلى الله" أي ردهم الله بالبعث للحساب. "مولاهم الحق" أي خالقهم ورازقهم وباعثهم ومالكهم. الحق بالخفض قراءة الجمهور، على النعت والصفة لاسم الله تعالى. وقرأ الحسن "الحق" بالنصب على إضمار أعني، أو على المصدر، أي حقا. "ألا له الحكم" أي اعلموا وقولوا: له الحكم وحده يوم القيامة، أي القضاء والفصل. "وهو أسرع الحاسبين" أي لا يحتاج إلى فكرة وروية ولا عقد يد. وقد تقدم.
يقول تعالى إنه يتوفى عباده في منامهم بالليل, وهذا هو التوفي الأصغر, كما قال تعالى: " إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي " وقال تعالى: " الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى " فذكر في هذه الاية الوفاتين الكبرى والصغرى, وهكذا ذكر في هذا المقام, حكم الوفاتين الصغرى ثم الكبرى, فقال "وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار" أي ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار, وهذه جملة معترضة دلت على إحاطة علمه تعالى بخلقه في ليلهم ونهارهم, في حال سكونهم وحال حركتهم, كما قال " سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار " وكما قال تعالى: "ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه" أي في الليل "ولتبتغوا من فضله" أي في النهار كما قال " وجعلنا الليل لباسا * وجعلنا النهار معاشا " ولهذا قال تعالى ههنا "وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار" أي ما كسبتم من الأعمال فيه "ثم يبعثكم فيه" أي في النهار, قاله مجاهد وقتادة والسدي, وقال ابن جريج: عن عبد الله بن كثير, أي في المنام والأول أظهر, وقد روى ابن مردويه بسند: عن الضحاك, عن ابن عباس, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مع كل إنسان ملك إذا نام أخذ نفسه ويرده إليه, فإن أذن الله في قبض روحه قبضه وإلا رد إليه" فذلك قوله: "وهو الذي يتوفاكم بالليل".
وقوله "ليقضى أجل مسمى" يعني به أجل كل واحد من الناس, "ثم إليه مرجعكم" أي يوم القيامة "ثم ينبئكم" أي فيخبركم "بما كنتم تعملون" أي ويجزيكم على ذلك إن خيراً فخير وإن شراً فشر, وقوله "وهو القاهر فوق عباده" أي وهو الذي قهر كل شيء وخضع لجلاله وعظمته وكبريائه كل شيء, "ويرسل عليكم حفظة" أي من الملائكة يحفظون بدن الإنسان, كقوله "له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله" وحفظة يحفظون عمله ويحصونه كقوله " وإن عليكم لحافظين " الاية وكقوله "عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" وقوله "إذ يتلقى المتلقيان" الاية وقوله "حتى إذا جاء أحدكم الموت" أي احتضر وحان أجله "توفته رسلنا" أي ملائكة موكلون بذلك, قال ابن عباس وغير واحد: لملك الموت أعوان من الملائكة, يخرجون الروح من الجسد فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم, وسيأتي عند قوله تعالى: "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت" الأحاديث المتعلقة بذلك الشاهدة لهذا المروي عن ابن عباس وغيره بالصحة, وقوله "وهم لا يفرطون" أي في حفظ روح المتوفى, بل يحفظونها وينزلونها حيث شاء الله عز وجل, إن كان من الأبرار ففي عليين, وإن كان من الفجار ففي سجين, عياذاً بالله من ذلك, وقوله "ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق" قال ابن جرير: "ثم ردوا" يعني الملائكة "إلى الله مولاهم الحق" ونذكر هاهنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا حسين بن محمد, حدثنا ابن أبي ذئب, عن محمد بن عمرو بن عطاء, عن سعيد بن يسار, عن أبي هريرة, رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح, قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب, اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان, فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج, ثم يعرج بها إلى السماء, فيستفتح لها فيقال من هذا ؟ فيقال فلان, فيقال مرحباً بالنفس الطيبة, كانت في الجسد الطيب, ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان, فلا تزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل, وإذا كان الرجل السوء, قالوا: اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث, اخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق , وآخر من شكله أزواج, فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج, ثم يعرج بها إلى السماء , فيستفتح لها فيقال: من هذا ؟ فيقال: فلان, فيقال: لا مرحباً بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث, ارجعي ذميمة فإنه لا يفتح لك أبواب السماء فترسل من السماء ثم تصير إلى القبر, فيجلس الرجل الصالح, فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأول, ويجلس الرجل السوء, فيقال له مثل ما قيل في الحديث الثاني" هذا حديث غريب, ويحتمل أن يكون المراد بقوله " ثم ردوا" يعني الخلائق كلهم إلى الله يوم القيامة, فيحكم فيهم بعدله, كما قال " قل إن الأولين والآخرين * لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم " وقال "وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً" إلى قوله "ولا يظلم ربك أحداً" ولهذا قال "مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين".
قوله: 62- "ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق" معطوف على توفته، والضمير راجع إلى أحد لأنه في معنى الكل مع الالتفات من الخطاب إلى الغيبة: أي ردوا بعد الحشر إلى الله: أي إلى حكمه وجزائه "مولاهم" مالكهم الذي يلي أمورهم "الحق" قرأ الجمهور بالجر صفة لاسم الله. وقرأ الحسن "الحق" بالنصب على إضمار فعل: أي أعني أو أمدح، أو على المصدر "وهو أسرع الحاسبين" لكونه لا يحتاج إلى ما يحتاجون إليه من الفكر والروية والتدبر.
وقد أخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مع كل إنسان ملك إذا نام يأخذ نفسه، فإذا أذن الله في قبض روحه قبضه وإلا ردها الله، فذلك قوله تعالى: "يتوفاكم بالليل"". وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في الآية قال: ما من ليلة إلا والله يقبض الأرواح كلها، فيسأل كل نفس عما عمل صاحبها من النهار، ثم يدعو ملك الموت فيقول: اقبض روح هذا، وما من يوم إلا وملك الموت ينظر في كتاب حياة الإنسان، قائل يقول ثلاثةً، وقائل يقول خمساً. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في الآية قال: أما وفاته إياهم بالليل فمنامهم. وأما "جرحتم بالنهار" فيقول: ما اكتسبتم بالنهار "ثم يبعثكم فيه" قال: في النهار "ليقضى أجل مسمى" وهو الموت. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "ويعلم ما جرحتم" قال: ما كسبتم من الإثم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: "ويرسل عليكم حفظة" قال: هم المعقبات من الملائكة يحفظونه ويحفظون عمله. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في الآية قال: أعوان ملك الموت من الملائكة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله: "وهم لا يفرطون" يقول: لا يضيعون.
62- " ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق "، يعني: الملائكة، وقيل: يعني العباد يردون بالموت إلى الله مولاهم الحق، فإن قيل الآية في المؤمنين والكفار جميعاً وقد قال في آية أخرى: " وأن الكافرين لا مولى لهم "(محمد،11)،فكيف وجه الجمع ؟ فقيل: المولى في تلك الآية بمعنى الناصر ولا ناصر للكفار، والمولى ها هنا بمعنى الملك الذي يتولى أمورهم، والله عز وجل مالك الكل ومتولي الأمور، وقيل: أراد هنا المؤمنين خاصة يردون إلى مولاهم، والكفار فيه تبع، " ألا له الحكم "، أي: القضاء دون خلقة، " وهو أسرع الحاسبين "، أي: إذا حاسب فحسابه سريع لأنه لا يحتاج إلى فكرة وروية وعقد يد.

62 " ثم ردوا إلى الله " إلى حكمه وجزائه . " مولاهم " الذي يتولى أمرهم " الحق " العدل الذي لا يحكم إلا بالحق وقرئ بالنصب على المدح . " ألا له الحكم " يومئذ لا حكم لغيره فيه . " وهو أسرع الحاسبين " يحاسب الخلائق في مقدار حلب شاة لا يشغله حساب عن حساب .
62. Then are they restored unto Allah, their Lord, the Just. Surely His is the judgment. And He is the most swift of reckoners.
62 - Then are men returned unto God, their protector, the (only) reality: is not his the command? and he is the swiftest in taking account.