[الأنعام : 3] وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ
3 - (وهو الله) مستحق العبادة (في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم) ما تسرون وما تجهرون به بينكم (ويعلم ما تكسبون) تعملون من خير وشر
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذي له الألوهة التي لا تنبني لغيره، المستحق عليكم إخلاص الحمد له بآلائه عندكم، أيها الناس، الذي يعدل به كفاركم من سواه، هو الله الذي هو في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم، فلا يخفى عليه شيء. يقول: فربكم الذي يستحق عليكم الحمد، ويجب عليكم إخلاص العبادة له، هو هذا الذي صفته، لا من لا يقدر لكم على ضر ولا نفع، ولا يعمل شيئا، ولا يدفع عن نفسه سوءا أريد بها.
وأما قوله: "ويعلم ما تكسبون"، يقول: ويعلم ما تعملون وتجرحون، فيحصي ذلك عليكم ليجازيكم به عند معادكم إليه.
قوله تعالى : قوله تعالى :" وهو الله في السماوات وفي الأرض" يقال: ما عامل الإعراب في الظرف من" في السماوات وفي الأرض " ففيه أجوبه: أحدها أي وهو الله المعظم أو المعبود في السماوات وفي الأرض، كما تقول: زيد الخليفة في الشرق والغرب أي حكمه ويجوز أن يكون المعنى وهو الله المنفرد بالتدبير في السماوات وفي الأرض كما تقول: هو في حاجات الناس وفي الصلاة ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر ويكون المعنى : وهو الله في السماوات وهو الله في الأرض، وقيل: المعنى وهو الله يعلم سركم وجهركم في السماوات وفي الأرض فلا يخفى عليه شيء قال النحاس: وهذا من احسن ما قيل فيه وقال محمد ابن جرير: وهو الله في السماوات ويعلم سركم وجهركم في الأرض فيعلم مقدم في الوجهين والأول أسلم وابعد من الإشكال وقيل غير هذا والقاعدة تنزيهه جل وعز عن الحركة والانتقال وشغل الأمكنة " ويعلم ما تكسبون " أي من خير وشر والكسب الفعل لاجتلاب نفع أو دفع ضرر ولهذا لا يقال لفعل الله كسب .
يقول الله تعالى مادحاً نفسه الكريمة وحامداً لها على خلقه السموات والأرض قراراً لعباده. وجعل الظلمات والنور منفعة لعباده في ليلهم ونهارهم, فجمع لفظ الظلمات, ووحد لفظ النور, لكونه أشرف, كقوله تعالى: "عن اليمين والشمائل" وكما قال في آخر هذه السورة "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" ثم قال تعالى: "ثم الذين كفروا بربهم يعدلون" أي ومع هذا كله كفر به بعض عباده, وجعلوا له شريكاً وعدلاً, واتخذوا له صاحبة وولداً, تعالى الله عز وجل عن ذلك علواً كبيراً. وقوله تعالى: "هو الذي خلقكم من طين" يعني أباهم آدم, الذي هو أصلهم, ومنه خرجوا فانتشروا في المشارق والمغارب! وقوله "ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده" قال سعيد بن جبير, عن ابن عباس "ثم قضى أجلاً" يعني الموت "وأجل مسمى عنده" يعني الاخرة, وهكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير, والحسن وقتادة والضحاك, وزيد بن أسلم وعطية والسدي, ومقاتل بن حيان وغيرهم, وقول الحسن في رواية عنه "ثم قضى أجلاً" وهو ما بين أن يخلق إلى أن يموت "وأجل مسمى عنده" وهو ما بين أن يموت إلى أن يبعث, هو يرجع إلى ما تقدم, وهو تقدير الأجل الخاص, وهو عمر كل إنسان وتقدير الأجل العام, وهو عمر الدنيا بكمالها, ثم انتهائها وانقضائها وزوالها,! وانتقالها والمصير إلى الدار الاخرة, وعن ابن عباس ومجاهد, "ثم قضى أجلاً" يعني مدة الدنيا, "وأجل مسمى عنده" يعني عمر الإنسان إلى حين موته, وكأنه مأخوذ من قوله تعالى بعد هذا "وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار" الاية, وقال عطية: عن ابن عباس "ثم قضى أجلاً" يعني النوم, يقبض فيه الروح, ثم يرجع إلى صاحبه عند اليقظة, "وأجل مسمى عنده" يعني أجل موت الإنسان, وهذا قول غريب, ومعنى قوله "عنده" أي لا يعلمه إلا هو, كقوله "إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو" وكقوله " يسألونك عن الساعة أيان مرساها * فيم أنت من ذكراها * إلى ربك منتهاها " وقوله تعالى: "ثم أنتم تمترون" قال السدي وغيره: يعني تشكون في أمر الساعة, وقوله تعالى: "وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون" اختلف مفسرو هذه الاية على أقوال, بعد اتفاقهم على إنكار قول الجهمية الأول القائلين, تعالى عن قولهم علواً كبيراً, بأنه في كل مكان, حيث حملوا الاية على ذلك, فالأصح من الأقوال: أنه المدعو الله في السموات وفي الأرض, أي يعبده ويوحده ويقر له بالإلهية من في السموات ومن في الأرض, ويسمونه الله ويدعونه رغباً ورهباً, إلا من كفر من الجن والإنس, وهذه الاية على هذا القول, كقوله تعالى: "وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله" أي هو إله من في السماء, وإله من في الأرض, وعلى هذا فيكون قوله "يعلم سركم وجهركم" خبراً أو حالاً (والقول الثاني) أن المراد أنه الله الذي يعلم ما في السموات وما في الأرض, من سر وجهر, فيكون قوله يعلم, متعلقاً بقوله "في السموات وفي الأرض" تقديره, وهو الله يعلم سركم وجهركم, في السموات وفي الأرض, ويعلم ما تكسبون, (والقول الثالث) أن قوله "وهو الله في السموات" وقف تام, ثم استأنف الخبر, فقال "وفي الأرض يعلم سركم وجهركم" وهذا اختيار ابن جرير, وقوله "ويعلم ما تكسبون" أي جميع أعمالكم خيرها وشرها.
قوله: 3- "وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون" قيل إن في السموات وفي الأرض متعلق باسم الله باعتبار ما يدل عليه من كونه معبوداً ومتصرفاً ومالكاً: أي هو المعبود أو المالك أو المتصرف في السموات والأرض كما تقول: زيد الخليفة في الشرق والغرب: أي حاكم أو متصرف فيهما، وقيل المعنى: وهو الله يعلم سركم وجهركم في السموات وفي الأرض فلا تخفى عليه خافية، فيكون العامل فيهما ما بعدهما. قال النحاس: وهذا من أحسن ما قيل فيه. وقال ابن جرير: هو الله في السموات ويعلم سركم وجهركم في الأرض. والأول أولى، ويكون "يعلم سركم وجهركم" جملة مقررة لمعنى الجملة الأولى، لأن كونه سبحانه في السماء والأرض يستلزم علمه بأسرار عباده وجهرهم، وعلمه بما يكسبونه من الخير والشر وجلب النفع ودفع الضرر.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن علي أن هذه الآية أعني الحمد لله إلى قوله: "ثم الذين كفروا بربهم يعدلون" نزلت في أهل الكتاب. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: نزلت هذه الآية في الزنادقة، قالوا: إن الله لم يخلق الظلمة ولا الخنافس ولا العقارب ولا شيئاً قبيحاً، وإنما يخلق النور وكل شيء حسن، فأنزلت فيهم هذه الآية. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس "وجعل الظلمات والنور" قال: الكفر والإيمان. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال: إن الذين بربهم يعدلون هم أهل الشرك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي مثله. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: "يعدلون" يشركون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: "ثم الذين كفروا بربهم يعدلون" قال: الآلهة التي عبدوها عدلوها بالله، وليس لله عدل ولا ند، وليس معه آلهة ولا اتخذ صاحبة ولا ولداً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس
"هو الذي خلقكم من طين" يعني آدم "ثم قضى أجلاً" يعني أجل الموت "وأجل مسمى عنده" أجل الساعة والوقوف عند الله. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عنه في قوله: "ثم قضى أجلاً" قال: أجل الدنيا، وفي لفظ أجل موته "وأجل مسمى عنده" قال: الآخرة لا يعلمه إلا الله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه "قضى أجلاً" قال: هو اليوم يقبض فيه الروح ثم يرجع إلى صاحبه من اليقظة "وأجل مسمى عنده" قال: هو أجل موت الإنسان.
3- قوله عز وجل: " وهو الله في السموات وفي الأرض "، يعني: وهو إله السموات والأرض، كقوله: " وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله "، وقيل: هو المعبود في السموات والأرض وقال محمد بن جرير : معناه هو الله في السموات يعلم سركم وجهركم في الأرض، [وقال الزجاج: فيه تقديم وتأخير تقديره: وهو الله، "يعلم سركم وجهركم "، في السموات والأرض]، "ويعلم ما تكسبون "، تعملون من الخير والشر .
3- " وهو الله " الضمير لله سبحانه وتعالى و " الله " خبره. " في السموات وفي الأرض " متعلق باسم " الله " والمعنى هو المستحق للعبادة فيهما لا غير، كقوله سبحانه وتعالى: " وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله " أو بقوله: " يعلم سركم وجهركم " والجملة خبر ثان، أو هي الخبر و " الله " بدل، ويكفي لصحة الظرفية كون المعلوم فيهما كقولك رميت الصيد في الحرم إذا كنت خارجه والصيد فيه أو ظرف مستقر وقع خبراً ، بمعنى أنه سبحانه وتعالى لكمال علمه بما فيهما كأنه فيهما، ويعلم سركم وجهركم بيان وتقرير له وليس متعلقاً بالمصدر لأن صفته لا تتقدم عليه." ويعلم ما تكسبون " من خير أو شر فيثيب عليه ويعاقب، ولعله أريد بالسر والجهر مما يخفى وما يظهر من أحوال الأنفس وبالمكتسب أعمال الجوارح .
3. He is Allah in the heavens and in the earth. He knoweth both your secret and your utterance, and He knoweth what ye earn.
3 - And he is God in the heavens and one earth. he knoweth what ye hide, and what ye reveal, and he knoweth the (recompense) which ye earn (by your deeds).