[الأنعام : 162] قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
162 - (قل إن صلاتي ونسكي) عبادتي من حج وغيره (ومحياي) حياتي (ومماتي) موتي (لله رب العالمين)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : " قل " ، يا محمد ، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام ، الذين يسألونك أن تتبع أهواءهم على الباطل من عبادة الألهة والأوثان ، " إن صلاتي ونسكي " ، يقول : وذبحي ، " ومحياي " ، يقول : وحياتي ، " ومماتي " يقول : ووفاتي ، الله رب العالمين ، ، يعني : أن ذلك كله له خالصاً دون ما أشركتم به ، أيها المشركون ، من الأوثان ، " لا شريك له " في شيء من ذلك من خلقه ، ولا لشيء منهم فيه نصيب ، لأنه لا ينبني أن يكون ذلك إلا له خالصاً، " وبذلك أمرت " ، يقول : وبذلك أمرني ربي ، " وأنا أول المسلمين " ، يقول : وأنا أول من أقر وأذعن وخضع من هذه الأمة لربه بأن ذلك كذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأوبل .
ذكر من قال : النسك ، في هذا الموضع ، الذبح .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد : " إن صلاتي ونسكي " ، قال : النسك ، الذبائح في الحج والعمرة.
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " ونسكي " ، ذبحي في الحج والعمرة.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ونسكي " ، ذبيحتي في الحج والعمرة.
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان عن إسمعيل -وليس ب ابن أبي خالد - عن سعيد بن جبير في قوله : " صلاتي ونسكي " ، مالى : ذبحي .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن إسمعيل ، عن سعيد بن جبير في قوله : " صلاتي ونسكي " ، قال : ذبحي .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن إسمعيل ، عن سعيد بن جبير - قال ابن مهدي : لا أدري من إسمعيل هذا! - " صلاتي ونسكي " ، قال : صلاتي وذبيحتي .
حدثني المثنى قال ، حدثنا اسحق قال ، حدثنا عبد الرزاق قال ، حدثنا الثوري ، عن اسمعيل بن أبي خالد ، عن سعيد بن جبير في قوله : " صلاتي ونسكي " ، قال : وذبيحتي .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، " ونسكي " ، تال : ذبحي .
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " ونسكي " ، قال : ذبيحتي .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : " صلاتي ونسكي " قال : الصلاة ، الصلاة ، و النسك ، الذبح .
الثانية- قوله تعالى: "قل إن صلاتي ونسكي" قد تقدم اشتقاق لفظ الصلاة. وقيل: المراد بها هنا صلاة الليل. وقيل: صلاة العيد. والنسك جمع نسيكة، وهي الذبيحة، وكذلك قال مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وغيرهم. والمعنى: ذبحي في الحج والعمرة. وقال الحسن: نسكي ديني. وقال الزجاج: عبادتي، ومنه الناسك الذي يتقرب إلى الله بالعبادة. وقال قوم: النسك في هذه الآية جميع أعمال البر والطاعات، من قولك نسك فلان فهو ناسك، إذا تعبد. "ومحياي" أي ما أعمله في حياتي "ومماتي" أي ما أوصي به بعد وفاتي. "لله رب العالمين" أي أفرده بالتقرب بها إليه. وقيل: "ومحياي ومماتي لله" أي حياتي وموتي له. وقرأ الحسن: نسكي بإسكان السين. وأهل المدينة ومحياي بسكون الياء في الإدراج. والعامة بفتحها، لأنه يجتمع ساكنان. قال النحاس: لم يجزه أحد من النحويين إلا يونس، وإنما أجازه لأن قبله ألفاً، والألف المدة التي فيها تقوم مقام الحركة. وأجاز يونس اضربان زيداً، وإنما منع النحويون هذا لأنه جمع بين ساكنين وليس في الثاني إدغام، ومن قرأ بقراءة أهل المدينة وأراد أن يسلم من اللحن وقف على محياي فيكون غير لاحن عند جميع النحويين. وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري ومحيي بتشديد الياء الثانية من غير ألف، وهي لغة عليا مضر يقولون: قفي وعصي. وأنشد أهل اللغة:
سبقوا هوي وأعنقوا لهواهم
وقد تقدم.
الثالثة- قال الكيا الطبري: قوله تعالى: "قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم" إلى قوله "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" استدل به الشافعي على افتتاح الصلاة بهذا الذكر، فإن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم وأنزله في كتابه، ثم ذكر حديث علي رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة قال:
وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين. إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين -إلى قوله- وأنا من المسلمين".
قلت: روى مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال:
وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين. إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك. تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك". الحديث. وأخرجه الدارقطني وقال في آخره: بلغنا عن النضر بن شميل وكان من العلماء باللغة وغيرها قال: معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم والشر ليس إليك الشر ليس مما يقتر به إليك. قال مالك: ليس التوجيه في الصلاة بواجب على الناس، والواجب عليهم التكبير ثم القراءة. قال ابن القاسم: لم ير مالك هذا الذي يقوله الناس قبل القراءة: سبحانك الهم وبحمدك. وفي مختصر ما ليس في المختصر: أن مالكاً كان يقوله في خاصة نفسه، لصحة الحديث به، وكان لا يراه للناس مخافة أن يعتقدوا وجوبه. قال أبو الفرج الجوزي: وكنت أصلي وراء شيخنا أبي بكر الدينوري الفقيه في زمان الصبا، فرآني مرة أفعل هذا فقال: يا بني، إن الفقهاء قد اختلفوا في وجوب قراءة الفاتحة خلف الإمام، ولم يختلفوا أن الافتتاح سنة، فاشتغل بالواجب ودع السنن. والحجة لمالك "قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي علمه الصلاة:
إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ" ولم يقل له سبح كما يقول أبو حنيفة، ولا قل وجهت وجهي، كما يقول الشافعي. وقال لأبي: كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟ قال: قلت الله أكبر، الحمد لله رب العالمين. فلم يذكر توجيهاً ولا تسبيحاً. فإن قيل: فإن علياً قد أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله. قلنا: يحتمل أن يكون قاله قبل التكبير ثم كبر، وذلك حسن عندنا. فإن قيل: فقد روى النسائي والدارقطني "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة كبر ثم يقول:
إن صلاتي ونسكي" الحديث قلنا: هذا نحمله على النافلة في صلاة الليل، كما جاء في كتاب النسائي عن أبي سعيد قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة بالليل قال:
سبحانك الله وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك". أو في النافلة مطلقاً، فإن النافلة أخف من الفرض، لأنه يجوز أن يصليها قائماً وقاعداً وراكباً، وإلى القبلة وغيرها في السفر، فأمرها أيسر. وقد روى النسائي عن محمد بن مسلمة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام يصلي تطوعاً قال:
الله أكبر وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين. إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك. ثم يقرأ". وهذا نص في التطوع لا في الواجب. وإن صح أن ذلك كان في الفريضة بعد التكبير، فيحمل على الجواز والاستحباب، وأما المسنون فالقراءة بعد التكبير، والله بحقائق الأمور عليم. ثم إذا قاله فلا يقل: وأنا أول المسلمين. وهي:
الرابعة: إذ ليس أحدهم بأولهم إلا محمداً صلى الله عليه وسلم. فإن قيل: أو ليس إبراهيم والنبيون قبله؟ قلنا عنه ثلاثة أجوبة: الأول: أنه أول الخلق أجمع معنىً، كما في حديث أبي هريرة من قوله عليه السلام:
"نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ونحن أول من يدخل الجنة". وفي حديث حذيفة:
"نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق". الثاني: أنه أولهم لكونه مقدماً في الخلق عليهم، قال الله تعالى: "وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح" [الأحزاب: 7]. قال قتادة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"كنت أول الأنبياء في الخلق وآخرهم في البعث". فذلك وقع ذكره هنا مقدماً قبل نوح وغيره. الثالث: أول المسلمين من أهل ملته، قاله ابن العربي، وهو قول قتادة وغيره. وقد اختلفت الروايات في أول ففي بعضها ثبوتها وفي بعضها لا، على ما ذكرنا. وروى عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يا فاطمة قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك في أول قطرة من دمها كل ذنب عملتيه ثم قولي: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. قال عمران: يا رسول الله، هذا لك ولأهل بيتك خاصة أم للمسلمين عامة؟ قال: بل للمسلمين عامة".
يقول تعالى آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين أن يخبر بما أنعم به عليه من الهداية إلى صراطه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف "ديناً قيماً" أي قائماً ثابتاً "ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين" كقوله " ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه " وقوله "وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم" وقوله " إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين * شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم * وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين * ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " وليس يلزم من كونه صلى الله عليه وسلم أمر باتباع ملة إبراهيم الحنيفية, أن يكون إبراهيم أكمل منه فيها لأنه عليه السلام قام بها قياماً عظيماً وأكملت له إكمالاً تاماً لم يسبقه أحد إلى هذا الكمال, ولهذا كان خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم على الإطلاق, وصاحب المقام المحمود الذي يرغب إليه الخلق حتى الخليل عليه السلام .
وقد قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن عبد الله بن حفص, حدثنا أحمد بن عصام, حدثنا أبو داود الطيالسي, حدثنا شعبة أنبأنا سلمة بن كهيل, سمعت ذر بن عبد الله الهمداني يحدث عن ابن أبزى عن أبيه, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال "أصبحنا على ملة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمد وملة أبينا إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين" وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد أخبرنا محمد بن إسحاق, عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأديان أحب إلى الله تعالى ؟ قال "الحنيفية السمحة" وقال أحمد أيضاً: حدثنا سليمان بن داود, حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذقني على منكبه, لأنظر إلى زفن الحبشة حتى كنت التي مللت فانصرفت عنه. قال عبد الرحمن عن أبيه قال: قال لي عروة إن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ "لتعلم يهود أن في ديننا فسحة, إني أرسلت بحنيفية سمحة", أصل الحديث مخرج في الصحيحين والزيادة لها شواهد من طرق عدة, وقد استقصيت طرقها في شرح البخاري ولله الحمد والمنة, وقوله تعالى "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" يأمره تعالى أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ويذبحون لغير اسمه أنه مخالف لهم في ذلك, فإن صلاته لله ونسكه على اسمه وحده لا شريك له, وهذا كقوله تعالى "فصل لربك وانحر" أي أخلص له صلاتك وذبحك, فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها, فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى, قال مجاهد في قوله "إن صلاتي ونسكي" النسك الذبح في الحج والعمرة, وقال الثوري عن السدي عن سعيد بن جبير "ونسكي" قال ذبحي, وكذا قال السدي والضحاك.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف, حدثنا أحمد بن خالد الذهبي, حدثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد النحر بكبشين وقال حين ذبحهما "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين" وقوله عز وجل "وأنا أول المسلمين" قال قتادة: أي من هذه الأمة, وهو كما قال فإن جميع الأنبياء قبله كلهم كانت دعوتهم إلى الإسلام, وأصله عبادة الله وحده لا شريك له كما قال "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" وقد أخبرنا تعالى عن نوح أنه قال لقومه "فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين" وقال تعالى " ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين * إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين * ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " وقال يوسف عليه السلام " رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين " وقال موسى "يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين * فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين * ونجنا برحمتك من القوم الكافرين" وقال تعالى "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار" الاية, وقال تعالى " وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون " فأخبر تعالى أنه بعث رسله بالإسلام, ولكنهم متفاوتون فيه بحسب شرائعهم الخاصة التي ينسخ بعضها بعضاً, إلى أن نسخت بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم التي لا تنسخ أبد الابدين, ولا تزال قائمة منصورة وأعلامها منشورة إلى قيام الساعة, ولهذا قال عليه السلام "نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد" فإن أولاد العلات هم الإخوة من أب واحد وأمهات شتى, فالدين واحد وهو عبادة الله وحده لا شريك له وإن تنوعت الشرائع التي هي بمنزلة الأمهات, كما أن إخوة الأخياف عكس هذا بنو الأم الواحدة من آباء شتى, والإخوة الأعيان الأشقاء من أب واحد وأم واحدة. والله أعلم.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد, حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الماجشون, حدثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي, عن الأعرج, عن عبيد الله بن أبي رافع, عن علي رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر استفتح ثم قال: "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين, إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين", "اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت, أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً لا يغفر الذنوب إلا أنت, واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت, واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت, تباركت وتعاليت, أستغفرك وأتوب إليك" ثم ذكر تمام الحديث فيما يقوله في الركوع والسجود والتشهد وقد رواه مسلم في صحيحه.
قوله: 162- "قل إن صلاتي" أمره الله سبحانه أن يقول لهم بهذه المقالة عقب أمره بأن يقول لهم بالمقالة السابقة، قيل: ووجه ذلك أن ما تضمنه القول الأول إشارة إلى أصول الدين، وهذا إلى فروعها. والمراد بالصلاة جنسها فيدخل فيه جميع أنواعها، وقيل: المراد بها هنا صلاة الليل، وقيل: صلاة العيد. والنسك: جمع نسيكة، وهي الذبيحة كذا قال مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وغيرهم: أي ذبيحتي في الحج والعمرة. وقال الحسن: ديني. وقال الزجاج: عبادتي من قولهم: نسك فلان هو ناسك: إذا تعبد، وبه قال جماعة من أهل العلم "ومحياي ومماتي" أي ما أعمله في حياتي ومماتي من أعمال الخير، ومن أعمال الخير في الممات الوصية بالصدقات وأنواع القربات، وقيل: نفس الحياة ونفس الموت "لله" قرأ الحسن نسكي بسكون السين. وقرأ الباقون بضمها. وقرأ أهل المدينة "محياي" بسكون الياء. وقرأ الباقون بفتحها لئلا يجتمع ساكنان. قال النحاس: لم يجزه، أي السكون أحد من النحويين إلا يونس، وإنما أجازه لأن المدة التي في الألف تقوم مقام الحركة. وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري محيى من غير ألف وهي لغة عليا مضر، ومنه قول الشاعر:
سبقوا هوي وأعنقوا لهواهم فتخرموا ولكل جنب مصرع
"لله رب العالمين" أي خالصاً له لا شريك له فيه.
162- " قل إن صلاتي ونسكي " ، قيل: أراد بالنسك الذبيحة في الحج والعمرة، وقال مقاتل: نسكي: حجي، وقيل: ديني، " ومحياي ومماتي "، أي: حياتي ووفاتي، " لله رب العالمين "، أي: هو يحييني ويميتني، وقيل: محياي بالعمل الصالح ومماتي إذا مت على الإيمان لله رب العاملين،وقيل: طاعتي في حياتي لله وجزائي بعد مماتي من الله رب العالمين. قرأ أهل المدينة: (ومحياي) بسكون الياء و(مماتي) بفتحها، وقراءة العامة (محياي) بفتح الياء لئلا يجتمع ساكنان .
162" قل إن صلاتي ونسكي " عبادتي كلها ، أو قرباتي أو حجي " ومحياي ومماتي " وما أنا عليه في حياتي وأموت عليه من الإيمان والطاعة ، أو طاعات الحياة والخيرات المضافة إلى الممات كالوصية والتدبير ، أو الحياة والممات أنفسهما وقرأ نافع " محياي" بإسكان الياء إجراء للوصل مجرى الوقف " لله رب العالمين "
162. Say: Lo! my worship and, my sacrifice and my living and my dying are for Allah, Lord of the Worlds.
162 - Say: truly, my prayer and my service of sacrifice, my life and my death, are (all) for God, the cherisher of the worlds: