[الأنعام : 150] قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَـذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ
150 - (قل هلم) أحضروا (شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا) الذي حرمتموه (فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون) يشركون
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : " قل " ، يا محمد، لهؤلاء المفترين على ربهم من عبدة الأوثان ، الزاعمين أن الله حرم عليهم ما هم محرموه من حروثهم وأنعامهم " هلم شهداءكم " يقول : هاتوا شهداءكم الذين يشهدون على الله أنه حرم عليكم ما تزعمون أنه حرمه عليكم .
وأهل العالية من تهامة توحد " هلم " في الواحد والاثنين والجميع ، وتذكر في المؤنث والمذكر، فتقول للواحد : هلم يا فلان ، وللاثنين والجميع كذلك ، وللأنثى مثله ، ومنه قول الأعشى :
وكان دعا قومة دعوة هلم إلى أمركم قد صرم
ينشد : هلم ، و هلموا . وأما أهل السافلة من نجد، فإنهم يوحدون للواحد، ويثنون للاثنين ، ويجمعون للجميع . فيقال للواحد من الرجال : هلم وللواحدة من النساء : هلمي ، وللاثنين : هلما، وللجماعة من الرجال : هلموا وللنساء: هلممن .
قال الله لنبيه : " فإن شهدوا" ، يقول : يا محمد، فإن جاءوك بشهداء يشهدون أن الله حرم ما يزعمون أن الله حرمه عليهم ، " فلا تشهد معهم" ، فإنهم كذبة وشهود زور في شهادتهم بما شهدوا به من ذلك على الله . وخاطب بذلك جل ثناءه نبيه صلى الله عليه وسلم ، والمراد به أصحابه والمؤمنون به ، " ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا" ، يقول : ولا تتابعهم على ما هم عليه من التكذيب بوحي الله وتنزيله ، في تحريم ما حرم ، وتحليل ما أحل لهم ، ولكن اتبع ما أوحي إليك من كتاب ربك الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، " والذين لا يؤمنون بالآخرة" ، يقول : ولا تتيع أهواء الذين لا يؤمنون بالاخرة، فتكذب بما هم به مكذبون من إحياء الله خلقه بعد مماتهم ، ونشره إياهم بعد فنائهم ، " وهم بربهم يعدلون " ، يقول : وهم مع تكذيبهم بالبعث بعد الممات ، وجحودهم قيام الساعة، بالله يعدلون الأوثان والأصنام ، فيجعلونها له عدلا، ويتخذونها له ندا ، يعبدونها من دونه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا" ، يقول : قل : أروني الذين يشهدون أن الله حرم هذا مما حرمت العرب ، وقالوا بر أمرنا الله به . قال الله لرسوله : " فإن شهدوا فلا تشهد معهم " .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : " هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا" ، قال : البحائر والسيب .
قوله تعالى: "قل هلم شهداءكم" أي قل لهؤلاء المشركين أحضروا شهداءكم على أن الله حرم ما حرمتم. و "هلم" كلمة دعوة إلى شيء، ويستوي فيه الواحد والجماعة والذكر والأنثى عند أهل الحجاز، إلا في لغة نجد فإنهم يقولون: هلما هلموا هلمي، يأتون بالعلامة كما تكون في سائر الأفعال. وعلى لغة أهل الحجاز جاء القرآن، قال الله تعالى: "والقائلين لإخوانهم هلم إلينا" [الأحزاب :18] يقول: هلم أي احضر أو ادن. وهلم الطعام، أي هات الطعام. والمعنى ههنا: هاتوا شهداءكم، وفتحت الميم لالتقاء الساكنين، كما تقول: رد يا هذا، ولا يجوز ضمها ولا كسرها. والأصل عند الخليل ها ضمت إليها لم ثم حذفت الألف لكثرة الاستعمال. وقال غيره. الأصل هل زيدت عليها لم. وقيل: هي على لفظها تدل على معنى هات. وفي كتاب العين للخليل: أصلها هل أؤم، أي هل أقصدك، ثم كثر استعمالهم إياها حتى صار المقصود بقولها احضر كما أن تعال أصلها أن يقولها المتعالي للمتسافل، فكثر استعمالهم إياها حتى صار المتسافل يقول للمتعالي تعال.
قوله تعالى: "فإن شهدوا" أي شهد بعضهم لبعض "فلا تشهد معهم" أي فلا تصدق أداء الشهادة إلا من كتاب أو على لسان نبي، وليس معهم شيء من ذلك.
هذه مناظرة ذكرها الله تعالى, وشبهة تشبث بها المشركون في شركهم وتحريم ما حرموا, فإن الله مطلع على ما هم فيه من الشرك والتحريم لما حرموه, وهو قادر على تغييره بأن يلهمنا الإيمان ويحول بيننا وبين الكفر فلم يغيره, فدل على أنه بمشيئته وإرادته ورضاه منا بذلك, ولهذا قالوا "لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء" كما في قوله تعالى, "وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم" الاية, وكذلك الاية التي في النحل مثل هذه سواء.
قال الله تعالى: "كذلك كذب الذين من قبلهم" أي بهذه الشبهة ضل من ضل قبل هؤلاء وهي حجة داحضة باطلة, لأنها لو كانت صحيحة لما أذاقهم الله بأسه ودمر عليهم وأدال عليهم رسله الكرام وأذاق المشركين من أليم الانتقام, "قل هل عندكم من علم" أي بأن الله راض عنكم فيما أنتم فيه "فتخرجوه لنا" أي فتظهروه لنا وتبينوه وتبرزوه "إن تتبعون إلا الظن" أي الوهم والخيال, والمراد بالظن هاهنا الاعتقاد الفاسد "وإن أنتم إلا تخرصون" تكذبون على الله فيما ادعيتموه, قال علي بن أبي طلحة: عن ابن عباس " لو شاء الله ما أشركنا " وقال "كذلك كذب الذين من قبلهم" ثم قال "ولو شاء الله ما أشركوا" فإنهم قالوا: عبادتنا الالهة تقربنا إلى الله زلفى فأخبرهم الله أنها لا تقربهم, فقوله "ولو شاء الله ما أشركوا" يقول تعالى لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين, وقوله تعالى: " قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين " يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم "قل" لهم يا محمد " فلله الحجة البالغة " أي له الحكمة التامة والحجة البالغة في هداية من هدى وإضلال من ضل, "فلو شاء لهداكم أجمعين" فكل ذلك بقدرته ومشيئته واختياره, وهو مع ذلك يرضى عن المؤمنين ويبغض الكافرين, كما قال تعالى: "ولو شاء الله لجمعهم على الهدى" وقال تعالى: " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض " وقوله " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " قال الضحاك: لا حجة لأحد عصى الله ولكن لله الحجة البالغة على عباده, وقوله تعالى: "قل هلم شهداءكم" أي أحضروا شهداءكم "الذين يشهدون أن الله حرم هذا" أي هذا الذي حرمتموه وكذبتم وافتريتم على الله فيه "فإن شهدوا فلا تشهد معهم" أي لأنهم إنما يشهدون والحالة هذه كذباً وزوراً " ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون " أي يشركون به ويجعلون له عديلاً.
ثم أمره الله أن يقول لهؤلاء المشركين: "هلم شهداءكم" أي هاتوهم وأحضروهم، وهو اسم فعل يستوي فيه المذكر والمؤنث، والمفرد والمثنى والمجموع عند أهل الحجاز، وأهل نجد يقولون: هلما هلمي هلموا، فينطقون به كما ينطقون بسائر الأفعال، وبلغة أهل الحجاز نزل القرآن، ومنه قوله تعالى: "والقائلين لإخوانهم هلم إلينا" والأصل عند الخليل ها ضمت إليها لم، وقال غيره: أصلها هل زيدت عليهم الميم، وفي كتاب العين للخليل: أن أصلها هل أؤم: أي هل أقصدك، ثم كثر استعمالهم لها، وهذا أيضاً من باب التبكيت لهم حيث يأمرهم بإحضار الشهود على أن الله حرم تلك الأشياء مع علمه أن لا شهود لهم "فإن شهدوا" لهم بغير علم بل مجازفة وتعصب "فلا تشهد معهم" أي فلا تصدقهم ولا تسلم لهم فإنهم كاذبون جاهلون، وشهادتهم باطلة "ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا" أي ولا تتبع أهواءهم، فإنهم رأس المكذبين بآياتنا. قوله: "والذين لا يؤمنون بالآخرة" معطوف على الموصول: أي لا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا، وأهواء الذين لا يؤمنون بالآخرة "وهم بربهم يعدلون" أي يجعلون له عدلاً من مخلوقاته كالأوثان، والجملة إما في محل نصب على الحال، أو معطوفة على لا يؤمنون.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد في قوله: "سيقول الذين أشركوا" قال: هذا قول قريش إن الله حرم هذا: أي البحيرة والسائبة، والوصيلة والحام. وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة " قل فلله الحجة البالغة " قال: السلطان. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه قيل له: إن ناساً يقولون ليس الشر بقدر، فقال ابن عباس: بيننا وبين أهل القدر هذه الآية: "سيقول الذين أشركوا" إلى قوله: " فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ". قال ابن عباس: والعجز والكيس من القدر. وأخرج أبو الشيخ عن علي بن زيد قال: انقطعت حجة القدرية عند هذه الآية "قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين". وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: "قل هلم شهداءكم" قال: أروني شهداءكم.
150- " قل هلم "، يقال للواحد والاثنين والجمع، " شهداءكم الذين يشهدون "، أي: ائتوا بشهدائكم الذين يشهدون، " أن الله حرم هذا "، هذا راجع إلى ما تقدم من تحريمهم الأشياء على أنفسهم ودعواهم أن الله أمرهم به، " فإن شهدوا "، كاذبين " فلا تشهد "، أنت، " معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون "، أي: يشركون.
150" قل هلم شهداءكم " أحضروهم ، وهو اسم فعل لا يتصرف عند أهل الحجاز ، وفعل يؤنث ويجمع عند بني تميم وأصله عند البصريين : ها لم من لم إذا قصد حذفت الألف لتقدير السكون في اللام فإنه الأصل ، وعند الكوفيون هل أم فحذفت الهمزة بإلقاء حركتها على اللام ، وهو بعيد لأن هل لا تدخل الأمر ويكون متعديا كما في الآية ولازما كقوله هلم إلينا " الذين يشهدون أن الله حرم هذا " يعني قدوتهم فيه استحضرهم ليلزمهم الحجة ويظهر بانقطاعهم ضلالتهم وأنه لا متمسك لهم كمن يقلدهم ، ولذلك قيد الشهداء بالإضافة ووصفهم بما يقتضي العهد بهم . " فإن شهدوا فلا تشهد معهم " فلا تصدقهم فيه وبين لهم فساده فإن تسلميه موفقة لهم في الشهادة الباطلة " ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا " من وضع المظهر موضع المضمر للدلالة على أن مكذب الآيات متبع الهوى لا غير ، وأن متبع الحجة لا يكون إلا مصدقا بها " والذين لا يؤمنون بالآخرة " كعبدة الأوثان " وهم بربهم يعدلون " يجعلون له عديلا.
150. Say: Come, bring your witnesses who can bear witness that Allah forbade (all) this. And if they bear witness, do not thou bear witness with them. Follow thou not the whims of those who deny Our revelations, those who believe not in the Hereafter and deem (others) equal with their Lord.
150 - Say: bring forward your witnesses to prove that God did forbid so and so. if they bring such witnesses, be not thou amongst them: nor follow thou the vain desires of such as treat our signs as falsehoods, and such as believe not in the hereafter: for they hold others as equal with their guardian lord.