[الأنعام : 1] الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ
1 - (الحمد) وهو الوصف بالجميل ثابت (لله) وهل المراد الإعلام بذلك للإيمان به أو الثناء به أو هما احتمالات أفيدها الثالث قاله الشيخ في سورة الكهف (الذي خلق السماوات والأرض) خصهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات للناظرين (وجعل) خلق (الظلمات والنور) أي كل ظلمة ونور وجمعها دونه لكثرة أسبابها وهذا من دلائل وحدانيته (ثم الذين كفروا) مع قيام هذا الدليل (بربهم يعدلون) يسوون غيره في العبادة
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "الحمد لله"، الحمد الكامل لله وحده لا شريك له دون جميع الأنداد والآلهة، ودون ما سواه مما تعبده كفرة خلقه من الأوثان والأصنام.
وهذا كلام مخرجه مخرج الخبر، ينحى به نحو الأمر. يقول: أخلصوا الحمد والشكر للذي خلقكم، أيها الناس، وخلق السماوات والأرض، ولا تشركوا معه في ذلك أحداً أو شيئاً، فإنه المستوجب عليكم الحمد بأياديه عندكم ونعمه عليكم، لا من تعبدونه من دونه، وتجعلونه له شريكاً من خلقه.
وقد بينا الفصل بين معنى الحمد و الشكر بشواهده فيما مضى قبل.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وأظلم الليل، وأنار النهار، كما:
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وجعل الظلمات والنور"، قال: الظلمات ظلمة الليل، والنور نور النهار.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أما قوله: "الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور"، فإنه خلق السماوات قبل الأرض، والظلمة قبل النور، والجنة قبل النار.
فإن قال قائل: فما معنى قوله إذاً: جعل.
قيل : إن العرب تجعلها ظرفاً للخبر والفعل فتقول: جعلت أفعل كذا، و جعلت أقوم وأقعد، تدل بقولها جعلت على اتصال الفعل، كما تقول علقت أفعل كذا، لا أنها في نفسها فعل. يدل على ذلك قول القائل: جعلت أقوم، وأنه لا جعل هناك سوى القيام، وإنما دل بقوله: جعلت على اتصال الفعل ودوامه ، ومن ذلك قول الشاعر:
وزعمت أنك سوف تسلك فارداً والموت مكتنع طريقي قادر
فاجعل تحلل من يمينك إنما حنث اليمين على الأثيم الفاجر
يقول: فاجعل تحلل، بمعنى: تحلل شيئاً بعد شيء، لا أن هناك جعلاً من غير التحليل. فكذلك كل جعل في العلام، إنما هو دليل على فعل له اتصال، لا أن له حظاً في معنى الفعل.
فقوله: وجعل الظلمات والنور، إنما هو: أظلم ليلهما، وأنار نهارهما.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، معجباً خلقه المؤمنين من كفرة عباده، ومحتجاً على الكافرين: إن الإله الذي يجب عليكم، أيها الناس، حمده، هو الذي خلق السماوات والأرض، الذي جعل منهما معايشكم وأقواتكم، وأقوات أنعامكم التي بها حياتكم. فمن السماوات ينزل عليكم الغيث، وفيها تجري الشمس والقمر باعتقاب واختلاف لمصالحكم. ومن الأرض ينبت الحب الذي به غذاؤكم، والثمار التي فيها ملاذكم، مع غير ذلك من الأمور التي فيها مصالحكم ومنافعكم بها، والذين يجحدون نعمة الله عليهم بما أنعم به عليهم من خلق ذلك لهم ولكم، أيها الناس، "بربهم"، الذي فعل ذلك وأحدثه، "يعدلون"، يجعلون له شريكاً في عبادتهم إياه، فيعبدون معه الآلهة والأنداد والأصنام والأوثان، وليس منها شيء شركه في خلق شيء من ذلك، ولا في إنعامه عليهم بما أنعم به عليهم، بل هو المنفرد بذلك كله، وهم يشركون في عبادتهم إياه غيره. فسبحان الله ما أبلغها من حجة، وأوجزها من عظة، لمن فكر فيها بعقل، وتدبرها بفهم!
ولقد قيل: إنها فاتحة التوراة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي، عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن رباح، عن كعب قال: فاتحة التوراة فاتحة الأنعام : "الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون".
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن حباب، عن جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن رباح، عن كعب، مثله، وزاد فيه: وخاتمة التوراة خاتمة هود.
يقال من مساواة الشيء بالشيء: عدلت هذا بهذا، إذا ساويته به، عدلاً. وأما في الحكم إذا أنصفت فيه، فإنك تقول: عدلت فيه أعدل عدلاً.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: "يعدلون"، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني ابن محمد عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "يعدلون"، قال: يشركون.
ثم اختلف أهل التأويل فيمن عني بذلك:
فقال بعضهم: عنى به أهل الكتاب.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن ابن أبزى قال: جاءه رجل من الخوارج يقرأ عليه هذه الآية: "الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون"، قال له: أليس الذين كفروا بربهم يعدلون؟ قال: بلى! قال: وانصرف عنه الرجل، فقال له رجل من القوم: يا ابن أبزي ، إن هذا قد أراد تفسير هذه غير هذا! إنه رجل من الخوارج! فقال ردوه علي. فلما جاءه قال: هل تدري فيمن نزلت هذه الآية؟ قال: لا! قال : إنها نزلت في أهل الكتاب، اذهب، ولا تضعها على غير حدها.
وقال آخرون: بل عني بها المشركون من عبدة الأوثان.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "ثم الذين كفروا بربهم يعدلون"، قال: هؤلاء: أهل صراحيه.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ثم الذين كفروا بربهم يعدلون"، قال: هم المشركون.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ثم الذين كفروا بربهم يعدلون"، قال: الآلهة التي عبدوها، عدلوها بالله. قال : وليس لله عدل ولا ند، وليس معه آلهة، ولا اتخذ صاحبةً ولا ولداً.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن الذين كفروا بربهم يعدلون، فعم بذلك جميع الكفار، ولم يخصص منهم بعضاً دون بعض. فجميعهم داخلون في ذلك: يهودهم، ونصاراهم، ومجوسهم، وعبدة الأوثان منهم ومن غيرهم من سائر أصناف الكفر.
سورة الأنعام وهي مكية في قول الأكثرين قال ابن عباس وقتادة هي مكية كلها إلا آيتين منها نزلتا بالمدينة ، قوله تعالى : " وما قدروا الله حق قدره " نزلت في مالك بن الصيف وكعب بن الأشرف اليهوديين ، والأخرى قوله" وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات " ، نزلت في ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري . وقال ابن جريج : نزلت في معاذ بن جبل ، وقاله الماوردي . وقال الثعلبي : سورة الأنعام مكية إلا ستة آيات نزلت بالمدينة " وما قدروا الله حق قدره " إلى آخر ثلاث آيات و " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم " إلى ىخر ثلاث آيات ، قال ابن عطية : وهي الآيات المحكمات وذكر ابن العربي : أن قوله تعالى : " قل لا أجد " نزل بمكة يوم عرفة . وسيأتي القول في جميع ذلك إنشاء الله .
وفي الخبر انها نزلت جملة واحدة غير الست الآيات وشيعها سبعون ألف ملك ، مع آية واحدة منها إثنا عشر ألف ملك ، وهي " وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو " نزلوا بها ليلا لهم زجل بالتسبيح والتحميد ، فدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب فكتبوها في ليلتهم . وأسند أبو جعفر النحاس قال : حدثنا محمد بن يحيى حدثنا أبوحاتم روح بن الفرج مولى الحضارمة قال حدثنا أحمد بن محمد أبوبكر العمري حدثنا ابن ابي فديك حدثني عمر بن طلحة بن علقمة بن وقاص عن نافع أبي سهل بن مالك عن أنس بن مالك قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نزلت سورة الأنعام معها موكب من الملائكة سد ما بين الخافقين لهم زجل بالتسبيح والأرض لهم ترتج ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سبحان ربي العظيم ثلاث مرات " . وذكر الدارمي أبو محمد في مسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : الأنعام من نجائب القرءان . وفيه عن كعب قال : فاتحة التوراة فاتحة الأنعام وخاتمتها خاتمة هود ، وقال وهب بن منبه أيضا . وذكر المهدوي قال المفسرون إن التوراة افتتحت بقوله : " الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض " الآية وختمت بقوله
" الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك " الإسراء - 111 إلى آخر الآية . وذكر الثعلبي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من قرء ثلاث آيات من أول سورة الأنعام إلى قوله " ويعلم ما تكسبون " وكل الله به أربعين ألف ملك يكتبون له مثل عبادتهم إلى يوم القيامة وينزل ملك من السماء السابعة ومعه مرزبة من حديد فإذا أراد الشيطان أن يوسوس له أو يوحي في قلبه شيء ضربه ضربة فيكون بينه وبينه سبعون حجاب ، فإذا كان يوم القيامة قال الله تعالى : امشي في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي وكل من ثمار جنتي واشرب من ماء الكوثر واغتسل من ماء السلسبيل فأنت عبدي وأنا ربك " وفي البخاري عن ابن عباس قال : إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام " قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم " إلى قوله : " وما كانوا مهتدين " الأنعام - 140 تنبيه - قال العلماء : هذه السورة أصل في محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين ومن كذب بالبعث والنشور وهذا يقتضي إنزالها جملة واحدة ، لأنها في معنا واحد من الحجة ، وأن تصرف ذلك وجهة كثيرة ، وعليها بنى المتكلمون أصول الدين ، لأن فيها آيات بينات ترد على القدرية دون السور التي تذكر والمذكورات ، وسنزيد ذلك بيانا إنشاء الله بحول الله تعالى وعونه .
فيه خمس مسائل:
الأولى- قوله تعالى :" الحمد لله " بدأ سبحانه فاتحتها بالحمد على نفسه، وإثبات الألوهية، أي أن الحمد كله له فلا شريك له فإن قيل: فقد افتتح غيرها بالحمد لله فكان الاجتزاء بواحدة يغني عن سائر فيقال: لأن لكل واحدة منه معنى في موضعه لا يؤدي عنه غيره من أجل عقده بالنعم المختلفة، وأيضاً فلما فيه من الحجة في هذا الموضع على الذين هم بربهم يعدلون وقد تقدم معنى الحمد في الفاتحة .
الثانية- قوله تعالى :" الذي خلق السماوات والأرض" أخبر عن قدرته وعلمه وإرادته فقال: الذي خلق أي اخترع وأوجد وأنشأ وابتدع والخلق يكون بمعنى الاختراع ويكون بمعنى التقدير، وقد تقدم، وكلاهما مراد هنا وذلك دليل على حدوثهما فرفع السماء بغير عمد وجعلها مستوية من غير أود وجعل فيها الشمس والقمر آيتين، وزينها بالنجوم وأودعها السحاب والغيوم علامتين، وبسط الأرض وأودعها الأرزاق والنبات وبث فيها من كل دابة آيات، وجعل فيها الجبال أوتاداً،وسبلاً فجاجاً وأجرى فيها الأنهار والبحار وفجر فيها من العيون من الأحجار دلالات على وحدانيته وعظيم قدرته وأنه هو الله الواحد القهار ، وبين بخلقه السماوات والأرض أنه خالق كل شيء .
الثالثة- خرج مسلم قال: حدثني سريج بن يونس وهرون بن عبيد الله قالا حدثنا حجاج بن محمد قال قال ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد بن عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة "عن أبي هريرة قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال:
خلق الله عز وجل التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر والليل ".
قلت: أدخل العلماء هذا الحديث تفسيراً لفاتحة هذه السورة قال البيهقي : وزعم أهل العلم بالحديث أنه غير محفوظ لمخالفة ما عليه أهل التفسير وأهل التواريخ، وزعم بعض أن إسماعيل بن أمية إنما أخذه عن إبراهيم بن أبي يحيى عن أيوب بن خالد وإبراهيم غير محتج به وذكر محمد بن يحيى قال: سألت على بن المديني عن حديث أبي هريرة خلق الله التربة يوم السبت فقال علي: هذا حديث مدني، رواه هشام بن يوسف عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمة عن أيوب بن خالد عن أبي رافع مولى أم سلمة "عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى لله عليه وسلم بيدي قال علي: وشبك بيدي إبراهيم بن أبي يحيى فقال لي : شبك بيدي أيوب بن خالد، وقال لي: شبك بيدي عبد الله بن رافع وقال لي: شبك بيدي أبو هريرة وقال لي: شبك بيدي أبو القاسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : خلق الله الأرض يوم السبت " فذكر الحديث نحوه قال علي بن المديني: وما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا الأمر إلا من إبراهيم بن أبي يحيى، قال البيهقي: وقد تابعه على ذلك موسى بن عبيدة الربذي عن أيوب بن خالد إلا أن موسى بن عبيدة ضعيف وروى عن بكر بن الشرود عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صفوان بن سليم، عن أيوب بن خالد وإسناده ضعيف "عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
إن في الجمعة ساعة لا يوافقها أحد يسأل الله عز وجل فيها شيئاً إلا أعطاه إياه " قال فقال عبد الله بن سلام: إن الله عز وجل ابتدأ الخلق فخلق الأرض يوم الأحد ويوم الإثنين وخلق السماوات يوم الأربعاء وخلق الأقوات وما في الأرض يوم الخميس ويوم الجمعة إلى صلاة العصر ،وما بين صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس خلق آدم ، خرجه البيهقي .
قلت: وفيه أن الله تعالى بدأ الخلق يوم الأحد لا يوم السبت وكذلك تقدم في البقرة عن ابن مسعود وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم فيها الاختلاف أيما خلق أولاً الأرض أو السماء مستوفى والحمد لله .
الرابعة - قوله تعالى :" وجعل الظلمات والنور " ذكر بعد خلق الجواهر خلق الأعراض لكون الجوهر لا يستغنى عنه وما لا يستغنى عن الحوادث فهو حادث والجوهر في اصطلاح المتكلمين هو الجزء الذي لا يتجزأ الحامل للعرض، وقد أتينا على ذكره في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى في أسمه الواحد وسمى العرض عرضا لأنه يعرض في الجسم والجوهر فيتغير به من حال إلى حال، والجسم هو المجتمع وأقل ما يقع عليه اسم الجسم جوهران مجتمعان وهذه الاصطلاحات وإن لم تكن موجود في الصدر الأول فقد دل عليها معنى الكتاب والسنة فلا معنى لإنكارها وقد استعملها العلماء واصطلحوا عليها كلامهم وقتلوا بها خصومهم ، كما تقدم في البقرة واختلف العلماء في المعنى المرد بالظلمات والنور فقال السدي وقتادة وجمهور المفسرين : المراد سواد الليل وضياء النهار، وقال الحسن:الكفر والإيمان قال ابن عطية: وهذا خروج عن الظاهر .
قلت: اللفظ يعمه وفي التنزيل :" أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات " [ الأنعام: 122] والأرض هنا اسم للجنس فإفرادها في اللفظ بمنزلة جمعها، وكذلك " والنور " ومثله " ثم يخرجكم طفلا" [غافر: 67] وقال الشاعر :
كلوا في بعض بطنكم تعفوا
وقد تقدم وجعل هنا بمعنى خلق لا يجوز غيره قاله ابن عطية
قلت: وعليه يتفق والمعنى في النسق، فيكون الجميع معطوفاً على الجميع والمفرد معطوفاً على المفرد فيتجانس اللفظ وتظهر الفصاحة والله أعلم وقيل: جمع " الظلمات " ووحد " النور " لأن الظلمات لا تتعدى والنور يتعدى وحكى الثعلبي أن بعض أهل المعاني قال: جعل هنا زائدة، والعرب تزيد جعل في الكلام كقول الشاعر:
وقد جعلت أرى الاثنين أربعة والواحد اثنين لما هدني الكبر
قال النحاس: جعل بمعنى خلق، وإذا كانت بمعنى خلق لم تتعد إلا إلى مفعول واحد، وقد تقدم هذا المعنى ومحامل جعل في البقرة مستوفى .
الخامسة- قوله تعالى :" ثم الذين كفروا بربهم يعدلون" ابتداء وخبر والمعنى: ثم الذين كفروا يجعلون لله عدلاً وشريكاً وهو الذي خلق هذه الأشياء وحده قال ابن عطية:ف ثم دالة على قبح فعل الكافرين لأن المعنى : أن خلقه السماوات والأرض قد تقرر، وآياته قد سطعت وإنعامه بذلك قد تبين، ثم بعد ذلك كله عدلوا بربهم فهذا كما تقول: يا فلان أعطيتك وأكرمتك وأحسنت إليك ثم تشتمني ولو وقع العطف بالواو في هذه ونحوه لم يلزم التوبيخ كلزومه بثم والله أعلم .
يقول الله تعالى مادحاً نفسه الكريمة وحامداً لها على خلقه السموات والأرض قراراً لعباده. وجعل الظلمات والنور منفعة لعباده في ليلهم ونهارهم, فجمع لفظ الظلمات, ووحد لفظ النور, لكونه أشرف, كقوله تعالى: "عن اليمين والشمائل" وكما قال في آخر هذه السورة "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" ثم قال تعالى: "ثم الذين كفروا بربهم يعدلون" أي ومع هذا كله كفر به بعض عباده, وجعلوا له شريكاً وعدلاً, واتخذوا له صاحبة وولداً, تعالى الله عز وجل عن ذلك علواً كبيراً. وقوله تعالى: "هو الذي خلقكم من طين" يعني أباهم آدم, الذي هو أصلهم, ومنه خرجوا فانتشروا في المشارق والمغارب! وقوله "ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده" قال سعيد بن جبير, عن ابن عباس "ثم قضى أجلاً" يعني الموت "وأجل مسمى عنده" يعني الاخرة, وهكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير, والحسن وقتادة والضحاك, وزيد بن أسلم وعطية والسدي, ومقاتل بن حيان وغيرهم, وقول الحسن في رواية عنه "ثم قضى أجلاً" وهو ما بين أن يخلق إلى أن يموت "وأجل مسمى عنده" وهو ما بين أن يموت إلى أن يبعث, هو يرجع إلى ما تقدم, وهو تقدير الأجل الخاص, وهو عمر كل إنسان وتقدير الأجل العام, وهو عمر الدنيا بكمالها, ثم انتهائها وانقضائها وزوالها,! وانتقالها والمصير إلى الدار الاخرة, وعن ابن عباس ومجاهد, "ثم قضى أجلاً" يعني مدة الدنيا, "وأجل مسمى عنده" يعني عمر الإنسان إلى حين موته, وكأنه مأخوذ من قوله تعالى بعد هذا "وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار" الاية, وقال عطية: عن ابن عباس "ثم قضى أجلاً" يعني النوم, يقبض فيه الروح, ثم يرجع إلى صاحبه عند اليقظة, "وأجل مسمى عنده" يعني أجل موت الإنسان, وهذا قول غريب, ومعنى قوله "عنده" أي لا يعلمه إلا هو, كقوله "إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو" وكقوله " يسألونك عن الساعة أيان مرساها * فيم أنت من ذكراها * إلى ربك منتهاها " وقوله تعالى: "ثم أنتم تمترون" قال السدي وغيره: يعني تشكون في أمر الساعة, وقوله تعالى: "وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون" اختلف مفسرو هذه الاية على أقوال, بعد اتفاقهم على إنكار قول الجهمية الأول القائلين, تعالى عن قولهم علواً كبيراً, بأنه في كل مكان, حيث حملوا الاية على ذلك, فالأصح من الأقوال: أنه المدعو الله في السموات وفي الأرض, أي يعبده ويوحده ويقر له بالإلهية من في السموات ومن في الأرض, ويسمونه الله ويدعونه رغباً ورهباً, إلا من كفر من الجن والإنس, وهذه الاية على هذا القول, كقوله تعالى: "وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله" أي هو إله من في السماء, وإله من في الأرض, وعلى هذا فيكون قوله "يعلم سركم وجهركم" خبراً أو حالاً (والقول الثاني) أن المراد أنه الله الذي يعلم ما في السموات وما في الأرض, من سر وجهر, فيكون قوله يعلم, متعلقاً بقوله "في السموات وفي الأرض" تقديره, وهو الله يعلم سركم وجهركم, في السموات وفي الأرض, ويعلم ما تكسبون, (والقول الثالث) أن قوله "وهو الله في السموات" وقف تام, ثم استأنف الخبر, فقال "وفي الأرض يعلم سركم وجهركم" وهذا اختيار ابن جرير, وقوله "ويعلم ما تكسبون" أي جميع أعمالكم خيرها وشرها.
قال الثعلبي: سورة الأنعام مكية إلا ست آيات نزلت بالمدينة وهي "وما قدروا الله حق قدره" إلى آخر ثلاث آيات، و "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم" إلى آخر ثلاث آيات. قال ابن عطية: وهي الآيات المحكمات، يعني في هذه السورة. وقال القرطبي: هي مكية إلا آيتين هما "وما قدروا الله حق قدره" نزلت في مالك بن الصيف وكعب بن الأشرف اليهوديين، وقوله تعالى: "وهو الذي أنشأ جنات معروشات" نزلت في ثابت بن قيس بن شماس. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: أنزلت سورة الأنعام بمكة. وأخرج أبو عبيد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عنه، قال: أنزلت سورة الأنعام بمكة ليلاً جملة وحولها سبعون ألف ملك يجأرون حولها بالتسبيح. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: نزلت سورة الأنعام يشيعها سبعون ألفاً من الملائكة. وأخرج ابن مردويه عن أسماء قال: نزلت سورة الأنعام على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مسير في زجل من الملائكة. وقد نظموا ما بين السماء والأرض. وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أسماء بنت يزيد نحوه. وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نزلت علي سورة الأنعام جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد" وهو من طريق إبراهيم بن نائلة شيخ الطبراني عن إسماعيل بن عمرو عن يوسف بن عطية بن عون عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره. وابن مردويه رواه عن الطبراني عن إسماعيل المذكور به. وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نزلت سورة الأنعام ومعها موكب من الملائكة يسد ما بين الخافقين، لهم زجل بالتسبيح والتقديس، والأرض ترتج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سبحان الله العظيم سبحان الله العظيم". وأخرج الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، والإسماعيلي في معجمه والبيهقي عن جابر قال: لما نزلت سورة الأنعام سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق". وأخرج البيهقي وضعفه والخطيب في تاريخه عن علي بن أبي طالب قال: أنزل القرآن خمساً خمساً، ومن حفظه خمساً خمساً لم ينسه، إلا سورة الأنعام فإنها نزلت جملة يشيعها من كل سماء سبعون ملكاً حتى أدوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ما قرئت على عليل إلا شفاه الله. وأخرج أبو الشيخ عن أبي بن كعب مرفوعاً نحو حديث ابن عمر. وأخرج النحاس في تاريخه عن ابن عباس قال: سورة الأنعام نزلت بمكة جملة واحدة، فهي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة "قل تعالوا أتل ما حرم" إلى تمام الآيات الثلاث. وأخرج الديلمي بسند ضعيف عن أنس مرفوعاً "ينادي مناد: يا قارئ سورة الأنعام هلم إلى الجنة بحبك إياها وتلاوتها". وأخرج ابن المنذر عن أبي جحيفة قال: نزلت سورة الأنعام جميعها معها سبعون ألف ملك كلها مكية إلا "ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة" فإنها مدنية. وأخرج أبو عبيد في فضائله والدارمي في مسنده ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب قال: الأنعام من نواجب القرآن. وأخرج محمد بن نصر عن ابن مسعود مثله. وأخرج السلفي بسند واه عن ابن عباس مرفوعاً: "من قرأ إذا صلى الغداة ثلاث آيات من أول سورة الأنعام إلى "ويعلم ما تكسبون" نزل إليه أربعون ألف ملك يكتب له مثل أعمالهم، ونزل إليه ملك من فوق سبع سموات ومعه مرزبة من حديد، فإن أوحى الشيطان في قلبه شيئاً من الشر ضربه ضربة حتى يكون بينه وبينه سبعون حجاباً، فإذا كان يوم القيامة، قال الله تعالى: أنا ربك وأنت عبدي، امش في ظلي واشرب من الكوثر واغتسل من السلسبيل وادخل الجنة بغير حساب ولا عذاب". وأخرج الديلمي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الفجر في جماعة وقعد في مصلاه وقرأ ثلاث آيات من أول سورة الأنعام وكل الله به سبعين ملكاً يسبحون الله ويستغفرون له إلى يوم القيامة". وفي فضائل هذه السورة روايات عن جماعة من التابعين مرفوعة وغير مرفوعة. قال القرطبي: قال العلماء: هذه السورة أصل في محجة المشركين وغيرهم من المبتدعين ومن كذب بالبعث والنشور، وهذا يقتضي إنزالها جملة واحدة لأنها في معنى واحد من الحجة وإن تصرف ذلك بوجوه كثيرة، وعليها بنى المتكلمون أصول الدين.
بدأ سبحانه هذه السورة بالحمد لله، للدلالة على أن الحمد كله له، ولإقامة الحجة على الذين هم بربهم يعدلون. وقد تقدم في سورة الفاتحة ما يغني عن الإعادة له هنا، ثم وصف نفسه بأنه الذي خلق السموات والأرض إخباراً عن قدرته الكاملة الموجبة لاستحقاقه لجميع المحامد، فإن من اخترع ذلك وأوجده هو الحقيق بإفراده بالثناء وتخصيصه بالحمد، والخلق يكون بمعنى الاختراع، وبمعنى التقدير وقد تقدم تحقيق ذلك، وجمع السموات لتعدد طباقها، وقدمها على الأرض لتقدمها في الوجود "والأرض بعد ذلك دحاها". قوله: 1- "وجعل الظلمات والنور" معطوف على خلق، ذكر سبحانه خلق الجواهر بقوله: "خلق السموات والأرض" ثم ذكر خلق الأعراض بقوله: "وجعل الظلمات والنور" لأن الجواهر لا تستغني عن الأعراض.
واختلف أهل العلم في المعنى المراد بالظلمات والنور، فقال جمهور المفسرين: المراد بالظلمات سواد الليل، وبالنور ضياء النهار. وقال الحسن: الكفر والإيمان. قال ابن عطية: وهذا خروج عن الظاهر انتهى. والأولى أن يقال: إن الظلمات تشمل كل ما يطلق عليه اسم الظلمة، والنور يشمل كل ما يطلق عليه اسم النور فيدخل تحت ذلك ظلمة الكفر ونور الإيمان "أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات" وأفرد النور لأنه جنس يشمل جميع أنواعه، وجمع الظلمات لكثرة أسبابها وتعدد أنواعها. قال النحاس: جعل هنا بمعنى خلق: وإذا كانت بمعنى خلق لم تتعد إلا إلى مفعول واحد. وقال القرطبي: جعل هنا بمعنى خلق لا يجوز غيره. قال ابن عطية: وعليه يتفق اللفظ والمعنى في النسق، فيكون الجمع معطوفاً على الجمع، والمفرد معطوفاً على المفرد، وتقديم الظلمات على النور لأنها الأصل، ولهذا كان النهار مسلوخاً من الليل. قوله: "ثم الذين كفروا بربهم يعدلون" معطوف على الحمد لله، أو على خلق السموات والأرض، وثم لاستبعاد ما صنعه الكفار من كونهم بربهم يعدلون مع ما تبين من أن الله سبحانه حقيق بالحمد على خلقه السموات والأرض والظلمات والنور، فإن هذا يقتضي الإيمان به وصرف الثناء الحسن إليه، لا الكفر به واتخاذ شريك له، وتقديم المفعول للاهتمام، ورعاية الفواصل، وحذف المفعول لظهوره: أي يعدلون به ما لا يقدر على شيء مما يقدر عليه، وهذا نهاية الحمق وغاية الرقاعة حيث يكون منه سبحانه تلك النعم، ويكون من الكفرة الكفر.
مكية، وهي مائة وخمس وستون آية، نزلت بمكة [جملة] ليلاً معها سبعون أفل ملك قد سدوا ما بين الخافقين، لهم زجل بالتسبيح والتحميد والتمجيد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم وخر ساجداً " .
وروي مرفوعاً: " من قرأ سورة الأنعام يصلي عليه أولئك السبعون ألف ملك ليله ونهاره " .
وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت سورة الأنعام بمكة، إلا قوله: " وما قدروا الله حق قدره " إلى آخر ثلاث آيات, وقوله تعالى: " قل تعالوا أتل "، إلى قوله: " لعلكم تتقون "، فهذه الست آيات مدنيات .
1-" الحمد لله الذي خلق السموات والأرض "، قال كعب الأحبار: هذه الآية أول آية في التوراة، وآخر آية في التوراة . قوله: " الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً " الآية (الإسراء-111) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: افتتح الله الخلق بالحمد، فقال: " الحمد لله الذي خلق السموات والأرض "، وختمه بالحمد فقال: " وقضي بينهم بالحق "، أي: بين الخلائق، "وقيل الحمد لله رب العالمين " [الزمر-75].
قوله: " الحمد لله " حمد الله نفسه تعليماً لعباده، أي: احمدوا الله الذي خلق السموات والأرض،خصهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد، وفيهما العبر والمنافع للعباد، " وجعل الظلمات والنور "، والجعل بمعنى الخلق، قال الواقدي : كل ما في القرآن من الظلمات والنور فهو الكفر والإيمان، إلا في هذه الآية فإنه يريد بهما الليل والنهار.
وقال الحسن: وجعل الظلمات والنور يعني الكفر والإيمان، وقيل: أراد بالظلمات الجهل وبالنور العلم .
وقال قتادة يعني الجنة والنار .
وقيل معناه خلق الله السموات والأرض، وقد جعل الظلمات والنور، لأنه قد خلق الظلمة والنور قبل السموات ولأرض .
قال قتادة : خلق الله السموات قبل الأرض، والظلمة قبل النور، والجنة قبل النار، وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى خلق الخلق في ظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأة ضل ".
" ثم الذين كفروا بربهم يعدلون "، أي: ثم الذين كفروا بعد هذا البيان بربهم يعدلون، أي: يشركون، وأصله من مساواة الشيء بالشيء، ومنه العدل، أي: يعدلون بالله غير الله تعالى، يقال: عدلت هذا بهذا إذا ساويته، وبه قال النضر بن شميل ، الباء بمعنى عن، أي: عن ربهم يعدلون، أي يميلون وينحرفون من العدول، قال الله تعالى " عيناً يشرب بها عباد الله " أي: منها .
وقيل: تحت قوله " ثم الذين كفروا بربهم يعدلون " معنى لطيف، وهو مثل قول القائل: أنعمت عليكم بكذا وتفضلت عليكم بكذا، ثم تكفرون بنعمتي .
1- " الحمد لله الذي خلق السموات والأرض " أخبر بأنه سبحانه وتعالى حقيق بالحمد، ونبه على أنه المستحق له على هذه النعم الجسام حمد أو يحمد، ليكون حجة على الذين هم بربهم يعدلون، وجمع السموات دون الأرض وهي مثلهن لأن طبقاتها مختلفة بالذات متفاوتة الآثار والحركات، وقدمها لشرفها وعلو مكانها وتقدم وجودها. " وجعل الظلمات والنور " أنشأهما، والفرق بين خلق وجعل الذي له مفعول واحد أن الخلق فيه معنى التقدير والجعل فيه معنى التضمين، ولذلك عبر عن إحداث النور والظلمة بالجعل تنبيهاً على أنهما لا يقومان بأنفسهما كما زعمت الثنوية، وجمع الظلمات لكثرة أسبابها والأجرام الحاملة لها، أو لأن بالظلمة الضلال، وبالنور الهدى والهدى واحد والضلال متعدد، وتقديمها لتقدم الإعدام على الملكات . ومن زعم أن الظلمة عرض يضاد النور احتج بهذه الآية ولم يعلم أن عدم الملكة كالعمى ليس صرف العدم حتى لا يتعلق به الجعل. " ثم الذين كفروا بربهم يعدلون " عطف على قوله الحمد لله على معنى أن الله سبحانه وتعالى حقيق بالحمد على ما خلقه نعمة على العباد، ثم الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمته ويكون بربهم تنبيهاً على أنه خلق هذه الأشياء أسباباً لتكونهم وتعيشهم، فمن حقه أن يحمد عليها ولا يكفر، أو على قوله خلق على معنى أنه وتعالى خلق ما لا يقدر عليه أحد سواه، ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء منه. ومعنى ثم: عدو لهم بعد هذا البيان، والباء على الأول متعلقة بكفروا وصلة يعدلون محذوفة أي يعدلون عنه ليقع الإنكار على نفس الفعل، وعلى الثاني متعلقة ب " يعدلون " والمعنى أن الكفار يعدلون بربهم الأوثان أي يسوونها به سبحانه وتعالى.
Surah 6. Al-An'am
1. Praise be to Allah, Who hath created the heavens and the earth, and hath appointed darkness and light. Yet those who disbelieve ascribe rivals unto their Lord.
SURA 7: AN'AM
1 - Praise be to God, who created the heavens and the earth, and made the darkness and the light. yet those who reject faith hold (others) as equal. with their guardian lord.