[الحشر : 20] لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ
20 - (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون)
يقول تعالى ذكره : لا يعتدل أهل النار وأهل الجنة ، أهل الجنة هم الفائزون ، يعني أنهم المدركون ما طلبوا وأرادوا ، الناجون مما حذروا .
قوله تعالى : " لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة " أي في الفضل والرتبة " أصحاب الجنة هم الفائزون " أي المقربون المكرمون . وقيل : الناجون من النار .وقد مضى الكلام في معنى هذه الآية في المائدة عند قوله تعالى : " قل لا يستوي الخبيث والطيب "[المائدة: 100] .وفي سورة السجدة عند قوله تعالى : " أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون " [السجدة : 18 ] . وفي سورة ص "أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار " [ص: 28 ] فلا معنى للإعادة ،والحمد لله .
قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار, قال: فجاءه قوم حفاة عراة محتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف, عامتهم من مضر بلكلهم من مضر, فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة, قال: فدخل ثم خرج, فأمر بلالاً فأذن وأقام الصلاة فصلى ثم خطب فقال: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ـ إلى آخر الاية وقرأ الاية التي في الحشر "ولتنظر نفس ما قدمت لغد" تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره ـ حتى قال ـ ولو بشق تمرة" قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها, بل قد عجزت, ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب, حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه كأنه مذهبة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء, ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" انفرد بإخراجه مسلم من حديث شعبة بإسناده مثله, فقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله" أمر بتقواه وهو يشمل فعل ما به أمر وترك ما عنه زجر.
وقوله تعالى: "ولتنظر نفس ما قدمت لغد" أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا, وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم "واتقوا الله" تأكيد ثان "إن الله خبير بما تعملون" أي اعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم, لا تخفى عليه منكم خافية ولا يغيب من أموركم جليل ولا حقير وقوله تعالى: "ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم" أي لا تنسوا ذكر الله تعالى: فينسيكم العمل لمصالح أنفسكم التي تنفعكم في معادكم, فإن الجزاء من جنس العمل, ولهذا قال تعالى: "أولئك هم الفاسقون" أي الخارجون عن طاعة الله الهالكون يوم القيامة الخاسرون يوم معادهم, كما قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون".
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي, حدثنا المغيرة, حدثنا جرير بن عثمان عن نعيم بن نمحة قال: كان في خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه: أما تعلمون أنكم تغدون وتروحون لأجل معلوم, فمن استطاع أن يقضي الأجل وهو في عمل الله عز وجل فليفعل, ولن تنالوا ذلك إلا بالله عز وجل, إن قوماً جعلوا آجالهم لغيرهم فنهاكم الله عز وجل أن تكونوا أمثالهم "ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم" أين من تعرفون من إخوانكم ؟ قدموا على ما قدموا في أيام سلفهم وخلوا بالشقوة والسعادة, وأين الجبارون الأولون الذي بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط ؟ قد صاروا تحت الصخر والابار, هذا كتاب الله لا تفنى عجائبه فاستضيئوا منه ليوم ظلمة, واستضيئوا بسنائه وبيانه, إن الله تعالى أثنى على زكريا وأهل بيته فقال تعالى: "إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين" لا خير في قول لا يراد به وجه الله ولا خير في مال لا ينفق في سبيل الله, ولا خير فيمن يغلب جهله حلمه, ولا خير فيمن يخاف في الله لومة لائم. هذا إسناد جيد ورجاله كلهم ثقات, وشيخ جريز بن عثمان وهو نعيم بن نمحة لا أعرفه بنفي ولا إثبات, غير أن أبا داود السجستاني قد حكم بأن شيوخ حرير كلهم ثقات, وقد روي لهذه الخطبة شواهد من وجوه أخر والله أعلم.
وقوله تعالى: "لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة" أي لا يستوي هؤلاء وهؤلاء في حكم الله تعالى يوم القيامة, كما قال تعالى: "أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون" وقال تعالى: "وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلاً ما تتذكرون" وقال تعالى: "أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض ؟ أم نجعل المتقين كالفجار". في آيات أخر دالات على أن الله تعالى يكرم الأبرار ويهين الفجار, ولهذا قال تعالى ههنا: "أصحاب الجنة هم الفائزون" أي الناجون المسلمون من عذاب الله عز وجل.
20- "لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة" في الفضل والرتبة، والمراد الفريقان على العموم، فيدخل في فريق أهل النار من نسي الله منهم دخولاً أولياً، ويدخل في فريق أهل الجنة الذين اتقوا دخولاً أولياً لأن السياق فيهم، وقد تقدم الكلام في معنى مثل هذه الآية في سورة المائدة، وفي سورة السجدة، وفي سورة ص. ثم أخبر سبحانه وتعالى عن أصحاب الجنة بعد نفي التساوي بينهم وبين أهل النار فقال: "أصحاب الجنة هم الفائزون" أي الظافرون بكل مطلوب الناجون من كل مكروه.
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "ألم تر إلى الذين نافقوا" قال: عبد الله بن أبي ابن سلول ورفاعة بن تابوت وعبد الله بن نبتل وأوس بن قيظي، وإخوانهم بنو النضير. وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر وأبو نعيم في الدلائل عنه أن رهطاً من بني عوف بن الحارث منهم عبد الله بن أبي ابن سلول ووديعة بن مالك وسويد وداعس بعثوا إلى بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا فإننا لا نسلمكم وإن قوتلتم قاتلنا معكم وإن أخرجتم خرجنا معكم، فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرعب فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم، على أن لهم ما حملت الإبل إلا الحلقة، ففعل فكان الرجل منهم يهدم بيته فيضعه على ظهر بعير فينطلق به، فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام. وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً في قوله: "تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى" قال: هم المشركون. وأخرج عبد الرزاق وابن راهويه وأحمد في الزهد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن علي بن أبي طالب أن رجلاً كان يتعبد في صومعة وأن امرأة كان لها إخوة، فعرض لها شيء فأتوه بها فزينت له نفسه فرقع عليها فحملت، فجاءه الشيطان فقال اقتلها فإنهم إن ظهروا عليك افتضحت فقتلها ودفنها، فجاءوا فأخذوه فذهوبوا به، فبينما هم يمشون إذ جاءه الشيطان فقال: إني أنا الذي زينت لك فاسجد لي سجدة أنجيك، فسجد له، فذلك قوله: "كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر" الآية. قلت: وهذا لا يدل على أن هذ الإنسان هو المقصود بالآية، بل يدل على أنه من جملة من تصدق عليه. وقد أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس بأطول من هذا، وليس فيه ما يدل على أنه المقصود بالآية. وأخرجه بنحوه ابن جرير عن ابن مسعود. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود في قوله: "كمثل الشيطان" قال: ضرب الله مثل الكفار والمنافقين الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر.
20- "لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون".
20-" لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة " الذين استكملوا نفوسهم فاستأهلوا الجنة والذين استمهزها فاستحقوا النار ، واحتج به أصحابنا على أن المسلم لا يقتل بالكافر . " أصحاب الجنة هم الفائزون " بالنعيم المقيم .
20. Not equal are the owners of the Fire and the owners of the Garden. The owners of the Garden, they are the victorious.
20 - Not equal are the Companions of the Fire and the Companions of the Garden: it is the Companions of the Garden that will achieve Felicity;