[الحشر : 15] كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
15 - مثلهم في ترك الإيمان (كمثل الذين من قبلهم قريبا) بزمن قريب وهم أهل بدر من المشركين (ذاقوا وبال أمرهم) عقوبته في الدنيا من القتل وغيره (ولهم عذاب أليم) مؤلم في الآخرة
يقول تعالى ذكره : مثل هؤلاء اليهود من بني النضير والمنافقين فيما الله صانع بهم من إحلال عقوبته بهم " كمثل الذين من قبلهم " يقول : كشبههم .
واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بالذين من قبلهم ، فقال بعضهم : عني بذلك بنو قينقاع .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قوله " كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم " يعني بني قينقاع .
وقال آخرون : عني بذلك مشركو قريش ببدر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم " قال : كفار قريش .
وأولى الأقوال بالصواب أن يقال : إن الله عز وجل مثل هؤلاء الكفار من أهل الكتاب مما هو مذيقهم من نكاله بالذين من قبلهم من مكذبي رسوله صلى الله عليه وسلم ، الذي أهلكهم بسخطه ، وأمر بني قينقاع ، ووقعة بدر ، كانا قبل جلاء بني النضير ، وكل أولئك قد ذاقوا وبال أمرهم ، ولم يخصص الله عز وجل منهم بعضاً في تمثيل هؤلاء بهم دون بعض ، وكل ذائق وبال أمره ، فمن قربت مدته منهم قبلهم ، فهم ممثلون بهم فيما عنوا به من المثل .
وقوله " ذاقوا وبال أمرهم " يقول : نالهم عقاب الله على كفرهم به .
وقوله " ولهم عذاب أليم " يقول : ولهم في الآخرة مع ما نالهم في الدنيا من الخزي عذاب أليم ، يعني : موجع .
قال ابن عباس : يعني به قينقاع ، أمكن الله منهم قبل بني النضير . وقال قتادة يعني بني النضير ، أمكن الله منهم قبل قريضة . مجاهد : يعني كفار قريش يوم بدر . وقيل : هو عم في كل من انتقم منه على كفره قبل بني النضير من نوح إلى محمد صلى الله عليه وسلم . ومعنى "وبال " جزاء كفرهم . ومن قال : هم بني قريظة ، جعل " وبال أمرهم " نزورهم على حكم سعد بن معاذ فحكم فيهم بقتل المقاتلة وسبي الذرية . وهو قول الضحاك . ومن قال المراد بنو النضير قال : " وبال أمرهم " الجلاء والنفي . وكان بين النضير وقريظة سنتان . وكانت وقعت بدر قبل غزوة بني النضير بستة أشهر ، فلذلك قال : قربا وقد قال قوم : غزوة بني النضير بعد وقعة أحد ." ولهم عذاب أليم " في الآخرة .
يخبر تعالى عن المنافقين كعبد الله بن أبي وأضرابه حين بعثوا إلى يهود بني النضير يعدونهم النصر من أنفسهم فقال تعالى: " ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم " قال الله تعالى: "والله يشهد إنهم لكاذبون" أي لكاذبون فيما وعدوهم به إما لأنهم قالوا لهم قولاً, ومن نيتهم أن لا يفوا لهم به, وإما لأنهم لا يقع منهم الذي قالوه, ولهذا قال تعالى: "ولئن قوتلوا لا ينصرونهم" أي لا يقاتلون معهم "ولئن نصروهم" أي قاتلوا معهم "ليولن الأدبار ثم لا ينصرون" وهذه بشارة مستقلة بنفسها, كقوله تعالى: "لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله" أي يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله "إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية" ولهذا قال تعالى "ذلك بأنهم قوم لا يفقهون" ثم قال تعالى: "لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر" يعني أنهم من جبنهم وهلعهم لا يقدرون على مواجهة جيش الإسلام بالمبارزة والمقاتلة بل إما في حصون أو من وراء جدر محاصرين فيقاتلون للدفع عنهم ضرورة.
ثم قال تعالى: "بأسهم بينهم شديد" أي عداوتهم فيما بينهم شديدة, كما قال تعالى: "ويذيق بعضكم بأس بعض" ولهذا قال تعالى: "تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى" أي تراهم مجتمعين فتحسبهم مؤتلفين وهم مختلفون غاية الاختلاف, قال إبراهيم النخعي: يعني أهل الكتاب والمنافقين "ذلك بأنهم قوم لا يعقلون" ثم قال تعالى: "كمثل الذين من قبلهم قريباً ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم" قال مجاهد والسدي ومقاتل بن حيان: يعني كمثل ما أصاب كفار قريش يوم بدر, وقال ابن عباس: كمثل الذين من قبلهم يعني يهود بني قينقاع, وكذا قال قتادة ومحمد بن إسحاق, وهذا القول أشبه بالصواب فإن يهود بني قينقاع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجلاهم قبل هذا.
وقوله تعالى: "كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك" يعني مثل هؤلاء اليهود في اغترارهم بالذين وعدوهم النصر من المنافقين وقول المنافقين لهم لئن قوتلتم لننصرنكم, ثم لما حقت الحقائق وجد بهم الحصار والقتال, تخلوا عنهم وأسلموهم للهلكة, مثالهم في هذا كمثل الشيطان إذ سول للإنسان ـ والعياذ بالله ـ الكفر, فإذا دخل فيما سول له تبرأ منه وتنصل وقال "إني أخاف الله رب العالمين". وقد ذكر بعضهم ههنا قصة لبعض عباد بني إسرائيل هي كالمثال لهذا المثل, لا أنها المرادة وحدها بالمثل, بل هي منه مع غيرها من الوقائع المشاكلة لها, فقال ابن جرير: حدثنا خلاد بن أسلم أخبرنا النضر بن شميل أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق سمعت عبد الله بن نهيك قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول إن راهباً تعبد ستين سنة, وإن الشيطان أراده فأعياه فعمد إلى امرأة فأجنها, ولها إخوة فقال لإخوتها عليكم بهذا القس فيداويها, قال فجاؤوا بها إليه فداواها وكانت عنده, فبينما هو يوماً عندها إذ أعجبته فأتاها فحملت, فعمد إليها فقتلها فجاء إخوتها, فقال الشيطان للراهب: أنا صاحبك إنك أعييتني أنا صنعت هذا بك فأطعني أنجك مما صنعت بك, فاسجد لي سجدة, فسجد له فلما سجد له قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين, فذلك قوله: " كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين ".
وقال ابن جرير: حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي حدثنا أبي عن أبيه عن جده عن الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود في هذه الاية "كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين" قال: كانت امرأة ترعى الغنم وكان لها أربعة إخوة, وكانت تأوي بالليل إلى صومعة راهب, قال فنزل الراهب ففجر بها فحملت, فأتاه الشيطان فقال له اقتلها ثم ادفنها فإنك رجل مصدق يسمع قولك, فقتلها ثم دفنها قال فأتى الشيطان إخوتها في المنام, فقال لهم إن الراهب صاحب الصومعة فجر بأختكم, فلما أحبلها قتلها ثم دفنها في مكان كذا وكذا, فلما أصبحوا قال رجل منهم: والله لقد رأيت البارحة رؤيا ما أدري أقصها عليكم أم أترك ؟ قالوا: لابل قصها علينا. قال فقصها فقال الاخر: وأنا والله لقد رأيت ذلك, فقال الاخر: وأنا والله لقد رأيت ذلك, قالوا: فوالله ما هذا إلا لشيء قال فانطلقوا فاستعدوا ملكهم على ذلك الراهب, فأتوه فأنزلوه ثم انطلقوا به فلقيه الشيطان, فقال إني أنا الذي أوقعتك في هذا ولن ينجيك منه غيري, فاسجد لي سجدة واحدة وأنجيك مما أوقعتك فيه, قال فسجد له, فلما أتوا به ملكهم تبرأ منه وأخذ فقتل. وكذا روي عن ابن عباس وطاوس ومقاتل بن حيان نحو ذلك, واشتهر عند كثير من الناس أن هذا العابد هو برضيضا فالله أعلم.
وهذه القصة مخالفة لقصة جريج العابد فإن جريجاً اتهمته امرأة بغي بنفسها, وادعت أن حملها منه ورفعت أمرها إلى ولي الأمر فأمر به فأنزل من صومعته وخربت صومعته وهو يقول ما لكم ما لكم ؟ قالوا يا عدو الله فعلت بهذه المرأة كذا وكذا, فقال جريج اصبروا ثم أخذ ابنها وهو صغير جداً, ثم قال يا غلام من أبوك. قال أبي الراعي وكانت قد أمكنته من نفسها فحملت منه, فلما رأى بنو إسرائيل ذلك عظموه كلهم تعظيماً بليغاً وقالوا نعيد صومعتك من ذهب, قال لابل أعيدوها من طين كما كانت. وقوله تعالى: "فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها" أي فكان عاقبة الامر بالكفر والفاعل له ومصيرهما إلى نار جهنم خالدين فيها "وذلك جزاء الظالمين" أي جزاء كل ظالم.
15- "كمثل الذين من قبلهم" أي مثلهم كمثل الذين من قبلهم، والمعنى: أن مثل المنافقين واليهود كمثل الذين من قبلهم من كفار المشركين "قريباً" يعني في زمان قريب، وانتصاب قريباً إلى الظرفية: أي يشبهونهم في زمن قريب، وقيل العامل فيه ذاقوا: أي ذاقوا في زمن قريب، ومعنى "ذاقوا وبال أمرهم" أي سوء عاقبة كفرهم في الدنيا بقتلهم يوم بدر، وكاذن ذلك قبل غزوة بني النضير بستة أشهر، قاله مجاهد وغيره، وقيل المراد بنو النضير حيث أمكن الله منهم، قاله قتادة. وقيل قتل بني قريظة، قاله الضحاك. وقيل هو عام في كل من انتقم الله منه بسبب كفره، والأول أولى "ولهم عذاب أليم" أي في الآخرة.
15- "كمثل الذين من قبلهم"، يعني: مثل هؤلاء اليهود كمثل الذين من قبلهم، "قريباً"، يعني مشركي مكة، "ذاقوا وبال أمرهم"، يعني القتل ببدر، وكان ذلك قبل غزوة بني النضير، قاله مجاهد. وقال ابن عباس: كمثل الذين من قبلهم يعني بني قينقاع. وقيل: مثل قريظة كمثل بني النضير وكان بينهما سنتان. "ولهم عذاب أليم".
15-" كمثل الذين من قبلهم " أي اليهود كمثل أهل بدر ، أو بني قينقاع إن صح أنهم أخرجوا قبل النضير ، أو المهلكين من الأمم الماضية " قريباً " في زمان قريب وانتصابه بمثل إذ التقدير كوجود مثل ." ذاقوا وبال أمرهم " سوء عاقبة كفرهم في الدنيا . " ولهم عذاب أليم " في الآخرة .
15. On the likeness of those (who suffered) a short time before them, they taste the ill effects of their conduct, and theirs is painful punishment.
15 - Like those who lately preceded them, they have tasted the evil result of their conduct; and (in the Hereafter there is) for them a grievous Penalty;