[الحشر : 11] أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
11 - (ألم تر) تنظر (إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب) وهم بنو النضير واخوانهم في الكفر (لئن) لام قسم في الأربعة (أخرجتم) من المدينة (لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم) في خذلانكم (أحدا أبدا وإن قوتلتم) حذفت منه اللام الموطئة (لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون)
ك وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال أسلم ناس من أهل قريظة وكان فيهم منافقون وكانوا يقولون لأهل النضير لئن أخرجتم لنخرجن معكم فنزلت هذه الآية فيهم ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لاخوانهم
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ألم تنظر بعين قلبك يا محمد ، فترى إلى الذين نافقوا ؟ وهم فيما ذكر عبد الله بن أبي سلول ، ووديعة ومالك ابنا نوفل وسويد وداعس بعثوا إلى بني النضير حين نزل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للحرب أن اثبتوا وتمنعوا ، فإنا لن نسلمكم ، وإن قوتلتم قاتلنا معكم ، وإن خرجتم ، خرجنا معكم ، فتربصوا لذلك من نصرهم ، فلم يفعلوا ، وقذف الله في قلوبهم الرعب ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ، ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة .
حدثنا بذلك ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال : ثنا محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن رومان .
وقال مجاهد في ذلك ما :
حدثني به محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " ألم تر إلى الذين نافقوا " قال عبد الله بن أبي سلول ، ورافعة بن تابوت ، وقال الحارث رفاعة بن تابوت ، ولم يشك فيه وعبد الله بن نبتل ، وأوس بن قيظي .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قوله " ألم تر إلى الذين نافقوا " يعني عبد الله بن أبي سلول وأصحابه ، ومن كان منهم على مثل أمرهم .
وقوله : " يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب " يعني بني النضير .
كما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس " يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب " يعني : بني النضير .
وقوله : " لئن أخرجتم لنخرجن معكم " يقول : لئن أخرجتم من دياركم ومنازلكم ، وأجليتم عنها لنخرجن معكم ، فنجلى عن منازلنا وديارنا معكم .
وقوله : " ولا نطيع فيكم أحدا أبدا " يقول : ولا نطيع أحداً سألنا خذلانكم ، وترك نصرتكم ، ولكنا نكون معكم ( ولئن قوتلتم لننصرنكم ) يقول وإن قاتلكم محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه لننصرنكم معشر النضير عليهم .
وقوله : " والله يشهد إنهم لكاذبون " يقول : والله يشهد إن هؤلاء المنافقين الذين وعدوا بني النضير النصرة على محمد صلى الله عليه وسلم " لكاذبون " في وعدهم إياهم ما وعدوهم من ذلك .
تعجب من اغترار اليهود بما وعدهم المنافقون من النصر مع علمهم بأنهم لا يعتقدون ولا كتابا . ومن جملة المنافقين عبد الله بت أبي ابن سلول ، وعبد الله نبتل ، ورفاعة بن زيد ، وقيل : رافعة بن تابوت ، وأوس بن قيظي كانوا من الأنصار ولكنهم نافقوا ، وقالوا ليهود قرظة والنضير . " لئن أخرجتم لنخرجن معكم " .وقيل : هو من قول بني النضير لقريظة . وقوله " ولا نطيع فيكم أحدا أبدا " يعنون محمد صلى الله عليه ، لا نطيعه في قتالكم . وفي هذا دليل على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من جهة علم الغيب ، لأنهم أخرجوا فلم يخرجوا ، وقوتلوا فلم ينصروهم ، كما قال الله تعالى : " والله يشهد إنهم لكاذبون " أي في قولهم وفعلهم .
يخبر تعالى عن المنافقين كعبد الله بن أبي وأضرابه حين بعثوا إلى يهود بني النضير يعدونهم النصر من أنفسهم فقال تعالى: " ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم " قال الله تعالى: "والله يشهد إنهم لكاذبون" أي لكاذبون فيما وعدوهم به إما لأنهم قالوا لهم قولاً, ومن نيتهم أن لا يفوا لهم به, وإما لأنهم لا يقع منهم الذي قالوه, ولهذا قال تعالى: "ولئن قوتلوا لا ينصرونهم" أي لا يقاتلون معهم "ولئن نصروهم" أي قاتلوا معهم "ليولن الأدبار ثم لا ينصرون" وهذه بشارة مستقلة بنفسها, كقوله تعالى: "لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله" أي يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله "إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية" ولهذا قال تعالى "ذلك بأنهم قوم لا يفقهون" ثم قال تعالى: "لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر" يعني أنهم من جبنهم وهلعهم لا يقدرون على مواجهة جيش الإسلام بالمبارزة والمقاتلة بل إما في حصون أو من وراء جدر محاصرين فيقاتلون للدفع عنهم ضرورة.
ثم قال تعالى: "بأسهم بينهم شديد" أي عداوتهم فيما بينهم شديدة, كما قال تعالى: "ويذيق بعضكم بأس بعض" ولهذا قال تعالى: "تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى" أي تراهم مجتمعين فتحسبهم مؤتلفين وهم مختلفون غاية الاختلاف, قال إبراهيم النخعي: يعني أهل الكتاب والمنافقين "ذلك بأنهم قوم لا يعقلون" ثم قال تعالى: "كمثل الذين من قبلهم قريباً ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم" قال مجاهد والسدي ومقاتل بن حيان: يعني كمثل ما أصاب كفار قريش يوم بدر, وقال ابن عباس: كمثل الذين من قبلهم يعني يهود بني قينقاع, وكذا قال قتادة ومحمد بن إسحاق, وهذا القول أشبه بالصواب فإن يهود بني قينقاع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجلاهم قبل هذا.
وقوله تعالى: "كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك" يعني مثل هؤلاء اليهود في اغترارهم بالذين وعدوهم النصر من المنافقين وقول المنافقين لهم لئن قوتلتم لننصرنكم, ثم لما حقت الحقائق وجد بهم الحصار والقتال, تخلوا عنهم وأسلموهم للهلكة, مثالهم في هذا كمثل الشيطان إذ سول للإنسان ـ والعياذ بالله ـ الكفر, فإذا دخل فيما سول له تبرأ منه وتنصل وقال "إني أخاف الله رب العالمين". وقد ذكر بعضهم ههنا قصة لبعض عباد بني إسرائيل هي كالمثال لهذا المثل, لا أنها المرادة وحدها بالمثل, بل هي منه مع غيرها من الوقائع المشاكلة لها, فقال ابن جرير: حدثنا خلاد بن أسلم أخبرنا النضر بن شميل أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق سمعت عبد الله بن نهيك قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول إن راهباً تعبد ستين سنة, وإن الشيطان أراده فأعياه فعمد إلى امرأة فأجنها, ولها إخوة فقال لإخوتها عليكم بهذا القس فيداويها, قال فجاؤوا بها إليه فداواها وكانت عنده, فبينما هو يوماً عندها إذ أعجبته فأتاها فحملت, فعمد إليها فقتلها فجاء إخوتها, فقال الشيطان للراهب: أنا صاحبك إنك أعييتني أنا صنعت هذا بك فأطعني أنجك مما صنعت بك, فاسجد لي سجدة, فسجد له فلما سجد له قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين, فذلك قوله: " كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين ".
وقال ابن جرير: حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي حدثنا أبي عن أبيه عن جده عن الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود في هذه الاية "كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين" قال: كانت امرأة ترعى الغنم وكان لها أربعة إخوة, وكانت تأوي بالليل إلى صومعة راهب, قال فنزل الراهب ففجر بها فحملت, فأتاه الشيطان فقال له اقتلها ثم ادفنها فإنك رجل مصدق يسمع قولك, فقتلها ثم دفنها قال فأتى الشيطان إخوتها في المنام, فقال لهم إن الراهب صاحب الصومعة فجر بأختكم, فلما أحبلها قتلها ثم دفنها في مكان كذا وكذا, فلما أصبحوا قال رجل منهم: والله لقد رأيت البارحة رؤيا ما أدري أقصها عليكم أم أترك ؟ قالوا: لابل قصها علينا. قال فقصها فقال الاخر: وأنا والله لقد رأيت ذلك, فقال الاخر: وأنا والله لقد رأيت ذلك, قالوا: فوالله ما هذا إلا لشيء قال فانطلقوا فاستعدوا ملكهم على ذلك الراهب, فأتوه فأنزلوه ثم انطلقوا به فلقيه الشيطان, فقال إني أنا الذي أوقعتك في هذا ولن ينجيك منه غيري, فاسجد لي سجدة واحدة وأنجيك مما أوقعتك فيه, قال فسجد له, فلما أتوا به ملكهم تبرأ منه وأخذ فقتل. وكذا روي عن ابن عباس وطاوس ومقاتل بن حيان نحو ذلك, واشتهر عند كثير من الناس أن هذا العابد هو برضيضا فالله أعلم.
وهذه القصة مخالفة لقصة جريج العابد فإن جريجاً اتهمته امرأة بغي بنفسها, وادعت أن حملها منه ورفعت أمرها إلى ولي الأمر فأمر به فأنزل من صومعته وخربت صومعته وهو يقول ما لكم ما لكم ؟ قالوا يا عدو الله فعلت بهذه المرأة كذا وكذا, فقال جريج اصبروا ثم أخذ ابنها وهو صغير جداً, ثم قال يا غلام من أبوك. قال أبي الراعي وكانت قد أمكنته من نفسها فحملت منه, فلما رأى بنو إسرائيل ذلك عظموه كلهم تعظيماً بليغاً وقالوا نعيد صومعتك من ذهب, قال لابل أعيدوها من طين كما كانت. وقوله تعالى: "فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها" أي فكان عاقبة الامر بالكفر والفاعل له ومصيرهما إلى نار جهنم خالدين فيها "وذلك جزاء الظالمين" أي جزاء كل ظالم.
لما فرغ سبحانه من ذكر الطبقات الثلاث من المؤمنين، ذكر ما جرى بين المنافقين واليهود من المقاولة لتعجيب المؤمنين من حالهم، فقال: 11- "ألم تر إلى الذين نافقوا" والخطاب لرسول الله، أو لكل من يصلح له، والذين نافقوا هم عبد الله بن أبي وأصحابه، وجملة "يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب" مستأنفة لبيان المتعجب منه، والتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة أو للدلالة على الاستمرار، وجعلهم إخواناً لهم لكون الكفر قد جمعهم، وإن اختلف نوع كفرهم فهو إخوان في الكفر، واللام في لإخوانهم هي لام التبليغ، وقيل هو من قول بني النضير لبني قريظة، والأول أولى، لأن بني النضير وبني قريظة هم يهود، والمنافقون غيرهم، واللام في قوله: "لئن أخرجتم" هي الموطئة للقسم: أي والله لئن أخرجتم من دياركم "لنخرجن معكم" هذا جواب القسم: أي لنخرجن من ديارنا في صحبتكم "ولا نطيع فيكم" أي في شأنكم، ومن أجلكم "أحداً" ممن يريد أن يمنعنا من الخروج معكم وإن طال الزمان، وهو معنى قوله: "أبداً" ثم لما وعدوهم بالخروج معهم وعدوهم بالنصرة لهم، فقالوا: "وإن قوتلتم لننصرنكم" على عدوكم. ثم كذبهم سبحانه فقال: "والله يشهد إنهم لكاذبون" فيما وعدوهم به من الخروج معهم والنصرة لهم.
قوله عز وجل: 11- "ألم تر إلى الذين نافقوا"، أي أظهروا خلاف ما أضمروا: يعني: عبد الله بن أبي سلول وأصحابه، "يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب"، وهم اليهود من بني قريظة والنضير، جعل المنافقين إخوانهم في الدين، لأنهم كفار مثلهم. "لئن أخرجتم"، من المدينة، "لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحداً"، يسألنا خذلانكم وخلافكم، "أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم"، يعني المنافقين "لكاذبون".
11-" ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب " يريد الذين بينهم وبينهم أخوة الكفر أو الصداقة والموالاة . " لئن أخرجتم " من دياركم . " لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم " في قتالكم أو خذلانكم . " أحداً أبداً " أي من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين . " و إن قوتلتم لننصرنكم " لنعاوننكم . "والله يشهد إنهم لكاذبون " لعلمه بأنهم لا يفعلون ذلك كما قال :
11. Hast thou not observed those who are hypocrites, (how) they tell their brethren who disbelieve among the People of the Scripture: If ye are driven out, we surely will go out with you, and we will never obey anyone against you, and if ye are attacked we verily will help you. And Allah beareth witness that they verily are liars.
11 - Hast thou not observed the Hypocrites say to their misbelieving brethren among the People of the Book? If ye are expelled, we too will go out with you, and we will never hearken to any one in your affair; and if ye are attacked (in fight) we will help you. But God is witness. That they are indeed liars.