[المجادلة : 9] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
9 - (يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون)
يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله " إذا تناجيتم " بينكم " فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول و " لكن " تناجوا بالبر " يعني طاعة الله وما يقربكم منه " والتقوى " يقول : وباتقائه بأداء ما كلفكم من فرائضه واجتناب معاصيه " واتقوا الله الذي إليه تحشرون " يقول : وخافوا الله الذي إليه مصيركم وعنده مجتمعكم ، في تضييع فرائضه والتقدم على معاصيه ، أن يعاقبكم عليه عند مصيركم إليه .
قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم " نهى المؤمنين أي يتناجوا فيما بينهم كفعل المنافقين واليهود فقال : " يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم " أي تساررتم . " فلا تتناجوا " هذه قراءة العامة . وقرأ يحيى بن وثاب و عاصم و رويس عن يعقوب فلا تنتجوا من الانتجاء " بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر " أي بطاعة " والتقوى " بالعفاف عما نهى الله عنه .وقيل :الخطاب للمنافقين ، أي يا أيها الذين آمنوا بزعمهم . وقيل : أي يا أيها الذين آمنوا بموسى . " واتقوا الله الذي إليه تحشرون " أي تجمعون في الآخرة .
قال ابن أبي نجيح عن مجاهد "ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه" قال اليهود, وكذا قال مقاتل بن حيان وزاد: كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين اليهود موادعة, وكانوا إذا مر بهم الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلسوا يتناجون بينهم حتى يظن المؤمن أنهم يتناجون بقتله أو بما يكره المؤمن, فإذا رأى المؤمن ذلك خشيهم فترك طريقه عليهم, فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن النجوى فلم ينتهوا وعادوا إلى النجوى, فأنزل الله تعالى: "ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثني سفيان بن حمزة عن كثير بن زيد عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري, عن أبيه عن جده قال: كنا نتناوب رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت عنده يطرقه من الليل أمر وتبدو له حاجة فلما كانت ذات ليلة كثر أهل النوب والمحتسبون حتى كنا أندية نتحدث, فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما هذه النجوى ؟ ألم تنهوا عن النجوى ؟" قلنا: تبنا إلى الله يا رسول الله, إنا كنا في ذكر المسيح فرقاً منه. فقال: "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي منه ؟" قلنا: بلى يا رسول الله! قال: "الشرك الخفي أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل" هذا إسناد غريب وفيه بعض الضعفاء .
وقوله تعالى: "ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول" أي يتحدثون فيما بينهم "بالإثم" وهو ما يختص بهم "والعدوان" وهو ما يتعلق بغيرهم, ومنه معصية الرسول ومخالفته يصرون عليها ويتواصون بها وقوله تعالى: " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله " قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا ابن نمير عن الأعمش عن مسروق عن عائشة قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود فقالوا السام عليك يا أبا القاسم فقالت عائشة: وعليكم السام قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش" قلت: ألا تسمعهم يقولون السام عليك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أو ما سمعت أقول وعليكم" فأنزل الله تعالى: " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله " وفي رواية في الصحيح أنها قالت لهم: عليكم السام والذام واللعنة, وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إنه يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا".
وقال ابن جرير: حدثنا بشر, حدثنا يزيد, حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس مع أصحابه إذ أتى عليهم يهودي, فسلم عليهم فردوا عليه فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم "هل تدرون ما قال ؟" قالوا سلم يا رسول الله قال "بل قال سام عليكم" أي تسامون دينكم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ردوه" فردوه عليه فقال نبي الله "أقلت سام عليكم ؟" قال: نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا عليك" أي عليك ما قلت, وأصل حديث أنس مخرج في الصحيح وهذا الحديث في الصحيح عن عائشة بنحوه .
وقوله تعالى: "ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول" أي يفعلون هذا ويقولون ما يحرفون من الكلام وإيهام السلام وإنما هو شتم في الباطن, ومع هذا يقولون في أنفسهم لو كان هذا نبياً لعذبنا الله بما نقول له في الباطن لأن الله يعلم ما نسره, فلو كان هذا نبياً حقاً لأوشك أن يعاجلنا الله بالعقوبة في الدنيا فقال الله تعالى: "حسبهم جهنم" أي جهنم كفايتهم في الدار الاخرة "يصلونها فبئس المصير", وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد, حدثنا حماد عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمر, أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم سام عليكم, ثم يقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول ؟ فنزلت هذه الاية " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير " إسناد حسن ولم يخرجوه .
وقال العوفي عن ابن عباس " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله " قال: كان المنافقون يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حيوه سام عليك, قال الله تعالى: "حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير" ثم قال الله تعالى مؤدباً عباده المؤمنين أن لا يكونوا مثل الكفرة والمنافقين "يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول" أي كما يتناجى به الجهلة من كفرة أهل الكتاب ومن مالأهم على ضلالهم من المنافقين "وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون" أي فيخبركم بجميع أعمالكم وأقوالكم التي قد أحصاها عليكم وسيجزيكم بها, قال الإمام أحمد: حدثنا بهز وعفان قالا: أخبرنا همام عن قتادة عن صفوان بن محرز قال: كنت آخذاً بيد ابن عمر إذ عرض له رجل فقال كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى يوم القيامة ؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال فإني قد سترتها عليك في الدنيا, وأنا أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته, وأما الكفار والمنافقون فيقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين" أخرجاه في الصحيحين من حديث قتادة .
ثم قال تعالى: "إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون" أي إنما النجوى وهي المسارة حيث يتوهم مؤمن بها سوءاً "من الشيطان ليحزن الذين آمنوا" يعني إنما يصدر هذا من المتناجين عن تسويل الشيطان وتزيينه "ليحزن الذين آمنوا" أي ليسوءهم وليس ذلك بضارهم شيئاً إلا بإذن الله ومن أحس من ذلك شيئاً فليستعذ بالله وليتوكل على الله فإنه لا يضره شيء بإذن الله .
وقد وردت السنة بالنهي عن التناجي حيث يكون في ذلك تأذ على مؤمن, كما قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع وأبو معاوية قالا: حدثنا الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه" انفرد بإخراجه مسلم عن أبي الربيع وأبي كامل, كلاهما عن حماد بن زيد عن أيوب به .
واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لقوله فيما بعد: 9- "إذا تناجيتم فلا تتناجوا". وقرأ حمزة وخلف وورش عن يعقوب " ويتناجون " بوزن يفتعلون، وهي قراءة ابن مسعود وأصحابه، وحكى سيبويه أن تفاعلوا وافتعلوا يأتيان بمعنى واحد نحو تخاصموا واختصموا وتقاتلوا واقتتلوا، ومعنى الإثم ما هو إثم في نفسه كالكذب والظلم، والعدوان ما فيه عدوان على المؤمنين ومعصية الرسول مخالفته. قرأ الجمهور "ومعصية" بالإفراد. وقرأ الضحاك وحميد ومجاهد ومعصيات بالجمع " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله " قال القرطبي: إن المراد بها اليهود كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون السام عليك يريدون بذلك السلام ظاهراً وهم يعنون الموت باطناً، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم. وفي رواية أخرى وعليكم "ويقولون في أنفسهم" أي فيما بينهم "لولا يعذبنا الله بما نقول" أي هلا يعذبنا بذلك، ولو كان محمد نبياً لعذبنا بما يتضمنه قولنا من الاستخفاف به، وقيل المعنى: لو كان نبياً لاستجيب له فينا حيث يقول وعليكم ووقع علينا الموت عند ذلك "حسبهم جهنم" عذاباً "يصلونها" يدخلونها "فبئس المصير" أي المرجع، وهو جهنم "يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول" لما فرغ سبحانه عن نهي اليهود والمنافقين عن النجوى أرشد المؤمنين إذا تناجوا فيما بينهم أن لا يتناجوا بما فيه إثم وعدوان ومعصية لرسول الله كما يفعله اليهود والمنافقون. ثم بين لهم ما يتناجون به في أنديتهم وخلواتهم فقال: "وتناجوا بالبر والتقوى" أي بالطاعة وترك المعصية، وقيل الخطاب للمنافقين، والمعنى: يا أيها الذين آمنوا ظاهراً أو بزعمهم، واختار هذا الزجاج، وقيل الخطاب لليهود، والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بموسى، والأول أولى، ثم خوفهم سبحانه فقال: "واتقوا الله الذي إليه تحشرون" فيزيكم بأعمالكم.
ثم إن الله تعالى: نهى المؤمنين أن يتناجوا فيما بينهم كفعل المنافقين واليهود، فقال:
9- "يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول"، أي كفعل المنافقين واليهود، وقال مقاتل أراد بقوله: "آمنوا" المنافقين، أي آمنوا بلسانهم، قال عطاء: يريد الذين آمنوا بزعمهم، قال لهم: لا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، "وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون".
9-" يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول " كما يفعله المنافقون وعن يعقوب فلا تنتجوا . " وتناجوا بالبر والتقوى " بما يتضمن خير المؤمنين والاتقاء عن معصية الرسول . " واتقوا الله الذي إليه تحشرون " فيما تأتون وتذرون فإنه مجازيكم عليه .
9. O ye who believe! when ye conspire together, conspire not together for crime and wrongdoing and disobedience toward the messenger, but conspire together for righteousness and pity, and keep your duty, toward Allah, unto whom ye will be gathered.
9 - O ye who believe! When ye hold secret counsel, do it not for iniquity and hostility, and disobedience to the Prophet; but do it for righteousness and self restraint; and fear God, to Whom ye shall be brought back.