[الحديد : 12] يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
12 - اذكر (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم) أمامهم يكون (وبأيمانهم) ويقال لهم (بشراكم اليوم جنات) أي ادخلوها (تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم)
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله " يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم " فقال بعضهم : معنى ذلك : يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يضيء نورهم بين أيديهم وبأيمانهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " يوم ترى المؤمنين والمؤمنات " الآية ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة الى عدن أبين فصنعاء فدون ذلك حتى إن من المؤمنين من لا يضيء نوره الا موضع قدميه " .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة بنحوه .
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا إدريس قال : سمعت أبي يذكر عن المنهال عن عمرو عن قيس بن سكن عن عبد الله قال : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم وأدناهم نوراً على إبهامه يطفأ مرة ويقد مرة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى إيمانهم وهداهم بين أيديهم وبأيمانهم : كتبهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم " : كتبهم يقول الله : فأما من أوتي كتابه بيمينه وأما نورهم فهداهم .
وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن الضحاك وذلك أنه لو عنى بذلك النور الضوء المعروف لم يخص عنه الخبر بالسعي بين الأيدي والأيمان دون الشمائل لأن ضياء المؤمنين الذي يؤتونه في الآخرة يضيء لهم جميع ما حولهم وفي خصوص الله جل ثناؤه الخبر عن سعيه بين أيديهم وبأيمانهم دون الشمائل ما يدل على انه معني به غير الضياء وإن كانوا لا يخلون من الضياء .
فتأويل الكلام إذ كان الأمر على ما وصفنا : وكلا وعد الله الحسنى يوم ترون المؤمنين والمؤمنات يسعى ثواب إيمانهم وعملهم الصالح بين أيديهم وفي أيمانهم كتب اعمالهم تتطاير .
ويعني بقوله " يسعى " يمضي والباء في قوله " وبأيمانهم " بمعنى في . وكان بعض نحويي البصرة يقول : الباء في قوله " وبأيمانهم " بمعنى على أيمانهم .
وقوله : " يوم ترى " من صلة وعد .
وقوله : " بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار " يقول تعالى ذكره يقال لهم بشارتكم اليوم أيها المؤمنون التي تبشرون بها جنات تجري من تحتها الأنهار فأبشروا بها .
وقوله : " خالدين فيها " يقول : ماكثين في الجنات لا ينتقلون عنها ولا يتحولون .
وقوله : " ذلك هو الفوز العظيم " يقول : خلودهم في الجنات التي وصفها هو النجح العظيم الذي كانوا يطلبونه بعد النجاة من عقاب الله ودخول الجنة خالدين فيها .
قوله تعالى : " يوم ترى المؤمنين والمؤمنات " العامل في يوم " وله أجر كريم " وفي الكلام حذف أي " وله أجر كريم " وفي " يوم ترى " فيه " المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم "أي يمضي على الصراط في قول الحسن ، وهو الضياء الذي يمرون فيه " بين أيديهم " أي قدامهم . "وبأيمانهم " قال الفراء : الباء بمعنى في ، أي في أيمانهم . أو بمعنى عن أي عن أيمانهم . وقال الضحاك : " نورهم " هدامه " وبأيمانهم " كتبهم ، واختاره الطبري . أي يسعى إيمانهم وعملهم الصالح بين أيديهم ، وفي أيمانهم كتب أعمالهم . فالباء على هذا بمعنى في .ويجوز على هذا أن يوقف على " بين أيديهم "ولا يوقف إذا كانت بمعنى عن . وقرأ سهيل بن سعد الساعدي وأبو حيوة وبإيمانهم بكسر الألف ، أراد الإيمان الذي هو ضد الكفر .وعطف ما ليس بظرف على الظرف ، لأن معنى الظرف الحال وهو متعلق بمحذوف .والمعنى يسعى كائنا " بين أيديهم " وكائنا "بأيمانهم " ،وليس قول : " بين أيديهم " متعلقا بنفس " يسعى " . وقيل : أراد بالنور القرآن .وعن ابن مسعود : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم ، فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة ، ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم ،وأدناهم هورا من نوره على إبهام رجله فيطفأ مرة ويوقدح أخرى . و"قال قتادة ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : إن من المؤمنين من يضيء نوره كما بين المدينة وعدن أ ما بين المدينة وصنعاء ودون ذلك حتى يكون منهم من لايضيء نوره إلا موضع قدميه " قال الحسن : ليستضيئوا به على الصراط كما تقدم . وقال مقاتل ليكون دليلا لهم إلى الجنة .والله أعلم.
قوله تعالى : " بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار " التقدير يقال لهم: " بشراكم اليوم " دخول جنات . ولا بد من تقدير حذف المضاف ، لأن البشرى حدثت ،والجنة عين فلا تكون هي هي . " تجري من تحتهم" أنهار اللبن والماء والخمر والعسل من تحت مساكنها . " خالدين فيها " حال من الدخول المحذوف ، التقدير " بشراكم اليوم " دخول جنات " تجري من تحتها الأنهار " مقدرين الخلود فيها ولا تكون الحال من بشراكم ، لأن فيه فصلا بين الصلة والموصول . ويحوز أن يكون مما دل عليه البشري ، كأنه قال تبشرون خالدين .وجوز أن يكون الظرف الذي هو اليوم خبرا عن بشراكم جنات بدلا من البشرى على تقدير حذف المضاف كما تقدم . و خالدين حال حسب ما تقدم . وأجاز الفراءنصب جنات علىالحال على أن يكون اليوم خبرا عن بشراكم وهو بعيد ، إذ ليس في جنات معنى الفعل . وأجاز أن يكون بشراكم نصبا على معنى يبشرونهم بشرى وينصب جنات بالبشرى وفيه تفرقة بين الصلة والموصول .
يقول تعالى مخبراً عن المؤمنين المتصدقين أنهم يوم القيامة يسعى نورهم بين أيديهم في عرصات القيامة, بحسب أعمالهم كما قال عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: "يسعى نورهم بين أيديهم" قال: على قدر أعمالهم يمرون على الصراط, منهم من نوره مثل الجبل, ومنهم من نوره مثل النخلة ومنهم من نوره مثل الرجل القائم, وأدناهم نوراً من نوره في إبهامه يتقد مرة ويطفأ مرة, ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير, وقال قتادة: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول "من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن أبين وصنعاء فدون ذلك حتى أن من المؤمنين من يضيء نوره موضع قدميه" وقال سفيان الثوري عن حصين, عن مجاهد, عن جنادة بن أبي أمية قال: إنكم مكتوبون عند الله بأسمائكم وسيماكم وحلالكم ونجواكم ومجالسكم, فإذا كان يوم القيامة, قيل: يافلان هذا نورك, يافلان لا نور لك, وقرأ "يسعى نورهم بين أيديهم".
وقال الضحاك: ليس أحد إلا يعطى نوراً يوم القيامة, فإذا انتهوا إلى الصراط طفىء نور المنافقين, فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا أن يطفأ نورهم كما طفىء نور المنافقين فقالوا: ربنا أتمم لنا نورنا, وقال الحسن: "يسعى نورهم بين أيديهم" يعني على الصراط وقد قال ابن أبي حاتم رحمه الله: حدثنا أبو عبيد الله بن أخي ابن وهب, أخبرنا عمي عن يزيد بن أبي حبيب عن سعيد بن مسعود أنه سمع عبد الرحمن بن جبير يحدث, أنه سمع أبا الدرداء وأبا ذر يخبران عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أول من يؤذن له يوم القيامة بالسجود, وأول من يؤذن له برفع رأسه, فأنظر من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم فقال له رجل: يانبي الله كيف تعرف أمتك من بين الأمم ما بين نوح إلى أمتك ؟ فقال: أعرفهم محجلون من أثر الوضوء ولا يكون لأحد من الأمم غيرهم, وأعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم, وأعرفهم بسيماهم في وجوههم, وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم".
وقوله "وبأيمانهم" قال الضحاك أي وبأيمانهم كتبهم كما قال: "فمن أوتي كتابه بيمينه" وقوله: "بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار" أي قال لهم: بشراكم اليوم جنات أي لكم البشارة بجنات تجري من تحتها الأنهار "خالدين فيها" أي ماكثين فيها أبداً "ذلك هو الفوز العظيم" وقوله: "يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم" وهذا إخبار منه تعالى عما يقع يوم القيامة في العرصات من الأهوال المزعجة والزلازل العظيمة, والأمور الفظيعة, وأنه لا ينجو يومئذ إلا من آمن بالله ورسوله وعمل بما أمر الله به وترك ما عنه زجر. قال ابن أبي حاتم: حدثنا عبدة بن سليمان, حدثنا ابن المبارك, حدثنا صفوان بن عمرو, حدثني سليم بن عامر قال: خرجنا على جنازة في باب دمشق ومعنا أبو أمامة الباهلي, فلما صلى على الجنازة وأخذوا في دفنها قال أبو أمامة أيها الناس إنكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات, وتوشكون أن تظعنوا منه إلى منزل آخر وهو هذا ـ يشير إلى القبر ـ بيت الوحدة وبيت الظلمة وبيت الدود وبيت الضيق إلا ما وسع الله, ثم تنتقلون منه إلى مواطن يوم القيامة, فإنكم في بعض تلك المواطن حتى يغشى الناس أمر من الله, فتبيض وجوه وتسود وجوه, ثم تنتقلون منه إلى منزل آخر فيغشى الناس ظلمة شديدة, ثم يقسم النور فيعطى المؤمن نوراً, ويترك الكافر والمنافق فلا يعطيان شيئاً, وهو المثل الذي ضربه الله تعالى في كتابه فقال: "أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور" فلا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن كما لا يستضيء الأعمى ببصر البصير, ويقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا "انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً" وهي خدعة الله التي يخدع بها المنافقين حيث قال: "يخادعون الله وهو خادعهم" فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئاً, فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم "بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب"
يقول سليم بن عامر: فما يزال المنافق مغتراً حتى يقسم النور ويميز الله بين المنافق والمؤمن, ثم قال: حدثنا أبي, حدثنا يحيى بن عثمان, حدثنا ابن حيوة, حدثنا أرطاة بن المنذر, حدثنا يوسف بن الحجاج عن أبي أمامة قال: يبعث الله ظلمة يوم القيامة فما من مؤمن ولا كافر يرى كفه حتى يبعث الله بالنور إلى المؤمنين بقدر أعمالهم فيتبعهم المنافقون فيقولون "انظرونا نقتبس من نوركم" وقال العوفي والضحاك وغيرهما عن ابن عباس: بينما الناس في ظلمة إذ بعث الله نوراً, فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه, وكان النور دليلاً من الله إلى الجنة, فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا اتبعوهم فأظلم الله على المنافقين فقالوا حينئذ "انظرونا نقتبس من نوركم" فإنا كنا معكم في الدنيا قال المؤمنون "ارجعوا وراءكم" من حيث جئتم من الظلمة فالتمسوا هنالك النور. وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا الحسن بن عرفة بن علوية القطان, حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار, حدثنا إسحاق بن بشر بن حذيفة, حدثنا ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يدعو الناس يوم القيامة بأسمائهم ستراً منه على عباده, وأما عند الصراط فإن الله تعالى يعطي كل مؤمن نوراً وكل منافق نوراً, فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات, فقال المنافقون انظرونا نقتبس من نوركم وقال المؤمنون ربنا أتمم لنا نورنا فلا يذكر عند ذلك أحد أحداً".
وقوله تعالى: "فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب" قال الحسن وقتادة: هو حائط بين الجنة والنار, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هو الذي قال الله تعالى: "وبينهما حجاب" وهكذا روي عن مجاهد رحمه الله وغير واحد وهو الصحيح " باطنه فيه الرحمة " أي الجنة وما فيها " وظاهره من قبله العذاب " أي النار قاله قتادة وابن زيد وغيرهما, قال ابن جرير وقد قيل إن ذلك السور سور بيت المقدس عند وادي جهنم. ثم قال: حدثنا ابن البرقي, حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن سعيد بن عطية بن قيس عن أبي العوام مؤذن بيت المقدس قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: إن السور الذي ذكره الله في القرآن "فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب" وهو السور الشرقي باطنه المسجد وما يليه وظاهره وادي جهنم. ثم روي عن عبادة بن الصامت وكعب الأحبار وعلي بن الحسين زين العابدين نحو ذلك, وهذا محمول منهم على أنهم أرادوا بهذا تقريب المعنى ومثالاً لذلك, لا أن هذا هو الذي أريد من القرآن هذا الجدار المعين نفسه ونفس المسجد, وما وراءه من الوادي المعروف بوادي جهنم, فإن الجنة في السموات في أعلى عليين والنار في الدركات أسفل سافلين, وقول كعب الأحبار إن الباب المذكور في القرآن هو باب الرحمة الذي هو أحد أبواب المسجد فهذا من إسرائيلياته وترهاته, وإنما المراد بذلك السور يضرب يوم القيامة ليحجز بين المؤمنين والمنافقين فإذا انتهى إليه المؤمنون دخلوه من بابه, فإذا استكملوا دخولهم أغلق الباب وبقي المنافقون من ورائه في الحيرة والظلمة والعذاب كما كانوا في الدار الدنيا في كفر وجهل وشك وحيرة.
"ينادونهم ألم نكن معكم" أي ينادي المنافقون المؤمنين أما كنا معكم في الدار الدنيا نشهد معكم الجمعات ونصلي معكم الجماعات, ونقف معكم بعرفات, ونحضر معكم الغزوات ونؤدي معكم سائر الواجبات ؟ "قالوا بلى" أي فأجاب المؤمنون المنافقين قائلين: بلى قد كنتم معنا "ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني" قال بعض السلف: أي فتنتم أنفسكم باللذات والمعاصي والشهوات وتربصتم أي أخرتم التوبة من وقت إلى وقت. وقال قتادة: "تربصتم" بالحق وأهله "وارتبتم" أي بالبعث بعد الموت "وغرتكم الأماني" أي قلتم سيغفر لنا وقيل غرتكم الدنيا "حتى جاء أمر الله" أي مازلتم في هذا حتى جاءكم الموت "وغركم بالله الغرور" أي الشيطان قال قتادة: كانوا على خدعة من الشيطان والله مازالوا عليها حتى قذفهم الله في النار: ومعنى هذا الكلام من المؤمنين للمنافقين أنكم كنتم معنا أي بأبدان لا نية لها ولا قلوب معها, وإنما كنتم في حيرة وشك فكنتم تراؤون الناس ولا تذكرون الله إلا قليلاً, قال مجاهد: كان المنافقون مع المؤمنين أحياء يناكحونهم ويغشونهم ويعاشرونهم, وكانوا معهم أمواتاً ويعطون النور جميعاً يوم القيامة, ويطفأ النور من المنافقين إذا بلغوا السور ويماز بينهم حينئذ.
وهذا القول من المؤمنين لا ينافي قولهم الذي أخبر الله تعالى به عنهم حيث يقول, وهو أصدق القائلين " كل نفس بما كسبت رهينة *إلا أصحاب اليمين * في جنات يتساءلون * عن المجرمين * ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين " فهذا إنما خرج منهم على وجه التقريع لهم والتوبيخ. ثم قال تعالى: "فما تنفعهم شفاعة الشافعين" كما قال ههنا "فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا" أي لو جاء أحدكم اليوم بملء الأرض ذهباً ومثله معه ليفتدي به من عذاب الله ما قبل منه. وقوله تعالى: "مأواكم النار" أي هي مصيركم وإليها منقلبكم, وقوله تعالى: "هي مولاكم" أي هي أولى بكم من كل منزل على كفركم وارتيابكم وبئس المصير.
قوله: 12- "يوم ترى المؤمنين والمؤمنات" العامل في الظرف مضمر وهو أذكر، أو كريم، أو فيضاعفه، أو العامل في لهم وهو الاستقرار، والخطاب لكل من يصلح له، وقوله: "يسعى نورهم" في محل نصب على الحال من مفعول ترى، والنور هو الضياء الذي يرى "بين أيديهم وبأيمانهم" وذلك على الصراط يوم القيامة، وهو دليلهم إلى الجنة. قال قتادة: إن المؤمن يضيء له نور كما بين عدن إلى صنعاء، حتى إن من المؤمنين من لا يضيء له نورة إلا موضع قدميه. وقال الضحاك ومقاتل: وبأيمانهم كتبهم التي أعطوها، فكتبهم بأيمانهم، ونورهم بين أيديهم. قال الفراء: الباء بمعنى في: أي في أيمانهم، أو بمعنى عن. قال الضحاك أيضاً: نورهم هداهم وبأيمانهم كتبهم، واختار هذا ابن جرير الطبري: أي يسعى أيمانهم وعملهم الصالح بين أيديهم، وفي أيمانهم كتب أعمالهم، قرأ الجمهور "بأيمانهم" جمع يمين. وقرأ سهل بن سعد الساعدي وأبو حيوة بأيمانهم بكسر الهمزة على أن المراد بالإيمان ضد الكفر، وقيل هو القرآن، والجار والمجرور في الموضعين في محل نصب على الحال من نورهم: أي كائناً بين أيديهم وبأيمانهم "بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها" بشراكم مبتدأ، وخبره جنات على تقدير مضاف: أي دخول جنات، والجملة مقول قول مقدر: أي يقال لهم هذا، والقائل لهم هم الملائكة. قال مكي: وأجاز الفراء نصب جنات على الحال، ويكون اليوم خبر بشراكم، وهذا بعيد جداً خالدين فيها حال مقدرة، والإشارة بقوله: "ذلك" إلى النور والبشرى، وهو مبتدأ وخبره "هو الفوز العظيم" أي لا يقادر قدره حتى كأنه لا فوز غيره، ولا اعتداد بما سواه.
12- "يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم"، يعني على الصراط، " بين أيديهم وبأيمانهم "، يعني عن أيمانهم. قال بعضهم: أراد جميع جوانبهم، فعبر بالبعض عن الكل وذلك دليلهم إلى الجنة.
وقال قتادة: ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن أبين وصنعاء ودون ذلك، حتى أن من المؤمنين من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه".
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما: يؤتون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة، ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم، وأدناهم نوراً من نوره أعلى إبهامه فيطفأ مرة ويقد مرة.
وقال الضحاك ومقاتل:يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم كتبهم، يريد: أن كتبهم التي أعطوها بأيمانهم ونورهم بين أيديهم، وتقول لهم الملائكة: " بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم ".
12-" يوم ترى المؤمنين والمؤمنات " ظرف لقوله " وله " أو " فيضاعفه " أو مقدر باذكر " يسعى نورهم " ما يوجب نجاتهم وهدايتهم إلى الجنة . " بين أيديهم وبأيمانهم " لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين . " بشراكم اليوم جنات " أي يقولم لهم من يتلقاهم من الملائكة " بشراكم " اي المبشر به جنات ، أو " بشراكم " دخول جنات . " تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم " الإشارة إلى ما تقدم من النور والبشرى بالجنات المخلدة .
12. On the day when thou (Muhammad) wilt see the believers, men and women, their light shining forth before them and on their right hands, (and wilt hear it said unto them): Glad news for you this day: Gardens underneath which rivers flow, wherein ye are immortal. That is the supreme triumph.
12 - One Day shalt thou see the believing men and the believing women how their Light runs forward before them and by their right hands: (their greeting will be): Good News for you this Day! Garden beneath which flow rivers! To dwell therein for aye! This is indeed the highest Achievement!