[الحديد : 1] سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
1 - (سبح لله ما في السماوات والأرض) أي نزهه كل شيء فاللام مزيدة وجيء بما دون من تغليبا للأكثر (وهو العزيز) في ملكه (الحكيم) في صنعه
القول في تفسير السورة التي يذكر فيها الحديد
يعني تعالى ذكره بقوله : " سبح لله ما في السموات والأرض " أن كل ما دونه من خلقه يسبحه تعظيماً له وإقراراً بربوبيته وإذعاناً لطاعته كما قال جل ثناؤه " تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم " ( الاسراء : 44 ( .
وقوله " وهو العزيز الحكيم " يقول : ولكنه جل جلاله العزيز في انتقامه ممن عصاه فخالف أمره مما في السموات والأرض من خلقه " الحكيم " في تدبيره أمرهم وتصريفه إياهم فيما شاء وأحب .
"عن العرباض بن سارية : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بالمسبحات قبل أن يرقد ويقول : إن فيهن آية أفضل من ألف آية " يعني بالسحبات الحديد والحشر و الصف و الجمعة والتغابن .
قوله تعالى "سبح لله ما في السماوات والأرض " أي مجد الله ونزهه عن السوء . وقال ابن عباس :صلى لله "ما في السماوات " ممن خلق من الائكة " والأرض " من شيء فيه روح أو لاروح فيه . وقيل : هو تسبيح الدلالة .وأنكر الزجاج هذا وقال : لو كان هذا تسبيح الدلالة وظهور آثار الصنعة لكانت مفهومة ، فلم قال : " ولكن لا تفقهون تسبيحهم " [الإسراء : 44] وإنما هو بسبيح مقال . واستدل بقوله تعالى : " وسخرنا مع داود الجبال يسبحن " [الأنبياء : 79 ] فلو كان هذا تسبيح دلالة فأي تخصيص لداود ؟ ‍‍‍!
قلت :وما ذكره هو الصحيح ،وقد مضى بيانه والقول فيه في سبحان عند قوله تعالى : " وإن من شيء إلا يسبح بحمده " [الإسراء : 44 ] " وهو العزيز الحكيم "
تفسير سورة الحديد
قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه, حدثنا بقية بن الوليد, حدثني بجير بن سعد عن خالد بن معدان عن ابن أبي بلال عن عرباض بن سارية أنه حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد وقال: "إن فيهن آية أفضل من ألف آية ", وهكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي من طرق عن بقية به. وقال الترمذي: حسن غريب. ورواه النسائي عن ابن أبي السرح عن ابن وهب عن معاوية بن صالح عن بجير بن سعد, عن خالد بن معدان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره مرسلا, ولم يذكر عبد الله بن أبي بلال ولا العرباض بن سارية, والاية المشار إليها في الحديث هي والله أعلم قوله تعالى: " هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم " كما سيأتي بيانه قريباً إن شاء الله تعالى, وبه الثقة وعليه التكلان, وهو حسبنا ونعم الوكيل..
بسم الله الرحمـن الرحيم
يخبر تعالى أنه يسبح له ما في السموات وما في الأرض أي من الحيوانات والنباتات, كما قال في الاية الأخرى: "تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً" وقوله تعالى: "وهو العزيز" أي الذي قد خضع له كل شيء "الحكيم" في خلقه وأمره وشرعه "له ملك السموات والأرض يحيي ويميت" أي هو المالك المتصرف في خلقه فيحيي ويميت ويعطي من يشاء ما يشاء "وهو على كل شيء قدير" أي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وقوله تعالى: " هو الأول والآخر والظاهر والباطن " وهذه الاية هي المشار إليها في حديث عرباض بن سارية أنها أفضل من ألف آية, وقال أبو داود: حدثنا عباس بن عبد العظيم, حدثنا النضر بن محمد, حدثنا عكرمة ـ يعني ابن عمار ـ حدثنا أبو زميل قال: سألت ابن عباس فقلت: ما شيء أجده في صدري ؟ قال: ما هو ؟ قلت: والله لا أتكلم به. قال: فقال لي: أشيء من شك ؟ قال وضحك, قال: ما نجا من ذلك أحد, قال: حتى أنزل الله تعالى: " فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك " الاية, قال: وقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئاً فقل " هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم " وقد اختلفت عبارات المفسرين في هذه الاية وأقوالهم على نحو من بضعة عشر قولاً.
وقال البخاري: قال يحيى: الظاهر على كل شيء علماً والباطن على كل شيء علماً. وقال شيخنا الحافظ المزي: يحيى هذا هو ابن زياد الفراء, له كتاب سماه معاني القرآن, وقد ورد في ذلك أحاديث, فمن ذلك ما قال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد, حدثنا ابن عياش عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو عند النوم "اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم, ربنا ورب كل شيء, منزل التوراة والإنجيل والفرقان, فالق الحب والنوى لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته, أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الاخر فليس بعدك شيء, وأنت الظاهر فليس فوقك شيء, وأنت الباطن ليس دونك شيء. اقض عنا الدين, وأغننا من الفقر" ورواه مسلم في صحيحه: حدثني زهير بن حرب, حدثنا جرير عن سهل قال: كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن, ثم يقول: اللهم رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم, ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى, ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان, أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته, اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الاخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء, وأنت الباطن فليس دونك شيء, اقض عنا الدين, واغننا من الفقر, وكان يروي ذلك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, وقد روى الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده عن عائشة أم المؤمنين نحو هذا فقال: حدثنا عقبة, حدثنا يونس, حدثنا السري بن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بفراشه فيفرش له مستقبل القبلة, فإذا أوى إليه توسد كفه اليمنى ثم همس ما يدرى ما يقول, فإذا كان في آخر الليل رفع صوته فقال: "اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم, إله كل شيء ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان, فالق الحب والنوى. أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته. اللهم أنت الأول الذي ليس قبلك شيء, وأنت الاخر الذي ليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء, وأنت الباطن فليس دونك شيء, اقض عنا الدين وأغننا من الفقر" السري بن إسماعيل هذا هو ابن عم الشعبي وهو ضعيف جداً والله أعلم.
وقال أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الاية: حدثنا عبد بن حميد وغير واحد المعنى واحد قالوا حدثنا يونس بن محمد, حدثنا شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة قال حدث الحسن عن أبي هريرة قال: بينما نبي الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: هل تدرون ما هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا العنان هذه روايا الأرض تسوقه إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه. ثم قال: هل تدرون ما فوقكم ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها الرفيع سقف محفوظ وموج مكفوف. ثم قال: هل تدرون كم بينكم وبينها ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: بينكم وبينها خمسمائة سنة. ثم قال: هل تدرون ما فوق ذلك ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن فوق ذلك سماء بعد ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة ـ حتى عد سبع سماوات ـ ما بين كل سماءين كما بين السماء والأرض ثم قال: هل تدرون ما فوق ذلك ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء مثل بعد ما بين السماءين, ثم قال: هل تدرون ما الذي تحتكم ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال فإنها الأرض. ثم قال: هل تدرون ما الذي تحت ذلك. قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن تحتها أرضاً أخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة ـ حتى عد سبع أرضين ـ بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة, ثم قال: والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم حبلاً إلى الأرض السفلى لهبط على الله ثم قرأ: " هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ".
ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه, ويروى عن أيوب ويونس يعني ابن عبيد وعلي بن زيد وقالوا: لم يسمع الحسن من أبي هريرة. وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقالوا: إنما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه, وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان وهو على العرش كما وصف في كتابه, انتهى كلامه. وقد روى الإمام أحمد هذا الحديث عن سريج عن الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, فذكره وعنده وبعد ما بين الأرضين مسيرة سبعمائة عام وقال: لو دليتم أحدكم بحبل إلى الأرض السفلى السابعة لهبط على الله ثم قرأ " هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم " ورواه ابن أبي حاتم والبزار من حديث أبي جعفر الرازي عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة فذكر الحديث ولم يذكر ابن أبي حاتم آخره, وهو قوله لو دليتم بحبل وإنما قال حتى عد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة عام, ثم تلا " هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ". وقال البزار: لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو هريرة, ورواه ابن جرير عن بشر عن يزيد عن سعيد عن قتادة " هو الأول والآخر والظاهر والباطن ". وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في أصحابه إذ مر عليهم سحاب فقال: هل تدرون ما هذا ؟ وذكر الحديث مثل سياق الترمذي سواء, إلا أنه مرسل من هذا الوجه, ولعل هذا هو المحفوظ والله أعلم. وقد روي من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وأرضاه, رواه البزار في مسنده والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات, ولكن في إسناده نظر وفي متنه غرابة ونكارة, والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقال ابن جرير عند قوله تعالى: "ومن الأرض مثلهن": حدثنا ابن عبد الأعلى, حدثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة قال: التقى أربعة من الملائكة بين السماء والأرض فقال بعضهم لبعض: من أين جئت ؟ قال أحدهم: أرسلني ربي عز وجل من السماء السابعة وتركته ثم. قال الاخر: أرسلني ربي عز وجل من الأرض السابعة وتركته ثم. قال الاخر: أرسلني ربي من المشرق وتركته ثم. قال الاخر: أرسلني ربي من المغرب وتركته ثم. وهذا حديث غريب جداً, وقد يكون الحديث الأول موقوفاً على قتادة كما روي ههنا من قوله, والله أعلم.
هي تسع وعشرون آية
وهي مدنية. قال القرطبي: في قول الجميع. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة الحديد بالمدينة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج الطبراني وابن مردويه قال السيوطي بسند ضعيف عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نزلت سورة الحديد يوم الثلاثاء، وخلق الله الحديد يوم الثلاثاء، وقتل ابن آدم أخاه يوم الثلاثاء، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجامة يوم الثلاثاء". وأخرج الديلمي عن جابر مرفوعاً "لا تحتجموا يوم الثلاثاء، فإن سورة الحديد أنزلت علي يوم الثلاثاء" وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن العرباض بن سارية "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد وقال: إن فيهن آية أفضل من ألف آية". وفي إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال معروف. وقد أخرجه النسائي عن خالد بن معدان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر العرباض بن سارية، فهو مرسل. وأخرج ابن الضريس عن يحيى بن أبي كثير قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ المسبحات، وكان يقول:
إن فيهن آية أفضل من ألف آية" قال يحيى: فنراها الآية التي في آخر الحشر. وقال ابن كثير في تفسيره: والآية المشارة إليها والله أعلم هي قوله: "هو الأول والآخر والظاهر والباطن" الآية والمسبحات المذكورة هي: الحديد والحشر، والصف، والجمعة، والتغابن.
قوله: 1- "سبح لله ما في السموات والأرض" أي نزهه ومجده. قال المقاتلان: يعني كل شيء من ذي روح وغيره، وقد تقدم الكلام في تسبيح الجمادات عند تفسير قوله: "وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم" والمراد بالتسبيح المسند إلى ما في السموات والأرض من العقلاء وغيرهم والحيوانات والجمادات هو ما يعم التسبيح بلسان المقال كتسبيح الملائكة والإنس والجن، وبلسان الحال كتسبيح غيرهم، فإن كل موجود يدل على الصانع. وقد أنكر الزجاج أن يكون تسبيح غير العقلاء هو تسبيح الدلالة وقال: لو كان هذا تسبيح الدلالة وظهور آثار الصنعة لكانت مفهومة، فلم قال: "ولكن لا تفقهون تسبيحهم" وإنما هو تسبيح مقال، واستدل بقوله: "وسخرنا مع داود الجبال يسبحن" فلو كان هذا التسبيح من الجبال تسبيح دلالة لم يكن لتخصيص داود فائدة، وفعل التسبيح قد يتعدى بنفسه تارة، كما في قوله: "وسبحوه" وباللام أخرى كهذه الآية، وأصله أن يكون متعدياً بنفسه، لأن معنى سبحته: بعدته عن السوء، فإذا استعمل باللام فهي إما مزيدة للتأكيد كما في شكرته وشكرت له، أو هي للتعليل: أي افعل التسبيح لأجل الله سبحانه خالصاً له، وجاء هذا الفعل في بعض الفواتح ماضياً كهذه الفاتحة، وفي بعضها مضارعاً، وفي بعضها أمراً للإشارة إلى أن هذه الأشياء مسبحة في كل الأوقات لا يختص تسبيحها بوقت دون وقت، بل هي مسبحة أبداً في الماضي وستكون مسبحة أبداً في المستقبل "وهو العزيز" أي القادر الغالب الذي لا ينازعه أحد ولا يمانعه ممانع كائناً ما كان "الحكيم" الذي يفعل أفعال الحكمة والصواب.
مدنية وآيها تسع وعشرون
1- "سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم".
1-" سبح لله ما في السموات والأرض " ذكر ها هنا وفي الحشر و الصنف بلفظ الماضي ، وفي الجمعة و التغابن بلفظ المضارع بأن من شأن ما أسند إليه أن يسبحه في جميع أوقاته ، لأنه دلالة جبلية لا تختلف باختلاف الحالات ، ومجيء المصدر مطلقاً في بني إسرائيل أبلغ من حيث إنه يشعر بإطلاقه على استحقاق التسبيح من كل شيء وفي كل حال ، وإنما عدي باللام وهو متعد بنفسه مثل نصحت له في نصحته إشعاراً بأن إيقاع الفعل لأجل الله وخالصاً لوجهه . " وهو العزيز الحكيم " حال يشعر بما هو المبدأ للتسبيح .
Surah 57. Al-Hadid
1. All that is in the heavens and the earth glorifieth Allah and He is the Mighty, the Wise.
SURA 57: HADID
1 - Whatever is in the heavens and on earth, let it declare the Praises and Glory of God: for He is the Exalted in Might, the Wise.