[الرحمن : 19] مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ
19 - (مرج) ارسل (البحرين) العذب والملح (يلتقيان) في رأي العين
وقوله " مرج البحرين يلتقيان " يقول تعالى ذكره : مرج رب المشرقين ورب المغربين البحرين يلتقيان يعني بقوله " مرج " : أرسل وخلى من قولهم : مرج فلان دابته : إذا خلاهما وتركها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله : " مرج البحرين " يقول : أرسل .
واختلف أهل العلم في البحرين اللذين ذكرهما الله جل ثناؤه في هذه الآية أي البحرين هما ؟ فقال بعضهم : هما بحران : احدهما في السماء والآخر في الأرض .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب عن جعفر عن ابن أبزى " مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان " قال : بحر في السماء وبحر في الأرض .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن يمان عن أشعث عن جعفر عن سعيد في قوله : " مرج البحرين يلتقيان " قال : بحر في السماء وبحر في الأرض .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني ابن يمان عن أشعث عن جعفر عن سعيد في قوله : " مرج البحرين يلتقيان " قال : بحر في السماء والأرض يلتقيان كل عام .
وقال آخرون : عني بذلك بحر فارس وبحر الروم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان عن زياد مولى مصعب عن الحسن " مرج البحرين يلتقيان " قال : بحر الروم وبحر فارس واليمن .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " مرج البحرين يلتقيان " فالبحران : بحر فارس وبحر الروم .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة " مرج البحرين يلتقيان " قال بحر فارس وبحر الروم .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : عني به بحر السماء وبحر الأرض وذلك أن الله قال " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " والؤلؤ والمرجان إنما يخرج من أصداف بحرالأرض عن قطر ماء السماء فمعلوم أن ذلك بحر الأرض وبحر السماء .
وقوله " بينهما برزخ لا يبغيان " يقول تعالى ذكره : بينهما حاجز وبعد لا يفسد أحدهما صاحبه فيبغي بذلك عليه وكل شيء كان بين شيئين فهو برزخ عند العرب وما بين الدنيا والآخرة برزخ .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب عن جعفر عن ابن أبزى " بينهما برزخ لا يبغيان " لا يبغي أحدهما على صاحبه .
قال : ثنا يحيى بن واضح قال : ثنا فطر عن مجاهد قوله " بينهما برزخ لا يبغيان " قال : بينهما حاجز من الله لا يبغي أحدهما على الآخر .
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله " بينهما برزخ لا يبغيان " يقول : حاجز .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله " بينهما برزخ لا يبغيان " والبرزخ : هذه الجزيرة هذا اليبس .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة قال : البرزخ الذي بينهما : الأرض التي بينهما .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا محمد بن مروان قال : ثنا أبو العوام عن قتادة " بينهما برزخ لا يبغيان " قال : حجز المالح عن العذب والعذب عن المالح والماء عن اليبس واليبس عن الماء فلا يبغي بعضه على بعض بقوته ولطفه وقدرته .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان " قال : منعهما أن يلتقيا بالبرزخ الذي جعل بينهما من الأرض قال : والبرزخ بعد الأرض الذي جعل بينهما .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله " لا يبغيان " فقال بعضهم : معى ذلك : لا يبغي أحدهما على صاحبه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب عن جعفر عن ابن أبزى " لا يبغيان " : لا يبغي أحدهما على صاحبه .
قال : ثنا يحيى بن واضح قال : ثنا فطر عن مجاهد مثله .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا محمد بن مروان قال : ثنا أبو العوام عن قتادة مثله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك أنهما لا يختلطان .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى و حدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد " لا يبغيان " قال : لا يختلطان .
وقال آخرون : بل معنى ذلك :لا يبغيان على اليبس .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " لا يبغيان " على اليبس وما أخذ أحدهما من صاحبه فهو بغي فحجز أحدهما عن صاحبه بقدرته ولطفه وجلاله تبارك و تعالى .
وقال آخرون : بل معناه : لا يبغيان أن يلتقيا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " لا يبغيان " قال : لا يبغي أحدهما أن يلتقي مع صاحبه .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله وصف البحرين ذكرهما في هذه الآية أنهما لا يبغيان ولم يخصص وصفهما في شيء دون شيء بل عم الخبر عنهما بذلك فالصواب أن يعم كما عم جل ثناؤه فيقال : إنهما لا يبغيان على شيء ولا يبغي أحدهما على صاحبه ولا يتجاوزان حد الله الذي حده لهما .
قوله تعالى " مرج البحرين يلتقيان " مرج أي خلى وأرسل وأهمل يقال مرج السلطان الناس إذا أهملهم واصل المرج الإهمال كما تمرج الدابة في المرعى ويقال مرج خلط وقال الأخفش ويقول قوم أمرج البحرين مثل مرج فعل وأفعل بمعنى . "البحرين " قال ابن عباس بحر السماء وبحر الأرض وقاله مجاهد وسعيد بن جبير "يلتقيان" في كل عام وقيل يلتقي طرفاهما وقال الحسن وقتادة بحر فارس والروم وقال ابن جريج إنه البحر المالح والأنهار العذبة وقيل : بحر المشرق والمغرب يلتقي طرفاهما وقيل بحر اللؤلؤ والمرجان .
يذكر تعالى خلقه الإنسان من صلصال كالفخار, وخلقه الجان من مارج من نار, وهو طرف لهبها, قاله الضحاك عن ابن عباس, وبه يقول عكرمة ومجاهد والحسن وابن زيد, وقال العوفي عن ابن عباس: من مارج من نار من لهب النار من أحسنها, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: من مارج من نار من خالص النار, وكذلك قال عكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلقت الملائكة من نور, وخلق الجان من مارج من نار, وخلق آدم مما وصف لكم" ورواه مسلم عن محمد بن رافع وعبد بن حميد, كلاهما عن عبد الرزاق به.
وقوله تعالى: " فبأي آلاء ربكما تكذبان " تقدم تفسيره "رب المشرقين ورب المغربين" يعني مشرقي الصيف والشتاء ومغربي الصيف والشتاء, وقال في الاية الأخرى: "فلا أقسم برب المشارق والمغارب" وذلك باختلاف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم وبروزها منه إلى الناس. وقال في الاية الأخرى: "رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً" وهذا المراد منه جنس المشارق والمغارب, ولما كان في اختلاف هذه المشارق والمغارب مصالح للخلق من الجن والإنس قال: " فبأي آلاء ربكما تكذبان " وقوله تعالى: "مرج البحرين يلتقيان" قال ابن عباس: أي أرسلهما. وقوله: "يلتقيان" قال ابن زيد: أي منعهما أن يلتقيا بما جعل بينهما من البرزخ الحاجز الفاصل بينهما, والمراد بقوله البحرين: الملح والحلو, فالحلو هذه الأنهار السارحة بين الناس, وقد قدمنا الكلام على ذلك في سورة الفرقان عند قوله تعالى: " وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا " وقد اختار ابن جرير ههنا أن المراد بالبحرين: بحر السماء وبحر الأرض, وهو مروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وعطية وابن أبزى, قال ابن جرير: لأن اللؤلؤ يتولد من ماء السماء وأصداف بحر الأرض وهذا وإن كان هكذا لكن ليس المراد بذلك ما ذهب إليه, فإنه لا يساعده اللفظ فإنه تعالى قد قال: "بينهما برزخ لا يبغيان" أي وجعل بينهما برزخاً, وهو الحاجز من الأرض لئلا يبغي هذا على هذا, وهذا على هذا, فيفسد كل واحد منهما الاخر ويزيله عن صفته التي هي مقصودة منه, وما بين السماء والأرض لا يسمى برزخاً وحجراً محجوراً.
وقوله تعالى: "يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان" أي من مجموعهما, فإذا وجد ذلك من أحدهما كفى كما قال تعالى:"يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ؟" والرسل إنما كانوا في الإنس خاصة دون الجن وقد صح هذا الإطلاق. واللؤلؤ معروف, وأما المرجان فقيل هو صغار اللؤلؤ, قاله مجاهد وقتادة وأبو رزين والضحاك وروي عن علي, وقيل كباره وجيده, حكاه ابن جرير عن بعض السلف ورواه ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس, وحكاه السدي عمن حدثه عن ابن عباس, وروي مثله عن علي ومجاهد أيضاً ومرة الهمداني, وقيل: هو نوع من الجواهر أحمر اللون, قال السدي عن أبي مالك عن مسروق عن عبد الله قال: المرجان الخرز الأحمر, قال السدي: وهو الكسد بالفارسية, وأما قوله: "ومن كل تأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حلية تلبسونها" فاللحم من كل من الأجاج والعذب والحلية إنما هي من المالح دون العذب. قال ابن عباس: ما سقطت قط قطرة من السماء في البحر فوقعت في صدفة إلا صار منها اللؤلؤ, وكذا قال عكرمة, وزاد: فإذا لم تقع في صدفة نبتت بها عنبرة, وروي من غير وجه عن ابن عباس نحوه.
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان, حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله, عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إذا أمطرت السماء فتحت الأصداف في البحر أفواهها فما وقع فيها, يعني من قطر فهو اللؤلؤ. إسناده صحيح, ولما كان اتخاذ هذه الحلية نعمة على أهل الأرض, امتن بها عليهم فقال: "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
وقوله تعالى: "وله الجوار المنشآت" يعني السفن التي تجري "في البحر" قال مجاهد: ما رفع قلعه من السفن فهي منشآت وما لم يرفع قلعه فليس بمنشآت, وقال قتادة: المنشآت يعني المخلوقات, وقال غيره, المنشآت بكسر الشين يعني البادئات "كالأعلام" أي كالجبال في كبرها وما فيها من المتاجر والمكاسب المنقولة من قطر إلى قطر وإقليم إلى إقليم, مما فيه صلاح الناس في جلب ما يحتاجون إليه من سائر أنواع البضائع, ولهذا قال: "فبأي آلاء ربكما تكذبان" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا حماد بن سلمة, حدثنا العرار بن سويد عن عميرة بن سعد قال: كنت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه على شاطىء الفرات إذ أقبلت سفينة مرفوع شراعها فبسط علي يديه ثم قال: يقول الله عز وجل: "وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام" والذي أنشأها تجري في بحوره ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله.
19- "مرج البحرين يلتقيان" المرج التخلية والإرسال، يقال: مرجت الدابة: إذا أرسلتها، وأصله الإهمال كما تمرج الدابة في المرعى، والمعنى: أنه أرسل كل واحد منهما.
19. " مرج البحرين "، العذب والمالح أرسلهما وخلاهما " يلتقيان ".
19-" مرج البحرين " أرسلهما من مرجت الدابة إذا أرسلتها ، والمعنى أرسل البحر الملح والبحر العذب . " يلتقيان " يتجاوزان ويتماس سطوحهما ، أو بحري فارس والروم يلتقيان في المحيط لأنهما خليجان يتشعبان منه .
19. He hath loosed the two seas. They meet.
19 - He has let free the two bodies of flowing water, meeting together: