[الرحمن : 1] الرَّحْمَنُ
1 - (الرحمن) الله تعالى
يقول تعالى ذكره : الرحمن أيها الناس برحمته إياكم علمكم القرآن فأنعم بذلك عليكم إذ بصركم به ما فيه رضا ربكم وعرفكم ما فيه سخطه لتطيعوه باتباعكم ما يرضيه عنكم وعلمكم بما أمركم به وبتجنبكم ما يسخطه عليكم فتستوجبوا بذلك جزيل ثوابه وتنجوا من أليم عقابه
وروي عن قتادة في ذلك ما :
حدثنا ابن بشار قال : ثنا محمد بن مروان العقيلي قال : ثنا أبو العوام العجلي عن قتادة أنه قال في تفسير " الرحمن * علم القرآن " قال : نعمة والله عظيمة .
مكية كلها في قول الحسن وعروة بن الزبير وعكرمةوعطاءوجابر وقال ابن عباس : إلا آية منها هي قوله تعالى " يسأله من في السماوات والأرض " الآية وهي ست وسبعون آية وقال ابن مسعود ومقاتل هي مدنية كلها والقول الأول أصح لما" روى عروة بن الزبير قال : أول من جهر بالقرآن بمكة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود وذلك أن الصحابة قالوا : ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر به قط ، فمن رجل يسمعهموه ؟ فقال ابن مسعود أنا فقالوا : إنا نخشى عليك ، وإنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه ، فأبى ثم قام عند المقام فقال : بسم الله الرحمن الرحيم " الرحمن * علم القرآن " ثم تمادى رافعا بها صوته وقريش في أنديتها فتأملوا وقالوا ما يقول ابن أم عبد ؟ قالوا : هو يقول الذي يزعم محمد صلى الله عليه وسلم أنه أنزل عليه ، ثم ضربوه حتى أثروا في وجهه ، وصح أن النبي صلى الله قام يصلي الصبح بنخلة فقرأ سورة الرحمن ومر النفر من الجن فآمنوا به " وفي الترمذي"عن جابر قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال : لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم كنت كلما أتيت على قوله " فبأي آلاء ربكما تكذبان " قالوا لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد " قال حديث غريب . وفي هذا دليل على أنها مكية والله أعلم . و"روي أن قيس بن عاصم المنقري قال للنبي صلى الله عليه وسلم : اتل علي مما أنزل عليك فقرأ عليه سورة الرحمن فقال: أعدها فأعادها ثلاثا فقال والله إن له لطلاوة وإن عليه لحلاوة وأسفله لمغدق وأعلاه مثمر وما يقول هذا بشر وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله" و"روي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن "
قوله تعالى" الرحمن * علم القرآن " قال سعيد بن جبير وعامر الشعبي "الرحمن" فاتحة ثلاث سور إذا جمعن كن اسما من أسماء الله تعالى (الر) و(حم) (ن) فيكون مجموع هذه " الرحمن " .
تفسير سورة الرحمن
قال الإمام أحمد: حدثنا عفان, حدثنا حماد عن عاصم عن زر أن رجلاً قال: كيف تعرف هذا الحرف من ماء غير آسن أو آسن ؟ فقال: كل القرآن قد قرأت. قال: إني لأقرأ المفصل في ركعة واحدة, فقال: أهذا كهذا الشعر لا أبالك ؟ قد علمت. قرائن النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يقرن قرينتين قرينتين من أول المفصل, وكان أول مفصل ابن مسعود "الرحمن" وقال أبو عيسى الترمذي: حدثنا عبد الرحمن بن واقد وأبو مسلم السعدي, حدثنا الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد, عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال: "لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردوداً منكم, كنت كلما أتيت على قوله: "فبأي آلاء ربكما تكذبان" قالوا لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد" ثم قال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد, ثم حكي عن الإمام أحمد أنه كان لا يعرفه, ينكر رواية أهل الشام عن زهير بن محمد هذا, ورواه الحافظ أبو بكر البزار عن عمرو بن مالك عن الوليد بن مسلم, وعن عبد الله بن أحمد بن شبويه عن هشام بن عمارة, كلاهما عن الوليد بن مسلم به ثم قال: لا نعرفه يروى إلا من هذا الوجه. وقال أبو جعفر بن جرير: حدثنا محمد بن عباد بن موسى وعمرو بن مالك البصري قالا: حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الرحمن أو قرئت عنده فقال: "ما لي أسمع الجن أحسن جواباً لربها منكم ؟" قالوا: وما ذاك يا رسول الله ؟ قال: "ما أتيت على قول الله تعالى: "فبأي آلاء ربكما تكذبان" إلا قالت الجن لا بشيء من نعم ربنا نكذب" ورواه الحافظ البزار عن عمرو بن مالك به, ثم قال: لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد.
بسم الله الرحمـن الرحيم
يخبر تعالى عن فضله ورحمته بخلقه أنه أنزل على عباده القرآن, ويسر حفظه وفهمه على من رحمه فقال تعالى: " الرحمن * علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان " قال الحسن: يعني النطق, وقال الضحاك وقتادة وغيرهما: يعني الخير والشر, وقول الحسن ههنا أحسن وأقوى لأن السياق في تعليمه تعالى القرآن, وهو أداء تلاوته, وإنما يكون ذلك بتيسير النطق على الخلق وتسهيل خروج الحروف من مواضعها من الحلق واللسان والشفتين على اختلاف مخارجها وأنواعها. وقوله تعالى: "الشمس والقمر بحسبان" أي يجريان متعاقبين بحساب مقنن لا يختلف ولا يضطرب "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون" وقال تعالى: "فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم".
وعن عكرمة أنه قال: لو جعل الله نور جميع أبصار الإنس والجن والدواب والطير في عيني عبد, ثم كشف حجاباً واحداً من سبعين حجاباً دون الشمس, لما استطاع أن ينظر إليها. ونور الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي, ونور الكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش, ونور العرش جزء من سبعين جزءاً من نور الستر. فانظر ماذا أعطى الله عبده من النور في عينيه وقت النظر إلى وجه ربه الكريم عياناً, رواه ابن أبي حاتم. وقوله تعالى: "والنجم والشجر يسجدان" قال ابن جرير: اختلف المفسرون في معنى قوله والنجم بعد إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق, فروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: النجم ما انبسط على وجه الأرض يعني من النبات, وكذا قال سعيد بن جبير والسدي وسفيان الثوري, وقد اختاره ابن جرير رحمه الله تعالى. وقال مجاهد: النجم الذي في السماء. وكذا قال الحسن وقتادة, وهذا القول هو الأظهر والله أعلم لقوله تعالى: "ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس" الاية.
وقوله تعالى: "والسماء رفعها ووضع الميزان" يعني العدل كما قال تعالى: "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط" وهكذا قال ههنا: " أن لا تطغوا في الميزان " أي خلق السموات والأرض بالحق والعدل لتكون الأشياء كلها بالحق والعدل. ولهذا قال تعالى: "وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان" أي لا تبخسوا الوزن بل زنوا بالحق والقسط كما قال تعالى: "وزنوا بالقسطاس المستقيم" وقوله تعالى: "والأرض وضعها للأنام" أي كما رفع السماء وضع الأرض ومهدها وأرساها بالجبال الراسيات الشامخات, لتستقر لما على وجهها من الأنام وهم الخلائق المختلفة أنواعهم وأشكالهم وألوانهم وألسنتهم في سائر أقطارها وأرجائها.
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد: الأنام الخلق "فيها فاكهة" أي مختلفة الألوان والطعوم والروائح "والنخل ذات الأكمام" أفرده بالذكر لشرفه ونفعه رطباً ويابساً, والأكمام قال ابن جريج عن ابن عباس: هي أوعية الطلع وهكذا قال غير واحد من المفسرين, وهو الذي يطلع فيه القنو ثم ينشق عن العنقود, فيكون بسراً ثم رطباً ثم ينضج ويتناهى نفعه واستواؤه. وقال ابن أبي حاتم: ذكر عن عمرو بن علي الصيرفي, حدثنا أبو قتيبة, حدثنا يونس بن الحارث عن الشعبي قال: كتب قيصر إلى عمر بن الخطاب: أخبرك أن رسلي أتتني من قبلك فزعمت أن قبلكم شجرة ليست بخليقة لشيء من الخير, تخرج مثل آذان الحمير ثم تشقق مثل اللؤلؤ, ثم تخضر فتكون مثل الزمرد الأخضر, ثم تحمر فتكون كالياقوت الأحمر, ثم تينع فتنضج فتكون كأطيب فالوذج أكل, ثم تيبس فتكون عصمة للمقيم وزاداً للمسافر, فإن تكن رسلي صدقتني فلا أرى هذه الشجرة إلا من شجر الجنة, فكتب إليه عمر بن الخطاب: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى قيصر ملك الروم, إن رسلك قد صدقوك هذه الشجرة عندنا, وهي الشجرة التي أنبتها الله على مريم حين نفست بعيسى ابنها, فاتق الله ولا تتخذ عيسى إلهاً من دون الله "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين" وقيل: الأكمام رفاتها وهو الليف الذي على عنق النخلة, وهو قول الحسن وقتادة.
"والحب ذو العصف والريحان" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "والحب ذو العصف" يعني التبن. وقال العوفي عن ابن عباس: العصف ورق الزرع الأخضر الذي قطع رؤوسه, فهو يسمى العصف إذا يبس, وكذا قال قتادة والضحاك وأبو مالك عصفه تبنه. وقال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: والريحان يعني الورق. وقال الحسن: هو ريحانكم هذا, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: والريحان خضر الزرع, ومعنى هذا ـ والله أعلم ـ أن الحب كالقمح والشعير ونحوهما له في حال نباته عصف, وهو ما على السنبلة, وريحان وهو الورق الملتف على ساقها. وقيل: العصف الورق أول ما ينبت الزرع بقلاً والريحان الورق يعني إذا أدجن وانعقد فيه الحب, كما قال زيد بن عمرو بن نفيل في قصيدته المشهورة:
وقولا له من ينبت الحب في الثرى فيصبح منه البقل يهتز رابيا
ويخرج منـــه حبـــه في رؤوســــه ففي ذاك آيات لمن كان واعيا
وقوله تعالى: "فبأي آلاء ربكما تكذبان" أي فبأي الالاء يا معشر الثقلين من الإنس والجن تكذبان ؟ قاله مجاهد وغير واحد, ويدل عليه السياق بعده, أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها, فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به: اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب, فلك الحمد. وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها, قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق, حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
هي ست وسبعون آية
وهي مكية. قال القرطبي: كلها في قول الحسن وعروة بن الزبير وعكرمة وعطاء وجابر قال: قال ابن عباس إلا آية منها، وهي قوله: "يسأله من في السموات والأرض" الآية. وقال ابن مسعود ومقاتل هي مدنية كلها، والأول أصح، ويدل عليه ما أخرجه النحاس عن ابن عباس قال: نزلت سورة الرحمن بمكة. وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال: أنزل بمكة سورة الرحمن. وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: نزلت سورة الرحمن علم القرآن بمكة. وأخرج أحمد وابن مردويه. قال السيوطي: بسند حسن عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمنر والمشركون يسمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان" ويؤيد القول الثاني ما أخرجه ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: نزلت سورة الرحمن بالمدينة، ويمكن الجمع بين القولين بأنه نزل بعضها بمكة وبعضها بالمدينة. وأخرج الترمذي وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبد الله قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه. فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا، فقال: مالي أراكم سكوتاً لقد قرأتها على الجن ليلة الجن، فكانوا أحسن مردوداً منكم كلما أتيت على قوله: "فبأي آلاء ربكما تكذبان" قالوا: لا شيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد" قال الترمذي بعد إخراجه: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد. وحكي عن الإمام أحمد أنه كان يستنكر روايته عن زهير. وقال البزار: لا نعرفه يروى إلا من هذا الوجه. وأخرجه البزار وابن جرير وابن المنذر والدارقطني في الإفراد وابن مردويه والخطيب في تاريخه من حديث ابن عمر وصحح السيوطي إسناده. وقال البزار: لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد. وأخرج البيهقي في الشعب عن علي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لكل شيء عروس، وعروس القرآن الرحمن".
قوله: 1- "الرحمن".
1. مكية، " الرحمن "، قيل: نزلت حين قالوا: وما الرحمن؟ وقيل: هو جواب لأهل مكة حين قالوا: إنما يعلمه بشر.
1-" الرحمن " .
Surah 55. Ar-Rahman
1. The Beneficent
SURA 55: RAHMAN
1 - (God) Most Gracious!