[النجم : 38] أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى
38 - (ألا تزر وازرة وزر أخرى) الخ وأن مخففة من الثقيلة أي أنه لا تحمل نفس ذنب غيرها
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة فجاء رجل يريد أن يحمل فلم يجد ما يخرج عليه فلقي صديقا له فقال أعطني شيئا فقال أعطيك بكري هذا على أن لا تتحمل ذنوبي فقال له نعم فأنزل الله أفرأيت الذي تولى الآيات
وأخرج عن دراج أبي السميع قال خرجت سرية غازية فسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمله فقال لا أجد ما أحملك عليه فانصرف حزينا فمر برجل رحاله منيخة بين يديه فشكا إليه فقال له الرجل هل لك أن أحملك فتلحق الجيش بحسناتك فقال نعم فركب فنزلت أفرأيت الذي تولى إلى قوله ثم يجزاه الجزاء الأوفى
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال ان رجلا أسلم فلقيه بعض من يعيره فقال أتركت دين الأشياخ وضللتهم وزعمت أنهم في النار قال إني خشيت عذاب الله قال أعطني شيئا وانا أحمل كل عذاب كان عليك فأعطاه شيئا فقال زدني فتعاسرا حتى أعطاه شيئا وكتب كتابا وأشهد له ففيه نزلت هذه الآية أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا وأكدى
وقوله : " ألا تزر وازرة وزر أخرى " فإن من قوله " ألا تزر " على التأويل الذي تأولناه موضع خفض ردا على ما التي في قوله " أم لم ينبأ بما في صحف موسى " يعني بقوله " ألا تزر وازرة وزر أخرى " غيرها بل كل آثمة فإنهما إثمها عليها .
وقد بينا تأويل ذلك باختلاف أهل العلم فيه فيما مضى قبل .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قال : ثنا أبو مالك الجنبي قال : ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبي مالك الغفاري في قوله " ألا تزر وازرة وزر أخرى * وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " إلى قوله من " النذر الأولى " قال هذا في صحف إبراهيم وموسى .
وإنما عني بقوله " ألا تزر وازرة وزر أخرى " الذي ضمن للوليد بن المغيرة أن يتحمل عنه عذاب الله يوم القيامة يقول : ألم يخبر قائل هذا القول وضامن هذا الضمان بالذي في صحف موسى وإبراهيم مكتوب أن لا تأثم آثمة إثم أخرى غيرها وأن " ليس للإنسان إلا ما سعى " يقول جل ثناؤه : أو لم ينبأ أنه لا يجازي عامل إلا بعمله خيراً كان ذلك أو شراً .
قوله تعالى " ألا تزر وازرة وزر أخرى "
يقول تعالى ذاماً لمن تولى عن طاعة الله: " فلا صدق ولا صلى * ولكن كذب وتولى " "وأعطى قليلاً وأكدى" قال ابن عباس: أطاع قليلاً ثم قطعه, وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة وغير واحد. قال عكرمة وسعيد: كمثل القوم إذا كانوا يحفرون بئراً, فيجدون في أثناء الحفر صخرة تمنعهم من تمام العمل فيقولون أكدينا ويتركون العمل.
وقوله تعالى: " أعنده علم الغيب فهو يرى " أي أعند هذا الذي قد أمسك يده خشية الإنفاق وقطع معروفه, أعنده علم الغيب أنه سينفد ما في يده حتى قد أمسك عن معروفه فهو يرى ذلك عياناً ؟ أي ليس الأمر كذلك. وإنما أمسك عن الصدقة والمعروف والبر والصلة بخلاً وشحاً وهلعاً, ولهذا جاء في الحديث "أنفق بلالاً ولا تخش من ذي العرش إقلالاً" وقد قال الله تعالى "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين"
وقوله تعالى: "أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى ؟" قال سعيد بن جبير والثوري: أي بلغ جميع ما أمر به, وقال ابن عباس "وفى" لله بالبلاغ, وقال سعيد بن جبير "وفى" ما أمر به, وقال قتادة "وفى" طاعة الله وأدى رسالته إلى خلقه وهذا القول هو اختيار ابن جرير, وهو يشمل الذي قبله ويشهد له قوله تعالى: "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً" فقام بجميع الأوامر وترك جميع النواهي وبلغ الرسالة على التمام والكمال, فاستحق بهذا أن يكون للناس إماماً يقتدى به في جميع أحواله وأقواله وأفعاله. قال الله تعالى: "ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف الحمصي, حدثنا آدم بن أبي إياس العسقلاني, حدثنا حماد بن سلمة, حدثنا جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية "وإبراهيم الذي وفى" قال "أتدري ما وفى ؟" قلت: الله ورسوله أعلم. قال "وفى عمل يومه بأربع ركعات من أول النهار" ورواه ابن جرير من حديث جعفر بن الزبير وهو ضعيف.
وقال الترمذي في جامعه: حدثنا أبو جعفر السمناني, حدثنا أبو مسهر, حدثنا إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير, عن أبي الدرداء وأبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه قال: "ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره" قال ابن أبي حاتم رحمه الله: وحدثنا أبي, حدثنا الربيع بن سليمان, حدثنا أسد بن موسى, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا زبان بن فائد عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا أخبركم لم سمى الله تعالى إبراهيم خليله الذي وفى ؟ إنه كان يقول كلما أصبح وأمسى: "فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون" حتى ختم الاية " .
ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن رشدين بن سعد عن زبان به, ثم شرع تعالى يبين ما كان أوحاه في صحف إبراهيم وموسى فقال: " ألا تزر وازرة وزر أخرى " أي كل نفس ظلمت نفسها بكفر أو شيء من الذنوب فإنما عليها وزرها لا يحمله عنها أحد كما قال: "وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى" "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" أي كما لا يحمل عليه وزر غيره, كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه, ومن هذه الاية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتبعه, أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى, لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثهم عليه ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء, ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم, ولو كان خيراً لسبقونا إليه, وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والاراء, فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ومنصوص من الشارع عليهما.
وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: من ولد صالح يدعو له, أو صدقة جارية من بعده, أو علم ينتفع به" فهذه الثلاثة في الحقيقة هي من سعيه وكده وعمله, كما جاء في الحديث "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه" والصدقة الجارية كالوقف ونحوه هي من آثار عمله ووقفه, وقد قال تعالى: "إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم" الاية. والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده هو أيضاً من سعيه وعمله, وثبت في الصحيح "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً". وقوله تعالى: "وأن سعيه سوف يرى" أي يوم القيامة كقوله تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون" أي فيخبركم به ويجزيكم عليه أتم الجزاء إن خيراً فخير وإن شراً فشر, وهكذا قال ههنا: "ثم يجزاه الجزاء الأوفى" أي الأوفر.
ثم بين سبحانه ما في صحفهما فقال: 38- " ألا تزر وازرة وزر أخرى " أي لا تحمل نفس حاملة حمل نفس أخرى، ومعناه: لا تؤخذ نفس بذنب غيرها، وأن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر وخبرها الجملة بعدها ومحل الجملة الجر على أنها بدل من صحف موسى وصحف إبراهيم، أو الرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف، وقد مضى تفسي هذه الآية في سورة الأنعام.
38. ثم بين ما في صحفهما فقال: " ألا تزر وازرة وزر أخرى "، أي: لا تحمل أخرى، ومعناه: لا تؤخذ نفس بإثم غيرها. وفي إبطال قول من ضمن للوليد بن المغيرة بأنه يحمل عنه الإثم.
وروى عكرمة عن ابن عباس قال: كانوا قبل إبراهيم عليه السلام يأخذون الرجل بذنب غيره، كان الرجل يقتل بقتل أبيه وابنه وأخيه وامرأته وعبده، حتى إبراهيم عليه السلام فنهاهم عن ذلك، وبلغهم عن الله: ((ألا تزر وازرة وزر أخرى)).
38-" ألا تزر وازرة وزر أخرى " أن هي المخففة من الثقيلة وهي بما بعدها في محل الجر بدلاً مما " في صحف موسى " ،أو الرفع على هو أن " لا تزر " كأنه قيل ما في صحفها ؟ فأجاب به ، والمعنى أنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره ولا يخالف ذلك قوله : " كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا " وقوله عليه الصلاة والسلام " من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " فإن ذلك للدلالة والتسبب الذي هو وزره .
38. That no laden one shall bear another's load,
38 - Namely, that no bearer of burdens can bear the burden of another;