[النجم : 31] وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى
31 - (ولله ما في السماوات وما في الأرض) هو مالك لذلك ومنه الضال والمهتدي يضل من يشاء ويهدي من يشاء (ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا) من الشرك وغيره (ويجزي الذين أحسنوا) بالتوحيد وغيره من الطاعات (بالحسنى) الجنة وبين المحسنين بقوله
يقول تعالى ذكره : " ولله " ملك " ما في السموات وما في الأرض " من شيء وهو يضل من يشاء وهو أعلم بهم " ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا " يقول : ليجزي الذين عصوه من خلقه فأساءوا بمعصيتهم إياه فيثيبهم بها النار " ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى " يقول : وليجزي الذين أطاعوه فأحسنوا بطاعتهم إياه في الدنيا بالحسنى وهي الجنة فيثيبهم بها .
وقيل : عني بذلك أهل الشرك والإيمان .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني عبد الله بن عياش قال : قال زيد بن أسلم في قول الله " ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا " المؤمنون .
قوله تعالى " ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى " اللام متعلقة بالمعنى الذي دل عليه " ولله ما في السماوات وما في الأرض " كأنه قال هو مالك ذلك يهدي من يشاء ويضل من يشاء ليجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته وقيل " ولله ما في السماوات وما في الأرض " معترض في الكلام والمعنى إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى ليجزي وقيل : هي لام العاقبة أي ولله ما في السماوات وما في الأرض أي وعاقبة أمر الخلق أن يكون فيهم مسيء ومحسن فللمسيء السوءى وهي جهنم وللمحسن الحسنى وهي الجنة .
يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض, وأنه الغني عما سواه الحاكم في خلقه بالعدل وخلق الخلق بالحق " ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى " أي يجازي كلاً بعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر, ثم فسر المحسنين بأنهم الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش, أي لا يتعاطون المحرمات الكبائر وإن وقع منهم بعض الصغائر فإنه يغفر لهم ويستر عليهم كما قال في الاية الأخرى "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً" وقال ههنا: "الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم" وهذا استثناء منقطع, لأن اللمم من صغائر الذنوب ومحقرات الأعمال. قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, حدثنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر, وزنا اللسان النطق, والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" أخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الرزاق به.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الأعلى, أخبرنا ابن ثور, حدثنا معمر عن الأعمش عن أبي الضحى أن ابن مسعود قال: زنا العينين النظر, وزنا الشفتين التقبيل, وزنا اليدين البطش, وزنا الرجلين المشي, ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه, فإن تقدم بفرجه كان زانياً وإلا فهو اللمم, وكذا قال مسروق والشعبي. وقال عبد الرحمن بن نافع الذي يقال له: ابن لبابة الطائفي قال: سألت أبا هريرة عن قول الله: "إلا اللمم" قال: القبلة والغمزة والنظرة والمباشرة, فإذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل, وهو الزنا. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "إلا اللمم" إلا ما سلف وكذا قال زيد بن أسلم. وقال ابن جرير: حدثنا ابن المثنى, حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن منصور عن مجاهد أنه قال في هذه الاية: "إلا اللمم" قال: الذي يلم بالذنب ثم يدعه, قال الشاعر:
إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك ما ألما ؟
وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد, حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد في قول الله تعالى: "إلا اللمم" قال: الرجل يلم بالذنب ثم ينزع عنه. قال: وكان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت وهم يقولون:
إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك ما ألما ؟
وقد رواه ابن جرير وغيره مرفوعاً قال ابن جرير: حدثني سليمان بن عبد الجبار, حدثنا أبو عاصم, حدثنا زكريا بن إسحاق عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس "الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم" قال: هو الرجل الذي يلم بالفاحشة ثم يتوب وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك ما ألما ؟
وهكذا رواه الترمذي عن أحمد بن عثمان أبي عثمان البصري عن أبي عاصم النبيل ثم قال: هذا حديث صحيح حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث زكريا بن إسحاق, وكذا قال البزار: لا نعلمه يروى متصلاً إلا من هذا الوجه, وساقه ابن أبي حاتم والبغوي من حديث أبي عاصم النبيل, وإنما ذكره البغوي في تفسير سورة تنزيل, وفي صحته مرفوعاً نظر. ثم قال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيغ, حدثنا يزيد بن زريع, حدثنا يونس عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أراه رفعه في: "الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم" قال: اللمم من الزنا ثم يتوب ولا يعود. واللمم من السرقة ثم يتوب ولا يعود, واللمم من شرب الخمر ثم يتوب ولا يعود, قال: فذلك الإلمام, وحدثنا ابن بشار, حدثنا ابن أبي عدي عن عوف عن الحسن في قوله تعالى: "الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم" قال: اللمم من الزنا أو السرقة أو شرب الخمر ثم لا يعود إليه.
وحدثني يعقوب, حدثنا ابن علية عن أبي رجاء عن الحسن في قول الله: "الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم" قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: هو الرجل يصيب اللمة من الزنا واللمة من شرب الخمر فيجتنبها ويتوب منها. وقال ابن جرير عن عطاء عن ابن عباس "إلا اللمم" يلم بها في الحين قلت: الزنا ؟ قال: الزنا ثم يتوب. وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا أبو كريب, حدثنا ابن عيينة عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه قال: اللمم, الذي يلم المرة. وقال السدي: قال أبو صالح سئلت عن اللمم فقلت: هو الرجل يصيب الذنب ثم يتوب, وأخبرت بذلك ابن عباس فقال: لقد أعانك عليها ملك كريم, حكاه البغوي وروى ابن جرير من طريق المثنى بن الصباح ـ وهو ضعيف ـ عن عمرو بن شعيب أن عبد الله بن عمرو قال: اللمم ما دون الشرك, وقال سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن عطاء عن ابن الزبير "إلا اللمم" قال: ما بين الحدين حد الدنيا وعذاب الاخرة, وكذا رواه شعبة عن الحكم عن ابن عباس مثله سواء. وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: "إلا اللمم" كل شيء بين الحدين حد الدنيا وحد الاخرة, تكفره الصلوات فهو اللمم, وهو دون كل موجب, فأما حد الدنيا فكل حد فرض الله عقوبته في الدنيا, وأما حد الاخرة فكل شيء ختمه الله بالنار وأخر عقوبته إلى الاخرة. وكذا قال عكرمة وقتادة والضحاك.
وقوله تعالى: "إن ربك واسع المغفرة" أي رحمته وسعت كل شيء ومغفرته تسع الذنوب كلها لمن تاب منها كقوله تعالى: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم" وقوله تعالى: "هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض" أي هو بصير بكم عليم بأحوالكم وأفعالكم وأقوالكم التي ستصدر عنكم, وتقع منكم حين أنشأ أباكم من الأرض, واستخرج ذريته من صلبه أمثال الذر ثم قسمهم فريقين: فريقاً للجنة وفريقاً للسعير. وكذا قوله: "وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم" قد كتب الملك الذي يوكل به رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد ؟ قال مكحول: كنا أجنة في بطون أمهاتنا فسقط منا من سقط, وكنا فيمن بقي ثم كنا مراضع فهلك منا من هلك, وكنا فيمن بقي ثم صرنا يفعة فهلك منا من هلك, وكنا فيمن بقي ثم صرنا شباباً فهلك منا من هلك, وكنا فيمن بقي ثم صرنا شيوخاً لا أبالك فماذا بعد هذا ننتظر ؟ رواه ابن أبي حاتم عنه.
وقوله تعالى: "فلا تزكوا أنفسكم" أي تمدحوها وتشكروها وتمنوا بأعمالكم "هو أعلم بمن اتقى" كما قال تعالى: "ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلاً". وقال مسلم في صحيحه: حدثنا عمرو الناقد, حدثنا هاشم بن القاسم, حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سميت ابنتي برة فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الاسم وسميت برة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزكوا أنفسكم إن الله أعلم بأهل البر منكم" فقالوا: بم نسميها ؟ قال: "سموها زينب" وقد ثبت أيضاً في الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا عفان, حدثنا وهيب, حدثنا خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: مدح رجل رجلاً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويلك قطعت عنق صاحبك ـ مراراً ـ إذا كان أحدكم مادحاً صاحبه لا محالة فليقل أحسب فلاناً والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً, أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك" ثم رواه عن غندر عن شعبة عن خالد الحذاء به, وكذا رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه من طرق عن خالد الحذاء به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع وعبد الرحمن قالا: أخبرنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال: جاء رجل إلى عثمان فأثنى عليه في وجهه قال: فجعل المقداد بن الأسود يحثو في وجهه التراب ويقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقينا المداحين أن نحثو في وجوههم التراب. ورواه مسلم وأبو داوود من حديث الثوري عن منصور به.
ثم أخبر سبحانه عن سعة قدرته وعظيم ملكه فقال: 31- "ولله ما في السموات وما في الأرض" أي هو المالك لذلك والمتصرف فيه لا يشاركه فيه أحد، واللام في " ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا " متعلقة بما دل عليه الكلام، كأنه قال هو مالك ذلك يضل من يشاء ويهدي من يشاء ليجزي المسيء بإساءته والمحسن بإحسانه. وقيل إن قوله: "ولله ما في السموات وما في الأرض" معترضة، والمعنى: إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى ليجزى، وقيل هي لام العاقبة: أي وعاقبة أمر الخلق الذين فيهم المحسن والمسيء أن يجزي الله كلاً منهما بعمله. وقال مكي: إن اللام متعلقة بقوله: "لا تغني شفاعتهم" وهو بعيد من حيث اللفظ ومن حيث المعنى. قرأ الجمهور "ليجزي" بالتحتية. وقرأ زيد بن علي بالنون، ومعنى "بالحسنى" أي بالمثوبة الحسنى وهي الجنة أو بسبب أعمالهم الحسنى.
31. " ولله ما في السموات وما في الأرض "، وهذا معترض بين الآية الأولى وبين قوله: " ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا "، فاللام في قوله: ((ليجزي)) متعلق بمعنى الآية الأولى، لأنه إذا كان أعلم بهم جازى كلا بما يستحقه، الذين أساؤوا وأشركوا: بما عملوا من الشرك، " ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى "، وحدوا ربهم: ((بالحسنى)) بالجنة. وإنما يقدر على مجازاة المحسن والمسيء إذا كان كثير الملك، ولذلك قال: (( ولله ما في السموات وما في الأرض )).
31-" ولله ما في السموات وما في الأرض " خلقاً وملكاً . " ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا " بعقاب ما عملوا من السوء أو بمثله أو بسبب ما عملوا من السوء ، وهو بمثله دل عليه ما قبله أي خلق العالم وسواه للجزاء ، أو ميز الضال عن المهتدي وحفظ أحوالهم لذلك " ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى " بالمثوبة الحسنى وهي الجنة ، أو بأحسن من أعمالهم أو بسبب الأعمال الحسنى .
31. And unto Allah belongeth whatsoever is in the heavens and whatsoever is in the earth, that He may reward those who do evil with that which they have done, and reward those who do good with goodness.
31 - Yea, to God belongs all that is in the heavens and on earth: so that He rewards those who do Evil, according to their deeds, and He rewards those who do good, with what is best.