[الطور : 32] أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ
32 - (أم تأمرهم أحلامهم) عقولهم (بهذا) قولهم له ساحر كاهن مجنون أي لا تأمرهم بذلك (أم) بل (هم قوم طاغون) بعنادهم
يقول تعالى ذكره : أتأمر هؤلاء المشركين أحلامهم بأن يقولوا لمحمد صلى الله عليه وسلم :هو شاعر وأن ما جاء به شعر " أم هم قوم طاغون " يقول جل ثناؤه : ما تأمرهم بذلك أحلامهم وعقولهم " بل هم قوم طاغون " قد طغوا على ربهم فتجاوزوا ما أذن لهم وأمرهم به من الإيمان إلى الكفر به .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : اخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " أم تأمرهم أحلامهم بهذا " كانوا يعدون في الجاهلية أهل الأحلام فقال الله : أم تأمرهم أحلامهم بهذا أن يعبدون أصناماً بكماً صماً ويتركوت عبادة الله فلم تنفعهم أحلامهم حين كانت لدنياهم ولم تكن عقولهم في دينهم لم تنفعهم أحلامهم وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يتأول قوله " أم تأمرهم أحلامهم " بل تأمرهم .
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله " أم هم قوم طاغون " أيضاً قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان عن عثمان بن الأسود عن مجاهد في قوله " أم هم قوم طاغون " قال : بل هم قوم طاغون .
حدثنا ابن بشار قال: ثنا يحيى عن عثمان بن الأسود عن مجاهد " أم هم قوم طاغون "قال :بل هم قوم طاغون.
قوله تعالى " أم تأمرهم أحلامهم " أي عقولهم "بهذا" أي بالكذب عليك "أم هم قوم طاغون " أي أم طغوا بغير عقول . وقيل أم بمعنى بل أي بل كفروا طغيانا وإن ظهر لهم الحق وقيل لعمرو بن العاص : ما بال قومك لم يؤمنوا وقد وصفهم الله بالعقل ؟ فقال : تلك عقول كادها الله أي لم يصحبها بالتوفيق وقيل " أحلامهم" أي أذهانهم ، لأن العقل لا يعطى للكافر ولو كان له عقل لآمن . وإنما يعطى الكافر الذهن فصار عليه حجة . والذهن يقبل العلم جملة . والعقل يميز العلم ويقدر المقادير لحدود الأمر والنهي و"روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال : يا رسول الله ما أعقل فلانا النصراني ، فقال مه إن الكافر لا عقل له أما سمعت قول الله تعالى " وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير " "و"في حديث ابن عمر فزجره النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: مه فإن العاقل من يعمل بطاعة الله "ذكره الترمذي الحكيم أبو عبد الله بإسناده .
يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يبلغ رسالته إلى عباده, وأن يذكرهم بما أنزل الله عليه, ثم نفى عنه ما يرميه به أهل البهتان والفجور فقال: "فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون" أي لست بحمد الله بكاهن كما تقوله الجهلة من كفار قريش, والكاهن الذي يأتيه الرئي من الجان بالكلمة يتلقاها من خبر السماء "ولا مجنون" وهو الذي يتخبطه الشيطان من المس. ثم قال تعالى منكراً عليهم في قولهم في الرسول صلى الله عليه وسلم " أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون " أي قوارع الدهر, والمنون الموت, يقولون ننتظره ونصبر عليه حتى يأتيه الموت فنستريح منه ومن شأنه, قال الله تعالى: "قل تربصوا فإني معكم من المتربصين" أي انتظروا فإني منتظر معكم, وستعلمون لمن تكون العاقبة والنصرة في الدنيا والاخرة. قال محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن قريشاً لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال قائل منهم: احتبسوه في وثاق وتربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء زهير والنابغة إنما هو كأحدهم, فأنزل الله تعالى ذلك من قولهم " أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ".
ثم قال تعالى: "أم تأمرهم أحلامهم بهذا" أي عقولهم تأمرهم بهذا الذي يقولونه فيك من الأقاويل الباطلة التي يعلمون في أنفسهم أنها كذب وزور "أم هم قوم طاغون" أي ولكن هم قوم طاغون ضلال معاندون, فهذا هو الذي يحملهم على ما قالوه فيك . وقوله تعالى: "أم يقولون تقوله ؟" أي اختلقه وافتراه من عند نفسه يعنون القرآن, قال الله تعالى: "بل لا يؤمنون" أي كفرهم هو الذي يحملهم على هذه المقالة "فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين" أي إن كانوا صادقين في قولهم تقوله وافتراه, فليأتوا بمثل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من هذا القرآن, فإنهم لو اجتمعوا هم وجميع أهل الأرض من الجن والإنس ما جاءوا بمثله, ولا بعشر سور من مثله, ولا بسورة من مثله.
32- "أم تأمرهم أحلامهم بهذا" أي بل أتأمرهم عقولهم بهذا الكلام المتناقض، أن الكاهن هو المفرط في الفطنة والذكاء، والمجنون: هو ذاهب العقل فضلاً عن أن يكون له فطنة وذكاء. قال الواحدي: قال المفسرون كانت عظماء قريش توصف بالأحلام والعقول فأزرأ الله بحلومهم حين لم تثمر لهم معرفة الحق من الباطل "أم هم قوم طاغون" أي بل أطغوا وجاوزوا الحد في العناد، فقالوا ما قالوا، وهذه الإضرابات من شيء إلى شيء مع الاستفهام كما هو مدلول أم المنقطعة تدل على أن ما تعقبها أشنع مما تقدمها، وأكثر جرأة وعناداً.
32. " أم تأمرهم أحلامهم "، عقولهم، " بهذا "، وذلك أن عظماء قريش كانوا يوصفون بالأحلام والعقول، فأزرى الله بعقولهم حين لم تتميز لهم معرفة الحق من الباطل، " أم هم "، بل هم، " قوم طاغون ".
32-" أم تأمرهم أحلامهم " عقولهم " بهذا " بهذا التناقض في القول فإن الكاهن يكون ذا فطنة ودقة نظر ، والمجنون مغطى عقله والشاعر يكون ذا كلام موزون متسق مخيل ، ولا يتأتى ذلك من المجنون وأمر الأحلام به مجاز عن أدائها إليه . " أم هم قوم طاغون " مجاوزون الحد في العناد وقرئ بل هم .
32. Do their minds command them to do this, or are they an outrageous folk?
32 - Is it that their faculties of understanding urge them to this, or are they but a people transgressing beyond bounds?