[الطور : 27] فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ
27 - (فمن الله علينا) بالمغفرة (ووقانا عذاب السموم) النار لدخولها في المسام وقالوا إيماء أيضا
" فمن الله علينا " بفضله " ووقانا عذاب السموم " يعني : عذاب النار يعني فنجانا من النار وأدخلنا الجنة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال ك قال ابن زيد في قوله " عذاب السموم " قال : عذاب النار
" فمن الله علينا " بالجنة والمغفرة وقيل بالتوفيق والهداية . "ووقانا عذاب السموم " قال الحسن : السموم اسم من أسماء النار وطبقة من طباق جهنم . وقيل هو النار كما تقول جهنم . وقيل نار عذاب السموم . والسموم الريح الحارة تؤنث يقال منه سم يومنا فهو مسموم والجمع سمائم قال أبو عبيدة السموم بالنهار وقد تكون بالليل والحرور بالليل وقد تكون بالنهار وقد تستعمل السموم في لفح البرد وهو في لفح الحر والشمس أكثر قال الراجز :
اليوم يوم بارد سمومه من جزع اليوم فلا ألومه
يخبر تعالى عن فضله وكرمه وامتنانه ولطفه بخلقه وإحسانه, أن المؤمنين إذا اتبعتهم ذرياتهم في الإيمان يلحقهم بآبائهم في المنزلة, وإن لم يبلغوا عملهم لتقر أعين الاباء بالأبناء عندهم في منازلهم, فيجمع بينهم على أحسن الوجوه بأن يرفع الناقص العمل بكامل العمل, ولا ينقص ذلك من عمله ومنزلته للتساوي بينه وبين ذاك, ولهذا قال: "ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء" قال الثوري عن عمر بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه, ثم قرأ "والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء" ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث سفيان الثوري به, وكذا رواه ابن جرير من حديث شعبة عن عمرو بن مرة به, ورواه البزار عن سهل بن بحر عن الحسن بن حماد الوراق, عن قيس بن الربيع عن عمرو بن مرة عن سعيد عن ابن عباس مرفوعاً, فذكره ثم قال وقد رواه الثوري عن عمرو بن مرة عن سعيد عن ابن عباس موقوفاً, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا العباس بن الوليد بن يزيد البيروتي, أخبرني محمد بن شعيب, أخبرني شيبان, أخبرني ليث عن حبيب بن أبي ثابت الأسدي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: "والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم" قال: هم ذرية المؤمن يموتون على الإيمان, فإن كانت منازل آبائهم أرفع من منازلهم ألحقوا بآبائهم, ولم ينقصوا من أعمالهم التي عملوها شيئاً. وقال الحافظ الطبراني: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري, حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن غزوان, حدثنا شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس, أظنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده, فيقال إنهم لم يبلغوا درجتك, فيقول: يا رب قد عملت لي ولهم فيؤمر بإلحاقهم به " وقرأ ابن عباس "والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان" الاية.
وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الاية يقول: والذين أدرك ذريتهم الإيمان فعملوا بطاعتي ألحقتهم بإيمانهم إلى الجنة, وأولادهم الصغار تلحق بهم, وهذا راجع إلى التفسير الأول, فإن ذلك مفسر أصرح من هذا, وهكذا يقول الشعبي وسعيد بن جبير وإبراهيم وقتادة وأبو صالح والربيع بن أنس والضحاك وابن زيد, وهو اختيار ابن جرير وقد قال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثنا عثمان بن أبي شيبة, حدثنا محمد بن فضيل عن محمد بن عثمان عن زاذان عن علي قال: سألت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم عن ولدين ماتا لها في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هما في النار" فلما رأى الكراهية في وجهها قال: "لو رأيت مكانهما لأبغضتهما" قالت: يا رسول الله فولدي منك ؟ قال: "في الجنة" قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمنين وأولادهم في الجنة, وإن المشركين وأولادهم في النار" ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان" الاية, هذا فضله تعالى على الأبناء ببركة عمل الاباء وأما فضله على الاباء ببركة دعاء الأبناء فقد قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد, حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا رب أنى لي هذه ؟ فيقول: باستغفار ولدك لك" إسناده صحيح ولم يخرجوه من هذا الوجه ولكن له شاهد في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية, أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعو له".
وقوله تعالى: " كل امرئ بما كسب رهين " لما أخبر عن مقام الفضل وهو رفع درجة الذرية إلى منزلة الاباء من غير عمل يقتضي ذلك, أخبر عن مقام العدل وهو أنه لا يؤاخذ أحداً بذنب أحد فقال تعالى: " كل امرئ بما كسب رهين " أي مرتهن بعمله لا يحمل عليه ذنب غيره من الناس, سواء كان أباً أو ابناً كما قال تعالى: " كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين * في جنات يتساءلون * عن المجرمين " وقوله: "وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون" أي وألحقناهم بفواكة ولحوم من أنواع شتى مما يستطاب ويشتهى. وقوله: "يتنازعون فيها كأساً" أي يتعاطون فيها كأساً أي من الخمر, قاله الضحاك "لا لغو فيها ولا تأثيم" أي لا يتكلمون فيها بكلام لاغ أي هذيان ولا إثم أي فحش كما يتكلم به الشربة من أهل الدنيا, قال ابن عباس: اللغو الباطل والتأثيم الكذب, وقال مجاهد: لا يستبون ولا يؤثمون. وقال قتادة: كان ذلك في الدنيا مع الشيطان فنزه الله خمر الاخرة عن قاذورات خمر الدنيا وأذاها, كما تقدم فنفى عنها صداع الرأس ووجع البطن وإزالة العقل بالكلية, وأخبر أنها لا تحملهم على الكلام السيء الفارغ عن الفائدة المتضمن هذياناً وفحشاً, وأخبر بحسن منظرها وطيب طعمها ومخبرها فقال: "بيضاء لذة للشاربين * لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون" وقال: "لا يصدعون عنها ولا ينزفون" وقال ههنا "يتنازعون فيها كأساً لا لغو فيها ولا تأثيم" وقوله تعالى: "ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون" إخبار عن خدمهم وحشمهم في الجنة, كأنهم اللؤلؤ الرطب المكنون في حسنهم وبهائهم ونظافتهم وحسن ملابسهم, كما قال تعالى: " يطوف عليهم ولدان مخلدون * بأكواب وأباريق وكأس من معين " وقوله تعالى: "وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون" أي أقبلوا يتحادثون ويتساءلون عن أعمالهم وأحوالهم في الدنيا, وهذا كما يتحدث أهل الشراب على شرابهم إذا أخذ فيهم الشراب بما كان من أمرهم "قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين" أي كنا في الدار الدنيا ونحن بين أهلنا خائفين من ربنا مشفقين من عذابه وعقابه "فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم" أي فتصدق علينا وأجارنا مما نخاف "إنا كنا من قبل ندعوه" أي نتضرع إليه فاستجاب لنا وأعطانا سؤالنا "إنه هو البر الرحيم".
وقد ورد في هذا المقام حديث رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده فقال: حدثنا سلمة بن شبيب, حدثنا سعيد بن دينار, حدثنا الربيع بن صبيح عن الحسن عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أهل الجنة الجنة اشتاقوا إلى الإخوان, فيجيء سرير هذا حتى يحاذي سرير هذا فيتحدثان, فيتكىء هذا ويتكىء هذا فيتحدثان بما كان في الدنيا, فيقول أحدهما لصاحبه: يا فلان تدري أي يوم غفر الله لنا ؟ يوم كنا في موضع كذا وكذا فدعونا الله عز وجل فغفر لنا" ثم قال البزار: لا نعرفه يروى إلا بهذا الإسناد. قلت: وسعيد بن دينار الدمشقي ؟ قال أبو حاتم: هو مجهول وشيخه الربيع بن صبيح, وقد تكلم فيه غير واحد من جهة حفظه وهو رجل صالح ثقة في نفسه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي, حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة أنها قرأت هذه الاية "فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم * إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم" فقالت: اللهم من علينا وقنا عذاب السموم إنك أنت البر الرحيم. قيل للأعمش في الصلاة ؟ قال: نعم.
27- "فمن الله علينا" بالمغفرة والرحمة أو بالتوفيق لطاعته "ووقانا عذاب السموم" يعني عذاب جهنم، والسموم من أسماء جهنم كذا قال الحسن ومقاتل. وقال الكلبي وأبو عبيدة: هو عذاب النار وقال الزجاج: سموم جهنم ما يوجد من حرها. قال أبو عبيدة: السموم بالنهار، وقد يكون بالليل، والحرور بالليل، وقد يكون بالنهار، وقد يستعمل السموم في لفح البرد، وفي لفح الشمس والحر أكثر، ومنه قول الشاعر:
اليوم يوم بارد سمومه من جزع اليوم فلا ألومه
وقيل سميت الريح سموماً لأنها تدخل المسام.
27. " فمن الله علينا "، بالمغفرة، " ووقانا عذاب السموم "، قال الكلبي : عذاب النار. وقال الحسن : ((السموم)) اسم من أسماء جهنم.
27-" فمن الله علينا " بالرحمة والتوفيق " ووقانا عذاب السموم " عذاب النار النافذة في السمام نفوذ السموم ، وقرئ ووقانا بالتشديد .
27. But Allah hath been gracious unto us and hath preserved us from the torment of the breath of Fire.
27 - But God has been good to us, and has delivered us from the Penalty of the Scorching Wind.