[الذاريات : 19] وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ
19 - (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) الذي لا يسأل لتعففه
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الحنفية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فأصابوا وغنموا فجاء قوم بعدما فرغوا فنزلت وفي أموالهم حق للسائل والمحروم
وقوله " وفي أموالهم حق للسائل والمحروم " يقول تعالى ذكره : وفي أموال هؤلاء المحسنين الذين وصف صفتهم حق لسائلهم المحتاج إلى ما في أيديهم والمحروم .
وبنحو الذي قلنا في معنى السائل قال أهل التأويل وهم في معنى المحروم مختلفون فمن قائل : هو المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم .
ذكر من قال ذلك .
حدثنا ابن حميد ثنا مهران عن سفيان عن أبي إسحاق عن قيس بن كركم عن ابن عباس سألته عن السائل والمحروم قال : السائل : الذي يسأل الناس والمحروم : الذي ليس له في الإسلام سهم وهو محارف .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ثني عمي قال : ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله " وفي أموالهم حق للسائل والمحروم " قال : المحروم : المحارف .
حدثنا سهل بن موسى الرازي ، قال : ثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن قيس بن كركم عن ابن عباس قال : السائل : السائل والمحروم : المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم .
حدثنا سهل بن موسى قال : ثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن قيس بن كركم عن ابن عباس قال : المحروم : المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم .
حدثنا حميد بن مسعدة قال : ثنا يزيد بن زريع قال : ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن قيس بن كركم عن ابن عباس في هذه الآية " للسائل والمحروم " قال السائل : الذي يسأل والمحروم المحارف .
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة قال : سمعت أبا إسحاق يحدث عن قيس بن كركم عن ابن عباس بنحوه .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله تبارك وتعالى : المحروم قال : المحارف .
وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " والمحروم " هو الرجل المحارف الذي لا يكون له مال إلا ذهب قضى الله له ذلك .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن قيس بن كركم قال : سألت ابن عباس عن قوله " للسائل والمحروم " قال : السائل : الذي يسأل ، والمحروم : المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم .
حدثني محمد بن عمرو المقدمي قال : ثنا قريش بن أنس عن سليمان عن قتادة عن سعيد بن المسيب : المحروم : المحارف .
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم قال في المحروم : هو المحارف الذي ليس له أحد يعطف عليه أو يعطيه شيئاً .
حدثني ابن المثنى قال : ثني وهب بن جرير قال : ثنا شعبة عن عاصم عن أبي قلابة قال : جاء سيل باليمامة فذهب بمال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : هذا المحروم .
حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية قال : أخبرنا أيوب عن نافع قال : المحروم : المحارف .
حدثني يونس قال :أخبرنا ابن وهب قال : ثني مسلم بن خالد ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال : المحروم : المحارف .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا هشيم قال : أخبرنا حجاج عن الوليد بن العيزار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : المحروم : هو المحارف .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا هشيم عن أبي بشر قال : سألت سعيد بن جبير عن المحروم فلم يقل فيه شيئاً فقال عطاء : هو المحدود المحارف .
ومن قائل : هو المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئاً .
ذكر من قا لذلك :
حدثنا يونس ، قفال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني نافع بن يزيد عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن سعيد بن المسيب لأنه سئل عن المحروم فقال : المحارف .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " وفي أموالهم حق للسائل والمحروم " هذان فقيرا أهل الإسلام سائل يسأل في كفه وفقير متعفف ولكليهما عليك حق يا ابن آدم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال ثنا محمد بن ثور عن معمر عن الزهري ، " للسائل والمحروم " قال : السائل : الذي يسأل ، والمحروم : المتعفف الذي لا يسأل .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، قال : قال معمر و حدثني الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان والأكلة والأكلتان قالوا فمن المسكين يا رسول الله ؟ قال : الذي لا يجد غنى ولا يعلم بحاجته فيتصدق عليه فذلك المحروم " .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا سعيد عن قتادة في قوله " للسائل والمحروم " قال : السائل الذي يسأل بكفه والمحروم : المتعفف ولكليهما عليك حق يا ابن آدم .
وقائل : هو الذي لا سهم له في الغنيمة .
ذكر من قال ذلك .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد أن رسولا الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فغنموا فجاء قوم يشهدون الغنيمة فنزلت هذه الآية " وفي أموالهم حق للسائل والمحروم " .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن أبي زائدة ، عن سفيان عن قيس بن مسلم الجدلي عن الحسن بن محمد قال : بعثت سرية فغنموا ثم جاء قوم من بعدهم قال : فنزلت " للسائل والمحروم " .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم ان أناساً قدموا على علي رضي الله عنه الكوفة بعد وقعة الجمل فقال اقسموا لهم قال : هذا المحروم .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا أبو نعيم عن سفيان عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد أن قوماً في زمان النبي صلى الله عليه وسلم أصابوا غنيمة فجاء قوم بعد فنزلت " وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ".
حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام قال : ثنا عمرو ، عن منصور عن إبراهيم قال : الذي لا يجرى عليه شيء من الفئ وهو محارف من الناس .
وقائل : هو الذي لا ينمى له مال .
ذكر من قال ذلك:
حدثني أبو السائب قال ثنا ابن إدريس عن حصين قال : سألت عكرمة عن السائل والمحروم قال : السائل : الذي يسألك والمحروم : الذي لا ينمي له مال .
وقائل : هو الذي قد ذهب ثمره وزرعه .
ذكر من قال ذلك .
حدثني يونس قال :أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " وفي أموالهم حق للسائل والمحروم " قال : المحروم : المصاب ثمره وزرعه وقرا " أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه " ( الواقعة 62-63 ) حتى بلغ " بل نحن محرومون " ( الواقعة 67 ) وقال أصحاب الجنة " إنا لضالون * بل نحن محرومون " ( القلم 26 - 27 ) .
حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني عبد الله بن عياش قال : زيد بن أسلم في قول الله " وفي أموالهم حق للسائل والمحروم " قال : ليس ذلك بالزكاة ولكن ذلك مما ينفقون من أموالهم بعد إخراج الزكاة والمحروم : الذي يصاب زرعه او ثمره أو نسل ماشيته فيكون له حق على من لم يصبه ذلك من المسلمين كما قال لأصحاب الجنة حين أهلك جنتهم قالوا " بل نحن محرومون " ( القلم 27 ) وقال أيضاً " لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون * إنا لمغرمون * بل نحن محرومون " ( الواقعة 65-67 ) .
وكان الشعبي يقول في ذلك ما :
حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية عن ابن عون قال : قال الشعبي : أعياني ان اعلم ما المحروم .
والصواب من القول في ذلك عندي أنه الذي قد حرم الرزق واحتاج وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره فصار ممن حرمه الله ذلك وقد يكون بسيب تعففه وتركه المسئلة ويكون بانه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة فلا قول في ذلك أولى بالصواب من أن تعم كما قال جل ثناؤه " وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ".
الرابعة : قوله تعالى "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم " مدح ثالث قال محمد بن سيرين وقتادة الحق هنا الزكاة المفروضة وقيل إنه حق سوى الزكاة يصل به رحما ، أو يقري به ضيفا أو يحمل به كلا ، أو يغني محروما . وقاله ابن عباس لأن السورة مكية وفرضت الزكاة بالمدينة . ابن العربي والأقوى في هذه الآية أنها الزكاة لقوله تعالى في سورة "سأل سائل" "والذين في أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم " والحق المعلوم هو الزكاة التي بين الشارع قدرها وجنسها ووقتها ، فأما غيرها لمن يقول به فليس بمعلوم لأنه غير مقدر ولا مجنس ولا موقت .
الخامسة قوله تعالى : " للسائل والمحروم " السائل الذي يسأل الناس لفاقته قاله ابن عباس وسعيد بن المسيب وغيرهما "والمحروم" الذي حرم المال . واختلف في تعيينه فقال ابن عباس وسعيد بن المسيب وغيرهما : المحروم المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم . وقالت عائشة رضي الله عنها : المحروم المحارف الذي لا يتيسر له مكسبه ، يقال : رجل محارف بفتح الراء أي محدود محروم وهو خلاف قولك مبارك . وقد حورف كسب فلان إذا شدد عليه في معاشه كأنه ميل برزقه عنه . وقالقتادة والزهري المحروم المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئا ولا يعلم بحاجته . وقال الحسن ومحمد بن الحنفية المحروم الذي يجيء بعد الغنيمة وليس له فيها سهم . روي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فأصابوا وغنموا فجاء قوم بعدما فرغوا فنزلت هذه الآية "وفي أموالهم " وقال عكرمة المحروم الذي لا يبقى له مال . وقال زيد بن أسلم هو الذي أصيب ثمره أو زرعه أو نسل ماشيته وقال القرظي المحروم الذي أصابته الجائحة ثم قرأ "إنا لمغرمون * بل نحن محرومون " نظيره في قصة أصحاب الجنة حيث قالوا " بل نحن محرومون" وقال أبو قلابة : كان رجل من أهل اليمامة له مال فجاء سيل فذهب بماله ، فقال رجل من أصحابه هذا المحروم فأقسموا له . وقيل : إنه الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه . وهو يروى عن ابن عباس أيضا . وقال عبد الرحمن بن حميد المحروم المملوك . وقيل : إنه الكلب روي أن عمر بن عبد العزيز كان في طريق مكة فجاء كلب فانتزع عمر رحمه الله كتف شاة فرمى بها إليه وقال : يقولون إنه المحروم . وقيل إنه من وجبت نفقته بالفقر من ذوي الأنساب لأنه قد حرم كسب نفسه حتى وجبت نفقته في مال غيره . وروى ابن وهب عن مالك : أنه الذي يحرم الرزق وهذا قول حسن لأنه يعم جميع الأقوال . وقال الشعبي لي اليوم سبعون سنة منذ احتلمت أسأل عن المحروم فما أنا اليوم بأعلم مني فيه يومئذ رواه شعبة عن عاصم الأحول عن الشعبي وأصله في اللغة الممنوع ، من الحرمان وهو المنع قال علقمة :
ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه أنى توجه والمحروم محروم
و"عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ويل للأغنياء من الفقراء يوم القيامة يقولون ربنا ظلمونا حقوقنا التي فرضت لنا عليهم فيقول الله تعالى وعزتي وجلالي لأقربنكم ولأبعدنهم . ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفي أموالهم حق للسائل والمحروم " "ذكره الثعلبي .
يقول تعالى مخبراً عن المتقين لله عز وجل أنهم يوم معادهم يكونون في جنات وعيون بخلاف ما أولئك الأشقياء فيه من العذاب والنكال والحريق والأغلال. وقوله تعالى: " آخذين ما آتاهم ربهم " قال ابن جرير: أي عاملين بما آتاهم الله من الفرائض "إنهم كانوا قبل ذلك محسنين" أي قبل أن يفرض عليهم الفرائض كانوا محسنين في الأعمال أيضاً, ثم روي عن ابن حميد حدثنا مهران عن سفيان عن أبي عمر عن مسلم البطين, عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: " آخذين ما آتاهم ربهم " قال: من الفرائض "إنهم كانوا قبل ذلك محسنين" قبل الفرائض يعملون, وهذا الإسناد ضعيف ولا يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقد رواه عثمان بن أبي شيبة عن معاوية بن هشام عن سفيان, عن أبي عمر البزار عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكره, والذي فسر به ابن جرير فيه نظر, لأن قوله تبارك وتعالى آخذين حال من قوله في جنات وعيون, فالمتقون في حال كونهم في الجنات والعيون آخذين ماآتاهم ربهم, أي من النعيم والسرور والغبطة, وقوله عز وجل: "إنهم كانوا قبل ذلك" أي في الدار الدنيا "محسنين" كقوله جل جلاله: "كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية" ثم إنه تعالى بين إحسانهم في العمل فقال جل وعلا: "كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون" اختلف المفسرون في ذلك على قولين: (أحدهما) أن "ما" نافية تقديره كانوا قليلاً من الليل لا يهجعونه, قال ابن عباس رضي الله عنهما: لم تكن تمضي عليهم ليلة إلا يأخذون منها ولو شيئاً, وقال قتادة عن مطرف بن عبد الله: قل ليلة لا تأتي عليهم إلا يصلون فيها لله عز وجل, إما من أولها وإما من أوسطها. وقال مجاهد: قل ما يرقدون ليلة حتى الصباح لا يتهجدون, وكذا قال قتادة, وقال أنس بن مالك رضي الله عنه وأبو العالية: كانوا يصلون بين المغرب والعشاء. وقال أبو جعفر الباقر كانوا لا ينامون حتى يصلوا العتمة, (والقول الثاني) أن "ما" مصدرية تقديره كانوا قليلاً من الليل هجوعهم ونومهم, واختاره ابن جرير.
وقال الحسن البصري "كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون" كابدوا قيام الليل فلا ينامون من الليل إلا أقله, ونشطوا فمدوا إلى السحر حتى كان الاستغفار بسحر, وقال قتادة: قال الأحنف بن قيس "كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون" كانوا لا ينامون إلا قليلاً ثم يقول: لست من أهل هذه الاية. وقال الحسن البصري: كان الأحنف بن قيس يقول عرضت عملي على عمل أهل الجنة, فإذا قوم قد باينونا بوناً بعيداً, إذا قوم لا نبلغ أعمالهم كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون, وعرضت عملي على عمل أهل النار, فإذا قوم لا خير فيهم مكذبون بكتاب الله وبرسل الله, مكذبون بالبعث بعد الموت, فقد وجدت من خيرنا منزلة قوماً خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: قال رجل من بني تميم لأبي: يا أبا أسامة صفة لا أجدها فينا ذكر الله تعالى قوماً فقال: "كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون" ونحن والله قليلاً من الليل ما نقوم, فقال له أبي رضي الله عنه: طوبى لمن رقد إذا نعس واتقى الله إذا استيقظ. وقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه, فكنت فيمن انجفل, فلما رأيت وجهه صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه رجل كذاب, فكان أول ما سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: "يا أيها الناس أطعموا الطعام, وصلوا الأرحام, وأفشوا السلام, وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام".
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى, حدثنا ابن لهيعة حدثني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها" فقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: لمن هي يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "لمن ألان الكلام, وأطعم الطعام, وبات لله قائماً والناس نيام" وقال معمر في قوله تعالى: "كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون" كان الزهري والحسن يقولان كانوا كثيراً من الليل ما يصلون, وقال ابن عباس رضي الله عنهما وإبراهيم النخعي "كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون" ما ينامون. وقال الضحاك " إنهم كانوا قبل ذلك محسنين * كانوا قليلا " ثم ابتدأ فقال: " من الليل ما يهجعون * وبالأسحار هم يستغفرون " وهذا القول فيه بعد وتعسف.
وقوله عز وجل: "وبالأسحار هم يستغفرون" قال مجاهد وغير واحد: يصلون وقال آخرون: قاموا الليل وأخروا الاستغفار إلى الأسحار كما قال تبارك وتعالى: "والمستغفرين بالأسحار" فإن كان الاستغفار في صلاة فهو أحسن. وقد ثبت في الصحاح وغيرها عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله تعالى ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير, فيقول هل من تائب فأتوب عليه, هل من مستغفر فأغفر له, هل من سائل فيعطى سؤله ؟ حتى يطلع الفجر" وقال كثير من المفسرين في قوله تعالى إخباراً عن يعقوب أنه قال لبنيه "سوف أستغفر لكم ربي" قالوا أخرهم إلى وقت السحر.
وقوله تبارك وتعالى: "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم" لما وصفهم بالصلاة ثنى بوصفهم بالزكاة والبر والصلة فقال: "وفي أموالهم حق" أي جزء مقسوم قد أفرزوه للسائل والمحروم. أما السائل فمعروف وهو الذي يبتدىء بالسؤال, وله حق كما قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع وعبد الرحمن قالا: حدثنا سفيان عن مصعب بن محمد عن يعلى بن أبي يحيى, عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للسائل حق وإن جاء على فرس" ورواه أبو داود من حديث سفيان الثوري به. ثم أسنده من وجه آخر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وروي من حديث الهرماس بن زياد مرفوعاً, وأما المحروم فقال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد: هو المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم, يعنى لا سهم له في بيت المال ولا كسب له ولا حرفة يتقوت منها, وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: هو المحارف الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه, وقال الضحاك: هو الذي لا يكون له مال إلا ذهب, قضى الله تعالى له ذلك. وقال أبو قلابة: جاء سيل باليمامة فذهب بمال رجل, فقال رجل من الصحابة رضي الله عنهم: هذا المحروم وقال ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي ونافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما وعطاء بن أبي رباح: المحروم المحارف. وقال قتادة والزهري: المحروم الذي لا يسأل الناس شيئاً.
قال الزهري وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان, ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه" وهذا الحديث قد أسنده الشيخان في صحيحيهما من وجه آخر. وقال سعيد بن جبير: هو الذي يجيء وقد قسم المغنم فيرضخ له. وقال محمد بن إسحاق: حدثني بعض أصحابنا قال: كنا مع عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في طريق مكة, فجاء كلب, فانتزع عمر رضي الله عنه كتف شاة فرمى بها إليه وقال: يقولون إنه المحروم, وقال الشعبي: أعياني أن أعلم ما المحروم, واختار ابن جرير أن المحروم الذي لا مال له بأي سبب كان وقد ذهب ماله, سواء كان لا يقدر على الكسب أو قد هلك ماله أو نحوه بآفة أو نحوها. وقال الثوري عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فغنموا, فجاءه قوم لم يشهدوا الغنيمة, فنزلت هذه الاية "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم" وهذا يقتضي أن هذه مدنية وليس كذلك بل هي مكية شاملة لما بعدها, وقوله عز وجل: "وفي الأرض آيات للموقنين" أي فيها من الايات الدالة على عظمة خالقها وقدرته الباهرة مما قد ذرأ فيها من صنوف النبات والحيوانات والمهاد والجبال والقفار والأنهار والبحار, واختلاف ألسنة الناس وألوانهم وما جبلوا عليه من الإرادات والقوى, وما بينهم من التفاوت في العقول والفهوم والحركات والسعادة والشقاوة, وما في تركيبهم من الحكم في وضع كل عضو من أعضائهم في المحل الذي هو محتاج إليه فيه, ولهذا قال عز وجل: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" قال قتادة: من تفكر في خلق نفسه عرف أنه إنما خلق ولينت مفاصله للعبادة.
ثم قال تعالى: "وفي السماء رزقكم" يعنى المطر "وما توعدون" يعني الجنة, قاله ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وغير واحد. وقال سفيان الثوري: قرأ واصل الأحدب هذه الاية "وفي السماء رزقكم وما توعدون" فقال: ألا إني أرى رزقي في السماء وأنا أطلبه في الأرض ؟ فدخل خربة فمكث ثلاثا لا يصيب شيئاً, فلما أن كان اليوم الثالث إذا هو بدوخلة من رطب, وكان له أخ أحسن نية منه, دخل معه فصارتا دوخلتين, فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرق بينهما الموت وقوله تعالى: "فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون" يقسم تعالى بنفسه الكريمة أن ما وعدهم به من أمر القيامة والبعث والجزاء كائن لا محالة, وهو حق لا مرية فيه, فلا تشكوا فيه كما لا تشكوا في نطقكم حين تنطقون, وكان معاذ رضي الله عنه إذا حدث بالشيء يقول لصاحبه: إن هذا لحق كما أنك ههنا, قال مسدد عن ابن أبي عدي عن عوف عن الحسن البصري قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قاتل الله أقواماً أقسم لهم ربهم ثم لم يصدقوا" ورواه ابن جرير عن بندار عن ابن أبي عدي عن عوف عن الحسن فذكره مرسلاً.
ثم ذكر سبحانه صدقاتهم فقال: 19- "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم" أي يجعلون في أموالهم على أنفسهم حقاً للسائل والمحروم تقرباً إلى الله عز وجل. وقال محمد بن سيرين وقتادة: الحق هنا الزكاة المفروضة، والأول أولى، فيحمل على صدقة النفل وصلة الرحم وقرى الضيف، لأن السورة مكية، والزكاة لم تفرض إلا بالمدينة، وسيأتي في سورة سأل سائل " في أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم ". بزيادة معلوم، والسائل هو الذي يسأل الناس لفاقته.
واختلف في تفسير المحروم، فقيل هو الذي يتعفف عن السؤال حتى يحسبه الناس غنياً فلا يتصدقون عليه، وبه قال قتادة والزهري. وقال الحسن ومحمد ابن الحنفية: هو الذي لا سهم له في الغنيمة ولا يجري عليه من الفيء شيء، وقال زيد بن أسلم: هو الذي أصيب ثمره أو زرعه أو ماشيته. قال القرطبي: هو الذي أصابته الجائحة، وقيل الذي لا يكتسب، وقيل هو الذي لا يجد غنىً يغنيه، وقيل هو الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه، وقيل هو المملوك، وقيل الكلب، وقيل غير ذلك. قال الشعبي: لي اليوم سبعون سنة منذ احتلمت أسأل عن المحروم، فما أنا اليوم بأعلم مني فيه يومئذ، والذي ينبغي التعويل عليه ما يدل عليه المعنى اللغوي، والمحروم في اللغة الممنوع، من الحرمان وهو المنع، فيدخل تحته من حرم الرزق من الأصل، ومن أصيب ماله بجائحة أذهبته، ومن حرم العطاء، ومن حرم الصدقة لتعففه.
19. قوله عز وجل: " وفي أموالهم حق للسائل والمحروم "، السائل: الذي يسأل الناس، والمحروم: الذي ليس له في الغنائم سهم، ولا يجرى عليه من الفيء شيء، هذا قول ابن عباس و سعيد بن المسيب قالا: [المحروم الذي] ليس له في الإسلام سهم، ومعناه في اللغة: الذي منع الخير والعطاء.
وقال قتادة و الزهري : ((المحروم)) المتعفف الذي لا يسأل.
وقال زيد بن أسلم: هو المصاب ثمره أو زرعه أو نسل ماشيته. وهو قول محمد بن كعب القرظي ، قال: المحروم صاخب الجائحة، ثم قرأ: " إنا لمغرمون * بل نحن محرومون " (الواقعة-66-67).
19-" وفي أموالهم حق " نصيب يستوجبونه على أنفسهم تقرباً إلى الله وإشفاقاً على الناس . " للسائل والمحروم " للمستجدي والمتعفف الذين يظن غنياً فيحرم الصدقة .
19. And in their wealth the beggar the outcast had due share.
19 - And in their wealth and possessions (was remembered) the right of the (needy,) him who asked, and him who (for some reason) was prevented (from asking).