[ق : 8] تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ
8 - (تبصرة) مفعول له أي فعلنا ذلك تبصيرا منا (وذكرى) تذكيرا (لكل عبد منيب) رجاع إلى طاعتنا
وقوله " تبصرة " يقول : فعلنا ذلك تبصرة لكم أيها الناس يبصركم بها قدرة ربكم على ما يشاء ، " وذكرى لكل عبد منيب " يقول : وتذكيرا من الله عظمته وسلطانه ، وتنبيها على وحدانيته " لكل عبد منيب " يقول : لكل عبد رجع إلى الإيمان بالله ، والعمل بطاعته .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " تبصرة " نعمة من الله يبصرها العباد " وذكرى لكل عبد منيب " : أي مقبل بقلبه إلى الله .
حدثنا ابن عبد الاعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة في قوله " تبصرة وذكرى " قال : تبصرة من الله .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله " تبصرة " قال : بصيرة .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان عن جابر عن عطاء و مجاهد " لكل عبد منيب " قالا : مجيب .

"تبصرة" أي جعلنا ذلك تبصرة لندل به على كمال قدرتنا وقالأبو حاتم نصب على المصدر يعني جعلنا ذلك تبصيرا وتنبيها على قدرتنا "وذكرى" معطوف عليه "لكل عبد منيب" راجع إلى الله تعالى مفكر في قدرته .
يقول تعالى منبهاً للعباد على قدرته العظيمة التي أظهر بها ما هو أعظم مما تعجبوا مستبعدين لوقوعه "أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها" أي بالمصابيح "وما لها من فروج" قال مجاهد: يعني من شقوق, وقال غيره: فتوق, وقال غيره: صدوع, والمعنى متقارب كقوله تبارك وتعالى: " الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور * ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير " أي كليل عن أن يرى عيباً أو نقصاً. وقوله تبارك وتعالى: "والأرض مددناها" أي وسعناها وفرشناها "وألقينا فيها رواسي" وهي الجبال لئلا تميد بأهلها وتضطرب, فإنها مقرة على تيار الماء المحيط بها من جميع جوانبها "وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج" أي من جميع الزروع والثمار والنبات والأنواع "ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون" وقوله بهيج أي حسن المنظر "تبصرة وذكرى لكل عبد منيب" أي ومشاهدة خلق السموات والأرض وما جعل الله فيهما من الايات العظيمة تبصرة ودلالة وذكرى لكل عبد منيب أي خاضع خائف وجل رجاع إلى الله عز وجل.
وقوله تعالى: "ونزلنا من السماء ماء مباركاً" أي نافعاً "فأنبتنا به جنات" أي حدائق من بساتين ونحوها "وحب الحصيد" وهو الزرع الذي يراد لحبه وادخاره "والنخل باسقات" أي طوالاً شاهقات, قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والسدي وغيرهم: الباسقات الطوال "لها طلع نضيد" أي منضود "رزقاً للعباد" أي للخلق "وأحيينا به بلدة ميتا" وهي الأرض التي كانت هامدة, فلما نزل الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج من أزاهير وغير ذلك, مما يحار الطرف في حسنها, وذلك بعد ما كانت لا نبات بها فأصبحت تهتز خضراء, فهذا مثال للبعث بعد الموت والهلاك, كذلك يحيي الله الموتى وهذا المشاهد من عظيم قدرته بالحس أعظم مما أنكره الجاحدون للبعث, كقوله عز وجل: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس" وقوله تعالى: " أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير " وقال سبحانه وتعالى: "ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير".
8- "تبصرة وذكرى لكل عبد منيب" هما علتان لما تقدم منتصبان بالفعل الأخير منها، أو بمقدر: أي فعلنا ما فعلنا للتبصير والتذكير قاله الزجاج. وقال أبو حاتم: انتصبا على المصدرية أي جعلنا ذلك تبصرة وذكرى. والمنيب الراجع إلى الله بالتوبة المتدبر في بديع صنعه وعجائب مخلوقاته. وفي سياق هذه الآية تذكير لمنكري البعث وإيقاظ لهم عن سنة الغفلة، وبيان لإمكان ذلك وعدم امتناعه، فإن القادر على مثل هذه الأمور يقدر عليه.
8. " تبصرةً "، [أي جعلنا ذلك تبصرة]، " وذكرى "، أي تبصيراً وتذكيراً، " لكل عبد منيب "، أي: ليبصر ويذكر به.
8-" تبصرةً وذكرى لكل عبد منيب " راجع إلى ربه متفكر في بدائع صنعه ، وهما علتان للأفعال المذكورة معنى وإن انتصبتا عن الفعل الأخير .
8. A vision and a reminder for every penitent slave.
8 - To be observed and commemorated by every devotee turning (to God).