[ق : 4] قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ
4 - (قد علمنا ما تنقص الأرض) تأكل منهم (منهم وعندنا كتاب حفيظ) هو اللوح المحفوظ فيه جميع الاشياء المقدرة
وقوله " قد علمنا ما تنقص الأرض منهم " يقول تعالى ذكره : قد علمنا ما تأكل الأرض من أجسامهم بعد مماتهم ، بما تأكل الأرض وتفنى من أجسامهم ، ولهم كتاب مكتوب مع علمنا بذلك ، حافظ لذلك كله . وسماه الله تعالى حفيظا ، لأنه لا يدرس ما كتب فيه ، ولا يتغير ولا يتبدل .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " قد علمنا ما تنقص الأرض منهم "قول : ما تأكل الأرض من لحومهم وأبشارهم وعظامهم وأشعارهم .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله " ما تنقص الأرض منهم " قال : من عظامهم.
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة في قوله "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم " يقول : ما تأكل الأرض منهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة " قد علمنا ما تنقص الأرض منهم " قال : يعني الموت ، يقول : من يموت منهم ، أو قال : ما تأكل الأرض منهم إذا ماتوا .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبامعاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول ، قال الله " قد علمنا ما تنقص الأرض منهم " يقول : ما أكلت الأرض منهم ونحن عالمون به ، وهم عندي مع علمي فيهم في كتاب حفيظ .
قوله تعالى : "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم " أي ما تأكل من أجسادهم فلا يضل عنا شيء حتى تتعذر علينا الإعادة . وفي التنزيل"قال فما بال القرون الأولى * قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى" وفي الصحيح "كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب " وقد تقدم وثبت أن الأنبياء والأولياء والشهداء لا تأكل الأرض أجسادهم ، حرم الله على الأرض أن تأكل أجسادهم وقد بينا هذا في كتاب التذكرة وتقدم أيضا في هذا الكتاب . وقالالسديالنقص هنا الموت يقول قد علمنا منهم من يموت ومن يبقى لأن من مات دفن كأن الأرض تنقص من الناس . وعن ابن عباس : هو من يدخل في الإسلام من المشركين . "وعندنا كتاب حفيظ" أي بعدتهم وأسمائهم فهو فعيل بمعنى فاعل .
وقيل اللوح المحفوظ أي محفوظ من الشياطين أو محفوظ فيه كل شيء وقيل الكتاب عبارة عن العلم والإحصاء كما تقول: كتبت عليك هذا أي حفظته وهذا ترك الظاهر من غير ضرورة وقيل أي عندنا كتاب حفيظ لأعمال بني آدم لنحاسبهم عليها .
"ق": حرف من حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور كقوله تعالى: " ص" و"ن" و"الم" و"حم"و"طس " ونحو ذلك, قاله مجاهد وغيره وقد أسلفنا الكلام عليها في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته, وقد روي عن بعض السلف أنهم قالوا: ق جبل محيط بجميع الأرض يقال له جبل قاف, وكأن هذا, والله أعلم, من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس لما رأى من جواز الرواية عنهم مما لا يصدق ولا يكذب, وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم, يلبسون به على الناس أمر دينهم, كما افترى في هذه الأمة مع جلالة قدر علمائها وحفاظها وأئمتها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وما بالعهد من قدم فكيف بأمة بني إسرائيل مع طول المدى وقلة الحفاظ النقاد فيهم وشربهم الخمور, وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه وتبديل كتب الله وآياته, وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله: "وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" فيما قد يجوزه العقل, فأما فيما تحيله العقول ويحكم فيه بالبطلان ويغلب على الظنون كذبه فليس من هذا القبيل, والله أعلم.
وقد أكثر كثير من السلف من المفسرين, وكذا طائفة كثيرة من الخلف من الحكاية عن كتب أهل الكتاب في تفسير القرآن المجيد, وليس بهم احتياج إلى أخبارهم, ولله الحمد والمنة, حتى أن الإمام أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي, رحمة الله عليه, أورد ههنا أثراً غريباً لا يصح سنده عن ابن عباس رضي الله عنهما فقال: حدثنا أبي قال: حدثت عن محمد بن إسماعيل المخزومي, حدثنا ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خلق الله تبارك وتعالى من وراء هذه الأرض بحراً محيطاً بها, ثم خلق من وراء ذلك البحر جبلاً يقال له قاف, سماء الدنيا مرفوعة عليه, ثم خلق الله تعالى من وراء ذلك الجبل أرضاً مثل تلك الأرض سبع مرات, ثم خلق من وراء ذلك بحراً محيطاً بها, ثم خلق من وراء ذلك جبلاً يقال له قاف السماء الثانية مرفوعة عليه, حتى عد سبع أرضين وسبعة أبحر وسبعة أجبل وسبع سموات, قال وذلك في قوله تعالى: "والبحر يمده من بعده سبعة أبحر" فإسناده هذا الأثر فيه انقطاع, والذي رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل "ق" هو اسم من أسماء الله عز وجل والذي ثبت عن مجاهد أنه حرف من حروف الهجاء كقوله تعالى: " ص" "ن" "حم" "طس" "الم " ونحو ذلك, فهذه تبعد ما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقيل: المراد قضي الأمر والله, وأن قوله جل ثناؤه "ق" قال: دلت على المحذوف من بقية الكلمة كقول الشاعر:
قلت لها قفي فقالت ق
وفي هذا التفسير نظر لأن الحذف في الكلام يكون إنما يكون إذا دل دليل عليه, ومن أين يفهم هذا من ذكر هذا الحرف ؟ وقوله تعالى: "والقرآن المجيد" أي الكريم العظيم الذي "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" واختلفوا في جواب القسم ما هو ؟ فحكى ابن جرير عن بعض النحاة أنه قوله تعالى: "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ" وفي هذا نظر بل الجواب هو مضمون الكلام بعد القسم, وهو إثبات النبوة وإثبات المعاد وتقريره وتحقيقه, وإن لم يكن القسم يلتقي لفظاً, وهذا كثير في أقسام القرآن كما تقدم في قوله: " ص والقرآن ذي الذكر * بل الذين كفروا في عزة وشقاق " وهكذا قال ههنا: " ق والقرآن المجيد * بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب " أي تعجبوا من إرسال رسول إليهم من البشر, كقوله جل جلاله: "أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس" أي وليس هذا بعجيب فإن الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس.
ثم قال عز وجل مخبراً عنهم في تعجبهم أيضاً من المعاد واستبعادهم لوقوعه " أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد " أي يقولون أئذا متنا وبلينا وتقطعت الأوصال منا وصرنا تراباً, كيف يمكن الرجوع بعد ذلك إلى هذه البنية والتركيب ؟ "ذلك رجع بعيد" أي بعيد الوقوع. والمعنى أنهم يعتقدون استحالته وعدم إمكانه. قال الله تعالى رداً عليهم: "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم" أي ما تأكل من أجسادهم في البلى نعلم ذلك ولا يخفى علينا أين تفرقت الأبدان وأين ذهبت وإلى أين صارت "وعندنا كتاب حفيظ" أي حافظ لذلك فالعلم شامل والكتاب أيضاً فيه كل الأشياء مضبوطة. قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم" أي ما تأكل من لحومهم وأبشارهم, وعظامهم وأشعارهم, وكذا قال مجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم, ثم بين تبارك وتعالى سبب كفرهم وعنادهم واستبعادهم ما ليس ببعيد فقال: "بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج" أي وهذا حال كل من خرج عن الحق مهما قال بعد ذلك فهو باطل, والمريج: المختلف المضطرب الملتبس المنكر خلاله كقوله تعالى: " إنكم لفي قول مختلف * يؤفك عنه من أفك ".
ثم رد سبحانه ما قالوه فقال: 4- "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم" أي ما تأكل من أجسادهم فلا يضل عنا شيء من ذلك ومن أحاط علمه بكل شيء حتى انتهى إلى علم ما يذهب من أجساد الموتى في القبور لا يصعب عليه البعث ولا يستبعد منه، وقال السدي: النقص هنا الموت، يقول: قد علمنا من يموت منهم ومن يبقى، لأن من مات دفن، فكأن الأرض تنقص من الأموات، وقيل المعنى: من يدخل في الإسلام من المشركين، والأول أولى "وعندنا كتاب حفيظ" أي حافظ لعدتهم وأسمائهم ولكل شيء من الأشياء، وهو اللوح المحفوظ: أي محفوظ من الشياطين، أو محفوظ فيه كل شيء.
4. قال الله عز وجل: " قد علمنا ما تنقص الأرض منهم "، أي تأكل من لحومهم ودمائهم وعظامهم لا يعزب عن علمه شيء. قال السدي : هو الموت، يقول: قد علمنا من يموت منهم ومن يبقى، " وعندنا كتاب حفيظ "، [محفوظ من الشياطين ومن أن يدرس ويتغير وهو اللوح المحفوظ، وقيل: حفيظ] أي: حافظ لعدتهم وأسمائهم.
4-" قد علمنا ما تنقص الأرض منهم " ما تأكل من أجساد موتاهم ، وهو رد لاستبعادهم بإزاحة ما هو الأصل فيه ، وقيل إنه جواب القسم واللام محذوف لطول الكلام ." وعندنا كتاب حفيظ " حافظ لتفاصيل الأشياء كلها ، أو محفوظ عن التغيير ، والمراد إما تمثيل علمه بتفاصيل الأشياء بعلم من عنده كتاب محفوظ يطالعه ، أو تأكيد لعلمه بها بثبوتها في اللوح المحفوظ عنده .
4. We know that which the earth taketh of them, and with Us is a recording Book.
4 - We already know how much of them the earth takes away: with Us is a Record guarding (the full account).