[ق : 1] ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ
1 - (ق ) الله أعلم بمراده به (والقرآن المجيد) الكريم ما آمن كفار مكة بمحمد صلى الله عليه وسلم
اختلف أهل التأويل في قوله " ق " ، فقال بعضهم : هو اسم من أسماء اللله تعالى أقسم به .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي بن داود قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس في قوله ق و ن وأشباه ذا ، فإنه قسم أقسمه الله ، ومن أسماء الله .
وقال آخرون : هو اسم من أسماء القرآن .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الاعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة في قوله " ق " قال : اسم من أسماء القرآن .
وقال آخرون : " ق " اسم الجبل المحيط بالأرض .. وقد تقدم بياننا في تأويل حروف المعجم التي في أوائل سور القرآن بما فيه من الكفاية عن إعادته في هذا الموضع .
وقوله " والقرآن المجيد " يقول : والقرآن الكريم .
كما حدثنا أبو كريب قال : ثنا يحيى بن يمان عن أشعث بن إسحاق عن جعر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير " ق والقرآن المجيد " قال : الكريم .
واختلف أهل العربية في موضع جواب هذا القسم ، فقال بعض نحويي البصرة " ق والقرآن المجيد " قسم على قوله (قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ) وقال بعض نحويي أهل الكوفة : فيها المعنى الذي أقسم به ، وقال : ذكر أنها قضى والله ، وقال : يقال : إن قاف جبل محيط بالأرض ، فإن يكن كذلك فكأنه في موضع رفع : أي هو قاف والله ، قال : وكان ينبغي لرفعه أن يظهر لأنه اسم وليس بهجاء ، قال : ولعل القاف وحدها ذكرت من اسمه كما قال الشاعر:
ققلت لها قفي لنا قالت قاف
ذكرت القاف إرادة القاف من الوقف : أي إني واقفة .
وهذا القول عندنا أولى القولين بالصواب ، لأنه لا يعرف في أجوبة الإيمان قد ، وإنما تجاب الأيمان إذا أجيبت بأحد الحروف الأربعة : اللام ، وإن ، وما ، ولا ، أو بترك جوابها فيكون ساقطا .
مكية كلها في قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر قال ابن عباس وقتادة إلا آية وهي قوله تعالى "ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب" وفي صحيح مسلم "عن أم هشام بنت الحارث بن النعمان قالت : لقد كان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا سنتين أو سنة وبعض سنة وما أخذت "ق والقرآن المجيد" إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس "و"عن عمر رضي الله عنه : سأل أبا واقد الليثي ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر ؟ فقال: كان يقرأ فيهما بـ"ق والقرآن المجيد" و"اقتربت الساعة وانشق القمر "" و"عن جابر بن سمرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بـ" ق والقرآن المجيد" وكانت صلاته بعد تخفيفا "
قوله تعالى "ق والقرآن المجيد" قرأ العامة قاف بالجزم وقرأ الحسنوابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم بكسر الفاء ، لأن الكسر أخو الجزم فلما سكن آخره حركوه بحركة الخفض ، وقرأ عيسى الثقفي بفتح الفاء حركه إلى أخف الحركات . وقرأ هارونومحمد بن السميقع قاف بالضم لأنه غالب الأمر حركة البناء نحو منذ وقط وقبل وبعد . واختلف في معنى ق ما هو ؟ فقال ابن زيدوعكرمةوالضحاك هو جبل محيط بالأرض من زمردة خضراء السماء منه وعليه طرفا السماء والسماء عليه مقبية وما أصاب الناس من زمرد كان مما تساقط من ذلك الجبل . ورواه أبو الجوزاء عن عبد الله بن عباس قال الفراء: كان يجب على هذا أن يظهر الإعراب في "ق" لأنه اسم وليس بهجاء قال : ولعل القاف وحدها ذكرت من اسمه كقول القائل :
قلت لها فقي فقالت قاف
أي أنا واقفة . وهذا وجه حسن وقد تقدم أول البقرة وقال:وهبأشرف ذو القرنين على جبل قاف فرأى تحته جبالا صغارا ، فقال له : ما أنت قال أنا قاف قال فما هذه الجبال حولك قال هي عروقي وما من مدينة إلا وفيها عرق من عروقي فإذا أراد الله أن يزلزل مدينة أمرني فحركت عرقي ذلك فتزلزلت تلك الأرض ، فقال له : يا قاف أخبرني بشيء من عظمة الله ، قال: إن شأن ربنا لعظيم وإن ورائي أرضا مسيرة خمسمائة عام في خمسمائة عام من جبال ثلج يحطم بعضها بعضا لولا هي لاحترقت من حر جهنم . فهذا يدل على أن جهنم على وجه الأرض والله أعلم بموضعها وأين هي من الأرض . قال : زدني قال إن جبريل عليه السلام واقف بين يدي الله تعالى منكسو رؤوسهم فإذا أذن الله لهم في الكلام قالوا : لا إله إلا الله وهو قوله تعالى "يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا" يعني قول لا إله إلا الله وقال الزجاج : قوله"ق" أي قضي الأمر كما قيل في "حم" أي حم الأمر . وقال ابن عباس : "ق" اسم من أسماء الله تعالى أقسم به . وعنه أيضا :أنه اسم من أسماء القرآن وهو قولقتادة وقال القرظي افتتاح أسماء الله تعالى قدير قاهر وقريب وقاض وقابض . وقال الشعبي فاتحة السورة . وقال أبو بكر الوراق معناه قف عند أمرنا ونهينا ولا تعدهما . وقال محمد بن عاصم الأنطاكي هو قرب الله من عباده بيانه "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" وقال ابن عطاء أقسم الله بقوة لقلب حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم حيث حمل الخطاب ولم يؤثر ذلك فيه لعلو حاله . "والقرآن المجيد" أي الرفيع القدر وقيل: الكريم قاله الحسن وقيل الكثير مأخوذ من كثرة القدر والمنزلة لا من كثرة العدد ، من قولهم كثير فلان في النفوس ومنه قول العرب في المثل السائر . في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار أي استكثر هذان النوعان من النار فزادا على سائر الشجر قاله ابن بحر وجواب القسم قيل هو : " قد علمنا ما تنقص الأرض منهم" على إرادة اللام أي لقد علمنا وقيل هو "إن في ذلك لذكرى" وهو اختيار الترمذي محمد بن علي قال : "ق" قسم باسم هو أعظم الأسماء التي خرجت إلى العباد وهو القدرة وأقسم أيضا بالقرآن المجيد . ثم اقتص ما خرج من القدرة من خلق السماوات والأرضين وأرزاق العباد وخلق الآدميين وصفة يوم القيامة والجنة والنار ثم قال: "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب " فوقع القسم على هذه السورة " لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد" وقال ابن كيسان جوابه "ما يلفظ من قول" وقال أهل الكوفة : جواب هذا القسم "بل عجبوا " وقال الأخفش : جوابه محذوف كأنه قال: "ق والقرآن المجيد" لتبعثن يدل عليه " أإذا متنا وكنا ترابا "
تفسير سورة ق
هذه السورة هي أول الحزب المفصل على الصحيح وقيل من الحجرات. وأما ما يقوله العوام إنه من (عم) فلا أصل له ولم يقله أحد من العلماء رضي الله عنهم المعتبرين فيما نعلم. والدليل على أن هذه السورة هي أول المفصل ما رواه أبو داود في سننه باب تحزيب القرآن ثم قال: حدثنا مسدد, حدثنا قران بن تمام, حدثنا عبد الله بن سعيد أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو خالد, سليمان بن حيان, وهذا لفظه عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى عن عثمان بن عبد الله بن أوس عن جده, قال عبد الله بن سعيد: حدثنيه أوس بن حذيفة ثم اتفقا قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف, قال فنزلت الأحلاف على المغيرة بن شعبة رضي الله عنه, وأنزل الرسول صلى الله عليه وسلم بني مالك في قبة له, قال مسدد: وكان في الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثقيف, قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ليلة يأتينا بعد العشاء يحدثنا, قال أبو سعيد, قائماً على رجليه حتى يراوح بين رجليه من طول القيام, فأكثر ما يحدثنا به صلى الله عليه وسلم ما لقي من قومه قريش ثم يقول صلى الله عليه وسلم: "لا سواء وكنا مستضعفين مستذلين ـ قال مسدد بمكة ـ فلما خرجنا إلى المدينة كانت الحرب سجالاً بيننا وبينهم ندال عليهم ويدالون علينا" فلما كانت ليلة أبطأ عنا صلى الله عليه وسلم عن الوقت الذي كان يأتينا فيه, فقلنا: لقد أبطأت علينا الليلة, قال صلى الله عليه وسلم: "إنه طرأ علي حزبي من القرآن فكرهت أن أجيء حتى أتمه". قال أوس: سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحزبون القرآن ؟ فقالوا: ثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة وثلاث عشرة.
وحزب المفصل وحده, ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر به, ورواه الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن عبد الرحمن هو ابن يعلى الطائفي به. إذا علم هذا فإذا عددت ثمانياً وأربعين سورة فالتي بعدهن سورة ق. بيانه ثلاث: البقرة وآل عمران والنساء. وخمس: المائدة والأنعام والأعراف والأنفال وبراءة. وسبع: يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل. وتسع: سبحان والكهف ومريم وطه والأنبياء والحج والمؤمنون والنور والفرقان. وإحدى عشرة: الشعراء والنمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان والم السجدة والأحزاب وسبأ وفاطر ويس. وثلاث عشرة: الصافات وص والزمر وغافر وحم السجدة وحم عسق والزخرف والدخان والجاثية والأحقاق والقتال والفتح والحجرات. ثم بعد ذلك الحزب المفصل كما قاله الصحابة رضي الله عنهم. فتعين أن أوله سورة ق. وهو الذي قلنا ولله الحمد والمنة. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا مالك عن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيد ؟ قال: بقاف واقتربت, ورواه مسلم وأهل السنن الأربعة من حديث مالك به. وفي رواية لمسلم عن فليح عن ضمرة عن عبيد الله عن أبي واقد قال: سألني عمر رضي الله عنه, فذكره.
(حديث آخر) وقال أحمد: حدثنا يعقوب, حدثنا أبي عن ابن إسحاق, حدثني عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة, عن أم هشام بنت حارثة قالت: لقد كان تنورنا وتنور النبي صلى الله عليه وسلم واحداً سنتين أو سنة وبعض سنة, وما أخذت "ق والقرآن المجيد" إلا على رسول الله, وكان يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس, رواه مسلم من حديث ابن إسحاق به. وقال أبو داود: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن حبيب عن عبد الله بن محمد بن معن عن ابنة الحارث بن النعمان قالت ما حفظت ق إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بها كل جمعة. قالت: وكان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً, وكذا رواه مسلم والنسائي وابن ماجه من حديث شعبة به, والقصد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهذه السورة في المجامع الكبار كالعيد والجمع لاشتمالها على ابتداء الخلق, والبعث والنشور والمعاد والقيام والحساب, والجنة والنار والثواب والعقاب والترغيب والترهيب, والله أعلم.
بسم الله الرحمـن الرحيم
"ق": حرف من حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور كقوله تعالى: " ص" و"ن" و"الم" و"حم"و"طس " ونحو ذلك, قاله مجاهد وغيره وقد أسلفنا الكلام عليها في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته, وقد روي عن بعض السلف أنهم قالوا: ق جبل محيط بجميع الأرض يقال له جبل قاف, وكأن هذا, والله أعلم, من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس لما رأى من جواز الرواية عنهم مما لا يصدق ولا يكذب, وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم, يلبسون به على الناس أمر دينهم, كما افترى في هذه الأمة مع جلالة قدر علمائها وحفاظها وأئمتها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وما بالعهد من قدم فكيف بأمة بني إسرائيل مع طول المدى وقلة الحفاظ النقاد فيهم وشربهم الخمور, وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه وتبديل كتب الله وآياته, وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله: "وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" فيما قد يجوزه العقل, فأما فيما تحيله العقول ويحكم فيه بالبطلان ويغلب على الظنون كذبه فليس من هذا القبيل, والله أعلم.
وقد أكثر كثير من السلف من المفسرين, وكذا طائفة كثيرة من الخلف من الحكاية عن كتب أهل الكتاب في تفسير القرآن المجيد, وليس بهم احتياج إلى أخبارهم, ولله الحمد والمنة, حتى أن الإمام أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي, رحمة الله عليه, أورد ههنا أثراً غريباً لا يصح سنده عن ابن عباس رضي الله عنهما فقال: حدثنا أبي قال: حدثت عن محمد بن إسماعيل المخزومي, حدثنا ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خلق الله تبارك وتعالى من وراء هذه الأرض بحراً محيطاً بها, ثم خلق من وراء ذلك البحر جبلاً يقال له قاف, سماء الدنيا مرفوعة عليه, ثم خلق الله تعالى من وراء ذلك الجبل أرضاً مثل تلك الأرض سبع مرات, ثم خلق من وراء ذلك بحراً محيطاً بها, ثم خلق من وراء ذلك جبلاً يقال له قاف السماء الثانية مرفوعة عليه, حتى عد سبع أرضين وسبعة أبحر وسبعة أجبل وسبع سموات, قال وذلك في قوله تعالى: "والبحر يمده من بعده سبعة أبحر" فإسناده هذا الأثر فيه انقطاع, والذي رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل "ق" هو اسم من أسماء الله عز وجل والذي ثبت عن مجاهد أنه حرف من حروف الهجاء كقوله تعالى: " ص" "ن" "حم" "طس" "الم " ونحو ذلك, فهذه تبعد ما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقيل: المراد قضي الأمر والله, وأن قوله جل ثناؤه "ق" قال: دلت على المحذوف من بقية الكلمة كقول الشاعر:
قلت لها قفي فقالت ق
وفي هذا التفسير نظر لأن الحذف في الكلام يكون إنما يكون إذا دل دليل عليه, ومن أين يفهم هذا من ذكر هذا الحرف ؟ وقوله تعالى: "والقرآن المجيد" أي الكريم العظيم الذي "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" واختلفوا في جواب القسم ما هو ؟ فحكى ابن جرير عن بعض النحاة أنه قوله تعالى: "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ" وفي هذا نظر بل الجواب هو مضمون الكلام بعد القسم, وهو إثبات النبوة وإثبات المعاد وتقريره وتحقيقه, وإن لم يكن القسم يلتقي لفظاً, وهذا كثير في أقسام القرآن كما تقدم في قوله: " ص والقرآن ذي الذكر * بل الذين كفروا في عزة وشقاق " وهكذا قال ههنا: " ق والقرآن المجيد * بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب " أي تعجبوا من إرسال رسول إليهم من البشر, كقوله جل جلاله: "أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس" أي وليس هذا بعجيب فإن الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس.
ثم قال عز وجل مخبراً عنهم في تعجبهم أيضاً من المعاد واستبعادهم لوقوعه " أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد " أي يقولون أئذا متنا وبلينا وتقطعت الأوصال منا وصرنا تراباً, كيف يمكن الرجوع بعد ذلك إلى هذه البنية والتركيب ؟ "ذلك رجع بعيد" أي بعيد الوقوع. والمعنى أنهم يعتقدون استحالته وعدم إمكانه. قال الله تعالى رداً عليهم: "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم" أي ما تأكل من أجسادهم في البلى نعلم ذلك ولا يخفى علينا أين تفرقت الأبدان وأين ذهبت وإلى أين صارت "وعندنا كتاب حفيظ" أي حافظ لذلك فالعلم شامل والكتاب أيضاً فيه كل الأشياء مضبوطة. قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم" أي ما تأكل من لحومهم وأبشارهم, وعظامهم وأشعارهم, وكذا قال مجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم, ثم بين تبارك وتعالى سبب كفرهم وعنادهم واستبعادهم ما ليس ببعيد فقال: "بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج" أي وهذا حال كل من خرج عن الحق مهما قال بعد ذلك فهو باطل, والمريج: المختلف المضطرب الملتبس المنكر خلاله كقوله تعالى: " إنكم لفي قول مختلف * يؤفك عنه من أفك ".
هي خمس وأربعون آية
وهي مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر. وروي عن ابن عباس وقتادة أنها مكية إلا آية، وهي قوله: "ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب" وهي أول المفصل على الصحيح، وقيل من الحجرات. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة ق بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وقد أخرج مسلم وغيره عن قطبة بن مالك قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر في الركعة الأولى "ق والقرآن المجيد"". وأخرج أحمد ومسلم وأهل السنن عن أبي واقد الليثي قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيد بقاف واقتربت" وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود وابن ماجه والبيهقي عن أم هشام ابنة حارثة قالت: ما أخذت ق والقرآن المجيد إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقرأ بها في كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس، وهو في صحيح مسلم.
قوله: 1- "ق والقرآن المجيد" الكلام في إعراب هذا كالكلام الذي قدمنا في قوله: "ص والقرآن ذي الذكر" وفي قوله: " حم * والكتاب المبين " واختلف في معنى ق، فقال الواحدي: قال المفسرون: هو اسم جبل يحيط بالدنيا من زبرجد والسماء مقببة عليه وهو وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه بمسيرة سنة. قال الفراء: كان يجب على هذا أن يظهر الإعراب في ق لأنه اسم، وليس بهجاء. قال: ولعل القاف وحدها ذكرت من اسمه كقول القائل: قلت لها قفي، فقالت قاف، أي أنا واقفة. وحكى الفراء والزجاج: أن قوماً قالوا معنى ق: قضي الأمر وقضي ما هو كائن، كما قيل في حم: حم الأمر. وقيل هو اسم من أسماء الله أقسم به. وقال قتادة: هو اسم من أسماء القرآن. وقال الشعبي: فاتحة السورة. وقال أبو بكر الوراق معناه: قف عند أمرنا ونهينا ولا تعدهما، وقيل غير ذلك مما هو أضعف منه. والحق أنه من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه كما حققنا ذلك في فاتحة سورة البقرة، ومعنى المجيد: أنه ذو مجد وشرف على سائر الكتب المنزلة. وقال الحسن: الكريم، وقيل الرفيع القدر، وقيل الكبير القدر، وجواب القسم قال الكوفيون هو قوله: "بل عجبوا" وقال الأخفش: جوابه محذوف كأنه قال: ق والقرآن المجيد لتبعثن، يدل عليه " أإذا متنا وكنا ترابا " وقال ابن كيسان جوابه "ما يلفظ من قول" وقيل هو "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم" بتقدير اللام: أي لقد علمنا، وقيل هو محذوف وتقديره أنزلناه إليك لتنذر، كأنه قيل ق والقرآن المجيد أنزلناه إليك لتنذر به الناس. قرأ الجمهور قاف بالسكون. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم بكسر الفاء. وقرأ عيسى الثقفي بفتح الفاء: وقرأ هارون ومحمد بن السميفع بالضم.
1.مكية " ق " [قال ابن عباس: هو قسم، وقيل:] هو اسم للسورة، وقيل: هو اسم من أسماء القرآن.
وقال القرظي : هو مفتاح اسمه (( القدير ))، و (( القادر )) و (( القاهر )) و (( القريب )) و (( القابض )).
وقال عكرمة و الضحاك : هو جبل محيط بالأرض من زمردة خضراء، منه خضرة السماء والسماء مقببة عليه، وعليه كتفاها، ويقال هو وراء الحجاب الذي تغيب الشمي من ورائه بمسيرة سنة.
وقيل: معناه قضي الأمر، أو قضي ما هو كائن، كما قالوا في حم.
" والقرآن المجيد "، الشريف الكريم على الله، الكثير الخير.
1- " ق والقرآن المجيد " الكلام فيه كما مر في " ص والقرآن ذي الذكر " .و "المجيد " ذو المجد والشرف على سائر الكتب ، أو لأنه كلام المجيد ، أو لأن من علم معانيه وامتثل أحكامه مجد .
Surah 50. Qaf
1. Qaf. By the glorious Quran,
SURA 50: QAF
1 - Qaf: by the Glorious Quran (thou art God's Apostle).