[المائدة : 96] أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
96 - (أحل لكم) أيها الناس حِلاً كنتم أو محرمين (صيد البحر) أن تأكلوه وهو ما لا يعيش إلا فيه كالسمك بخلاف ما يعيش فيه وفي البر كالسرطان (وطعامه) ما يقذفه ميتا (متاعا) تمتيعا (لكم) تأكلونه (وللسيارة) المسافرين منكم يتزودونه (وحرم عليكم صيد البر) وهو ما يعيش فيه من الوحش المأكول أن تصيدوه (ما دمتم حرما) فلو صاده مُحِل فللمحرم أكله كما بينته السنة (واتقوا الله الذي إليه تحشرون)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره :"حل لكم"، أيها المؤمنون ، "صيد البحر" وهو ما صيد طريا ، كما :
حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا عمربن أبي سلمة، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قاك عمربن الخطاب في قوله : "أحل لكم صيد البحر"، قال : صيده ، ما صيد منه .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن سماك قال ، حدثت عن ابن عباس قال : خطب أبو بكر الناس فقال : أحل لكم صيد البحر، قال : فصيده ما أخذ.
حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا حصين ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله : "أحل لكم صيد البحر" قال : صيده ، ما صيد منه .
حدثنا سليمان بن عمربن خالدالرقي قال ، حدثنا محمدبن سلمة الحراني ، عن خصيف ، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله : "أحل لكم صيد البحر" قال : صيده ، الطري .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا الهذيل بن بلال قال ، حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ابن عباس في قوله : "أحل لكم صيد البحر"، قال : صيده ، ما صيد.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "أحل لكم صيد البحر"، قال : الطوي . حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا الحسن بن علي الحنفي-أو: الحسين ، شك أبو جعفر-عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة، قال : كان ابن عباس يقول : صيد البحر، ما اصطاده.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير: "أحل لكم صيد البحر" قال : الطري.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عنبسة، عن الحجاج ، عن العلاء بن بدر، عن أبي سلمة قال : "صيد البحر"، ما صيد.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير: "أحل لكم صيد البحر" قال : الطري .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيدبن جبير، مثله .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير: "أحل لكم صيد البحر"، قال : السمك الطري .
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي: "أحل لكم صيد البحر"، أما "صيد البحر"، فهو السمك ائطري، هي الحيتان .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا أبو سفيان ، عن معمر، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب قال : صيده ، ما اصطدته طريا - قال معمر، وقال قتادة : صيده ، ما اصطدته .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره : "أحل لكم صيد البحر"، قال : حيتانه .
حدثنا ابن البرقي قال ، حدثنا عمروبن أبي سلمة قال : سئل سعيد عن صيد البحر فقال ، قال مكحول ، قال زيد بن ثابت : صيده ، ما اصطدت .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن ليث ، عن مجاهد في قوله: "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة"، قال : يصطاد المحرم والمحل من البحر، ويأكل من صيده .
حدثنا عمروبن عبد الحميد قال ، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة قال : قال أبو بكر: طعام البحركل ما فيه ، وقال جابربن عبد الله : ما حسر عنه فكل . وقال : كل ما فيه ، يعني جميع ما صيد. حدثنا سعيد بن الربيع قال ، حدثنا سفيان ، عن عمرو، سمع عكرمة يقول : قال أبو بكر: "وطعامه متاعا لكم وللسيارة"، قال : هو كل ما فيه.
وعني ب البحر، في هذا الموضع ، الأنهار كلها . والعرب تسمي الأنهار بحارا، كما قال تعالى ذكره : "ظهر الفساد في البر والبحر" [الروم:41] .
قال أبو جعفر: فتأوبل الكلام : أحل لكم ، أيها المؤمنون ، طري سمك الأنهار الذي صدتموه في حال حلكم وحرمكم ، وما لم تصيدوه من طعامه الذي قتله ثم رمى به إلى ساحله .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : "وطعامه".
وقال بعضهم : عني بذلك : ما قذف به إلى ساحله ميتاً، نحو الذي قلنا في ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن سماك قال ، حدثت عن ابن عباس قال : خطب أبو بكر الناس فقال : "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم"، وطعامه ، ما قذف .
حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا عمربن أبي سلمة، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : كنت بالبحرين ، فسألوني عما قذف البحر. قال : فافتيتهم أن يأكلوا . فلما قدمت على عمربن الخطاب رحمه الله ، ذكرت ذلك له ، فقال لي : بم أفتيتهم؟ قال ، قلت : أفتيتهم أن يأكلوا؟ قال: لو أفتيتهم بغير ذلك لعلوتك بالدرة! قال : ثم قال : إن الله تعالى قال في كتابه : "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم"، فصيده ، ما صيد منه ، وطعامه ، ما قذف .
حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا حصين ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس : "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم"، قال : طعامه ما قذف .
حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز، عن ابن عباس في قوله : "أحل لكم صيد البحر وطعامه"، قال : طعامه ما قذف .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حسين بن علي ، عن زائدة، عن سماك ، عن عكرمة، عن ابن عباس قال : طعامه، كل ما ألقاه البحر.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا الحسن بن علي -أو: الحسين بن علي الحنفى، شك أبو جعفر- عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة، عن ابن عباس قال : طعامه، ما لفظ من ميتته .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا الهذيل بن بلال قال ، حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ابن عباس : "أحل لكم صيد البحر وطعامه"، قال : طعامه، ما وجد على الساحل ميتاً.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز، عن ابن عباس قال : طعامه، ما قذف به . حدثنا سعيد بن الربيع قال ، حدثنا سفيان ، عن عمرو، سمع عكرمة يقول : قال أبو بكر رضي الله عنه : "وطعامه متاعا لكم"، قال : طعامه ، هو كل ما فيه .
حدثني محمد بن المثنى قال ، حدثنا الضحاك بن مخلد، عن ابن جريج قال ، أخبرني عمرو بن دينار، عن عكرمة مولى ابن عباس قال : قال أبو بكر: "وطعامه متاعا لكم"، قال : طعامه، ميتته ، قال عمرو: وسمعت أبا الشعثاء يقول : ما كنت أحسب طعامه إلا مالحه .
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثني الضحاك بن مخلد، عن ابن جريج قال ، أخبرني أبو بكر بن حفص بن عمر بن سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله : "وطعامه متاعا لكم"، قال : طعامه ، ميتته .
حدثنا حميد بن مسعدة قال ، حدثنا يزيد بن زريع ، عن عثمان ، عن عكرمة : "وطعامه متاعا لكم" قال : طعامه، ما قذف .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال ، حدثنا معمر بن سليمان قال ، سمعت عبيد الله ، عن نافع قال : جاء عبد الرحمن إلى عبد الله فقال: البحر قد ألقى حيتاناً كثيرة؟ قال : فنهاه عن أكلها، ثم قال: يا نافع ، هات المصحف! فأتيته به ، فقرأ هذه الآية: "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم"، قال ، قلت : طعامه هو الذي ألقاه . قال : فالحقه ، فمره بأكله .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الوهاب قال ، حدثنا أيوب ، عن نافع : أن عبد الرحمن بن أبي هريرة سأل ابن عمر فقال : إن البحر قذف حيتاناً كثيرة ميتة، أفنأكلها؟ قال : لا تأكالوها! فلما رجع عبد الله إلى أهله أخذ المصحف فقرأ سورة المائدة، فأتى على هذه الاية : "وطعامه متاعا لكم وللسيارة"، قال : اذهب فقل له فليأكله ، فإنه طعامه .
حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية قال ، أخبرنا أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر، بنحوه .
حدثني المثنى قال ، حدثني الضحاك بن مخلد، عن ابن جريج قال ، أخبرني عمرو بن دينار، عن عكرمة مولى ابن عباس قال ، قال أبو بكر رحمه الله : "وطعامه متاعا لكم"، قال : ميتته . قال عمرو: سمعت أبا الشعثاء يقول : ما كنت أحسب طعامه إلا مالحه .
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا الضحاك بن مخلد، عن ابن جريج قال ، أخبرنا نافع : أن عبد الرحمن بن أبي هريرة سأل ابن عمر عن حيتان كثيرة ألقاها البحر، أميتة هي ؟ قال : نعم ! فنهاه عنها، ثم دخل البيت فدعا بالمصحف فقرأ تلك الآية : "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم"، قال : طعامه، كل شيء أخرج منه ، فكله ، فليس به بأس . وكل شيء فيه يؤكل ، ميت أو بساحليه .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا أبو سفيان ، عن معمر قال قتادة: (طعامه ، ما قذف منه .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو خالد، عن ليث ، عن شهر، عن أبي أيوب قال : ما لفظ البحر فهو طعامه ، وإن كان ميتاً.
حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو الأحوص ، عن ليث ، عن شهر، قال :. سئل أبو أيوب عن قول الله تعالى ذكره : "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا"، قال : هو ما لفظ البحر.
وقال آخرون : عني بقوله : "وطعامه"، المليح من السمك ، فيكون تأويل الكلام على ذلك من تأويلهم : أحل لكم سمك البحر ومليحه في كل حال ، في حال إحلالكم وإحرامكم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا سليمان بن عمر بن خالد الرقي قال ، حدثنا محمد بن سلمة، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : "وطعامه"، قال : طعامه، المالح منه .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس : "وطعامه متاعا لكم"، يعني : بطعامه ، مالحه ، وما قذف البحر منه ، مالحه .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبى، عن أبيه ، عن ابن عباس : "وطعامه متاعا لكم"، وهو المالح .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن مجمع التيمي ، عن عكرمة في قوله : "متاعا لكم" قال : المليح .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن سالم الأفطس وأبي حصين ، عن سعيد بن جبيرقال : المليح
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن منصور، عن إبراهيم : "وطعامه متاعا لكم"، قال : المليح ، وما لفظ .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عنبسة، عن سالم ، عن سعيدبن جبير في قوله : "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم"، قال : يأتي الرجل أهل البحر فيقول : أطعموني! فإن قال : غريضاً، ألقوا شبكتهم فصادوا له. وإن قال : أطعموني من طعامكم، أطعموه من سمكهم المالح .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن فضيل ، عن عطاء، عن سعيد: " أحل لكم صيد البحر وطعامه"، قال : المنبوذ، السمك المالح .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير: " وطعامه"، قال : الما لح .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور، عن إبراهيم : "وطعامه"، قال : هومليحه . ثم قال : ما قذف .
حدثنا ابن معاذ قال ، حدثنا جامع بن حماد قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة : "وطعامه"، قال : مملوح السمك.
حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرني الثوري ، عن منصور قال : كان إبراهيم يقول : طعامه، السمك المليح . ثم قال بعد: ما قذف به.
حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا الثوري ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير قال : طعامه ، المليح .
حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا إسرائيل ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد قال : طعامه، السمك المليح .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا محمدبن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في هذه الاية: "وطعامه متاعا لكم"، قال : الصير، قال شعبة، فقلت لأبي بشر: ما الصير؟ قال : المالح .
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا هشام بن الوليد قال ، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن جعفر بن أبي وحشية، عن سعيدبن جبير قوله : "وطعامه متاعا لكم"، قال : الصير. قال قلت : ما الصير؟ قال : المالح .
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "وطعامه متاعا لكم"، قال : أما طعامه، فهو المالح .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا أبو سفيان ، عن معمر، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب : "وطعامه متاعا لكم"، قال : طعامه، ما تزودت مملوحاً في سفرك .
حدثنا عمرو بن عبد الحميد وسعيد بن الربيع الرازي قالا، حدثنا سفيان ، عن عمرو قال ، قال جابر بن زيد : كنا نحدث أن طعامه مليحه ، ونكره الطافي منه .
وقال آخرون : (طعامه ) ، ما فيه.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة قال : طعام البحر، مافيه.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن حريث ، عن عكرمة : "وطعامه متاعا لكم"، قال : ما جاء به البحر بموجه ، هكذا.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن حسن بن صالح ، عن ليث ، عن مجاهد قال : (طعامه )، كل ما صيد منه .
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب عندنا، قول من قال : (طعامه )، ما قذفه البحر، أو حسر عنه فوجد ميتاً على ساحله . وذلك أن اللة تعالى ذكره ذكر قبله صيد الذي يصاد، فقال : "أحل لكم صيد البحر"، فالذي يجب أن يعطف عليه في المفهوم ما لم يصد منه ، فقال : أحل لكم ما صدتموه من البحر، وما لم تصيدوه منه .
وأما (المليح )، فإنه ما كان منه ملح بعد الاصطياد، فقد دخل في جملة قوله "أحل لكم صيد البحر"، فلا وجه لتكريره ، إذ لا فائدة فيه ، وقد أعلم عباده تعالى ذكره : إحلاله ما صيد من البحر بقوله : "أحل لكم صيد البحر". فلا فائدة أن يقال لهم بعد ذلك : (ومليحه الذي صيد حلال لكم )، لأن ما صيد منه فقد بين تحليله ، طرياً كان أو مليحاً، بقوله : "أحل لكم صيد البحر"، والله يتعالى عن أن يخاطب عباده بما لا يفيدهم به فائدة .
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي قلنا خبر، وإن كان بعض نقلته يقف به على، ناقله عنه من الصحابة، وذلك ما:
حدثنا به هناد بن السري قال ، حدثنا عبدة بن سليمان ، عن محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة "قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم"، قال : (طعامه )، ما لفظه ميتاً فهو طعامه" .
وقد وقف هذا الحديث بعضهم على أبي هريرة.
حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة في قوله : "أحل لكم صيد البحر وطعامه"، قال : (طعامه )، ما لفظه ميتاً.
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله : "متاعا لكم"، منفعةً لمن كان منكم مقيماً أو حاضراً في بلده ، يستمتع بأكله وينتفع به ، "وللسيارة"، يقول : ومنفعة أيضاً ومتعةً للسائرين من أرض إلى أرض، ومسافرين يتزودونه في سفرهم مليحاً.
و( 1 لسيارة) ، جمع (سيار) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرني أبو اسحق عن عكرمة أنه قال في قوله : "متاعا لكم وللسيارة"، قال : لمن كان بحضرة البحر، "وللسيارة"، السفر.
حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله : "وطعامه متاعا لكم وللسيارة"، ما قذف البحر، وما يتزودون فى أسفارهم من هذا المالح ، يتأولها على هذا.
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا جامع بن حماد قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة : "وطعامه متاعا لكم وللسيارة"، مملوح السمك ، ما يتزودون في أسفارهم .
حدثنا سليمان بن عمربن خالد الرقي قال ، حدثنا مسكين بن بكير قال ، حدثنا عبد السلام بن حبيب النجاري ، عن الحسن في قوله : (وللسيارة)، قال : هم المحرمون .
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "وطعامه متاعا لكم وللسيارة"، أما (طعامه )، فهو المالح منه ، بلاغ يأكل منه السيارة في الأسفار.
حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس : "وطعامه متاعا لكم وللسيارة"، قال : (طعامه )، مالحه، وما قذف البحر منه ، يتزوده المسافر. وقال مرة أخرى : مالحه ، وما قذف البحر. فمالحه يتزوده المسافر.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "وطعامه متاعا لكم وللسيارة"، يعني : المالح يتزوده .
وكان مجاهد يقول في ذلك بما:
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وطعامه متاعا لكم"، قال : أهل القرى، "وللسيارة"، أهل الأمصار.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : "متاعا لكم"، قال : لأهل القرى، "وللسيارة"، قال : أهل الأمصار، والحيتان للناس كلهم .
وهذا الذي قاله :مجاهد : من أن (السيارة) هم أهل الأمصار، لا وجه له مفهوم ، إلا أن يكون أراد بقوله : (هم أهل الأمصار)، هم المسافرون من أهل الأمصار، فيجب أن يدخل في ذلك كل سيارة، من أهل الأمصار كانوا أو من أهل القرى . فأما (السيارة) ، فلا نعقله : المقيمون في أمصارهم.
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره : وحرم الله عليكم ، أيها المؤمنون ، صيد البر، "ما دمتم حرما"، يقول : ما كنتم محرمين ، لم تحلوا من إحرامكم .
ثم اختلف أهل العلم في المعنى الذي عنى الله تعالى ذكره بقوله."وحرم عليكم صيد البر".
فقال بعضهم : عنى بذلك أنه حرم علينا كل معاني صيد البر: من اصطياد، وأكل ، وقتل، وبيع ، وشراء ، وإمساك ، وتملك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم ، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبدالله بن الحارث بن نوفل ، عن أبيه قال : حج عثمان بن عفان ، فحج علي معه ، قال : فأتى عثمان بلحم صيد صاده حلال ، فأكل منه ، ولم يأكل علي ، فقال عثمان : والله ما صدنا ولا أمرنا ولا أشرنا! فقال علي : "وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما".
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا هارون بن المغيرة، عن عمرو بن أبي قيس ، عن سماك ، عن صبيح بن عبدالله العبسي قال : بعث عثمان بن عفان أبا سفيان بن الحارث على العروض، فنزل قديداً، فمر به رجل من أهل ألشأم معه باز وصقر، فاستعاره منه ، فاصطاد به من اليعاقيب ، فجعلهن في حظيرة . فلما مر به عثمان طبخهن ، ثم قدمهن إليه ، فقال عثمان : كلوا! فقال بعضهم : حتى يجيء علي بن أبي طالب ، رحمة الله عليه. فلما جاء فرأى ما بين أيديهم ، قال علي : إنا لن نأكل منه ! فقال عثمان : مالك لا تأكل ؟ فقال : هو صيد، ولا يحل أكله وأنا محرم ! فقال عثمان : بين لنا! فقال علي : "يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم"، فقال عثمان : أو نحن قتلناه ؟ فقرأ عليه : "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما".
حدثنا تميم بن المنتصر وعبد الحميد بن بيان القناد قالا، أخبرنا إسحق الأزرق ، عن شريك ، عن سماك بن حرب ، عن صبيح بن عبدالله العبسي قال : استعمل عثمان بن عفان أبا سفيان بن الحارث على العروض، ثم ذكر نحوه، وزاد فيه، قال : فمكث عثمان ما شاء الله أن يمكث ، ثم أتى فقيل له بمكة : هل لك في ابن أبي طالب ، أهدي له صفيف حمار فهو يأكل منه! فأرسل إليه عثمان ، وسأله عن أكل الصفيف ، فقال : أما أنت فتأكل، وأما نحن فتنهانا؟ فقال : إنه صيد عام أول وأنا حلال ، فليس علي بأكلة بأس ، وصيد ذلك - يعني اليعاقيب - وأنا محرم ، وذبحن وأنا حرام .
حدثنا عمران بن موسى القزاز قال ، حدثنا عبد الوارث بن سعيدقال ، حدثنا يونس ، عن الحسن : أن عمر بن الخطاب لم يكن يرى بأساً بلحم الصيد للمحرم ، وكرهه علي بن أبى طالب ، رضي الله عنهما.
حدثنا محمد بن عبدالله بن بزيع قال ، حدثنا بشربن المفضل قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب : أن علياً كره لحم الصيد للمحرم على كل حال .
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبه ، عن يزيد بن أبى زياد، عن عبدالله بن الحارث : أنه شهد عثمان وعلياً أتيا بلحم ، فأكل عثمان ولم يأكل علي ، فقال عثمان : أنحن صدنا أو صيد لنا؟ فقرأ علي هذه الآية : "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما".
حدثني "يعقوب" قال ، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عمربن أبي سلمة، عن أبيه قال : حج عثمان بن عفان ، فحج معه علي ، فأتي بلحم صيد صاده حلال ، فأكل منه وهو محرم ، ولم يأكل منه علي ، فقال عثمان : إنه صيد قبل أن نحرم! فقا له علي : ونحن قد نزلنا وأهالينا لنا حلال ، أفيحللن لنا اليوم؟
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا هارون ، عن عمرو بن عبد الكريم ، عن مجاهد، عن عبدالله بن الحارث بن نوفل : أن علياً أتي بشق عجز حمار وهو محرم ، فقال : إني محرم .
حدثنا ابن بزيع قال ، حدثنا بشر بن المفضل قال ، حدثنا سعيد، عن يعلى بن حكيم ، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه كان يكرهه على كل حال ، ما كان محرما.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا ابن جريج قال ، أخبرنا نافع : أن ابن عمر كان يكره كل شيء من الصيد وهو حرام ، أخذ له أو لم يؤخذ له ، وشيقةً وغيرها.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن عبدالله قال ، أخبرني نافع : أن ابن عمر كان لا يأكل الصيد وهو محرم ، وإن صاده الحلال .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، أخبرني الحسن بن مسلم بن يناق : أن طاوساً كان ينهى الحرام عن أكل الصيد، وشيقةً وغيرها، صيد له و لم يصد له .
حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا خالد بن الحارث قال ، حدثنا الأشعث قال ، قال الحسن : إذا صاد الصيد ثم أحرم لم يأكل من لحمه حتى يحل . فإن أكل منه وهو محرم ، لم ير الحسن عليه شيئا.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام وهارون ، عن عنبسة، عن سالم قال : سألت سعيد بن جبير، عن الصيد يصيده الحلال ، أيأكل منه المحرم ؟ فقال : سأذكر لك من ذلك ، إن الله تعالى ذكره قال : "يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم"، فنهى عن قتله ، ثم قال : "ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم"، ثم قال تعالى ذكره : "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة"، قال : يأتي الرجل أهل البحر فيقول : (أطعموني ) ، فإن قال : (غريضاً) ، ألقوا شبكتهم فصادوا له ، وإن قال : (أطعموني من طعامكم، أطعموه من سمكهم المالح . ثم قال : "وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما"، وهو عليك حرام ، صدته أو صاده حلال.
وقال آخرون : إنما عنى الله تعالى ذكره بقوله : "وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما"، ما استحدث المحرم صيده في حال إحرامه و ذبحه ، أو استحدث له ذلك في تلك الحال . فأما ما ذبحه حلال وللحلال ، فلا بأس بأكله للمحرم . وكذلك ما كان في ملكه قبل حال إحرامه ، فغير محرم عليه إمساكه.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبدالله بن بزيع قال ، حدثنا بشر بن المفضل قال ، حدثنا سعيد قال ، حدثنا قتادة : أن سعيد بن المسيب حدثه ، عن أبي هريرة : أنه سئل عن صيد صاده حلال ، أيأكله المحرم؟ قال : فأفتاه هو بأكله ، ثم لقي عمر بن الخطاب رحمه الله فأخبره بما كان من أمره ، فقال : لو أفتيتهم بغير هذا لأوجعت لك رأسك .
حدثنا أحمد بن عبدة الضبي قال ، حدثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه قال : نزل عثمان بن عفان رحمه الله العرج وهو محرم ، فأهدى صاحب العرج له قطاً، قال : فقال لأصحابه : كلوا، فإنه إنما اصطيد على اسمي ، قال : فأكلوا ولم يأكل .
حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا، حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب : أن أبا هريرة كان بالربذة، فسألوه عن لحم صيد صاده حلال ، ثم ذكر نحو حديث ابن بزيع عن بشر.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة، عن عمر، نحوه
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة، عن أبي اسحق ، عن أبي الشعثاء قال : سألت ابن عمر عن لحم صيد يهديه الحلال إلى الحرام ، فقال : أكله عمر، وكان لا يرى به بأساً. قال قلت : تاكله؟ قال : عمرخيرمني .
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة قال ، حدثنا أبواسحق ، عن أبي الشعثاء قال : سألت ابن عمر عن صيد صاده حلال يأكل منه حرام ، قال : كان عمر يأكله . قال قلت : فأنت؟ قال : كان عمر خيراً مني .
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن هشام ، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال : استفتاني رجل من أهل الشام في لحم صيد أصابه وهو محرم ، فأمرته أن يأكله ، فأتيت عمربن الخطاب فقلت له : إن رجلاً من أهل الشام استفتاني في لحم صيد أصابه وهو محرم ، قال : فما أفتيته؟ قال قلت : أفتيته أن يأكله . قال : فوالذي نفسي بيده ، لو أفتيته بغير ذلك لعلوتك بالدرة! وقال عمر: إنما نهيت أن تصطاده .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا مصعب بن المقدام قال ، حدثنا خارجة، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء، عن كعب قال : أقبلت في أناس محرمين ، فأصبنا لحم حمار وحش ، فسألني الناس عن أكله ، فأفتيتهم بأكله ، وهم محرمون . فقدمنا على عمر فأخبروه أني أفتيتهم بأكل حمار الوحش وهم محرمون ، فقال عمر: قد أمرته عليكم حتى ترجعوا.
حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : مررت بالربذة، فسألني أهلها عن المحرم يأكل ما صاده الحلال ؟ فأفتيتهم أن يأكلوا . لقيت عمربن الخطاب ، فذكرت ذلك له . قال : بم أفتيتهم ؟ قال : أفتيتهم أن يأكلوا. قال : لو أفتيتهم بغير ذلك لخالفتك .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح ، عن يونس ، عن أبي الشعثاء الكندي قال : قلت لابن عمر: كيف ترى في قوم حرام لقوا قوماً حلالاً، ومعهم لحم صيد، فإما باعوهم ، وإما أطعموهم ؟ فقال : حلا ل.
حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال ، حدثنا محمد بن سعيد قال ، حدثنا هشام -يعني ابن عروة- قال ، حدثنا عروة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أن عبد الرحمن حدثه : أنه اعتمر مع عثمان بن عفان في ركب فيهم عمرو بن العاص ، حتى نزلوا بالروحاء، شرب إليهم طير وهم محرمون ، فقال لهم عثمان : كلوا، فإني غير آكله! فقال عمرو بن العاص : أتأمرنا بما لست آكلاً؟ فقال عثمان : إنى لولا أظن أنه اصطيد من أجلي ، لأكلت! فأكل القوم.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن هشام بن عروة، عن أبيه : أن الزبير كان يتزود لحوم الوحش وهو محرم .
حدثنا عبد الحميد بن بيان قال ، أخبرنا إسحق ، عن شريك ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة، عن ابن عباس قال : ما صيد أو ذبح وأنت حلال فهو لك حلال ، وما صيد أو ذبح وأنت حرام فهو عليك حرام .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا هارون، عن عمرو، عن سماك ، عن عكرمة، عن ابن عباس قال : ما صيد من شيء وأنت حرام فهو عليك حرام ، وما صيد من شيء وأنت حلال فهو لك حلال .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما"، فجعل الصيد حراماً على المحرم صيده وأكله ما دام حراماً. وإن كان الصيد صيد قبل أن يحرم الرجل ، فهو حلال. وإن صاده حرام لحلال، فلا يحل له أكله .
حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال : سألت أبا بشر عن المحرم يأكل مما صاده الحلال ؟ قال : كان سعيد بن جبير ومجاهد يقولان : ما صيد قبل أن يحرم أكل منه ، وما صيد بعد ما أحرم لم يأكل منه.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا ابن جريج قال: كان عطاء يقول إذا سئل في العلانية: أيأكل الحرام الوشيقة والشيء اليابس ؟ -يقول بيني وبينه : لا أستطيع أن أبين لك في مجلس ، إن ذبح قبل أن نحرم فكل ، وإلا فلا تبع لحمه ولا تبتع .
وقال آخرون : إنما عنى الله تعالى بقوله : "وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما"، وحرم عليكم اصطياده . قالوا: فأما شراؤه من مالك يملكه وذبحه وأكله، بعد أن يكون ملكه إياه على غير وجه الاصطياد له، وبيعه وشراؤه جائز. قالوا : والنهي من الله تعالى ذكره ، عن صيده في حال الإحرام دون سائر المعاني .
ذكر من قال ذلك :
حدثني عبدالله بن أحمد بن شبويه قال ، حدثنا ابن أبي مريم قال : حدثنا يحيى بن أيوب قال ، أخبرني يحيى : أن أبا سلمة اشترى قطاً وهو بالعرج وهو محرم ، ومعه محمد بن المنكدر، فأكلها . فعاب عليه ذلك الناس .
قال أبو جعفر: والصواب في ذلك من القول عندنا أن يقال : إن الله تعالى ذكره ، عم تحريم كل معاني صيد البر على المحرم في حال إحرامه ، من غير أن يخص من ذلك شيئاً دون شيء. فكل معاني الصيد حرام على المحرم ما دام حراماً، بيعه وشراؤه واصطياده وقتله ، وغير ذلك من معانيه ، إلا أن يجده مذبوحاً قد ذبحه حلال لحلال ، فيحل له حينئذ أكله، للثابت من الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي :
حدثناه يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج ، وحدثني عبدالله بن أبي زياد قال ، حدثنا مكي بن إبراهيم قال ، حدثنا عبد الملك بن جريج ، قال ، أخبرني محمد بن المنكدر، عن معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان ، عن أبيه عبد الرحمن بن عثمان قال : كنا مع طلحة بن عبيد الله ونحن حرم ، فأهدي لنا طائر، فمنا من أكل ، ومنا من تورع فلم يأكل . فلما استيقظ طلحة وفق من أكل ، وقال : أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن قال قائل : فما أنت قائل فيما روي عن الصعب بن جثامة أنه أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل حمار وحش يقطر دماً، فرده فقال : إنا حرم ، وفيما روي عن عائشة : أن وشيقة ظبي أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم ، فردها، وما أشبه ذلك من الأخبار؟
قيل : إنه ليس في واحد من هذه الأخبار التي جاءت بهذا المعنى، بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد من ذلك ما رد وقد ذبحه الذابح إذ ذبحه وهو حلال لحلال ، ثم أهداه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام ، فرده وقال : إنه لا يحل لنا لأنا حرم، وإنما ذكر فيه أنه أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحم صيد فرده . وقد يجوز أن يكون رده ذلك من أجل أن ذابحه ذبحه أو صائده صاده من أجله صلى الله عليه وسلم وهو محرم .
وقد بين خبر جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : لحم صيد البر للمحرم حلال إلا ما صاده أو صيد له ، معنى ذلك كله .
فإذ كان كلا الخبرين صحيحاً مخرجهما، فواجب التصديق بهما، وتوجيه كل واحد منهما إلى الصحيح من وجه، وأن يقال : (ردوه ما رد من ذلك من أجل أنه كان صيد من أجله ، وإذنه في أكل ما أذن في أكله منه ، من أجل أنه لم يكن صيد لمحرم ولا صاده محرم، فيصح معنى الخبرين كليهما.
واختلفوا في صفة الصيد الذي عنى الله تعالى بالتحريم في قوله : " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما". فقال بعضهم : "صيد البر"، كل ما كان يعيش في البر والبحر، وإنما "صيد البحر"، ما كان يعيش في الماء دون البر ويأوي إليه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز: "وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما"، قال : ما كان يعيش في البر والبحر فلا تصده ، وما كان حياته في الماء فذاك .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا الحجاج ، عن عطاء قال : ما كان يعيش في البر فأصابه المحرم فعليه جزاؤه ، نحو السلحفاة والسرطان والضفادع .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا هارون بن المغيرة، عن عمرو بن أبي قيس ، عن الحجاج ، عن عطاء قال : كل شيء عاش في البر والبحر فأصابه المحرم ، فعليه الكفارة.
حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا، حدثنا ابن إدريس قال ، حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير قال : خرجنا حجاجاص معنا رجل من أهل السواد معه شصوص طير ماء، فقال له أبي حين أحرمنا: اعزل هذا عنا.
وحدثنا به أبو كريب مرة أخرى قال ، حدثنا ابن إدريس قال ، سمعت يزيد بن أبي زياد قال ، حدثنا حجاج ، عن عطاء: أنه كره للمحرم أن يذبح الدجاج الزنجي ، لأن له أصلا في البر.
وقال بعضهم : صيد البر ما كان كونه في البرأكثر من كونه في البحر. ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، ابن جريج أخبرناه، قال : سألت عطاء عن ابن الماء، أصيد بر أم بحر؟ وعن أشباهه ؟ فقال : حيث يكون أكثر، فهو صيده .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني وكيع ، عن سفيان ، عن رجل ، عن عطاء بن أبي رباح قال : أكثر ما يكون حيث يفرخ ،فهو منه .
قال أبو جعفر: وهذا تقدم من الله تعالى ذكره إلى خلقه بالحذر من عقابه على معاصيه . يقول تعالى ذكره : واخشوا الله ، أيها الناس ، واحذروه بطاعته فيما أمركم به من فرائضه ، وفيما نهاكم عنه في هذه الآيات التي أنزلها على نبيكم صلى اله عليه وسلم ، من النهي عن الخمر والميسر والأنصاب وإلأزلام ، وعن إصابة صيد البر وقتله في حال إحرامكم وفي غيرها، فإن لله مصيركم ومرجعكم ، فيعاقبكم بمعصيتكم إياه ، ويجازيكم فيثيبكم على طاعتكم له.
فيه ثلاث عشرة مسألة :
الأولى - قوله تعالى :" أحل لكم صيد البحر " هذا حكم بتحليل صيد البحر ، وهو كل ما صيد من حيتانه، والصيد هنا يراد به المصيد وأضيف إلى البحر لما كان منه بسبب وقد مضى القول في البحر في البقرة والحمد لله ومتاعا نصب على المصدر أي متعتم به متاعاً .
الثانية- قوله تعالى :" وطعامه" الطعام لفظ مشترك بطلق على كل ما يطعم ويطلق على مطعوم خاص كالماء وحده والبر وحده والتمر وحده واللبن وحده وقد يطلق على النوم كما تقدم وهو هنا عبارة عما قذف به البحر وطفا عليه أسند الدارقطني عن ابن عباس في قول الله عز وجل : " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة " الآية صيده ما صيد وطعامه ما لفظ البحر وروي عن أبي هريرة مثله وهو قول جماعة كثيرة من الصحابة والتابعين وروي عن ابن عباس طعامه ميتته وهو في ذلك المعنى وروي عنه أنه قال : طعامه ما ملح منه وبقي وقاله معه جماعة وقال قوم: طعامه ملحه الذي ينعقد من مائة وسائر ما فيه من نبات وغيره .
الثالثة - قال أبو حنيفة: لا يؤكل السمك الطافي، ويؤكل ما سواه من السمك، ولا يؤكل شيء من حيوان البحر إلا السمك وهو قول الثوري في رواية أبي إسحاق الفزاري عنه وكره الحسن أكل الطافي من السمك وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كرهه وروي عنه أيضاً أنه كره الجري وروي عنه أكل ذلك كله وهو أصح ذكره عبد الرزاق عن الثوري عن جعفر بن محمد بن علي قال: الجراد والحيتان ذكي فعلى مختلف عنه في أكل الطافي من السمك ولم يختلف عن جابر أنه كرهه وهو قول طاوس ومحمد بن سيرين وجابر بن زيد واحتجوا بعموم قوله تعالى : " حرمت عليكم الميتة " وبما رواه أبو داود والدارقطني عن جابر بن عبد الله "عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
كلوا ما حسر عنه البحر وما ألقاه وما وجدتموه ميتا أو طافياً فوق الماء فلا تأكلوه " قال الدراقطني: تفرد به عبد العزيز بن عبيد الله عن وهب بن كيسان عن جابر وعبد العزيز ضعيف لا يحتج به وروى سفيان الثوري عن ابن الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه قال الدارقطني : لم يسنده عن الثوري غيره أبي أحمد الزبيري وخالفه وكيع والعدنيان وعبد الرزاق ومؤمل وأبو عاصم وغيرهم رووه عن الثوري موقوفاً وهو الصواب وكذلك رواه أيوب السختياني وعبيد الله بن عمرو وابن جريج وزهير وحماد بن سلمة وغيرهم عن أبي الزبير موقوفاً قال أبو داود: وقد أسند هذا الحديث من وجه ضعيف عن ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدارقطني: وروي عن إسماعيل بن أمية وابن أبي ذئب عن أبي الزبير مرفوعاً ولا يصح رفعه، رفعه ‎ يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية ووقفه غيره وقال مالك والشافعي وابن أبي ليلى والأوزاعي والثوري في رواية الأشجعي : يؤكل كل ما في البحر من السمك والدواب وسائر ما في البحر من الحيوان، وسواء اصطيد أو وجد ميتاً واحتج مالك ومن تابعه "بقوله عليه الصلاة والسلام في البحر :
هو الطهور ماؤه الحل ميتته " وأصح ما في هذا الباب من جهة الإسناد حديث جابر في الحوت الذي يقال له العنبر: وهو من أثبت الأحاديث خرجه الصحيحان وفيه: فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال:
"هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا " فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله، لفظ مسلم وأسند الدارقطني عن ابن عباس أنه قال أشهد على أبي بكر أنه قال: السمكة الطافية حلال لمن أراد أكلها وأسند عنه أيضاً أنه قال : أشهد على أبي بكر انه أكل السمك الطافي على الماء وأسند عن أبي أيوب أنه ركب البحر في رهط من أصحابه فوجدوا سمكه طافية على الماء فسألوه عنها فقال : أطيبه هي لم تتغير ؟ قالوا: نعم قال : فكلوها وارفعوا نصيبي منها وكان صائماً وأسند عن جبلة بن عطية أن أصحاب أبي طلحة أصابوا سمكة طافية فسألوه عنها أبا طلحة فقال: اهدوها إلي وقال عمر بن الخطاب: الحوت ذكي والجراد ذكي كله رواه عنه الدارقطني فهذه الآثار ترد قول من كره ذلك وتخصص عموم الآية وهو حجة للجمهور إلا أن مالكاً كان يكره خنزير الماء من جهة اسمه ولم يحرمه وقال : أنتم تقولون خنزيراً ! وقال الشافعي: لا بأس بخنزير الماء وقال الليث: ليس بميتة البحر بأس قال: وكذلك كلب الماء وفرس الماء قال: ولا يؤكل إنسان الماء ولا خنزير الماء .
الرابعة - اختلف العلماء ي الحيوان الذي يكون في البر والبحر هل يحل صيده لمحرم أم لا ؟ فقال مالك وأبو مجلز وعطاء وسعيد بن جبير وغيرهم: كل ما يعيش في البر وله فيه حياة فهو صيد البر إن قتله المحرم وداه، وزاد أبو مجلز في ذلك الضفادع والسلاحف والسرطان الضفادع وأجناسها حرام عند أبي حنيفة، ولا خلاف عن الشافعي في أنه لا يجوز أكل الضفدع واختلف قوله فيما له شبه في البر مما لا يؤكل كالخنزير والكلب وغير ذلك والصحيح أكل ذلك كله لأنه نص على الخنزير في جواز أكله، وهو له شبه في البر مما لا يؤكل ولا يؤكل عنده التمساح ولا القرش والدلفين وكل ما له ناب لنهيه عليه السلام عن أكل كل ذي ناب قال ابن عطية: ومن هذه أنواع لا زوال لها من الماء فهي لا محالة من صيد البحر وعلى هذا خرج جواب مالك في الضفادع في المدونة فإنه قال: الضفادع من صيد البحر وروي عن عطاء بن أبي رباح خلاف ما ذكرناه وهو أنه يراعي أكثر عيش الحيوان سئل عن ابن الماء أصيد بر هو أم صيد بحر ؟ فقال: حيث يكون أكثر فهو منه وحيث يفرخ فهو منه وهو قول أبي حنيفة والصواب في ابن الماء أنه صيد بر يرعى ويأكل الحب قال ابن العربي: الصحيح في الحيوان الذي يكون في البر والبحر منع لأنه تعرض فيه دليلان تحليل ودليل تحريم فيغلب دليل التحريم احتياطاً والله أعلم .
الخامسة - قوله تعالى :" وللسيارة " فيه قولان: أحدهما للمقيم والمسافر كما جاء في حديث أبي عبيدة أنهم أكلوه وهم مسافرون وأكل النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقيم فبين الله تعالى أنه حلال لمن أقام كما أحله لمن سافر ، الثاني - أن السيارة هم الذي يركبونه كما جاء في حديث مالك والنسائي:
"إن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : هو الطهورة ماؤه الحل ميتته " قال ابن العربي قال علماؤنا : فلو قال له النبي صلى الله عليه وسلم : نعم لما جاز الوضوء به إلا عند خوف العطش لأن الجواب مرتبط بالسؤال فكان يكون محالاً ولكن النبي الله صلى الله عليه وسلم ابتدأ تأسيس القاعدة وبيان الشرع فقال : "هو الطهورة ماؤه الحل ميتته "
قلت: وكان يكون الجواب مقصوراً عليهم لا يتعدى لغيرهم لولا ما تقرر من حكم الشريعة أن حكمه على الواحد حكمه على الجميع، إلا ما نص بالتخصيص عليه كقوله لأبي بردة في العناق :
" ضح بها ولن تجزئ عن أحد غيرك "
السادسة -قوله تعالى :" وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " التحريم ليس صفة للأعيان وإنما يتعلق بالأفعال، فمعنى قوله: " وحرم عليكم صيد البر " أي فعل الصيد وهو المنع من الاصطياد أو يكون الصيد بمعنى المصيد على معنى تسيم المفعول بالفعل كما تقدم وهو الأظهر لإجماع العلماء على أنه لا يجوز للمحرم قبول صيد وهب له ولا يجوز له شراؤه ولا اصطياد ولا استحداث ملكه بوجه من الوجوه ولا خلاف بين علماء المسلمين في ذلك لعموم قوله تعالى :" وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " ولحديث الصعب بن جثامة على ما يأتي .
السابعة -اختلف العلماء فيما يأكله المحرم من الصيد فقال مالك والشافعي وأصحابهما وأحمد وروي عن إسحاق وهو الصحيح عن عثمان بن عفان: إنه لا بأس بأكل المحرم الصيد إذا لم يصد له ، ولا من أجله، لما رواه الترمذي والنسائي والدارقطني عن جابر" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو لم يصد لكم " قال أبو عيسى: هذا أحسن حديث في الباب وقال النسائي : عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي في الحديث وإن كان قد روى عنه مالك فإن أكل من صيد صيد من أجله فداه، وبه قال الحسن بن صالح والأوزاعي، واختلف قول مالك فيما صيد لمحرم بعينه،والمشهور من مذهبه عند أصحابه أن المحرم لا يأكل مما صيد لمحرم معين أو غير معين، ولم يأخذ بقول عثمان لأصحابه حين أتي بلحم صيد وهو محرم: كلوا فلستم مثل لأنه صيد من أجلي، وبه قالت طائفة من أهل المدينة، وروي عن مالك وقال أبو حنيفة وأصحابه: أكل الصيد للمحرم جائز على كل حال إذا اصطاده الحلال، سواء صيد من أجله أو لم يصد لظاهر قوله تعالى :" لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " فحرم صيده وقتله على المحرمين دون ما صاده غيرهم واحتجوا بحديث البهزي واسمه زيد بن كعب :
"عن النبي صلى الله عليه وسلم في حمار الوحش العقير أنه أمر أبا بكر فقسمه في الرفاق" من حديث مالك وغيره وبحديث أبي قتادة "عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه :
إنما هي طعمه أطعمكموها الله " وهو قول عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان في رواية عنه وأبي هريرة والزبير بن العوام ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير
وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر أنه لا يجوز للمحرم أكل صيد على حال من الأحوال، سواء صيد من أجله أو لم يصد لعموم قوله تعالى : " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " قال ابن عباس: هي مبهمة وبه قال طاوس وجابر بن زيد أبو الشعثاء وروي عن الثوري وبه قال إسحاق. واحتجوا بحديث الصعب بن جثامة الليثي .
أنه "أهدى إلى رسول الله حماراً وحشياًن وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فلما أن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهي قال: إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم " خرجه الأئمة واللفظ لمالك قال أبو عمر: وروى عن ابن عباس من حديث سعيد بن جبير ومقسم وعطاء وطاوس عنه .
أن الصعب بن جثامة أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حمار وحش، وقال سعيد بن جبير في حديثه: عجز حمار وحش فرده يقطر دماً كأنه صيد في ذلك الوقت وقال مقسم في حديثه: رجل حمار وحش وقال عطاء في حديثه : أهدي له عضد صيد فلم يقبله وقال : إنا حرم وقال طاوس في حديثه: عضداً من لحم صيد حدث به إسماعيل عن علي بن المديني عن يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس، عن ابن عباس إلا أن منهم من يجعله عن ابن عباس عن زيد بن أرقم قال إسماعيل: سمعت سليمان بن حرب يتأول هذا الحديث على أنه صيد من أجل النبي صلى الله عليه وسلم ولوا ذلك لكان أكله جائزا قال سليمان : ومما يدل على أنه صيد من أجل النبي صلى الله عليه قولهم في الحديث : فرده يقطر دماً كأنه صيد في ذلك الوقت قال إسماعيل : إنما تأول سليمان هذا الحديث لأنه يحتاج إلى تأويل فأما رواية مالك فلا تحتاج التأويل لأن المحرم لا يجوز له أن يمسك صيداً حياً ولا يذكيه، قال إسماعيل: وعلى تأويل سليمان بن حرب تكون الأحاديث المرفوعة كلها غير مختلفة فيها إن شاء الله تعالى .
الثامنة - إذا حرم وبيده صيد أو في بيته عند أهله فقال مالك: إن كان في يده فعليه إرساله، وإن كان في أهله فليس عليه إرساله، وهو قول أبي حنيفة وأحمد بن حنبل. وقال الشافعي في أحد قوليه: سواء كان في يده أو في بيته ليس عليه أن يرسله وبه قال أبو ثور وروي عن مجاهد وعبد الله بن الحرث مثله وروي عن مالك وقال ابن أبي ليلى والثوري والشافعي في القول الآخر: عليه أن يرسله سواء كان في بيته أو في يده فإن لم يرسله ضمن وجه القول بإرساله قوله تعالى : " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما" وهذا عام في الملك والتصرف كله ووجه القول بإمساكه: أنه معنى لا يمنع من ابتداء الإحرام فلا يمنع من استدامة ملكه ، أصله النكاح .
التاسعة - فإن صاده الحلال في الحل فأدخله الحرم جاز له التصرف فيه بكل نوع من ذبحه وأكل لحمه وقال أبو حنيفة: لا يجوز ودليلنا أنه معنى يفعل في الصيد فجاز في الحرم للحال كلإمساك والشراء ولا خلاف فيها .
العاشرة - إذا دل المحرم حلا على صيد فقتله الحلال اختلف فيه فقال ، مالك والشافعي وأبو ثور : لا شيء عليه وهو قول ابن الماجشون. وقال كوفيون وأحمد وإسحاق وجماعة من الصحابة والتابعين : عليه الجزاء لأن المحرم التزم بإحرامه ترك التعرض فيضمن بالدلالة كالمودع إذا دل سارقاً على سرقة .
الحادية عشرة - واختلفوا في المحرم إذا دل محرماً آخر، فذهب الكوفيون وأشهب من أصحابنا إلى أن على كل واحد منهما جزاء وقال مالك والشافعي وأبو ثور : الجزاء على المحرم القاتل لقوله تعالى :" ومن قتله منكم متعمدا" فعلق وجوب الجزاء بالقتل فدل على انتفائه بغيره ولأنه دال فلم يلزمه بدلالته غرم كما لو دل الحلال في الحرم على صيد في الحرم وتعلق الكوفيون وأشهب بقوله عليه السلام في حديث أبي قتادة :
"هل أشرتم أو أعنتم " وهذا يدل على وجوب الجزاء والأول أصح والله أعلم .
الثانية عشرة- إذا كانت شجرة نابتة في الحل وفرعها في الحرم فأصيب ما عليه من الصيد ففيه الجزاء لأنه أخذ في الحرم، وإن كان أصلها في الحرم وفرعها في الحل فاختلف علماءنا فيما أخذ عليه قولين : الجزاء نظراً إلى الأصل، ونفيه نظراً إلى الفرع .
الثالثة عشرة- قوله تعال :" واتقوا الله الذي إليه تحشرون " تشديد وتنبيه عقب هذا التحليل ثم ذكر بأمر الحشر والقيامة مبالغة في التحذير والله أعلم .
قال ابن أبي طلحة, عن ابن عباس في رواية عنه, وسعيد بن المسيب, وسعيد بن جبير وغيرهم, في قوله تعالى: "أحل لكم صيد البحر" يعني ما يصطاد منه طرياً "وطعامه" ما يتزود منه مليحاً يابساً, وقال ابن عباس في الرواية المشهورة عنه: صيده ما أخذ منه حياً "وطعامه" ما لفظه ميتاً, وهكذا روي عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو وأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهم, وعكرمة وأبي سلمة بن عبد الرحمن وإبراهيم النخعي والحسن البصري, قال سفيان بن عيينة, عن عمرو بن دينار, عن عكرمة, عن أبي بكر الصديق أنه قال "طعامه" كل ما فيه, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم, وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد, حدثنا جرير عن مغيرة, عن سماك قال: حدثت عن ابن عباس قال: خطب أبو بكر الناس, فقال "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم" وطعامه ما قذف. قال: وحدثنا ابن علية عن سليمان التيمي, عن أبي مجلز, عن ابن عباس في قوله "أحل لكم صيد البحر وطعامه" قال "طعامه" ما قذف .
وقال عكرمة عن ابن عباس, قال: طعامه ما لفظ من ميتة, ورواه ابن جرير أيضاً. وقال سعيد بن المسيب: طعامه ما لفظه حياً أو حسر عنه فمات, رواه ابن أبي حاتم وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار, حدثنا عبد الوهاب, حدثنا أيوب عن نافع أن عبد الرحمن بن أبي هريرة سأل ابن عمر, فقال: إن البحر قد قذف حيتاناً كثيرة ميتة, أفنأكلها ؟ فقال: لا تأكلوها, فلما رجع عبد الله إلى أهله, أخذ المصحف فقرأ سورة المائدة فأتى هذه الاية "وطعامه متاعاً لكم وللسيارة" فقال: اذهب فقل له: فليأكله فإنه طعامه, وهكذا اختار ابن جرير أن المراد بطعامه ما مات فيه. وقد روي في ذلك خبر, وإن بعضهم يرويه موقوفاً, حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن عمرو, حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم" قال "طعامه ما لفظه ميتاً" ثم قال: وقد وقف بعضهم هذا الحديث على أبي هريرة. حدثنا هناد, حدثنا ابن أبي زائدة عن محمد بن عمرو, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة في قوله "أحل لكم صيد البحر وطعامه" قال: طعامه ما لفظه ميتاً .
وقوله "متاعاً لكم وللسيارة" أي منفعة وقوتاً لكم أيها المخاطبون "وللسيارة" وهم جمع سيار, قال عكرمة: لمن كان بحضرة البحر والسفر وقال غيره: الطري منه لمن يصطاده من حاضرة البحر, وطعامه ما مات فيه أو اصطيد منه وملح وقدد, زاداً للمسافرين والنائين عن البحر وقد روي نحوه عن ابن عباس ومجاهد والسدي وغيرهم. وقد استدل الجمهور على حل ميتته بهذه الاية الكريمة, وبما رواه الإمام مالك بن أنس عن ابن وهب وابن كيسان, عن جابر بن عبد الله قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً قبل الساحل, فأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح وهم ثلثمائة وأنا فيهم, قال فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد, فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش, فجمع ذلك كله فكان مزودي تمر, قال: فكان يقوتنا كل يوم قليلاً قليلاً حتى فني, فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة, فقال: فقد وجدنا فقدها حين فنيت, قال: ثم انتهينا إلى البحر فإذا حوت مثل الظرب, فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة, ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا, ثم أمر براحلة فرحلت ومرت تحتهما, فلم تصبهما, وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وله طرق عن جابر.
وفي صحيح مسلم من رواية أبي الزبير عن جابر, فإذا على ساحل البحر مثل الكثيب الضخم, فأتيناه فإذا بدابة يقال لها العنبر, قال: قال أبو عبيدة: ميتة, ثم قال: لا, نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد اضطررتم فكلوا, قال: فأقمنا عليه شهراً ونحن ثلثمائة حتى سمنا, ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينيه بالقلال الدهن, ويقتطع منه الفدر كالثور, قال: ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً فأقعدهم في وقب عينيه, وأخذ ضلعاً من أضلاعه فأقامها ثم رحل أعظم بعير معنا, فمر من تحته, وتزودنا من لحمه وشائق, فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له, فقال "هو رزق أخرجه الله لكم هل معكم من لحمه شيء فتطعمونا ؟" قال فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه, فأكله.
وفي بعض روايات مسلم أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم حين وجدوا هذه السمكة, فقال بعضهم: هي واقعة أخرى, وقال بعضهم: بل هي قضية واحدة, ولكن كانوا أولاً مع النبي صلى الله عليه وسلم, ثم بعثهم سرية مع أبي عبيدة فوجدوا هذه في سريتهم تلك مع أبي عبيدة, والله أعلم. وقال مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة من آل ابن الأزرق: أن المغيرة بن أبي بردة وهو من بني عبد الدار, أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال, يا رسول الله, إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء, فإن توضأنا به عطشنا, أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هو الطهور ماؤه الحل ميتته", وقد روى هذا الحديث الإمامان الشافعي وأحمد بن حنبل وأهل السنن الأربع, وصححه البخاري والترمذي وابن حبان وغيرهم, وقد روي عن جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
وقد روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من طرق عن حماد بن سلمة, حدثنا أبو المهزم هو يزيد بن سفيان سمعت أبا هريرة يقول: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حج أو عمرة, فاستقبلنا جراد, فجعلنا نضربهن بعصينا وسياطنا, فنقتلهن, فسقط في أيدينا, فقلنا: ما نصنع ونحن محرمون ؟ فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "لا بأس بصيد البحر" أبو المهزم ضعيف, والله أعلم. وقال ابن ماجة: حدثنا هارون بن عبد الله الجمال, حدثنا هاشم بن القاسم, حدثنا زياد بن عبد الله عن علام, عن موسى بن محمد بن إبراهيم, عن أبيه, عن جابر وأنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا على الجراد قال "اللهم أهلك كباره, واقتل صغاره, وأفسد بيضه, واقطع دابره, وخذ بأفواهه عن معايشنا وأرزاقنا, إنك سميع الدعاء", فقال خالد: يا رسول الله, كيف تدعو على جند من أجناد الله بقطع دابره ؟ فقال "إن الجراد نثرة الحوت: في البحر" قال هاشم: قال زياد: فحدثني من رأى الحوت ينثره, تفرد به ابن ماجه .
وقد روى الشافعي عن سعيد, عن ابن جريج, عن عطاء عن ابن عباس أنه أنكر على من يصيد الجراد في الحرم, وقد احتج بهذه الاية الكريمة من ذهب من الفقهاء إلى أنه تؤكل دواب البحر ولم يستثن من ذلك شيئاً, قد تقدم عن الصديق أنه قال: طعامه كل ما فيه. وقد استثنى بعضهم الضفادع وأباح ما سواها, لما رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من رواية ابن أبي ذئب, عن سعيد بن خالد عن سعيد بن المسيب, عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الضفدع, وللنسائي عن عبد الله بن عمرو قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع, وقال: نقيقها تسبيح. وقال آخرون: يؤكل من صيد البحر السمك, ولا يؤكل الضفدع, واختلفوا فيما سواهما, فقيل: يؤكل سائر ذلك. وقيل: لا يؤكل. وقيل: ما أكل شبهه من البر, أكل مثله في البحر. وما لا يؤكل شبهه لا يؤكل, وهذه كلها وجوه في مذهب الشافعي رحمه الله تعالى.
وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا يؤكل مامات في البحر, كما لا يؤكل مامات في البر, لعموم قوله تعالى: "حرمت عليكم الميتة" وقد ورد حديث بنحو ذلك, فقال ابن مردويه: حدثنا عبد الباقي هو ابن قانع, حدثنا الحسين بن إسحاق التستري وعبد الله بن موسى بن أبي عثمان, قالا: حدثنا الحسين بن يزيد الطحان, حدثنا حفص بن غياث عن ابن أبي ذئب, عن أبي الزبير, عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما صدتموه وهو حي فمات فكلوه, وما ألقى البحر ميتاً طافياً فلا تأكلوه", ثم رواه من طريق إسماعيل بن أمية ويحيى بن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن جابر به, وهو منكر, وقد احتج الجمهور من أصحاب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل بحديث العنبر المتقدم ذكره, وبحديث "هو الطهور ماؤه الحل ميتته", وقد تقدم أيضاً.
وروى الإمام أبو عبد الله الشافعي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم, عن أبيه, عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أحلت لنا ميتتان ودمان, فأما الميتتان: فالحوت والجراد, وأما الدمان: فالكبد والطحال" ورواه أحمد وابن ماجه والدارقطني والبيهقي وله شواهد, وروي موقوفاً, والله أعلم.
وقوله " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " أي في حال إحرامكم يحرم عليكم الاصطياد, ففيه دلالة على تحريم ذلك فإذا اصطاد المحرم الصيد متعمداً, أثم وغرم, أو مخطئاً, غرم وحرم عليه أكله, لأنه في حقه كالميتة, وكذا في حق غيره من المحرمين والمحلين, عند مالك والشافعي في أحد قوليه, وبه يقول عطاء والقاسم وسالم وأبو سيف ومحمد بن الحسن وغيرهم, فإن أكله أو شيئاً منه فهل يلزمه جزاء ثان ؟ فيه قولان للعلماء (أحدهما) نعم, قال: عبد الرزاق عن ابن جريج, عن عطاء قال: إن ذبحه ثم أكله فكفارتان, وإليه ذهب طائفة. (والثاني) لا جزاء عليه في أكله, نص عليه مالك بن أنس. قال أبو عمر بن عبد البر: وعلى هذا مذاهب فقهاء الأمصار وجمهور العلماء, ثم وجهه أبو عمر بما لو وطىء, ثم وطىء, ثم وطىء قبل أن يحد, فإنما عليه حد واحد, وقال أبو حنيفة: عليه قيمة ما أكل. وقال أبو ثور: إذا قتل المحرم الصيد فعليه جزاؤه وحلال أكل ذلك الصيد, إلا أنني أكرهه للذي قتله للخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم" وهذا الحديث سيأتي بيانه, وقوله بإباحته للقاتل غريب. وأما لغيره ففيه خلاف قد ذكرنا المنع عمن تقدم, وقال آخرون بإباحته لغير القاتل سواء المحرمون والمحلون لهذا الحديث, والله أعلم.
وأما إذا صاد حلال صيداً, فأهداه إلى محرم, فقد ذهب ذاهبون إلى إباحته مطلقاً, ولم يستفصلوا بين أن يكون قد صاده من أجله أم لا, حكى هذا القول أبو عمر بن عبد البر, عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة والزبير بن العوام وكعب الأحبار ومجاهد وعطاء في رواية, وسعيد بن جبير, وبه قال الكوفيون. قال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع, حدثنا بشر بن الفضل, حدثنا سعيد عن قتادة أن سعيد بن المسيب حدثه عن أبي هريرة أنه سئل عن لحم صيد صاده حلال, أيأكله المحرم ؟ قال: فأفتاهم بأكله, ثم لقي عمر بن الخطاب فأخبره بما كان من أمره, فقال: لو أفتيتهم بغير هذا لأوجعت لك رأسك. وقال آخرون: لا يجوز أكل الصيد للمحرم بالكلية, ومنعوا من ذلك مطلقاً لعموم هذه الاية الكريمة.
وقال عبد الرزاق عن معمر, عن ابن طاوس, وعبد الكريم عن ابن أبي آسية عن طاوس, عن ابن عباس أنه كره أكل الصيد للمحرم, وقال: هي مبهمة يعني قوله " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " قال: وأخبرني معمر عن الزهري, عن ابن عمر أنه كان يكره للمحرم أن يأكل من لحم الصيد على كل حال. قال معمر: وأخبرني أيوب عن نافع, عن ابن عمر مثله, قال ابن عبد البر: وبه قال طاوس وجابر بن زيد, وإليه ذهب الثوري وإسحاق بن راهويه في رواية, وقد روي نحوه عن علي بن أبي طالب, رواه ابن جرير من طريق سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة, عن سعيد بن المسيب أن علياً كره أكل لحم الصيد للمحرم على كل حال.
وقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه في رواية والجمهور: إن كان الحلال قد قصد المحرم بذلك الصيد لم يجز للمحرم أكله لحديث الصعب بن جثامة أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً وهو بالأبواء أو بودان, فرده عليه, فلما رأى ما في وجهه قال "إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم" وهذا الحديث مخرج في الصحيحين, وله ألفاظ كثيرة, قالوا: فوجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم ظن أن هذا إنما صاده من أجله, فرده لذلك, فأما إذا لم يقصده بالاصطياد فإنه يجوز له الأكل منه لحديث أبي قتادة حين صاد حمار وحش, وكان حلالاً لم يحرم, وكان أصحابه محرمين, فتوقفوا في أكله ثم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "هل كان منكم أحد أشار إليها أو أعان في قتلها ؟" قالوا: لا. قال "فكلوا" وأكل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذه القصة ثابتة أيضاً في الصحيحين بألفاظ كثيرة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد, قالا: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو بن أبي عمرو, عن المطلب بن عبد الله بن حنطب, عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقال قتيبة في حديثه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "صيد البر لكم حلال" قال سعيد ـ وأنتم حرم ـ ما لم تصيدوه أو يصد لكم , وكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي, جميعاً عن قتيبة. وقال الترمذي: لا نعرف للمطلب سماعاً من جابر, ورواه الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه من طريق عمرو بن أبي عمرو, عن مولاه المطلب, عن جابر, ثم قال: وهذا أحسن حديث روي في هذا الباب وأقيس. وقال مالك رضي الله عنه, عن عبد الله بن أبي بكر. عن عبد الله بن عامر بن ربيعة, قال: رأيت عثمان بن عفان بالعرج وهو محرم في يوم صائف قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان, ثم أتى بلحم صيد, فقال لأصحابه: كلوا, فقالوا: أولا تأكل أنت ؟ فقال: إني لست كهيئتكم إنما صيد من أجلي .
قوله: 96- "أحل لكم صيد البحر" الخطاب لكل مسلم أو للمحرمين خاصة، وصيد البحر ما يصاد فيه، والمراد بالبحر هنا كل ماء يوجد فيه صيد بحري وإن كان نهراً أو غديراً. قوله: "وطعامه متاعاً لكم وللسيارة" الطعام لكل ما يطعم، وقد تقدم. وقد اختلف في المراد به هنا فقيل: هو ما قذف به البحر وطفا عليه، وبه قال كثير من الصحابة والتابعين، وقيل طعامه ما ملح منه وبقي، وبه قال جماعة، وروي عن ابن عباس، وقيل طعامه ملحه الذي ينعقد من مائه وسائر ما فيه من نبات وغيره، وبه قال قوم، وقيل المراد به ما يطعم من الصيد: أي ما يحل أكله وهو السمك فقط، وبه قالت الحنفية. والمعنى: أحل لكم الانتفاع بجميع ما يصاد في البحر، وأحل لكم المأكول منه وهو السمك، فيكون التخصيص بعد التعميم، وهو تكلف لا وجه له، ونصب متاعاً على أنه مصدر: أي متعتم به متاعاً، وقيل مفعول له مختص بالطعام: أي أحل لكم طعام البحر متاعاً، وهو تكلف جاء به من قال بالقول الأخير، بل إذا كان مفعولاً له كان من الجميع: أي أحل لكم مصيد البحر وطعامه تمتيعاً لكم: أي لمن كان مقيماً منكم يأكله طرياً "وللسيارة" أي المسافرين منكم يتزودونه ويجعلونه قديداً، وقيل السيارة: هم الذين يركبونه خاصة. قوله: "وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً" أي حرم عليكم ما يصاد في البر ما دمتم محرمين، وظاهره تحريم صيده على المحرم ولو كان الصائد حلالاً، وإليه ذهب الجمهور إن كان الحلال صاده للمحرم لا إذا لم يصده لأجله، وهو القول الراجح، وبه يجمع بين الأحاديث، وقيل إنه يحل له مطلقاً، وإليه ذهب جماعة: وقيل يحرم عليه مطلقاً، وإليه ذهب آخرون، وقد بسطنا هذا في شرحنا للمنتقي. قوله: "واتقوا الله الذي إليه تحشرون" أي اتقوا الله فيما نهاكم عنه الذي إليه تحشرون لا إلى غيره، وفيه تشديد ومبالغة في التحذير. وقرئ "وحرم عليكم صيد البر" بالبناء للفاعل وقرئ "ما دمتم" بكسر الدال.
98- قوله عز وجل : " جعل الله الكعبة البيت الحرام " ، قال مجاهد : سميت كعبة لتربيعها ، والعرب تسمي كل بيت مربع كعبةً ، قال مقاتل : سميت كعبة لانفرادها من البناء ، وقيل : سميت كعبة لارتفاعها من الأرض ، وأصلها من الخروج والارتفاع ، وسمي الكعب كعباً لنتوئه ، وخروجه من جانبي القدم ، ومنه قيل للجارية إذا قاربت البلوغ وخرج ثديها : تكعبت . وسمي البيت الحرام : لأن الله تعالى حرمه وعظم حرمته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السموات والأرض " ." قياماً للناس " ، قرأ ابن عامر " قيماً " بلا ألف والآخرون : (( قياماً )) بالألف ، أي قواماً لهم في أمر دينهم ودنياهم ، أما الدين لأن به يقوم الحج والمناسك ، وأما الدنيا فيما يجبى إليه من الثمرات ، وكانوا يأمنون فيه من النهب والغارة فلا يتعرض لهم أحد في الحرم ، قال الله تعالى : " أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم " ( العنكبوت -67) " والشهر الحرام " ، أراد به الأشهر الحرم وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ، أراد أنه جعل الأشهر الحرم قياماً للناس يأمنون فيها القتال ، " والهدي والقلائد " أراد أنهم كانوا يأمنون بتقليد الهدي ، فذلك القوام فيه .
96" أحل لكم صيد البحر " ما صيد منه مما لا يعيش إلا في الماء، وهو حلال كله لقوله عليه الصلاة والسلام في البحر "هو الطهور ماؤه الحل ميتته". وقال أبو حنيفة لا يحل منه إلا السمك. وقيل يحل السمك وما يؤكل نظيره في البر. "وطعامه" ما قذفه أو نضب عنه. وقيل الضمير للصيد وطعامه أكله. "متاعاً لكم" تمتيعاً لكم نصب على الغرض. " وللسيارة " أي ولسيارتكم يتزودونه قديداً. " وحرم عليكم صيد البر " أي ما صيد فيه، أو الصيد فيه فعلى الأول يحرم على المحرم أيضاً ما صاده الحلال وإن لم يكن له فيه مدخل، والجمهور على حله لقوله عليه الصلاة والسلام "لحم الصيد حلال لكم، ما لم تصطادوه أو يصد لكم" "ما دمتم حرماً" أي محرمين وقرئ بكسر الدال من دام يدام. " واتقوا الله الذي إليه تحشرون ".
96. To hunt and to eat the fish of the sea is made lawful for you, a provision for you and for seafarers; but to hunt on land is forbidden you so long as ye are on the pilgrimage. Be mindful of your duty to Allah, unto Whom ye will be gathered.
96 - Lawful to you is the pursuit of water game and its use for food, for the benefit of yourselves and those who travel; but forbidden is the pursuit of land game; as long as ye are in the sacred precincts or in pilgrim garb. and fear God, to whom ye shall be gathered back.