[المائدة : 53] وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ
53 - (ويقول) بالرفع استئنافا بواو ودونها وبالنصب عطفا على يأتي (الذين آمنوا) لبعضهم إذا هتك سترهم تعجبا (أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم) غاية اجتهادهم فيها (إنهم لمعكم) في الدين قال تعالى: (حبطت) بطلت (أعمالهم) الصالحة (فأصبحوا) صاروا (خاسرين) الدنيا بالفضيحة والآخرة بالعقاب
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة قوله : "ويقول الذين آمنوا".
فقرأتها قرأة أهل المدينة: "فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين" "يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله"، بغير واو.
وتأويل الكلام على هذه القراءة: فيصبح المنافقون ، إذا أتى الله -بالفتح أو أمر من عنده ، على ما اسروا في أنفسهم نادمين ، يقول المؤمنون تعجباً منهم ومن نفاقهم وكذبهم واجترائهم على الله في أيمانهم الكاذبة بالله: هؤلاء الذين أقسموا لنا بالله إنهم لمعنا، وهم كاذبون في أيمانهم لنا؟ وهذا المعنى قصد مجاهد في تأويله ذلك ، الذي:
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد: "فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده"، حينئذ، "يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين".
وكذلك ذلك في مصاحف أهل المدينة بغيرواو.
وقرأ ذلك بعض البصريين: ويقول الذين آمنوا، بالواو، ونصب يقول عطفاً به على "فعسى الله أن يأتي بالفتح". وذكر قارىء ذلك أنه كان يقول : إنما أريد بذلك : فعسى الله أن يأتي بالفتح ، وعسى أن يقول الذين آمنوا، ومحال غير ذلك ، وإنما لا يجوز أن يقال : وعسى الله أن يقول الذين آمنوا ، وكان يقول : ذلك نحو قولهم : أكلت خبزاً ولبناً، كقول الشعر:
ورأيت زوجك في الوغى متقلداً سيفاً ورمحاً فتأويل الكلام على هذه القراءة : فعسى الله أن يأتي بالفتح المؤمنين ، أو أمر من عنده يديلهم به على أهل الكفر من أعدائهم ، فيصبح المنافقون على ما أسروا في أنفسهم نادمين ، وعسى أن يقول الذين آمنوا حينئذ: هؤلاء الذين أقسموا بالله كذبا جهد أيمانهم إنهم لمعكم ؟
وهي في مصاحف أهل العراق بالواو "ويقول الذين آمنوا".
وقرأ ذلك قرأة الكوفيين "ويقول الذين آمنوا" بالواو، ورفع يقول، بالاستقبال والسلامة من الجوازم والنواصب.
وتأويل من قرأ ذلك كذلك : فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم يندمون، ويقول الذين آمنوا، فيبتدىء يقو ل فيرفعها.
قال أبو جعفر: وقراءتنا التي نحن عليها "ويقول" بإثبات الواو في "ويقول"، لأنها كذلك هي في مصاحفنا مصاحف أهل المشرق ، بالواو، وبرفع يقول على الابتداء.
فتأويل الكلام -إذ كانت القراءة عندنا على ما وصفنا- : فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ، ويقول المؤمنون : هؤلاء الذين حلفوا لنا بالله جهد أيمانهم كذبا إنهم لمعنا؟ يقول الله تعالى ذكره ، مخبراً عن حالهم عنده بنفاقهم وخبث أعمالهم ، أحبطت أعمالهم، لم يقول : ذهبت أعمالهم التي عملوها في الدنيا باطلاً لا ثواب لها ولا أجر، وإنما هم عملوها على غير يقين منهم بأنها عليهم لله فرض واجبه ، ولا على صحة إيمان بالله ورسوله ، وإنما ما كانوا يعملونها ليدفعوا المؤمنين بها عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم ، فأحبط الله أجرها، إذ لم تكن له ، "فأصبحوا خاسرين"، يقول : فأصبح هؤلاء المنافقون ، عند مجيء أمر الله بإدالة المؤمنين على أهل الكفر، قد وكسوا في شرائهم الدنيا بالآخرة، وخابت صفقتهم ، وهلكوا.
قوله تعالى :" ويقول الذين آمنوا " وقرأ أهل المدينة وأهل الشام: يقول بغير واو وقرأ عمرو ابن أبي إسحاق : ويقول بالواو والنصب عطفاً على أن يأتي عند أكثر النحويين والتقدير : فعسى الله أن يأتي بالفتح وأن يقول: قيل: هو عطف على المعنى لأن معنى " فعسى الله أن يأتي بالفتح " وعسى أن يأتي الله بالفتح إذ لا يجوز عسى زيد أن يأتي ويقوم عمرو لأنه لا يصح المعنى إذا قلت: وعسى زيد أن يقوم عمرو ولكن لو قلت: عسى أن يقوم زيد ويأتي عمرو كان جيداً فإذا قدرت التقديم في أن يأتي إلى جنب عسى حسن لأنه يصير التقدير : عسى أن يأتي وعسى أن يقوم ويكون من باب قوله :
ورأيت زوجك في الوغى متقلداً سيفاً ورمحا
وفيه قوله ثالث - وهو أن تعطيه على الفتح كما قال الشاعر:
للبس عباءة وتقر عيني
ويجوز أن يجعل أن يأتي بدلاً اسم الله جل ذكره، فيصير التقدير : عسى أن يأتي الله ويقول الذين آمنوا وقرأ الكوفيون" ويقول الذين آمنوا " بالرفع على التقطع من الأول "أهؤلاء " إشارة إلى المنافقين " أقسموا بالله " حلفوا واجتهدوا في الإيمان على جهة التوبيخ : أهؤلاء الذي أقسموا بالله جهد أيمانهم أنهم يعينوكم على محمد ويحتمل أن يكون من المؤمنين بعضهم لبعض أي هؤلاء الذي كانوا يحلفون أنهم مؤمنون فقد هتك الله اليوم سترهم " حبطت أعمالهم " بطلت بنفاقهم "فأصبحوا خاسرين" أي خاسرين الثواب وقيل: خسروا في موالاة اليهود فلم تحصل لهم ثمرة بعد قتل اليهود وإجلائهم .
ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى, الذين هم أعداء الإسلام وأهله ـ قاتلهم الله ـ ثم أخبر أن بعضهم أولياء بعض, ثم تهدد وتوعد من يتعاطى ذلك, فقال "ومن يتولهم منكم فإنه منهم" الاية. قال ابن أبي حاتم: حدثنا كثير بن شهاب, حدثنا محمد يعني ابن سعيد بن سابق, حدثنا عمرو بن أبي قيس عن سماك بن حرب, عن عياض أن عمر أمر أبا موسى الأشعري أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديم واحد, وكان له كاتب نصراني, فرفع إليه ذلك, فعجب عمر وقال: إن هذا لحفيظ, هل أنت قارىء لنا كتاباً في المسجد جاء من الشام ؟ فقال: إنه لا يستطيع, فقال عمر: أجنب هو ؟ قال: لا بل نصراني. قال: فانتهرني وضرب فخذي, ثم قال: أخرجوه, ثم قرأ "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء" الآية, ثم قال: حدثنا محمد بن الحسن بن محمد بن الصباح, حدثنا عثمان بن عمر, أنبأنا ابن عون عن محمد بن سيرين, قال: قال عبد الله بن عتبة: ليتق أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يشعر. قال: فظنناه يريد هذه الآية "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء" الآية, وحدثنا أبو سعيد الآشج, حدثنا ابن فضيل عن عاصم, عن عكرمة, عن ابن عباس أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب, فقال: كل, قال الله تعالى: "ومن يتولهم منكم فإنه منهم", وروي عن أبي الزناد نحو ذلك .
وقوله تعالى: "فترى الذين في قلوبهم مرض" أي شك وريب ونفاق, يسارعون فيهم, أي يبادرون إلى موالاتهم ومودتهم في الباطن والظاهر, "يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة" أي يتأولون في مودتهم وموالاتهم أنهم يخشون أن يقع أمر من ظفر الكافرين بالمسلمين, فتكون لهم أياد عند اليهود والنصارى, فينفعهم ذلك. عند ذلك قال الله تعالى: "فعسى الله أن يأتي بالفتح" قال السدي: يعني فتح مكة. وقال غيره: يعني القضاء والفصل, "أو أمر من عنده". قال السدي: يعني ضرب الجزية على اليهود والنصارى, "فيصبحوا" يعني الذين والوا اليهود والنصارى من المنافقين "على ما أسروا في أنفسهم" من الموالاة, "نادمين" أي على ما كان منهم مما لم يجد عنهم شيئاً, ولا دفع عنهم محذوراً, بل كان عين المفسدة, فإنهم فضحوا وأظهر الله أمرهم في الدنيا لعباده المؤمنين بعد أن كانوا مستورين, لا يدرى كيف حالهم, فلما انعقدت الأسباب الفاضحة لهم تبين أمرهم لعباد الله المؤمنين, فتعجبوا منهم كيف كانوا يظهرون أنهم من المؤمنين, ويحلفون على ذلك ويتأولون فبان كذبهم وافتراؤهم, ولهذا قال تعالى: "ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين".
وقد اختلف القراء في هذا الحرف فقرأه الجمهور بإثبات الواو في قوله "ويقول", ثم منهم من رفع ويقول: على الابتداء, ومنهم من نصب عطفاً على قوله "فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده" فتقديره أن يأتي وأن يقول وقرأ أهل المدينة "يقول الذين آمنوا" بغير واو, وكذلك هو في مصاحفهم على ما ذكره ابن جرير. قال ابن جرير عن مجاهد " فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده " تقديره حينئذ "يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين" واختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآيات الكريمات, فذكر السدي أنها نزلت في رجلين قال أحدهما لصاحبه بعد وقعة أحد: أما أنا فإني ذاهب إلى ذلك اليهودي فآوي إليه وأتهود معه, لعله ينفعني إذا وقع أمر أو حدث حادث . وقال الآخر أما أنا فإني ذاهب إلى فلان النصراني بالشام فآوي إليه وأتنصر معه, فأنزل الله "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء" الآيات, وقال عكرمة: نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة فسألوه: ماذا هو صانع بنا ؟ فأشار بيده إلى حلقه أي أنه الذبح, رواه ابن جرير .
وقيل: نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول, كما قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا ابن إدريس قال: سمعت أبي عن عطية بن سعد قال: جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله, إن لي موالي من يهود كثير عددهم, وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولايه يهود, وأتولى الله ورسوله, فقال عبد الله بن أبي: إني رجل أخاف الدوائر لا أبرأ من ولاية موالي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي "يا أبا الحباب, ما بخلت به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت, فهو لك دونه" قال: قد قبلت, فأنزل الله عز وجل "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء" الآيتين .
ثم قال ابن جرير: حدثنا هناد, حدثنا يونس بن بكير, حدثنا عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري: قال: لما انهزم أهل بدر, قال المسلمون لأوليائهم من اليهود: أسلموا قبل أن يصيبكم الله بيوم مثل يوم بدر, فقال مالك بن الصيف: أغركم أن أصبتم رهطاً من قريش لا علم لهم بالقتال, أما لو أمررنا العزيمة أن نستجمع عليكم لم يكن لكم يد أن تقاتلونا, فقال عبادة بن الصامت: يا رسول الله, إن أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم كثيراً سلاحهم شديدة شوكتهم, وإني أبرأ إلى الله وإلى رسوله من ولاية يهود, ولا مولى لي إلا الله ورسوله, فقال عبد الله بن أبي: لكني لا أبرأ من ولاية يهود, إني رجل لا بد لي منهم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أبا الحباب, أرأيت الذي نفست به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت, فهو لك دونه" فقال: إذاً أقبل, قال: فأنزل الله " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين " إلى قوله " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " .
وقال: محمد بن إسحاق: فكانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو قينقاع, فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه, فقام إليه عبد الله بن أبي ابن سلول حين أمكنه الله منهم, فقال: يا محمد أحسن في موالي وكانوا حلفاء الخزرج, قال: فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا محمد أحسن في موالي, قال: فأعرض عنه. قال: فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "أرسلني", وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللا, ثم قال "ويحك أرسلني" قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي أربعمائة حاسر, وثلاثمائة دارع, قد منعوني من الأحمر والأسود, تحصدني في غداة واحدة إني امرؤ أخشى الدوائر, قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هم لك" قال محمد بن إسحاق: فحدثني أبو إسحاق بن يسار عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت, قال: لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبث بأمرهم عبد الله بن أبي, وقام دونهم ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أحد بني عوف بن الخزرج له من حلفهم مثل الذي لعبد الله بن أبي, فجعلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتبرأ إلى الله ورسوله من حلفهم, وقال: يا رسول الله, أبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم, وأتولى الله ورسوله والمؤمنين, وأبرأ من حلف الكفار, وولايتهم, ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت الآيات في المائدة " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين * ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين * يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم * إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ".
وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة بن سعيد, حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زيادة عن محمد بن إسحاق, عن الزهري, عن عروة, عن أسامة بن زيد قال: دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي نعوده, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "قد كنت أنهاك عن حب يهود" فقال عبد الله: فقد أبغضهم أسعد بن زراة فمات, وكذا رواه أبو داود من حديث محمد بن إسحاق .
قوله: 53- "يقول الذين آمنوا". قرأ أبو عمرو وابن أبي إسحاق وأهل الكوفة بإثبات الواو، وقرأ الباقون بحذفها، فعلى القراءة الأولى مع رفع يقول يكون كلاماً مبتدأ مسوقاً لبيان ما وقع من هذه الطائفة، وعلى قراءة النصب يكون عطفاً على "فيصبحوا" وقيل على "يأتي" والأولى أولى، لأن هذا القول إنما يصدر عن المؤمنين عند ظهور ندامة الكافرين لا عند إتيان الفتح، وقيل هو معطوف على الفتح كقول الشاعر:
للبس عباءة وتقر عيني
وأما على قراءة حذف الواو فالجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر، والإشارة بقوله: "أهؤلاء" إلى المنافقين: أي يقول الذين آمنوا مخاطبين لليهود مشيرين إلى المنافقين "أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم" بالمناصرة والمعاضدة في القتال، أو يقول بعض المؤمنين لبعض مشيرين إلى المنافقين، وهذه الجملة مفسرة للقول. وجهد الأيمان: أغلظها، وهو منصوب على المصدر أو على الحال: أي أقسموا بالله جاهدين. قوله: "حبطت أعمالهم" أي بطلت وهو من تمام قول المؤمنين أو جملة مستأنفة والقائل الله سبحانه. والأعمال هي التي عملوها في الموالاة أو كل عمل يعملونه.
53- " و " حينئذ ، " يقول الذين آمنوا " [ قرأ أهل الكوفة : ( ويقول ) ، بالواو والرفع ] وقرأ أهل البصرة بالواو ونصب اللام عطفاً على " أن يأتي " أي : وعسى أن يقول الذين آمنوا ، وقرا الآخرون بحذف الواو ورفع اللام ، وكذلك هو في مصاحف أهل [ العالية ] ، استغناء عن حرف العطف بملابسة هذه الآية بما قبلها ، يعني يقول الذين آمنوا في وقت إظهار الله تعالى نفاق المنافقين ، " أهؤلاء الذين أقسموا بالله " ، حلفوا بالله ، " جهد أيمانهم " ، أي : حلفوا بأغلظ الأيمان ، " إنهم لمعكم ، " أي: إنهم مؤمنون ، يريد : أن المؤمنين حينئذ يتعجبون من كذبهم وحلفهم بالباطل . قال الله تعالى " حبطت أعمالهم " ،بطل كل خير عملوه ، " فأصبحوا خاسرين " ، خسروا الدنيا بافتضاحهم ، والآخرة بالعذاب وفوات الثواب .
53" ويقول الذين آمنوا " بالرفع قراءة عاصم و حمزة و الكسائي على أنه كلام مبتدأ ويؤيده قراءة ابن كثير و نافع و ابن عامر مرفوعاً بغير واو على أن يأتي باعتبار المعنى، وكأنه قال: عسى أن يأتي الله بالفتح ويقول الذين آمنوا، أو يجعله بدلاً من اسم الله تعالى داخلاً في اسم عسى مغنياً عن الخبر بما تضمنه من الحدث، أو على الفتح بمعنى عسى الله أن يأتي بالفتح وبقول المؤمنين فإن الإتيان بما يوجبه كالإتيان به. " أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم " يقول المؤمنين بعضهم إلى بعض تعجباً من حال المنافقين وتبجحاً بما من الله سبحانه وتعالى عليهم من الإخلاص أو يقولونه لليهود، فإن المنافقين حلفوا لهم بالمعاضدة كما حكى الله تعالى عنهم " وإن قوتلتم لننصرنكم " وجهد الأيمان أغلظها، وهو في الأصل مصدر ونصبه على الحال على تقدير وأقسموا بالله يجهدون جهد أيمانهم، فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه ولذلك ساغ كونها معرفة أو على المصدر لأنه بمعنى أقسموا. " حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين " إما من جملة المقول أو قول الله سبحانه وتعالى شهادة لهم بحبوط أعمالهم، وفيه معنى التعجب كأنه قيل احبط أعمالهم فما أخسرهم.
53. Then will the believers say (unto the people of the Scripture): Are these they who swore by Allah their most binding oaths that they were surely with you? Their works have failed, and they have become the losers.
53 - And those who believe will say: are these the men who swore their strongest oaths by God, that they were with you? all that they do will be in vain. and they will fall into (nothing but) ruin.