[المائدة : 119] قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
119 - (قال الله هذا) أي يوم القيامة (يوم ينفع الصادقين) في الدنيا كعيسى (صدقهم) لأنه يوم الجزاء (لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم) بطاعته (ورضوا عنه) بثوابه (ذلك الفوز العظيم) ولا ينفع الكاذبين في الدنيا صدقهم فيه كالكفار لما يؤمنون عند رؤية العذاب
قال أبو جعفر: اختلف القرأة في قراءة قوله : "هذا يوم ينفع الصادقين".
فقرأ ذلك بعض أهل الحجاز والمدينة : هذا يوم ينفع الصادقين، بنصب يوم .
وقرأه بعض أهل الحجاز وبعض أهل المدينة، وعامة قرأة أهل العراق : "هذا يوم ينفع الصادقين"، برفع "يوم". فمن رفعه رفعه ب "هذا"، وجعل "يوم" اسماً، وإن كانت إضافته غير محضة، لأنه قد صار كالمنعوت .
وكان بعض أهل العربية يزعم أن العرب يعملون في إعراب الأوقات مثل اليوم و الليلة، عملهم فيما بعدها. إن كان ما بعدها رفعا رفعوها، كقولهم : هذا يوم يركب الأمير وليلة يصدر الحاج ويوم أخوك منطلق . وإن كان ما بعدها نصبا نصبوها، وذلك كقولهم : هذا يوم خرج الجيش ، وسار الناس ، -وليلة قتل زيد، ونحو ذلك ، وإن كان معناها في الحالين إذ وإذا .
وكان من قرأ هذا هكذا رفعاً، وجه الكلام إلى أنه من قيل الله يوم القيامة.
وكذلك كان السدي يقول في ذلك.
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال الله : "هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم"، هذا فصل من كلام عيسى، وهذا يوم القيامة.
يعني السدي بقوله : هذا فصل من كلام عيسى، أن قوله : "سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق" إلى قوله : "فإنك أنت العزيز الحكيم"، من خبر الله عز وجل عن عيسى أنه قاله في الدنيا بعد أن رفعه إليه ، وأن ما بعد ذلك من كلام الله لعباده يوم القيامة .
وأما النصب في ذلك ، فإنه يتوجه من وجهين :
أحدهما: أن إضافة "يوم" ما لم تكن إلى اسم ، تجعله نصباً، لأن الإضافة غير محضة، وإنما تكون الإضافة محضة، إذا أضيف إلى اسم صحيح. ونظير اليوم في ذلك : الحين والزمان ، وما أشبههما من الأزمنة، كما قال النابغة:
على حين عاتبت المشيب على الصبا وقلت : ألما تصح والشيب وازع؟ والوجه الآخر: أن يكون مرادا بالكلام : هذا الأمر وهذا الشأن ، يوم ينفع الصادقين، فيكون اليوم حينئذ منصوبا على الوقت والصفة، بمعنى : هذا الأمر في يوم ينفع الصادقين صدقهم .
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب : هذا يوم ينفع الصادقين ، بنصب اليوم ، على أنه منصوب على الوقت والصفة . لأن معنى الكلام : إن الله جل وتعالى ذكره ، أجاب عيسى حين قال : "سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته"، إلى قوله: "فإنك أنت العزيز الحكيم"، فقال له عز وجل : هذا القول النافع -أو هذا الصدق النافع - يوم ينفع الصادقين صدقهم . ف اليوم وقت القول والصدق النافع .
فإن قال قائل : فما موضع "هذا"؟.
قيل : رفع .
فإن قال : فأين رافعه؟.
قيل: مضمر. وكأنه قال : قال الله عز وجل : هذا، هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ، كما قال الشاعر :
أما ترى السحاب كيف يجري ؟ هذا، ولا خيلك يا ابن بشر
يريد: هذا هذا، ولا خيلك .
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام ، إذ كان الأمر على ما وصفنا لما بينا: قال الله لعيسى: هذا القول النافع في يوم ينفع الصادقين في الدنيا صدقهم ذلك ، في الآخرة عند الله ، "لهم جنات تجري من تحتها الأنهار"، يقول : للصادقين في الدنيا، جنات تجري من تحتها الأنهار في الآخرة، ثواباً لهم من الله عز وجل على ما كان من صدقهم الذي صدقوا الله فيما وعدوه ، فوفوا به لله ، فوفى الله عز وجل لهم ما وعدهم من ثوابه ، "خالدين فيها أبدا"، يقول : باقين في الجنات التي أعطاهموها، "أبدا"، دائماً، لهم فيها نعيم لا ينتقل عنهم ولا يزول.
وقد بينا فيما مضى أن معنى الخلود، الدوام والبقاء.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : رضي الله عن هؤلاء الصادقين الذين صدقوا في الوفاء له بما وعدوه ، من العمل بطاعته واجتناب معاصيه ، "ورضوا عنه"، يقول : ورضوا هم عن الله تعالى ذكره في وفائه لهم بما وعدهم على طاعتهم إياه فيما أمرهم ونهاهم ، من جزيل ثوابه ، "ذلك الفوز العظيم"، يقول : هذا الذي أعطاهم الله من الجنات التي تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها مرضيا عنهم وراضين عن ربهم ، هو الظفر العظيم بالطلبة، وإدراك الحاجة التي كانوا يطلبونها في الدنيا، ولها كانوا يعملون فيها، فنالوا ما طلبوا، وأدركوا ما أملوا.
قوله تعالى :"قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم " أي صدقهم في الدنيا فأما في الآخرة فلا ينفع فيها الصدق وصدقهم في الدنيا يحتمل أن يكون صدقهم في العمل لله، ويحتمل أن يكون تركهم الكذب عليه وعلى رسله، وإنما نفهم الصدق في ذلك اليوم وإن كان نافعاً كل الأيام لوقع الجزاء فيه وقيل: المراد صدقهم في الآخرة وذلك في الشهادة لأنبيائهم بالبلاغ وفيما شهدوا به على أنفسهم من أعمالهم ويكون وجه النفع فيه أن يكفوا المؤاخذة بتركهم كتم الشهادة فيغفر لهم بإقرارهم لأنبيائهم وعلى أنفسهم والله أعلم وقرأ نافع وابن محيصن يوم بالنصب ورفع الباقون وهي القراءة البينة على الابتداء والخبر فيوم ينفع خبر ل هذا والجملة في موضع نصب بالقول وأما قراءة نافع وابن محيصن فحكى إبراهيم بن حميد بن محمد بن يزيد أن هذه القراءة لا تجوز، لأنه نصب خبر الابتداء ول يجوز فيه البناء وقال إبراهيم بن السري: هي جائزة بمعنى قال الله هذا لعيسى ابن مريم ينفع الصادقين صدقهم ف يوم ظرف للقول وهذا مفعول القول والتقدير قال الله هذا القول في يوم ينفع الصادقين. وقيل: التقدير قال الله عز وجل هذه الأشياء تنفع يوم القيامة، وقال الكسائي والفراء: بني يوم ها هنا على انصب لأنه مضاف إلى غير اسم كما تقول: مضى يومئذ وأنشد الكسائي .
على حين عاتبت المشيب لعى الصبا وقلت ألما أصح الشيب وازع
الزجاج: ولا يجوز البصريون ما قالاه إذا أضفت الظرف إلى فعل مضارع. فإن كان إلى ماض كان جيداً كما مر في البيت، وإنما جاز أن يضاف الفعل إلى ظروف لزمان، لأن الفعل بمعنى المصدر وقيل: يجوز أن يكون منصوباً ظرفاً ويكون خبر الابتداء الذي هو هذا لأنه مشار به إلى حدث وظروف الزمان تكون أخباراً عن الأحداث تقول: القتال اليوم، والخروج الساعة والجملة في موضع نصب بالقول وقيل: يجوز أن يكون هذا في موضع رفع بالابتداء ويوم خبر الابتداء والعامل فيه محذوف والتقدير قال الله هذا الذي قصصناه يقع يوم ينفع الصادقين صدقهم وفيه قراءة ثالثة " يوم ينفع " بالتنوين " الصادقين صدقهم " في الكلام حذف تقديره فيه مثل قوله " واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا" [البقرة: 48] وهي قراء ةالأعمش.
قوله تعالى :" لهم جنات " ابتداء وخبر " تجري " في موضع الصفة " من تحتها" أي من تحت غرفها وأشجارها وقد تقدم ثم بين تعالى ثوابه وأنه راض عنهم رضاً لا يغضب بعده أبداً "ورضوا عنه " أي عن الجزاء الذي أثابهم به " ذلك الفوز " أي الظفر " العظيم " أي الذي عظم خيره وكثر، وارتفعت منزلة صاحبه وشرف .
يقول تعالى مجيباً لعبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه السلام, فيما أنهاه إليه من التبري من النصاري الملحدين الكاذبين على الله وعلى رسوله, ومن رد المشيئة فيهم إلى ربه عز وجل, فعند ذلك يقول تعالى: "هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم" قال الضحاك: عن ابن عباس يقول: يوم ينفع الموحدين توحيدهم, "لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً" أي ماكثين فيها لا يحولون ولا يزولون, رضي الله عنهم ورضوا عنه كما قال تعالى: "ورضوان من الله أكبر" وسيأتي ما يتعلق بتلك الاية من الحديث, وروى ابن أبي حاتم ها هنا حديثاً عن أنس فقال: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا المحاربي عن ليث عن عثمان, يعني ابن عمير, أخبرنا اليقظان عن أنس مرفوعاً, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه "ثم يتجلى لهم الرب جل جلاله, فيقول: سلوني سلوني أعطكم ـ قال ـ فيسألونه الرضا فيقول رضاي أحلكم داري, وأنالكم كرامتي فسلوني أعطكم, فيسألونه الرضا ـ قال ـ فيشهدهم أنه قد رضي عنهم سبحانه وتعالى ".
وقوله "ذلك الفوز العظيم" أي هذا الفوز الكبير الذي لا أعظم منه, كما قال تعالى: "لمثل هذا فليعمل العاملون" وكما قال "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون" وقوله "لله ملك السموات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير" أي هو الخالق للأشياء, المالك لها, المتصرف فيها, القادر عليها, فالجميع ملكه وتحت قهره وقدرته, وفي مشيئته, فلا نظير له, ولا وزير, ولا عديل, ولا والد, ولا ولد, ولا صاحبة, ولا إله غيره, ولا رب سواه, قال ابن وهب: سمعت حيي بن عبد الله يحدث عن أبي عبد الرحمن الحبلي, عن عبد الله بن عمرو, قال آخر سورة أنزلت سورة المائدة .
قوله: 119- "قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم" أي صدقهم في الدنيا، وقيل في الآخرة، والأول أولى. قرأ نافع وابن محيصن "يوم" بالنصب، وقرأ الباقون بالرفع، فوجه النصب أنه ظرف للقول: أي قال الله هذا القول يوم ينفع الصادقين، ووجه الرفع أنه خبر للمبتدأ هو وما أضيف إليه. وقال الكسائي نصب "يوم" ها هنا لأنه مضاف إلى الجملة، وأنشد:
على حين عاتبت المشيب على الصبا وقلت ألما أصح والشيب وازع
وبه قال الزجاج، ولا يجيز البصريون ما قالاه إلا إذا أضيف الظرف إلى فعل ماض. وقرأ الأعمش "هذا يوم ينفع" بتنوين يوم كما في قوله: "واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً" فكلاهما مقطوع عن الإضافة بالتنوين. وقد تقدم تفسير قوله: "لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً". قوله: "رضي الله عنهم ورضوا عنه" أي رضي عنهم بما عملوه من الطاعات الخالصة له، ورضوا عنه بما جازاهم به مما لا يخطر لهم على بال ولا تتصوره عقولهم، والرضا منه سبحانه هو أرفع درجات النعيم وأعلى منازل الكرامة، والإشارة بذلك إلى نيل ما نالوه من دخول الجنة والخلود فيها أبداً، ورضوان الله عنهم. والفوز: الظفر بالمطلوب على أتم الأحوال.
119- " قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم "،قرأ نافع " يوم " بنصب الميم، يعني: تكون هذه الأشياء في يوم، فحذف في فانتصب، وقرأ الآخرون بالرفع على أنه خبر " هذا " أي: ينفع الصادقين في الدنيا صدقهم في الآخرة، ولو كذبوا ختم الله على أفواههم ونطقت به جوارحهم فافتضحوا، وقيل: أراد بالصادقين النبيين.
وقال الكلبي : ينفع المؤمنين إيمانهم، قال قتادة : متكلمان لا يخطئان يوم القيامة عيسى عليه السلام، وهو ما قص الله عز وجل، وعدو الله إبليس، وهو قوله: ( وقال الشيطان لما قضي الأمر )، الآية .فصدق عدو الله يومئذ، وكان قبل ذلك كاذباً فلم ينفعه صدقه، وأما عيسى عليه السلام فكان صادقاً في الدنيا والآخرة، فنفعه صدقه .
وقال عطاء : هذا يوم من أيام الدنيا لأن الدار الآخرة دار جزاء لا دار عمل، ثم بين ثوابهم فقال: " لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم "، ثم عظم نفسه.
119"قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم" وقرأ نافع "يوم" بالنصب على أنه ظرف لقال وخبر هذا محذوف، أو ظرف مستقر وقع خبراً والمعنى هذا الذي مر من كلام عيسى واقع يوم ينفع. وقيل إنه خبر ولكن بني على الفتح بإضافته إلى الفعل وليس بصحيح، لأن المضاف إليه معرب والمراد بالصدق الصدق في الدنيا فإن النافع ما كان حال التكليف. " لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم " بيان للنفع.
119. Allah saith: This is a day in which their truthfulness profiteth the truthful, for theirs are Gardens underneath which rivers flow, wherein they are secure for ever, Allah taking pleasure in them and they in Him. That is the great triumph.
119 - God will say: this is a day on which the truthful will profit from their truth: theirs are gardens, with rivers flowing beneath, their eternal home: God well pleased with them, and they with God: that is the great salvation, (the fulfillment of all desires).