[الحجرات : 13] يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
13 - (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) آدم وحواء (وجعلناكم شعوبا) جمع شعب بفتح الشين هو أعلى طبقات النسب (وقبائل) هي دون الشعوب وبعدها العمائر ثم البطون ثم الأفخاذ ثم الفصائل آخرها مثاله خزيمة شعب كنانة قبيلة قريش عِمارة بكسر العين قصي بطن هاشم فخذ العباس فصيلة (لتعارفوا) حذف منه إحدى التاءين ليعرف بعضهم بعضا لا تتفاخروا بعلو النسب وإنما الفخر بالتقوى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم) بكم (خبير) ببواطنكم
قوله تعالى يا أيها الناس الآية أخرج ابن أبي حاتم عن ابن أبي مليكة قال لما كان يوم الفتح رقى بلال على ظهر الكعبة فأذن فقال بعض الناس أهذا العبد الأسود يؤذن على ظهر الكعبة فقال بعضهم إن يسخط الله هذا يغيره فأنزل الله يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى الآية وقال ابن عساكر في مبهماته وجدت بخط ابن بشكوال أن أبا بكر ابن أبي داود أخرج في تفسير له أنها نزلت في أبي هند أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني بياضة أن يزوجوه امرأة منهم فقالوا يا رسول الله نزوج بناتنا موالينا فنزلت الآية
يقول تعالى ذكره : يا أيها الناس إنا أنشأنا خلقكم من ماء ذكر من الرجال ، وماء أنثى من النساء .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام قال : ثنا عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا عثمان بن الأسود عن مجاهد قال : خلق الله الولد من ماء الرجل وماء المرأة ، وقد قال تبارك وتعالى " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ".
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران قال : ثنا عثمان بن الأسود عن مجاهد قوله " إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " قال : ما خلق الله الولد إلا من نطفة الرجل والمرأة جميعا ، لأن الله يقول " خلقناكم من ذكر وأنثى " .
وقوله " وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا " يقول : وجعلناكم متناسبين ، فبعضكم يناسب بعضا نسبا بعيدا ، وبعضكم يناسب بعضا نسبا قريبا ، فالمناسب النسب البعيد من لم ينسبه أهل الشعوب ، وذلك إذا قيل للرجل من العرب : من أي شعب أنت ؟ يقال : أنا من مضر ، أو من ربيعة . وأما أهل المناسبة القريبة أهل القبائل ، وهم كتميم من مضر ، وبكر من ربيعة ، وأقرب القبائل الأفخاذ ، وهما كشيبان من بكر ودارم من تميم ، ونحو ذلك قول ابن أحمر الباهلي :
من شعب همدان أو سعد العشيرة أو خولان أو مذحج هاجوا له طربا
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله " وجعلناكم شعوبا وقبائل " قال : أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو بكر بن عياش قال : ثنا أبو حصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس " وجعلناكم شعوبا وقبائل " قال : الشعوب : الجماع ، والقبائل : البطون .
حدثنا خلاد بن أسلم قال : ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي حصين عن سعيد بن جبير عن أبن عباس في قوله " وجعلناكم شعوبا وقبائل " قال : الشعوب: الجماع . . قال خلاد قال أبو بكر : القبائل العظام ، مثل بني تميم ، والقبائل : الأفخاذ .
حدثنا ابو كريب قال : ثنا أبو عطية قال : ثنا إسرائيل عن أبي حصين عن سعيد بن جبير "وجعلناكم شعوبا وقبائل " قال:الشعوب : الجمهور،والقبائل: الأفحاد.
حدثنيمحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ،قال:ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال : ثنا الحسن، قال :ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله " شعوبا " قال : النسب البعيد . " وقبائل " دون ذلك .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " وجعلناكم شعوبا وقبائل " قال : الشعوب النسب البعيد ، والقبائل كقوله : فلان من بني فلان ، وفالن من بني فلان .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة " وجعلناكم شعوبا " قال : هو النسب البعيد . قال : والقبائل : كما تسمعه يقال : فلان من بني فلان .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله "وجعلناكم شعوبا " قال : أما الشعوب : فالنسب البعيد .
وقال بعضهم : الشعوب : الأفخاذ .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جبير "وجعلناكم شعوبا وقبائل " قال : الشعوب : الأفخاذ ، والقبائل : القبائل .
وقال آخرون : الشعوب : البطون ، والقبائل : الأفخاذ .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يحيى بن طلحة قال : ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي حصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس " وجعلناكم شعوبا وقبائل " قال : الشعوب : البطون ، والقبائل : الأفخاذ الكبار .
وقال آخرون : الشعوب : الأنساب .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " وجعلناكم شعوبا وقبائل " قال : الشعوب : الشعوب : كالأنساب .
وقوله " لتعارفوا " يقول : ليعرف بعضكم بعضا في النسب ، يقول تعالى ذكره : إنما جعلنا هذه الشعوب والقبائل لكم أيها الناس ، ليعرف بعضكم بعضا في قرب القرابة منه وبعده ، لا لفضيلة لكم في ذلك ، وقربة تقربكم إلى الله ، بل أكرمكم عند الله أتقاكم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد " وقبائل لتعارفوا " قال : جعلنا هذا لتعارفوا ، فلان ابن فلان من كذا وكذا .
وقوله " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " يقول تعالى ذكره : إن أكرمكم أيها الناس عند ربكم ، أشدكم اتقاء له بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ، لا أعظمكم بيتا ولا أكثركم عشيرة .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : ثني ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الناس لآدم وحواء ، كطف الصاع لم تملؤه ، إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة ، إن أكرمكم عند الله أتقاتكم "
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : ثني ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أنسابكم هذه ليست بمساب على أحد ، وإنما أنتم ولد آدم طف الصاع لم تملئوه ، ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو عمل عمل صالح حسب الرجل أن يكون فاحشا بذيا بخيلا جبانا " .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا ابن علية عن ابن جريح قال : سمعت عطاء يقول : قال : ابن عباس ثلاث آيات جحدهن الناس : الإذن كله ، وقال : " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وقال الناس أكرمكم : أعظمكم بيتا وقال عطاء : نسيت الثالثة .
وقوله " إن الله خبير " يقول تعالى ذكره : إن الله أيها الناس ذو علم بأتقاكم عند الله وأكرمكم عنده ، ذو خبرة بكم وبمصالحكم ، وغير ذلك من أموركم ، لا تخفى عليه خافية .
فيه سبع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " يعني آدم وحواء ، ونزلت الآية في أبي هند ، ذكره أبو داود في المراسيل ، حدثنا عمرو بن عثمان و كثير بن عبيد قالا حدثنا بقية بن الوليد قال حدثني الزهري قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني بياضة أن يزوجوا أبا هند امرأة منهم ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : نزوج بناتنا موالينا ؟ فأنزل الله عز وجل : ( إنا خلقنكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً ) ، قال الزهري : نزلت في أبي هند خاصة ، وقيل : " أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس ، وقوله في الرجل الذي لم يتفسح له : ابن فلانة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من الذاكر فلانة ؟ قال ثابت : أنا يا رسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : انظر في وجوه القوم ، فنظر فقال : ما رأيت ؟ قال رأيت أبيض وأسود وأحمر ، فقال : فإنك لا تفضلهم إلا بالتقوى " ، فنزلت في ثابت هذه الآية ، ونزلت في الرجل الذي لم يتفسح له : " يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس " [ المجادلة : 11 ] ، قال ابن عباس : لما كان يوم فتح مكة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً حتى علا على ظهر الكعبة فأذن فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص : الحمد لله الذي قبض أبي حتى لا يرى هذا اليوم ، قال الحارث بن هشام : ما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذناً ، وقال سهيل بن عمرو : إن يرد الله شيئاً يغيره ، وقال أبو سفيان : إني لا أقول شيئاً أخاف أن يخبر به رب السماء ، فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما قالوا ، فدعاهم وسألهم عما قالوا فاقروا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، زجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال ، والازدراء بالفقراء ، فإن المدار على التقوى ، أي الجميع من آدم وحوء ، إنما الفضل بالتقوى ، وفي الترمذي عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب بمكة فقال : يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها ، فالناس رجلان : رجل تقي كريم على الله ، وفاجر شقي هين على الله ، والناس بنو آدم وخلق الله آدم من تراب قال تعالى : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير "" خرجه من حديث عبد الله بن جعفر والد علي بن المديني وهو ضعيف ، ضعفه يحيى بن معين وغيره ، وقد خرج الطبري في كتاب آداب النفوس وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا إسماعيل قال حدثنا سعيد الجريري عن أبي نضرة قال : حدثني أو حدثنا من شهد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى في وسط أيام التشريق وهو على بعير فقال : " يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي ولا لأسود على أحمر ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى ألا هل بلغت ؟ قالوا نعم قال ليبلغ الشاهد الغائب " ، وفيه عن أبي مالك الأشعر قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ك إن الله لا ينظر إلى أحسابكم ولا إلى أنسابكم ولا إلى أجسامكم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم فمن كان له قلب صالح تحنن الله عليه وإنما أنتم بنو آدم وأحبكم إليه أتقاكم " ، ولعلي رضي الله عنه في هذا المعنى وهو مشهور من شعره :
الناس من جهة التمثيل أكفاء أبوهم آدم والأم حواء
نفس كنفس وأرواح مشاكلة وأعظم خلقت فيهم وأعضاء
فإن يكن لهم من أصلهم حسب يفاخرون ب فالطين والماء
ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه وللرجال على الأفعال سيماء
وضد كل امرئ ما كان يجهله والجاهلون لأهل العلم أعداء
الثانية : بين الله تعالى في هذه الآية أنه خلق الخلق من الذكر والأنثى ، وكذلك في أول سورة النساء ، ولو شاء لخلقه دونهما كخلقه لآدم ، أو دون ذكر كخلقه لعيسى عليه السلام ، أو دون أنثى كخلقه حواء من إحدى الجهتين ، وهذا الجائز في القدرة لم يرد به الوجود ، وقد جاء أن آدم خلق الله منه حواء من ضلع انتزعها من أضلاعه ، فلعله هذا القسم ، قاله ابن العربي .
الثالثة : خلق الله الخلق بين الذكر والأنثى أنساباً وأصهاراً وقبائل وشعوباً وخلق لهم منها التعارف ، وجعل بها التواصل للحكمة التي قدرها وهو أعلم بها ، فصار كل أحد يحوز نسبه ، فإذا نفاه رجل عنه استوجب الحد بقذفه ، مثل أن ينفيه عن رهطه وحسبه ، بقوله للعربي : يا عجمي ، وللعجمي : يا عربي ، ونحو ذلك مما يقع به النفي حقيقة ، انتهى .
الرابعة : ذهب قوم من الأوائل إلى أن الجنين إنما يكون من ماء الرجل وحده ، ويتربى في رحم الأم ، ويستمد من الدم الذي يكون فيه ، واحتجوا بقوله تعالى : " ألم نخلقكم من ماء مهين * فجعلناه في قرار مكين " [ المرسلات : 20 - 21 ] ، وقوله تعالى : " ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين " [ السجدة : 8 ] ، وقوله : " ألم يك نطفة من مني يمنى " [ القيامة : 37 ] ، فدل على أن الخلق من ماء واحد ، والصحيح أن الخلق إنما يكون من ماء الرجل والمرأة لهذه الآية ، فإنها نص لا يحتمل التأويل ، وقوله تعالى : " خلق من ماء دافق * يخرج من بين الصلب والترائب " [ الطارق : 6 - 7 ] والمراد منه أصلاب الرجال وترائب النساء ، على ما يأتي بيانه ، وأما ما احتجوا به فليس فيه أكثر من أن الله تعالى ذكر خلق الإنسان من الماء والسلالة والنطفة ولم يضفها إلى أحد الأبوين دون الآخر ، فدل على أن الماء والسلالة لهما والنطفة منهما بدلالة ما ذكرنا ، وبأن المرأة تمني كما يمني الرجل ، وعن ذلك يكون الشبه ، حسب ما تقدم بيانه في آخر الشورى وقد قال في قصة نوح : " فالتقى الماء على أمر قد قدر " [ القمر : 12 ] ، وإنما أراد ماء السماء وماء الأرض ، لأن الالتقاء لا يكون إلا من اثنين ، فلا ينكر أن يكون " ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين " وقوله تعالى : " ألم نخلقكم من ماء مهين " ويريد ماءين والله أعلم .
الخامسة : قوله تعالى : " وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا " الشعوب رؤوس القبائل ، مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج ، واحدها ( شعب ) بفتح الشين ، سموا به لتشعبهم واجتماعهم كشعب أغصان الشجرة ، والشعب من الأضداد ، يقال شعبته إذا جمعته ، ومنه المشعب ( بكسر الميم ) وهو الإشفى ، لأنه يجمع به ويشعب قال :
فكاب على حر الجبين ومتق بمدرية كأنه ذلق مشعب
وشعبته إذا فرقته ، ومنه سميت المنية شعوباً لأنها مفرقة ، فأما الشعب ( بالكسر ) فهو الطريق في الجبل ، والجمع الشعاب ، قال الجوهري : الشعب : ما تشعب من قبائل العرب والعجم ،والجمع الشعوب ، والشعوبية : فرقة لا تفضل العرب على العجم ، وأما الذي في الحديث : أن رجلاً من الشعوب أسلم ، فإنه يعني من العجم ، والشعب : القبيلة العظيمة ، وهو أبو القبائل الذي ينسبون إليه ، أي يجمعهم ويضمهم ، قال ابن عباس : الشعوب الجمهور مثل مضر ، والقبائل الأفخاذ ، وقال مجاهد : الشعوب البعيد من النسب ، والقبائل دون ذلك ، وعنه أيضاً أن الشعوب النسب الأقرب ، وقاله قتادة ، ذكر الأول عنه المهدوي ، والثاني الماوردي قال الشاعر :
رأيت سعوداً من شعوب كثيرة فلم أر سعداً مثل سعد بن مالك
وقال آخر :
قبائل من شعوب ليس فيهم كريم قد يعد ولا نجيب
وقيل : إن الشعوب عرب اليمن من قحطان ، والقبائل من ربيعة ومضر وسائر عدنان ، وقيل : إن الشعوب بطون العجم ، والقبائل بطون العرب ، ، وقال ابن عباس في رواية : إن الشعوب الموالي ، والقبائل العرب ، قال القشيري : على هذا فالشعوب من لا يعرف لهم أصل نسب كالهند والجبل والترك ، والقبائل من العرب ، الماوردي ويحتمل أن الشعوب هم المضافون إلى النواحي والشعاب ، والقبائل هم المشتركون في الأنساب ، قال الشاعر :
وتفرقوا شعباً فكل جزيرة فيها أمير المؤمنين ومنبر
وحكى أبو عبيد عن ابن الكلبي عن أبيه : الشعب أكبر من القبيلة ثم الفصيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ ، وقيل : الشعب ثم القبيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ ثم الفصيلة ثم العشيرة ، وقد نظمها بعض الأدباء فقال :
اقصد الشعب فهو أكثر حي عدداً في الحواء ثم القبيله
ثم تتلوها العمارة ثم الـ ـبطن والفخذ بعدها والفصيله
ثم من بعدها العشيرة لكن هي في جنب ما ذكرناه قليله
وقال آخر :
قبيلة قبلها شعب وبعدهما عمارة ثم بطن تلوه فخذ
وليس يؤوي الفتى إلا فصيلته ولا سداد لسهم ما له قذذ
السادسة : قوله تعالى : " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وقد تقدم في سورة الزخرف ، عند قوله تعالى : " وإنه لذكر لك ولقومك " [ الزخرف : 44 ] ، وفي هذه الآية ما يدلك على أن التقوى هي المراعى عند الله تعالى وعند رسوله دون الحسب والنسب ، وقرئ ( أن ) بالفتح ، كأنه قيل : لم يتفاخر بالأنساب ؟ قيل : لأن أكرمكم عند الله أتقاكم لا أنسبكم ، وفي الترمذي عن سمرة " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الحسب المال والكرم التقوى " ، قال : حديث حسن غريب صحيح ، وذلك يرجع إلى قوله تعالى : " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وقد جاء منصوصاً عنه عليه السلام : " من أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله "، والتوقى معناه مراعاة حدود الله تعالى أمراً ونهياً ، والاتصاف بما أمرك أن تتصف به ، والتنزه عما نهاك عنه ، وقد مضى هذا في غير موضع ، وفي الخبر من رواية أبي هريرة " عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يقول يوم القيامة إني جعلت نسباً وجعلتم نسباً فجعلت أكرمكم أتقاكم وأبيتم إلا أن تقولوا فلان بن فلان وأنا اليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم أين المتقون أين المتقون " ، وروى الطبري من حديث أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن أوليائي المتقون يوم القيامة وإن كان نسب أقرب من نسب ، يأتي الناس بالأعمال وتأتون بالدنيا تحملونها على رقابكم تقولون يا محمد فأقول هكذا وهكذا ، وأعرض في كل عطفيه " ، وفي صحيح مسلم من " حديث عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جهاراً غير سر يقول : إن آل أبي ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين " ، وعن أبي هريرة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : من أكرم الناس ؟ فقال : يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : فأكرمهم عند الله أتقاهم ، فقالوا : ليس عن هذا نسألك ، فقال : عن معادن العرب ؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا " وأنشدوا في ذلك :
ما يصنع العبد بعز الغنى والعز كل العز للمتقي
من عرف الله فلم تغنه معرفة الله فذاك الشقي
السابعة : ذكر الطبري حدثني عمر بن محمد قال حدثنا عبيد بن إسحاق العطار قال حدثنا مندل بن علي عن ثور بن زيد " عن سالم بن أبي الجعد قال : تزوج رجل من الأنصار امرأة فطعن عليها في حسبها ، فقال الرجل : إني لم أتزوجها لحسبها إنما تزوجتها لدينها وخلقها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما يضرك ألا تكون من آل حاجب بن زرارة ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله تبارك وتعالى جاء بالإسلام فرفع به الخسيسة وأتم به الناقصة وأذهب به اللوم فلا لوم على مسلم إنما اللوم لوم الجاهلية وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأرجوا أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي " ، ولذلك كان أكرم البشر على الله تعالى ، قال ابن العربي ، وهذا الذي لحظ مالك في الكفاءة في النكاح ، روى عبد الله بن مالك : يتزوج المولى العربية ، واحتج بهذه الآية ، وقال أبو حنيفة و الشافعي : يراعي الحسب والمال ، وفي الصحيح عن عائشة أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة وكان ممن شهد بدراً مع النبي صلى الله عليه وسلم تبنى سالماً وأنكحه هنداً بنت أخيه الوليد بن عتبة بن ربيعة ، وهو مولى لامرأة من الأنصار ، وضباعة بنت الزبير كانت تحت المقداد بن الأسود .
قلت : وأخت عبد الرحمن بن عوف كانت تحت بلال ، وزينب بنت جحش كانت تحت زيد بن حارثة ، فدل على جواز نكاح الموالي العربية ، وإنما تراعى الكفاءة في الدين ، والدليل عليه أيضاً ما روى سهل بن سعد في صحيح البخاري : " أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه رجل فقال : ما تقولون في هذا ؟ فقالوا : حري إن خطب أن ينكح ، وإن شفع أن يشفع وإن قال أن يسمع قال : ثم سكت ، فمر رجل من فقراء المسلمين فقال : ما تقولون في هذا قالوا : حري إن خطب ألا ينكح ، وإن شفع ألا يشفع ، وإن قال ألا يسمع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا خير من ملء الأرض مثل هذا " ، و " قال صلى الله عليه وسلم : تنكح المرأة لمالها وجمالها ودينها " وفي رواية " ولحسبها فعليك بذات الدين تربت يداك " ، وقد خطب سلمان إلى أبي بكر ابنته فأجابه ، وخطب إلى عمر ابنته فالتوى عليه ، ثم سأله أن ينكحها فلم يفعل سلمان ، وخطب بلال بنت البكير فأبى إخوتها فقال بلال : يا رسول الله ، ماذا لقيت من بني البكير ! خطبت إليهم أختهم فمنعوني وآذوني ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل بلال ، فبلغهم الخبر فأتوا أختهم فقالوا : ما لقينا من سببك ؟ فقالت أختهم : أمري بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فزوجوها ، و" قال النبي صلى الله عليه وسلم في أبي هند حين حجمه : أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه " ، وهو مولى بني بياضة ، وروى الدارقطني من حديث الزهري عن عروة عن عائشة أن أبا هند مولى بني بياضة كان حجاماً فحجم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من سره أن ينظر إلى من صور الله الإيمان في قلبه فلينظر إلى أبي هند " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنكحوا وأنكحوا إليه " ، قال القشيري أبو نصر : وقد يعتبر النسب في الكفاءة في النكاح وهو الاتصال بشجرة النبوة أو بالعلماء الذين هم ورثة الأنبياء أو بالمرموقين في الزهد والصلاح والتقي المؤمن أفضل من الفاجر النسيب فإن كانا تقيين فحينئذ يقدم النسيب منهما ، كما يقدم الشاب على الشيخ في الصلاة إذا استويا في التقوى .
يقول تعالى مخبراً للناس أنه خلقهم من نفس واحدة وجعل منها زوجها, وهما آدم وحواء, وجعلهم شعوباً وهي أعم من القبائل, وبعد القبائل مراتب أخر كالفصائل والعشائر والعمائر والأفخاذ وغير ذلك, وقيل: المراد بالشعوب بطون العجم, وبالقبائل بطون العرب, كما أن الأسباط بطون بني إسرائيل, وقد لخصت هذه في مقدمة مفردة جمعتها من كتاب الإنباه لأبي عمر بن عبد البر, ومن كتاب (القصد والأمم في معرفة أنساب العرب والعجم) فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء عليهما السلام سواء, وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية وهي طاعة الله تعالى ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم, ولهذا قال تعالى بعد النهي عن الغيبة واحتقار بعض الناس بعضاً, منبهاً على تساويهم في البشرية "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا" أي ليحصل التعارف بينهم كل يرجع إلى قبيلته, وقال مجاهد في قوله عز وجل "لتعارفوا" كما يقال فلان بن فلان من كذا وكذا أي قبيلة كذا وكذا, وقال سفيان الثوري: كانت حمير ينتسبون إلى مخاليفها, وكانت عرب الحجاز ينتسبون إلى قبائلها, وقد قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا أحمد بن محمد, حدثنا عبد الله بن المبارك عن عبد الملك بن عيسى الثقفي, عن يزيد مولى المنبعث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم, فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر" ثم قال غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وقوله تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" أي إنما تتفاضلون عند الله تعالى بالتقوى لا بالأحساب, وقد وردت الأحاديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال البخاري: حدثنا محمد بن سلام, حدثنا عبدة عن عبيد الله عن سعيد بن أبي سعيد رضي الله عنه عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم ؟ قال: "أكرمهم عند الله أتقاهم" قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: "فأكرم الناس يوسف نبي الله, ابن نبي الله, ابن نبي الله ابن خليل الله" قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: "فعن معادن العرب تسألوني" ؟ قالوا: نعم. قال: "فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا" وقد رواه البخاري في غير موضع من طرق عن عبدة بن سليمان, ورواه النسائي في التفسير من حديث عبيد الله وهو ابن عمر العمري به.
(حديث آخر) قال مسلم رحمه الله: حدثنا عمرو الناقد, حدثنا كثير بن هشام, حدثنا جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" ورواه ابن ماجه عن أحمد بن سنان عن كثير بن هشام به.
(حديث آخر) وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن أبي هلال عن بكر عن أبي ذر رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى الله" تفرد به أحمد رحمه لله.
(حديث آخر) وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أبو عبيدة عبد الوارث بن إبراهيم العسكري, حدثنا عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة, حدثنا عبيد بن حنين الطائي, سمعت محمد بن حبيب بن خراش العصري يحدث عن أبيه رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلمون إخوة لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى".
(حديث آخر) قال أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا أحمد بن يحيى الكوفي, حدثنا الحسن بن الحسين, حدثنا قيس يعني ابن الربيع عن شبيب بن غرقدة, عن المستظل بن حصين عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب, ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله تعالى من الجعلان". ثم قال لا نعرفه عن حذيفة إلا من هذا الوجه.
(حديث آخر) قال ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع بن سليمان, حدثنا أسد بن موسى, حدثنا يحيى بن زكريا القطان, حدثنا موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته القصواء يستلم الأركان بمحجن في يده, فما وجد لها مناخاً في المسجد حتى نزل صلى الله عليه وسلم على أيدي الرجال, فخرج بها إلى بطن المسيل فأنيخت, ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم على راحلته فحمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال: "يا أيها الناس إن الله تعالى قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتعظمها بآبائها, فالناس رجلان: رجل بر تقي كريم على الله تعالى, ورجل فاجر شقي هين على الله تعالى, إن الله عز وجل يقول: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" ـ ثم قال صلى الله عليه وسلم ـ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم" هكذا رواه عبد بن حميد عن أبي عاصم الضحاك عن مخلد عن موسى بن عبيدة به.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق, حدثنا ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح, عن عقبة بن عامر رضي الله عنهما قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أنسابكم هذه ليست بمسبة على أحد, كلكم بنو آدم طف الصاع لم يملؤوه, ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين وتقوى, وكفى بالرجل أن يكون بذياً بخيلاً فاحشاً". وقد رواه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن ابن لهيعة به ولفظه "الناس لادم وحواء طف الصاع لم يملؤوه, إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة, إن أكرمكم عند الله أتقاكم". وليس هو في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا أحمد بن عبد الملك, حدثنا شريك عن سماك عن عبد الله بن عميرة زوج درة بنت أبي لهب, عن ذرة بنت أبي لهب رضي الله عنها قالت: قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فقال: يا رسول الله أي الناس خير ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "خير الناس أقرأهم وأتقاهم لله عز وجل, وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم".
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا حسن, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا أبو الأسود عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما أعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من الدنيا ولا أعجبه أحد قط إلا ذو تقى, تفرد به أحمد.
وقوله تعالى: "إن الله عليم خبير" أي عليم بكم خبير بأموركم, فيهدي من يشاء ويضل من يشاء, ويرحم من يشاء ويعذب من يشاء, ويفضل من يشاء على من يشاء, وهو الحكيم العليم الخبير في ذلك كله, وقد استدل بهذه الاية الكريمة وهذه الاحاديث الشريفة من ذهب من العلماء إلى أن الكفاءة في النكاح لا تشترط ولا يشترط سوى الدين لقوله تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" وذهب الاخرون إلى أدلة مذكورة في كتب الفقه, وقد ذكرنا طرفاً من ذلك في (كتاب الأحكام) ولله الحمد والمنة, وقد روى الطبراني عن عبد الرحمن أنه سمع رجلاً من بني هاشم يقول: أنا أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال غيره: أنا أولى به منك ولي منه نسبة.
قوله: 13- "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى" هما آدم وحواء، والمقصود أنهم متاوون لاتصالهم بنسب واحد وكونه يجمعهم أب واحد وأم واحدة، وأنه لا موضع للتفاخر بينهم بالأنساب، وقيل المعنى: أن كل واحد منكم من أب وأم فالكل سواء "وجعلناكم شعوباً وقبائل" الشعوب جمع شعب بفتح الشين، وهو الحي العظيم: مثل مضر وربيعة، والقبائل دونها كبني بكر من ربيعة، وبني تميم من مضر. قال الواحدي: هذا قول جماعة من المفسرين، سموا شعباً لتشعبهم واجتماعهم كشعب أغصان الشجرة، والشعب من أسماء الأضداد: يقال شعبته: إذا جمعته: وشعبته إذا فرقته، ومنه سميت المنية شعوباً لأنها مفرقة، فأما الشعب بالكسر فهو الطريق في الجبل. قال الجوهري: الشعب ما تشعب من قبائل العرب والعجم، والجمع الشعوب. وقال مجاهد: الشعوب البعيد من النسب، والقبائل دون ذلك. وقال قتادة: الشعوب النسب والأقرب. وقيل إن الشعوب عرب اليمن من قحطان، والقبائل من ربيعة ومضر وسائر عدنان. وقيل الشعوب بطون العجم، والقبائل بطون العرب. وحكى أبو عبيد أن الشعب أكثر من القبيلة، ثم القبيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ ثم الفصيلة ثم العشيرة. ومما يؤيد ما قاله الجمهور من أن الشعب أكثر من القبيلة قول الشاعر:
قبائل من شعوب ليس فيهم كريم قد يعد ولا نجيب
قرأ الجمهور "لتعارفوا" بتخفيف التاء وأصله لتتعارفوا فحذفت إحدى التاءين. وقرأ البزي بتشديدها على الإدغام. وقرأ الأعمش بتاءين واللام متعلقة بخلقناكم: أي خلقناكم كذلك ليعرف بعضكم بعضاً. وقرأ ابن عباس لتعرفوا مضارع عرف. والفائدة في التعارف أن ينتسب كل واحد منهم إلى نسبه ولا يعتري إلى غيره. والمقصود من هذا أن الله سبحانه خلقهم كذلك لهذه الفائدة لا للتفاخر بأنسابهم ودعوى أن هذا الشعب أفضل من هذا الشعب، وهذه القبيلة أكرم من هذه القبيلة، وهذا البطن أشرف من هذا البطن. ثم علل سبحانه ما يدل عليه الكلام من النهي عن التفاخر فقال: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" أي إن التفاضل بينكم إنما هو بالتقوى، فمن تلبس بها فهو المستحق لأن يكون أكرم ممن لم يلتبس بها وأشرف وأفضل، فدعوا ما أنتم فيه من التفاخر بالأنساب، فإن ذلك لا يوجب كرماً ولا يثبت شرفاً ولا يقتضي فضلاً. قرأ الجمهور "إن أكرمكم" بكسر إن. وقرأ ابن عباس بفتحها: أي لأن أكرمكم "إن الله عليم" بكل معلوم ومن ذلك أعمالكم "خبير" بما تسرون وما تعلنون لا [تخفى] عليه من ذلك خافية.
13. " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " الآية. قال ابن عباس:" نزلت في ثابت بن قيس، وقوله للرجل الذي لم يفسح له: ابن فلانة، يعيره بأمه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من الذاكر فلانة؟فقال ثابت: أنا يارسول الله، فقال:انظر في وجوه القوم فنظر فقالك ما رأيت يا ثابت؟ قال: رأيت أبيض وأحمر وأسود، قال: فإنك لا تفضلهم إلا في الدين والتقوى ، فنزلت في ثابت هذه الآية، وفي الذي لم يتفسح: " يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا " "(المجادلة-11).
وقال مقاتل : لما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً حتى علا ظهر الكعبة وأذن، فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص: الحمد لله الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم، وقال الحارث بن هشام: أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذناً، وقال سهيل بن عمرو: إن يرد الله شيئاً يعيره. وقال أبو سفيان: إني لا أقول شيئا أخاف أن يخبر به رب السماء، فأتى جبريل فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قالوا، فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا فأنزل الله تعالى هذه الآية، وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والإزار بالفقراء، فقال: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " يعني آدم وحواء أي إنكم متساوون في النسب. " وجعلناكم شعوباً "، جمع شعب بفتح الشين، وهي رؤوس القبائل مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج، سموا شعوباً لتشعبهم واجتماعهم، كشعب أغصان الشجر، والشعب من الأضداد يقال: شعب، أي: جمع، وشعب أي: فرق. " وقبائل "، وهي دون الشعوب، واحدتها قبيلة وهي كبكر من ربيعة وتميم من مضر، ودون القبائل العمائر، واحدتها عمارة، بفتح العين، وهم كشيبان من بكر، ودارم من تميم، ودون العمائر البطون، واحدتها بطن، وهم كبني غالب ولؤي من قريش، ودون البطون الأفخاذ واحدتها فخذ وهم كبني هاشم وأمية من بني لؤي، ثم الفصائل، والعشائر واحدتها فصيلة وعشيرة، بعد العشيرة حتى يوصف به.
وقيل: الشعوب من العجم، والقبائل من العرب، والأسباط من بني إسرائيل.
وقال أبو روق : (( الشعوب )) الذين لا يعتزون إلى أحد، بل ينتسبون إلى المدائن والقرى، (( والقبائل )): العرب الذين ينتسبون إلى آبائهم.
" لتعارفوا "، ليعرف بعضكم بعضاً في قرب النسب وبعده، لا ليتفاخروا. ثم أخبر أن أرفعهم منزلة عند الله أتقاهم فقال:
" إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير "، قال قتادة في هذه الآية: إن أكرم الكرم التقوى، وألأم اللؤم الفجور.
أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه ، أخبرنا إبراهيم بن خزيم الشاشي ، حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا سلام بن أبي مطيع ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحسب المال، والكرم التقوى ".
وقال ابن عباس: كرم الدنيا الغنى، وكرم الآخرة التقوى.
أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم ، أنا عبد الله بن أحمد بن حمويه ، أخبرنا إبراهيم بن خزيم ، حدثنا عبد بن حميد ، أخبرنا الضحاك بن مخلد ، عن موسى بن عبيدة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف يوم الفتح على راحلته يستلم الأركان بمحجنه، فلما خرج لم يجد مناخاً، فنزل على أيدي الرجال، ثم قام فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه، وقال: الحمد لله الذي أذهب عنكم عبية الجاهلية وتكبرها [بآبائها]، الناس رجلان بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله، ثم تلا " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " ثم قال: أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ".
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد هو ابن سلام ، حدثنا عبدة عن عبيد الله، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم؟ قال: أكرمهم عند الله أتقاهم، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله. قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال فعن معادن العرب تسألوني؟ قالوا: نعم قال: فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ".
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج \حدثنا عمرو الناقد ، حدثنا كثير بن هشام ، حدثنا جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ".
13-" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " من آدم وحواء عليهما السلام ، أو خلقنا كل واحد منكم من أب و أم فالكل سواء في ذلك فلا وجه للتفاخر بالنسب . ويجوز أن يكون تقريراً للأخوة المانعة عن الاغتياب ." وجعلناكم شعوباً وقبائل " الشعب الجمع العظيم المنتسبون إلى أصل واحد وهو يجمع القبائل. والقبيلة تجمع العمائر . والعمارة تجمع البطون .والبطن تجمع الأفخاذ . والفخذ يجمع الفصائل ،فخزيمة شعب ، وكنانة قبيلة ، وقريش عمارة ، وقصي بطن ، وهاشم فخذ ، وعباس فصيلة .وقبل الشعوب بطون العجم والقبائل بطون العرب . " لتعارفوا " ليعرف بعضكم بعضاً لا للتفاخر بالآباء والقبائل . وقرئ " لتعارفوا " بالإدغام و لتتعارفوا و لتعرفوا . " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " فإن التقوى بها تكمل النفوس وتتفاضل بها الأشخاص ، فمن أراد شرفاً فليلتمسه منها كما قال عليه الصلاة والسلام " من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله " وقال عليه الصلاة والسلام " يا أيها الناس إنما الناس رجلان مؤمن تقي كريم على الله ،وفاجر شقي هين على الله " " إن الله عليم " بكم "خبير " ببواطنكم .
13. O mankind! Lo! We have created you male and female, and have made `you nations and tribes that ye may know one another. Lo! the noblest of you, in the sight of Allah, is the best in conduct. Lo! Allah is Knower, Aware.
13 - O mankind! We created you from a single (pair) of a male and a female, and made you into nations and tribes, that ye may know each other (not that ye may despise each other). Verily the most honored of you in the sight of God is (he who is) the most righteous of you. And God has full knowledge and is well acquainted (with all things).