[الفتح : 16] قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
16 - (قل للمخلفين من الأعراب) المذكورين اختيارا (ستدعون إلى قوم أولي) أصحاب (بأس شديد) قيل هم بنو حنيفة أصحاب اليمامة وقيل فارس والروم (تقاتلونهم) حال مقدرة هي المدعو إليها في المعنى (أو) هم (يسلمون) فلا تقاتلون (فإن تطيعوا) إلى قتالهم (يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما) مؤلما
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : " قل " يا محمد " للمخلفين من الأعراب "عن المسير معك ، " ستدعون إلى " قتال "قوم أولي بأس " في القتال " شديد "
واختلف أهل التأويل في هؤلاء الذين أخبر الله عزوجل عنهم أن هؤلاء المخلفين من الأعراب يدعون إلى قتالهم ، فقال بعضهم : هم أهل فارس .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس " أولي بأس شديد " أهل فارس .
حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري قال : أخبرنا داود بن الزبرقان عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في قوله " ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد " قال : فارس والروم .
قال : أخبرنا داود عن سعيد عن الحسن مثله .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة قال : الحسن في قوله " ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد" قال : هم فارس الروم .
حدثنا محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله " أولي بأس شديد " قال : هم فارس .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد " قال : قال الحسن : دعوا إلى فارس والروم .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد " قال : فارس والروم .
وقال آخرون : هم هوازن بحنين .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا هشيم قال : أخبرنا أبو بشر عن سعيد بن جبير وعكرمة في قوله " ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد " قال : هوازن وثقيف .
حدثنا أبن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة " أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون " قال : هي هوازن وغطفان يوم حنين .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد " فدعوا يوم حنين إلى هوازن وثقيف فمنهم من أحسن الإجابة ورغب في الجهاد .
وقال آخرون : بل هم بنو حنيفة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة عن ابن أبي إسحاق عن الزهري " أولي بأس شديد " قال : بنو حنيفة مع مسيلمة الكذاب .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير وعكرمة أنهما كانا يزيدان فيه هوازن وبني حنيفة .
وقال آخرون : لم تأت هذه الآية بعد .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الاعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن الزهري عن أبي هريرة " ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد " لم تأت هذه الآية .
وقال آخرون : هم الروم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عوف قال : ثنا أبو المغيرة قال: ثنا صفوان بن عمرو قال : ثنا الفرج بن محمد الكلاعي عن كعب قال " أولي بأس شديد " قال : الروم .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ان يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء المخلفين من الأعراب أنهم سيدعون إلى قتال قوم أولي بأس في القتال ، ونجدة في الحروب ، ولم يوضح لنا الدليل من خبر ولا عقل على أن المعني ذلك هوازن ، ولا بنو حنيفة ولا فارس ولا الروم ولا أعيان بأعيانهم ، وجائز أن يكون عني بذلك بعض هذه الأجناس ، وجائز أن يكون عني بهم غيرهم ، ولا قول فيه أصح من أن يقال كما قال الله جل ثناؤه : إنهم سيدعون إلى قوم أولي بأس شديد .
وقوله " تقاتلونهم أو يسلمون " يقول تعالى ذكره للمحلفين من الأعراب : تقاتلون هؤلاء الذين تدعون إلى قتالهم ، أو يسلمون من غير حرب ولا قتال .
وقد ذكر أن ذلك في بعض القراءات تقاتلونهم أن يسلوا ، وعلى هذه القراءة - وإن كانت على خلاف مصاحف أهل الأمصار ، وخلافاً لما عليه الحجة من القراء ، وغير جائز عندي القراءة بها لذلك - تأويل ذلك : تقاتلونهم أبداً إلا أن يسلموا ، أو حتى يسلموا .
وقوله " فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً " يقول تعالى ذكره فأن تطيعوا الله في إجابتكم إياه إذا دعاكم إلى قتال هؤلاء القوم الأولي البأس الشديد ، فتجيبوا إلى قتالهم والجهاد مع المؤمنين " يؤتكم الله أجرا حسنا " يقول يعطكم الله على إجابتكم إياه إلى حربهم الجنة ، وهي الأجر الحسن " وإن تتولوا كما توليتم من قبل " يقول : وإن تعصوا ربكم فتدبروا عن طاعته وتخالفوا أمره فتتركوا قتال الأولي البأس الشديد إذا دعيتم إلى قتالهم " كما توليتم من قبل " يقول : كما عصيتموه في أمره إياكم بالمسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ، من قبل أن تدعوا إلى قتال أولي البأس الشديد "يعذبكم عذابا أليماً " يعني : وجيعاً ، وذلك عذاب النار على عصيانكم إياه وترككم جهادهم وقتالهم مع المؤمنين .
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : " قل للمخلفين من الأعراب " أي قل لهؤلاء الذين تخلفوا عن الحديبية " ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد " قال ابن عباس و عطاء بن أبي رباح و مجاهد و ابن أبي ليلى و عطاء الخراساني : هم فارس ، ، وقال كعب و الحسن و عبد الرحمن بن ابي ليلى : الروم ، وعن الحسن أيضاً : فارس والروم ، وقال ابن جبير : هوازن وثقيف ، وقال عكرمة : هوازن ، وقال قتادة : هوازن وغطفان يوم حنين ، وقال الزهري و مقاتل : بنو حنيفة أهل اليمامة ، أصحاب مسيلمة ، وقال رافع بن خديج : والله لقد كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى " ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد " فلا نعلم من هم حتى دعانا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم ، وقال أبو هريرة : لم يأت هذه الآية بعد ، وظاهر الآية يرده .
الثانية : في هذه الآية دليل على صحة إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، لأن أبا بكر دعاهم إلى قتال بني حنيفة ، وعمر دعاهم إلى قتال فارس والروم ، وأما قول عكرمة و قتادة إن ذلك في هوازن وغطفان يوم حنين فلا ، لأنه يمتنع أن يكون الداعي لهم الرسول عليه السلام ، لأنه قال : " لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا " [ التوبة : 83 ] ، فدل على أن المراد بالداعي غير النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعلوم أنه لم يدع هؤلاء القوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، الزمخشري : فإن صح ذلك عن قتادة فالمعنى لن تخرجوا معي أبداً ما دمتم على ما أنتم عليه من مرض القلوب الاضطراب في الدين ، أو على قول مجاهد كان الموعد أنهم لا يتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا متطوعين لا نصيب لهم في المغنم ، والله أعلم .
الثانية : قوله تعالى : " تقاتلونهم أو يسلمون " هذا حكم من لا تؤاخذ منهم الجزية وهو معطوف على ( تقاتلونهم ) أي يكون أحد الأمرين : إما المقاتلة وإما الإسلام ، لا ثالث لهما ، وفي حرف أبي ( أو يسلموا ) بمعنى حتى يسلموا ، كما تقول : كل أو تشبع ، أي حتى تشبع قال :
فقلت له لا تبك عينك إنما نحاول ملكاً أو نموت فتعذرا
وقال الزجاج : قال ( أو يسلمون ) لأن المعنى أو هم يسلمون من غير قتال ، وهذا في قتال المشركين لا في أهل الكتاب .
الرابعة : قوله تعالى : " فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا " الغنيمة والنضر في الدنيا ، والجنة في الآخرة : " وإن تتولوا كما توليتم من قبل " عام الحديبية ، " يعذبكم عذابا أليما " وهو عذاب النار .
اختلف المفسرون في هؤلاء القوم الذين يدعون إليهم الذين هم أولو بأس شديد على أقوال (أحدها) أنهم هوازن, رواه شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير أو عكرمة أو جميعاً, ورواه هشيم عن أبي بشر عنهما وبه يقول قتادة في رواية عنه (الثاني) ثقيف, قاله الضحاك. (الثالث) بنو حنيفة, قاله جويبر ورواه محمد بن إسحاق عن الزهري وروي مثله عن سعيد وعكرمة. (الرابع) هم أهل فارس, رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما, وبه يقول عطاء ومجاهد وعكرمة في إحدى الروايات عنه. وقال كعب الأحبار: هم الروم, وعن ابن أبي ليلى وعطاء والحسن وقتادة: وهم فارس والروم, وعن مجاهد: هم أهل الأوثان, وعنه أيضاً: هم رجال أولو بأس شديد, ولم يعين فرقة, وبه يقول ابن جريج وهو اختيار ابن جرير. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الأشج, حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق القواريري عن معمر عن الزهري في قوله تعالى: "ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد" قال: لم يأت أولئك بعد.
وحدثنا أبي, حدثنا ابن أبي عمر, حدثنا سفيان عن ابن أبي خالد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله تعالى: "ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد" قال: هم البارزون قال وحدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوماً صغار الأعين ذلف الأنوف, كأن وجوههم المجان المطرقة" قال سفيان: هم الترك, قال ابن أبي عمر: وجدت في مكان آخر, حدثنا ابن أبي خالد عن أبيه قال: نزل علينا أبو هريرة رضي الله عنه ففسر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تقاتلوا قوماً نعالهم الشعر" قال: هم البارزون يعني الأكراد, وقوله تعالى: "تقاتلونهم أو يسلمون" يعني شرع لكم جهادهم وقتالهم, فلا يزال ذلك مستمراً عليهم, ولكم النصرة عليهم أو يسلمون فيدخلون في دينكم بلا قتال بل باختيار.
ثم قال عز وجل: "فإن تطيعوا" أي تستجيبوا وتنفروا في الجهاد وتؤدوا الذي عليكم فيه "يؤتكم الله أجراً حسناً وإن تتولوا كما توليتم من قبل" يعني زمن الحديبية حيث دعيتم فتخلفتم "يعذبكم عذاباً أليماً". ثم ذكر تعالى الأعذار في ترك الجهاد فمنها لازم كالعمى والعرج المستمر, وعارض كالمرض الذي يطرأ أياماً ثم يزول, فهو في حال مرضه ملحق بذوي الأعذار اللازمة حتى يبرأ. ثم قال تبارك وتعالى مرغباً في الجهاد وطاعة الله ورسوله: "ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول" أي ينكل عن الجهاد ويقبل على المعاش "يعذبه عذاباً أليماً" في الدنيا بالمذلة وفي الاخرة بالنار, والله تعالى أعلم.
قوله: 16- "قل للمخلفين من الأعراب" هم المذكورون سابقاً "ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد" قال عطاء بن أبي رباح ومجاهد وابن أبي ليلى وعطاء الخراساني: هم فارس وقال كعب والحسن: هم الروم. وروي عن الحسن أيضاً أنه قال: هم فارس والروم. وقال سعيد بن جبير: هم هوازن وثقيف. وقال عكرمة: هوازان. وقال قتادة: هوازن وغطفان يوم حنين. وقال الزهري ومقاتل: هم بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة. وحكى هذا القول الواحدي عن أكثر المفسرين "تقاتلونهم أو يسلمون" أي يكون أحد الأمرين: إما المقاتلة، أو الإسلام لا ثالث لهما، وهذا حكم الكفار الذين لا تؤخذ منهم الجزية. قال الزجاج: التقدير أو هم يسلمون، وفي قراءة أبي أو يسلموا أي حتى يسلموا "فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً" وهو الغنيمة في الدنيا والجنة في الآخرة "وإن تتولوا" أي تعرضوا "كما توليتم من قبل" وذلك عام الحديبية "يعذبكم عذاباً أليماً" بالقتل والأسر والقهر في الدنيا وبعذاب النار في الآخرة لتضاعف جرمكم.
16. " قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد "، قال ابن عباس، و مجاهد ، [و عطاء ]: هم أهل فارس. وقال كعب: هم الروم، وقال الحسن : فارس والروم. وقال سعيد بن جبير : هوازن وثقيف. وقال قتادة : هوازن وغطفان يوم حنين. وقال الزهري ، و مقاتل ، وجماعة: هم بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة الكذاب.
قال رافع بن خديج: كنا نقرأ هذه الآية ولا نعلم من هم حتى دعا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة، فعلمنا أنهم هم.
وقال ابن جريج : دعاهم عمر رضي الله عنه إلى قتال فارس.
وقال أبو هريرة: لم تأت هذه الآية بعد.
" تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً "، يعني الجنة، " وإن تتولوا "، [تعرضوا]، " كما توليتم من قبل "، عام الحديبية، " يعذبكم عذاباً أليماً "، وهو النار، فلما نزلت هذه الآية قال أهل الزمانة: كيف بنا يا رسول الله؟.
16-" قل للمخلفين من الأعراب " كرر ذكرهم بهذا الاسم مبالغة في الذم وإشعاراً بشناعة التخلف ." ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد " بني حنيفة أو غيرهم ممن ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو المشركين فإنه قال : " تقاتلونهم أو يسلمون " أي يكون أحد الأمرين إما المقاتلة أو الإسلام لا غير كما دل عليه قراءة أو يسلموا ، ومن عداهم يقاتل حتى يسلم أو يعطي الجزية . وهو يدل على إمامة أبي بكر رضي الله عنه إذا لم تتفق هذه الدعوة لغيره إلا إذا صح أنهم ثقيف و هوزان فإن ذلك كان في عهد النبوة . وقيل فارس والروم ومعنى " يسلمون " ينقادون ليتناول تقبلهم الجزية . " فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً " هو الغنيمة في الدنيا والجنة في الآخرة ." وإن تتولوا كما توليتم من قبل " عن الحديبية . " يعذبكم عذاباً أليماً " لتضاعف جرمكم .
16. Say unto those of the wandering Arabs who were left behind: Ye will be called against a folk of mighty prowess, to fight them until they surrender; and if ye obey, Allah will give you a fair reward; but if ye turn away as ye did turn away before, He will punish you with a painful doom.
16 - Say to the desert Arabs who lagged behind: Ye shall be summoned (to fight) against a people given to vehement war: then shall ye fight, or they shall submit. Then if ye show obedience, God will grant you a goodly reward, but if ye turn back as ye did before, He will punish you with a grievous Penalty.