[الفتح : 10] إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا
10 - (إن الذين يبايعونك) بيعة الرضوان بالحديبية (إنما يبايعون الله) هو نحو من يطع الرسول فقد أطاع الله (يد الله فوق أيديهم) التي بايعوا بها النبي أي هو تعالى مطلع على مبايعتهم فيجازيهم عليها (فمن نكث) نقض البيعة (فإنما ينكث) يرجع وبال نقصه (على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه) بالياء والنون (أجرا عظيما)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : " إن الذين يبايعونك " بالحديبية من أصحابك على أن لا يفروا عند لقاء العدو ، ولا يولوهم الأدبار " إنما يبايعون الله " يقول : إنما يبايعون بيعتهم إياك الله ، لأن الله ضمن لهم الجنة برفائهم له بذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله "إن الذين يبايعونك " قال : يوم الحديبية .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه " وهم الذين بايعوا يوم الحديبية .
وفي قوله " يد الله فوق أيديهم " وجهان من التأويل : أحدهما : يد الله فوق أيديهم عند البيعة ، لأنهم كانوا يبايعون الله ببيعتهم نبيه صلى الله عليه سلم ، والآخرة : قوة الله فوق قوتهم في نصرة رسوله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم إنما بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نصرته على العدو .
وقوله " فمن نكث فإنما ينكث على نفسه " يقول تعالى ذكره : فمن نكث بيعته إياك يا محمد ، ونقضها فلم ينصرك على أعدائك ، وخالف ما وعد ربه " فإنما ينكث على نفسه " يقول : فإنما ينقض بيعته لأنه بفعله ذلك يخرج ممن وعده الله الجنة بوفائه بالبيعة ، فلم يضر بنكثه غير نفسه ، ولم ينكث إلا عليها ، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن الله تبارك وتعالى ناصره على أعدائه ، نكث الناكث منهم ، أو وفى بيعته .
وقوله " ومن أوفى بما عاهد عليه الله " ..الآية ، يقول تعالى ذكره : ومن أوفى بما عاهد الله عليه من الصبر عند لقاء العدو في سبيل الله نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم على أعدائه " فسيؤتيه أجرا عظيماً " يقول : فسيعطيه الله ثواباً عظيماً ، وذلك أن يدخله الجنة جزاء له على وفائه بما عاهد عليه الله ، ووثق برسوله على الصبر معه عند البأس بالمؤكدة من الإيمان .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال لك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة "فسيؤتيه أجرا عظيما " وهي الجنة .
قوله تعالى : " إن الذين يبايعونك " بالحديبية يا محمد " إنما يبايعون الله " بين أن بيعتهم لنبيه صلى الله عليه وسلم إنما هي بيعة الله ، كما قال تعالى : " من يطع الرسول فقد أطاع الله " [ النساء : 80 ] ، وهذه المبايعة هي بيعة الرضوان ، على ما يأتي بيانها في هذه السورة إن شاء الله تعالى : " يد الله فوق أيديهم " قيل : يده في الثواب فوق أيديهم في الوفاء ، ويده في المنة عليهم بالهداية فوق أيديهم في الطاعة ، وقال الكلبي : معناه نعمة الله عليهم فوق ما صنعوا من البيعة ، وقال ابن كيسان : قوة الله ونصرته فوق قوتهم ونصرتهم ، " فمن نكث " بعد البيعة ، " فإنما ينكث على نفسه " أي يرجع ضرر النكث عليه ، لأنه حرم نفسه الثواب وألزمها العقاب ، " ومن أوفى بما عاهد عليه الله " قيل في البيعة ، وقيل في إيمانه ، " فسيؤتيه أجراً عظيما " يعني في الجنة ، وقرأ حفص و الزهري ( عليه ) بضم الهاء ، وجرها الباقون ، وقرأ نافع و ابن كثير و ابن عامر ( فسنؤتيه) بالنون ، واختاره الفراء و أبو معاذ ، وقرأ الباقون بالياء ، وهو اختيار أبي عبيد و أبي حاتم ، لقرب اسم الله منه .
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "إنا أرسلناك شاهداً" أي على الخلق "ومبشراً" أي للمؤمنين "ونذيراً" أي للكافرين وقد تقدم تفسيرها في سورة الأحزاب. "لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه" قال ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد: تعظموه "وتوقروه" من التوقير وهو الاحترام والإجلال والإعظام "وتسبحوه" أي تسبحون الله "بكرة وأصيلاً" أي أول النهار وآخره. ثم قال عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم تشريفاً له وتعظيماً وتكريماً: "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله" كقوله جل وعلا: "من يطع الرسول فقد أطاع الله" "يد الله فوق أيديهم" أي هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ويرى مكانهم ويعلم ضمائرهم وظواهرهم فهو تعالى هو المبايع بواسطة رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى: " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ".
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا الفضل بن يحيى الأنباري: حدثنا علي بن بكار عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سل سيفه في سبيل الله فقد بايع الله" وحدثنا أبي, حدثنا يحيى بن المغيرة, أخبرنا جرير عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجر "والله ليبعثنه الله عز وجل يوم القيامة له عينان ينظر بهما ولسان ينطق به ويشهد على من استلمه بالحق فمن استلمه فقد بايع الله تعالى" ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم" ولهذا قال تعالى ههنا: "فمن نكث فإنما ينكث على نفسه" أي إنما يعود وبال ذلك على الناكث والله غني عنه "ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً" أي ثواباً جزيلاً. وهذه البيعة هي بيعة الرضوان وكانت تحت شجرة سمر بالحديبية, وكان الصحابة رضي الله عنهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ قيل ألفاً وثلثمائة, وقيل وأربعمائة, وقيل وخمسمائة, والأوسط أصح,
ذكر الأحاديث الواردة في ذلك
قال البخاري: حدثنا قتيبة, حدثنا سفيان عن عمرو عن جابر رضي الله عنه قال: كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة ورواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة به, وأخرجاه أيضاً من حديث الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن أبي جابر رضي الله عنه قال: كنا يومئذ ألفاً وأربعمائة, ووضع يده في ذلك الماء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه حتى رووا كلهم, وهذا مختصر من سياق آخر حين ذكر قصة عطشهم يوم الحديبية, وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاهم سهماً من كنانته فوضعوه في بئر الحديبية, فجاشت بالماء حتى كفتهم فقيل لجابر رضي الله عنه: كم كنتم يومئذ ؟ قال: كنا ألفاً وأربعمائة ولو كنا مائة ألف لكفانا, وفي رواية في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه أنهم كانوا خمس عشرة مائة.
وروى البخاري من حديث قتادة قلت لسعيد بن المسيب: كم كان الذين شهدوا بيعة الرضوان ؟ قال: خمس عشرة مائة, قلت فإن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كانوا أربع عشرة مائة قال رحمه الله: وهم, هو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة, قال البيهقي: هذه الرواية تدل على أنه كان في القديم يقول خمس عشرة مائة ثم ذكر الوهم فقال أربع عشرة مائة, وروى العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم كانوا ألفاً وخمسمائة وخمسة وعشرين, والمشهور الذي رواه غير واحد عنه أربع عشرة مائة, وهذا هو الذي رواه البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن العباس الدوري عن يحيى بن معين عن شبابة بن سوار عن شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ألفاً وأربعمائة, وكذلك هو الذي في رواية سلمة بن الأكوع ومعقل بن يسار والبراء بن عازب رضي الله عنهم, وبه يقول غير واحد من أصحاب المغازي والسير, وقد أخرج صاحبا الصحيح من حديث شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه يقول: كان أصحاب الشجرة ألفاً وأربعمائة وكانت أسلم يومئذ ثمن المهاجرين. وروى محمد بن إسحاق في السيرة عن الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أنهما حدثاه قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت لا يريد قتالاً, وساق معه الهدي سبعين بدنة, وكان الناس سبعمائة رجل كل بدنة عن عشرة نفر, وكان جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فيما بلغني عنه يقول: كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة مائة, كذا قال ابن إسحاق وهو معدود من أوهامه فإن المحفوظ في الصحيحين أنهم كانوا بضع عشرة مائة, كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ذكر سبب هذه البيعة العظيمة
قال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة: ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليبعثه إلى مكة, ليبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له فقال: يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي وليس بمكة من بني عدي بن كعب من يمنعني, وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظي عليها, ولكني أدلك على رجل أعز بها مني عثمان بن عفان رضي الله عنه, نبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب, وأنه إنما جاء زائراً لهذا البيت ومعظماً لحرمته. فخرج عثمان رضي الله عنه إلى مكة, فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها, فحمله بين يديه ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فانطلق عثمان رضي الله عنه حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش, فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به, فقالوا لعثمان رضي الله عنه حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف. فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم. واحتبسته قريش عندها, فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان رضي الله عنه قد قتل, قال ابن اسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين بلغه أن عثمان قد قتل: "لا نبرح حتى نناجز القوم".
ودعا رسول الله الناس إلى البيعة, فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة, فكان الناس يقولون: بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت, وكان جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبايعهم على الموت ولكن بايعنا على أن لا نفر, فبايع الناس ولم يتخلف أحد من المسلمين حضرها إلا الجد بن قيس أخو بني سلمة, فكان جابر رضي الله عنه يقول: والله لكأني أنظر إليه لاصقاً بإبط ناقته قد صبأ إليها يستتر بها من الناس, ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي كان من أمر عثمان رضي الله عنه باطل, وذكر ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قريباً من هذا السياق, وزاد في سياقه أن قريشاً بعثوا وعندهم عثمان رضي الله عنه, سهيل بن عمرو, وحويطب بن عبد العزى, ومكرز بن حفص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فبينما هم عندهم إذ وقع كلام بين بعض المسلمين وبعض المشركين, وتراموا بالنبل والحجارة وصاح الفريقان كلاهما, وارتهن كل من الفريقين من عنده من الرسل, ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن روح القدس قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالبيعة, فاخرجوا على اسم الله تعالى فبايعوا, فسار المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت الشجرة فبايعوه على أن لا يفروا أبداً. فأرعب ذلك المشركين وأرسلوا من كان عندهم من المسلمين, ودعوا إلى الموادعة والصلح.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان, أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار, حدثنا هشام, حدثنا الحسن بن بشر, حدثنا الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيعة الرضوان كان عثمان بن عفان رضي الله عنه رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة, فبايع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إن عثمان في حاجة الله تعالى وحاجة رسوله" فضرب بإحدى يديه على الأخرى, فكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان رضي الله عنه خيراً من أيديهم لأنفسهم. قال ابن هشام حدثني من أثق به عمن حدثه بإسناد له عن أبي مليكة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان رضي الله عنه, فضرب بإحدى يديه على الأخرى", وقال عبد الملك بن هشام النحوي: فذكر وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد, عن الشعبي قال: "إن أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان أبو سنان الأسدي", وقال أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي: حدثنا سفيان, حدثنا ابن أبي خالد عن الشعبي قال:" لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة كان أول من انتهى إليه أبو سنان الأسدي فقال: ابسط يدك أبايعك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: علام تبايعني ؟ فقال أبو سنان رضي الله عنه: على ما في نفسك ", هذا أبو سنان وهب الأسدي رضي الله عنه.
وقال البخاري: حدثنا شجاع بن الوليد أنه سمع النضر بن محمد يقول: حدثنا صخر عن نافع رضي الله عنه قال: إن الناس يتحدثون أن ابن عمر رضي الله عنهما أسلم قبل عمر وليس كذلك, ولكن عمر رضي الله عنه يوم الحديبية أرسل عبد الله إلى فرس له عند رجل من الأنصار, أن يأتي به, ليقاتل عليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع عند الشجرة, وعمر رضي الله عنه لا يدري بذلك, فبايعه عبد الله رضي الله عنه, ثم ذهب إلى الفرس فجاء به إلى عمر رضي الله عنه, وعمر رضي الله عنه يستلئم للقتال, فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع تحت الشجرة, فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي التي يتحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر رضي الله عنهما. ثم قال البخاري, وقال هشام بن عمار: حدثنا الوليد بن مسلم, حدثنا عمر بن محمد العمري, أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن الناس كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تفرقوا في ظلال الشجر, فإذا الناس محدقون بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال يعني عمر رضي الله عنه: يا عبد الله انظر ما شأن الناس قد أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم, فوجدهم يبايعون فبايع, ثم رجع إلى عمر رضي الله عنه, فخرج فبايع, وقد أسنده البيهقي عن أبي عمرو الأديب عن أبي بكر الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان, عن دحيم, حدثني الوليد بن مسلم فذكره, وقال الليث عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه, قال: كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة فبايعناه, وعمر رضي الله عنه آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة وقال: با يعناه على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت. رواه مسلم عن قتيبة عنه.
وروى مسلم عن يحيى بن يحيى عن يزيد بن زريع عن خالد عن الحكم بن عبد الله الأعرج, عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس, وأنا رافع غصناً من أغصانها عن رأسه, ونحن أربع عشرة مائة, قال: ولم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفر. وقال البخاري: حدثنا المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة. قال يزيد: قلت يا أبا مسلمة على أي شيء كنتم تبايعون يومئذ ؟ قال: على الموت. وقال البخاري أيضاً: حدثنا أبو عاصم! حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة رضي الله عنه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية, ثم تنحيت فقال صلى الله عليه وسلم: "يا سلمة ألا تبايع ؟" قلت: قد بايعت, قال صلى الله عليه وسلم: "أقبل فبايع". فدنوت فبايعته, قلت: علام بايعته يا سلمة ؟ قال: على الموت. وأخرجه مسلم من وجه آخر عن يزيد بن أبي عبيد, وكذا روى البخاري عن عباد بن تميم أنهم بايعوه على الموت.
وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ, أخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم, حدثنا أحمد بن سلمة, حدثنا إسحاق بن إبراهيم, حدثنا أبو عامر العقدي, حدثنا عبد الملك بن عمرو, حدثنا عكرمة بن عمار اليمامي عن إياس بن سلمة عن أبيه سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربع عشرة مائة, وعليها خمسون شاة لا ترويها, فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جباها يعني الركي, فإما دعا وإما بصق فيها فجاشت فسقينا واستقينا. قال: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى البيعة في أصل الشجرة, فبايعته أول الناس ثم بايع وبايع حتى إذا كان في وسط الناس قال صلى الله عليه وسلم: "بايعني يا سلمة" قال: فقلت يا رسول لله: قد بايعتك في أول الناس قال صلى الله عليه وسلم: "وأيضاً" قال ورآني رسول الله صلى الله عليه وسلم عزلاً فأعطاني حجفة أو درقة, ثم بايع حتى إذا كان في آخر الناس, قال صلى الله عليه وسلم: "ألا تبايع يا سلمة ؟" قال: قلت يا رسول الله قد بايعتك في أول الناس وأوسطهم, قال صلى الله عليه وسلم: "وأيضاً" فبايعته الثالثة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا سلمة أين حجفتك أو درقتك التي أعطيتك ؟" قال: قلت يا رسول الله لقيني عامر عزلاً فأعطيتها إياه فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "إنك كالذي قال الأول اللهم ابغني حبيباً هو أحب إلي من نفسي".
قال: ثم إن المشركين من أهل مكة راسلونا في الصلح حتى مشى بعضنا في بعض فاصطلحنا. قال: وكنت خادماً لطلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أسقي فرسه وأحسه وآكل من طعامه, وتركت أهلي ومالي مهاجراً إلى الله ورسوله, فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة واختلط بعضنا في بعض أتيت شجرة فكسحت شوكها, ثم اضطجعت في أصلها في ظلها, فأتاني أربعة من مشركي أهل مكة, فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبغضتهم وتحولت إلى شجرة أخرى فعلقوا سلاحهم واضطجعوا, فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين قتل ابن زنيم! فاخترطت سيفي فشددت على أولئك الأربعة, وهم رقود, فأخذت سلاحهم وجعلته ضغثاً في يدي ثم قلت: والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه! قال: ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وجاء عمي عامر برجل من العبلات يقال له مكرز من المشركين يقوده حتى وقفنا بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين من المشركين, فنظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه" فعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله عز وجل: "وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم" الاية, وهكذا رواه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم بن راهويه بسنده نحوه أو قريباً منه.
وثبت في الصحيحين من حديث أبي عوانة عن طارق عن سعيد بن المسيب قال: كان أبي ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة, قال: فانطلقنا من قابل حاجين فخفي علينا مكانها, فإن كان تبينت لكم فأنتم أعلم, وقال أبو بكر الحميدي: حدثنا سفيان, حدثنا أبو الزبير, حدثنا جابر رضي الله عنه قال, لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة وجدنا رجلاً منا يقال له الجد بن قيس مختبئاً تحت إبط بعيره, رواه مسلم من حديث ابن جريج عن ابن الزبير به. وقال الحميدي أيضاً: حدثنا سفيان عن عمرو أنه سمع جابراً رضي الله عنه قال: كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتم خير أهل الأرض اليوم" قال جابر رضي الله عنه: لو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة, قال سفيان إنهم اختلفوا في موضعها أخرجاه من حديث سفيان, وقال الإمام أحمد: حدثنا يونس حدثنا الليث عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن هارون الفلاس المخرمي, حدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي حدثنا محمد بن ثابت العبدي عن خداش بن عياش عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدخل من بايع تحت الشجرة كلهم الجنة إلا صاحب الجمل الأحمر" قال: فانطلقنا نبتدره فإذا رجل قد أضل بعيره فقلنا تعال فبايع. فقال: أصيب بعيري أحب إلي من أن أبايع وقال عبد الله بن أحمد: حدثنا عبيد الله بن معاذ, حدثنا أبي, حدثنا قرة عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من يصعد الثنية ثنية المرار فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل" فكان أول من صعد خيل بني الخزرج ثم تبادر الناس بعد, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر" فقلنا: تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: والله لأن أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم, فإذا هو رجل ينشد ضالة, رواه مسلم عن عبيد الله به.
وقال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً رضي الله عنه يقول: أخبرتني أم مبشر أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة رضي الله عنها: "لا يدخل النار إن شاء الله تعالى من أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها أحد" قالت: بلى يا رسول الله, فانتهرها فقالت حفصة رضي الله عنها "وإن منكم إلا واردها" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد قال الله تعالى: "ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً" رواه مسلم, وفيه أيضاً عن قتيبة عن الليث عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: إن عبداً لحاطب بن أبي بلتعة جاء يشكو حاطباً فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذبت لا يدخلها فإنه قد شهد بدراً والحديبية" ولهذا قال تعالى في الثناء عليهم: " إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما " كما قال عز وجل في الاية الأخرى: "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً".
10- "إن الذين يبايعونك" يعني بيعة الرضوان بالحديبية، فإنهم بايعوا تحت الشجرة على قتال قريش "إنما يبايعون الله" أخبر سبحانه أن هذه البيعة لرسوله صلى الله عليه وسلم هي بيعة له كما قال: " من يطع الرسول فقد أطاع الله" وذلك لأنهم باعوا أنفسهم من الله بالجنة، وجملة "يد الله فوق أيديهم" مستأنفة لتقرير ما قبلها على طريق التخييل في محل نصب على الحال، والمعنى: أن عقد الميثاق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كعقده مع الله سبحانه من غير تفاوت. وقال الكلبي: المعنى إن نعمة الله عليهم في الهداية فوق ما صنعوا من البيعة. وقيل بيده في الثواب فوق أيديهم في الوفاء. وقال ابن كسيان: قوة الله ونصرته فوق قوتهم ونصرتهم "فمن نكث فإنما ينكث على نفسه" أي فمن نقض ما عقد من البيعة فإنما ينقض على نفسه، لأن ضرر ذلك راجع إليه لا يجاوزه إلى غيره "ومن أوفى بما عاهد عليه الله" أي ثبت على الوفاء بما عاهد الله عليه في البيعة لرسوله. قرأ الجمهور "عليه" بكسر الهاء وقرأ حفص والزهري بضمها "فسيؤتيه أجراً عظيماً" وهو الجنة. قرأ الجمهور "فسيؤتيه" بالتحتية وقرأ نافع وقرأ كثير وابن عامر بالنون، واختار القراءة الأولى أبو عبيد وأبو حاتم واختار القراءة الثانية الفراء.
10. " إن الذين يبايعونك "، يا محمد بالحديبية على أن لا يفروا، " إنما يبايعون الله "، لأنهم باعوا أنفسهم من الله بالجنة.
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن يزيد بن أبي عبيد قال: قلت لسلمة بن الأكوع: على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية؟ قال: على الموت.
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، عن مسلم بن الحجاج، حدثنا يحيى بن يحيى ، حدثنا يزيد بن زريع، عن خالد ، عن الحكم بن عبد الله بن الأعرج ، عن معقل بن يسار ، قال لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، وأنا رافع غصناً من أغصانها عن رأسه، ونحن أربعة عشرة مائة، قال: لم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفر.
قال أبو عيسى : معنى الحديثين صحيح بايعه جماعة على الموت، أي لا نزال نقاتل بين يديك ما لم نقتل، وبايعه آخرون، وقالوا: لا نفر.
" يد الله فوق أيديهم "، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يد الله بالوفاء بما وعدهم من الخير فوق أيديهم.
وقال السدي : كانوا يأخذون بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبايعونه، ويد الله فوق أيديهم في المبايعة.
قال الكلبي : نعمة الله عليهمفي الهداية فوق ما صنعوا من البيعة؟
" فمن نكث "، نقض البيعة، " فإنما ينكث على نفسه "، عليه وباله، " ومن أوفى بما عاهد عليه الله "، ثبت على البيعة، " فسيؤتيه "، قرأ أهل العراق ((فسيؤتيه)) بالياء، وقرأ الآخرون بالنون، " أجراً عظيماً "، وهو الجنة.
10-" إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله " لأنه المقصود ببيعته . " يد الله فوق أيديهم " حال أو استئناف مؤكد له على سبيل التخييل . " فمن نكث " نقض العهد . " فإنما ينكث على نفسه " فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه . " ومن أوفى بما عاهد عليه الله " في مبايعته " فسيؤتيه أجراً عظيماً " هو الجنة ، وقرئ عهد وقرأ حفص " عليه " بضم الهاء و ابن كثير و نافع و ابن عامر و روح فسنؤتيه بالنون . الآية نزلت في بيعة الرضوان .
10. Lo! those who swear allegiance unto thee (Muhammad), swear allegiance only unto Allah. The Hand of Allah is above their hands. So whosoever breaketh his oath, breaketh it only to his soul's hurt; while whosoever keepeth his covenant with Allah, on him will He bestow immense reward.
10 - Verily those who plight their fealty to thee do no less than plight their fealty to God: the hand of God is over their hands: then any one who violates his oath, does so to the harm of his own soul, and any one who fulfils what he has covenanted with God, God will soon grant him a great Reward.