[الفتح : 1] إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا
1 - (إنا فتحنا لك) قضينا بفتح مكة وغيرها في المستقبل عنوة بجهادك (فتحا مبينا) بينا ظاهرا
أخرج الحاكم وغيره عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها
يعني بقوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً " يقول : إنا حكمنا لك يا محمد حكماً لمن سمعه أو بلغه على من خالفك وناصبك من كفار قومك ، وقضينا لك عليهم بالنصر والظفر ، لتشكر ربك ، وتحمده على نعمته بقضائه لك عليهم ، وفتحه ما فتح لك ، ولتسبحه وتستغفره ، فيغفر لك بفعالك ربك ، ما تقدم من ذنبك قبل فتحه لك ما فتح ،وما تأخر بعد فتحه لك ذلك ما شكرته واستغفرته .
وإنمااخترنا هذا القول في تأويل هذه الآية لدلالة قول الله عزوجل ( إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً ) على صحته ، إذ أمره تعالى ذكره أن يسبح بحمد ربه إذا جاءه نصر الله وفتح مكة ، وأن يستغفره ، وأعلمه أنه تواب على من فعل ذلك ، ففي ذلك بيان واضح أن قوله تعالى ذكره " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " إنما هو خبر من الله جل ثناؤه لنبيه عليه الصلاة والسلام عن جزائه له على شكره له ، على النعمة التي أنعم بها عليه من إظهاره له ما فتح ، لأن جزاء الله تعالى عباده أعمالهم دون غيرها .
وبعد ففي صحة الخبر عنه صلى الله عليه وسلم " أنه كان يقوم حتى ترم قدماه ، فقيل له : يا رسول الله تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : أفلا أكون عبداً شكوراً ؟ " الدلالة الواضحة على أن الذي قلنا من ذلك هو الصحيح من القول ، وأن الله تبارك وتعالى ، إنما وعد نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم غفران ذنوبه المتقدمة ، فتح ما فتح عليه ، وبعده على شكره له ، على نعمه التي أنعمها عليه . وكذلك كان يقول صلى الله عليه وسلم " إني لأستغفر الله وأتوب إليه من كل مئه مرة " ولو كان القول في ذلك أنه من خبر الله تعالى نبيه أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر على غير الوجه الذي ذكرنا ، لم يكن لأمره إياه بالاستغفار بعد هذه الآية ، ولا لاستغفار نبي الله صلى الله عليه وسلم ربه جل جلاله من ذنوبه بعدها معنى يعقل ، إذ الاستغفار معناه : طلب العبد من ربه عزوجل غفران ذنوبه ، فإذا لم يكن ذنوب تغفر لم يكن لمسألته إياه غفرانها معنى ، لأنه من المحال أن يقول : اللهم اغفر لي ذنباً لم أعمله . وقد تأول ذلك بعضهم بمعنى : ليغفرلك ما تقدم من ذنبك قبل الرساله ، وما تأخر إلى الوقت الذي قال: " إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر" . وأما الفتح الذي وعد الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم هذه العدة على شكره إياه عليه ، فإنه فيما ذكر الهدنة التي جرت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش بالحديبية .
وذكر أن هذه السورة أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه عن الحديبيه بعد الهدنة التي جرت بينه وبين قومه .
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً " قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: ثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة قوله " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " والفتح : القضاء .
ذكر الرواية عمن قال هذه السورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي ذكرت .
حدثنا حميد بن مسعدة قال : ثنا بشر بن المفضل قال : ثنا داود عن عامر " إنا فتحنا لك فتحاً مبينا" قال : الحديبية .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا ابو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً " قال : نحره بالحديبية وحلقه .
حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع قال : ثنا أبو بحر قال : ثنا شعبة قال : ثنا جامع بن شداد عن عبد الرحمن بن أبي علقمة قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول " لما أقبلنا من الحديبية أعرسنا فنمنا ، فلم نستيقظ إلا بالشمس قد طلعت ، فاستيقظنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائم ، قال : فقلنا أيقظوه ، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : افعلوا كما كنتم تفعلون ، فكذلك من نام أو نسي . قال : وفقدنا ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجدناها قد تعلق خطامها بشجرة ، فأتيته بها ، فركب فبينا نحن نسير إذ أتاه الوحي ، قال : وكان إذا أتاه اشتد عليه ، فلما سري عنه أخبرنا أنه أنزل عليه : " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً " "
حدثنا أحمد بن المقدام قال : ثنا المعتمر قال : سمعت أبي يحدث عن قتادة عن أنس بن مالك قال : "لما رجعنا من غزوة الحديبية ، وقد حيل بيننا وبين نسكنا ، قال : فنحن بين الحزن والكآبة ، قال : فأنزل الله عزوجل: "إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيماً " أو كما شاء الله فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : لقد أنزلت علي آية أحب إلي من الدنيا جميعاً "
حدثنا ابن بشار قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن انس بن مالك في قوله " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً " قال : نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم مرجعه من الحديبية وقد حيل بينهم وبين نسكهم ، فنحر الهدي بالحديبية ، وأصحابه مخالطوه الكآبة والحزن ، فقال : أنزلت علي آية أحب إلي من الدنيا جميعاً ، فقرأ " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " ... إلى قوله " عزيزاً " فقال أصحابه : هنيئاً لك يا رسول الله قد بين الله لنا ماذا يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ؟ فأنزل الله هذه الآية بعدها "ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها " .. إلى قوله " وكان ذلك عند الله فوزاً عظيماً "
حدثني ابن المثنى قال : ثنا أبو داود قال ثنا ابن همام قال : ثنا قتادة عن أنس قال : أنزلت هذه الآية ، فذكر نحوه .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة عن أنس بنحوه ، غير أنه قال في حديثه: "فقال رجل من القوم هنيئاً لك مريئاً يا رسول الله ،وقال أيضاً : فبين الله ماذا يفعل بنبيه عليه الصلاة والسلام ، وماذا يفعل لهم "
حدثنا ابن عبد الاعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة قال : نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " مرجعه من الحديبية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لقد نزلت علي آية أحب إلي مما على الارض ثم قرأها عليهم ، فقالوا : هنيئاً مريئاً يا نبي الله ، قد بين الله تعالى ذكره لك ماذا فعل بك ، فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت عليه : " ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار " .. إلى قوله " فوزاً عظيماً " "
حدثنا ابن بشار وابن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة عن قتادة عن عكرمة قال : لما نزلت هذه الآية " إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما " قالوا هنيئاً مريئاً لك يا رسول الله ، فماذا لنا ؟ فنزلت " ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم " الفتح :5.
حدثنا محمد بن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة قال :سمعت قتادة يحدث عن أنس في هذه الآية " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً " قال : الحديبية .
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا يحيى بن حماد قال : ثنا ابة عوانة عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : ما كنا نعد فتح مكة إلا يوم الحديبية .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا يعلى بن عبيد عن عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل قال : " تكلم سهل بن حنيف يوم صفين ، فقال : يا أيها الناس اتهموا أنفسكم ، لقد رأيتنا يوم الحديبية ، يعني الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين ، ولو نرى قتالاً لقاتلنا ، فجاء عمر إلى رسول الله صلى عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، ألسنا على حق وهم على باطل ؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال : بلى ، قال : ففيم نعطي الدنية في ديننا ، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ فقال : يا ابن الخطاب ، إني رسول الله ، ولن يضيعني أبداً . قال : فرجع وهو متغيظ ، فلم يصبر حتى أتى أبا بكر ، فقال : يا أبا بكر ألسنا على حق وهم على باطل ؟ أليس قتلانا في الجنة ، وقتلاهم في النار ؟ قال : بلى ، قال : ففيم نعطي الدنية في ديننا ، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ فقال : يا ابن الخطاب إنه رسول الله ، لن يضيعه الله أبداً . قال : فنزلت سورة الفتح ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر ، فأقرأه إياها ، فقال : يا رسول الله ، أوفتح هو قال : نعم "
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : ثنا أبي ، عن أبيه عن جده ، عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : ما كنا نعد الفتح إلا يوم الحديبية .
حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال : تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحاً ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية ، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة مئة . والحديبية : بئر .
حدثني موسى بن سهل الرملي ثنا محمد بن عيسى قال : ثنا مجمع بن يعقوب الأنصاري قال : سمعت أبي يحدث عن عمه عبد الرحمن بن يزيد عن عمه مجمع بن جارية الأنصاري وكان أحد القراء الذين قرأوا القرآن ، قال : " شهدنا الحديبيية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما اصرفنا عنها ، إذا الناس يهزعون الأباعر ، فقال بعض الناس لبعض : ما للناس ؟ قالوا : أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله " فقال رجل : أو فتح هو يا رسول الله ؟ قال : نعم والذي نفسي بيده إنه لفتح . قال: فقسمت خيبر على أهل الحديبية ، لم يدخل معهم فيها أحد إلا من شهد الحديببية ، وكان الجيش ألفاً وخمس مئة فيهم ثلاث مئة فارس ، فقسمها رسول الله صلىالله عليه وسلم على ثمانية عشر سهماً ، فأعطى الفارس سهمين ، وأعطى الراجل سهماً " .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي قال : " نزلت "إنا فتحنا لك فتحا مبينا" بالحديبية ، وأصاب في تلك الغزوة ما لم يصبه في غزوة ، وأصاب أن بويع بيعة الرضوان وغفر له ما تقدم وما تأخر ، وظهرت الروم على فارس ، وبلغ الهدي محله ، وأطعموا نخل خيبر ، وفرح المؤمنون بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم ، وبظهور الروم على فارس "
وقوله تعالى : " ويتم نعمته عليك " بإظهاره إياك على عدوك ، ورفعه ذكرك في الدنيا ، وغفرانه ذنوبك في الآخرة "ويهديك صراطا مستقيما " يقول : ويرشدك طريقاً من الدين لا اعوجاج فيه ، يستقيم بك إلى الرضا ربك " وينصرك الله نصراً عزيزاً " يقول : وينصرك على سائر أعدائك ، ومن ناوأك نصراًً لا يغلبه غالب ولا يدفعه دافع ، للبأس الذي يؤيدك الله به ، وبالظفر الذي يمدك به .
مدنية بإجماع ، وهي تسع وعشرون آية ، ونزلت ليلاً بين مكة والمدينة في شأن الحديبية ، روى محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة و مروان بن الحكم قالا : نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها ، وفي الصحيحين عن زيد بن أسلم عن أبيه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلاً فسأله عمر عن شيء فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم سأله فلم يجبه ، ثم سأله فلم يجبه ، فقال عمر بن الخطاب : ثكلت أم عمر نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك لم يجبك ، فقال عمر : فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن ، فما نشبت أن سمعت صارخاً يصرخ بي ، فقلت : لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن ، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه ، فقال : لقد نزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ، قم قرأ " إنا فتحنا لك فتحا مبينا "" لفظ البخاري ، وقال الترمذي : حديث حسن غريب صحيح ، وفي صحيح مسلم عن قتادنة أن أنس بن مالك حدثهم قال : لما نزلت : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما " إلى قوله " فوزا عظيما " مرجعه من الحديبية وهم يخالطون الحزن والكآبة ، وقد نحر الهدي بالحديبية ، فقال : لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا جميعاً ، وقال عطاء عن ابن عباس : إن اليهود شتموا النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين لما نزل قوله تعالى : " ما أدري ما يفعل بي ولا بكم " [ الأحقاف : 9 ] ، وقالوا : كيف نتبع رجلاً لا يدري ما يفعل به ! فاشتد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " ونحوه قال مقاتل بن سليمان : لما نزل قوله تعالى : " وما أدري ما يفعل بي ولا بكم " فرح المشركون والمنافقون وقالوا : كيف نتبع رجلاً لا يدري ما يفعل به ولا بأصحابه ، فنزلت بعدما رجع من الحديبة : ( إنا فتحنا لك فتحاً مبينا ) أي قضينا لك قضاء ، فنسخت هذه الآية تلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد أنزلت علي سورة ما يسرني بها حمر النعم ، وقال المسعودي : بلغني أنه من قرأ سورة الفتح في أول ليلة من رمضان في صلاة التطوع حفظه الله ذلك العام .
قوله تعالى : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا "
اختلف في هذا الفتح ما هو ؟ ففي البخاري حدثني محمد بن بشار قال حدثنا غندار قال حدثنا شعبة قال سمعت قتادة عن أنس ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) قال : الحديبية ، وقال جابر : ما كنا نعد فتح مكة إلا يوم الحديبية ، قال البراء : تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحاً ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية ، كنا نعد مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة ، والحديبية بئر ، وقال الضحاك : ( إنا فتحنا فتحا مبينا ) بغير قتال ، وكان الصلح من الفتح ، وقال مجاهد : هو منحره بالحديبية وحلقه رأسه ، وقال : كان فتح الحديبية آية عظيمة ، نزح ماؤها فيها فدرت بالماء حتى شرب جميع من كان معه ، و" قال موسى بن عقبة : قال رجل عند منصرفهم من الحديبية ، ما هذا بفتح ، لقد صدونا عن البيت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل هو أعظم الفتوح قد رضي المشركون أن يدفعوكم عن بلادهم بالراح ويسألوكم القضية ويرغبوا إليكم في الأمان وقد رأوا منكم ما كرهوا " وقال الشعبي : في قوله تعالى : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " قال : هو فتح الحديبية ، لقد أصاب بها ما لم يصب في غزوة ، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وبويع بيعة الرضوان وأطعموا نخل خبير ، وبلغ الهدي محلة ، وظهرت الروم على فارس ، ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المحبوس ، وقال الزهري : لقد كان الحديبية أعظم الفتوح ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليها في ألف وأربعمائة ، فلما وقع الصلح مشى الناس بعضهم في بعض وعلموا وسمعوا عن الله ، فما أراد أحد الإسلام ، إلا تمكن منه ، فما مضت تلك السنتان إلا والمسلمون قد جاءوا إلى مكة في عشرة آلاف ، وقال مجاهد و العوفي : هو فتح خيبر ، والأول أكثر ، وخيبر إنما كانت وعداً وعدوه ، على ما يأتي بيانه في قوله تعالى : " سيقول المخلفون إذا انطلقتم " [ الفتح : 15 ] ، وقوله : " وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه " [ الفتح : 20 ] ، وقال مجمع بن جارية ، وكان أحد القراء الذين قرءوا القرآن : شهدنا الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما انصرفنا عنها إذا الناس يهزون الأباعر فقال بعض الناس لبعض : ما بال الناس ؟ قالوا : أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قال فخرجنا نوجف فوجدنا نبي الله صلى الله عليه وسلم عند كراع الغميم ، فلما اجتمع الناس قرأ النبي صلى الله عليه وسلم ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) فقال عمر بن الخطاب : أوفتح هو يا رسول الله ؟ قال : نعم ، والذي نفسي بيده إنه لفتح ، فقسمت خيبر على أهل الحديبية ، لم يدخل أحد إلا من شهد الحديبية ، وقيل : إن قوله تعالى : ( فتحاً ) فقسمت خيبر على أهل الحديبية ، لم يدخل أحد إلا من شهد الحديبية ، وقيل : إنه قوله تعالى : ( فتحاً ) يدل على أن مكة فتحت عنوة ، لأن اسم الفتح لا يقع مطلقاً إلا على ما فتح عنوة ، هذا هو حقيقة الاسم ، وقد يقال : فتح البلد صلحاً ، فلا يفهم الصلح إلا بأن يقرن بالفتح ، فصار الفتح في الصلح مجازاً والأخبار دالة على أنها فتحت عنوة ، وقد مضى القول فيها ، ويأتي .
تفسير سورة الفتح
وهي مدنية
قال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة قال سمعت عبد الله بن مغفل يقول قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في مسيره سورة الفتح على راحلته فرجع فيها قال معاوية لولا أني أكره أن يجتمع الناس علينا لحكيت قراءته, أخرجاه من حديث شعبة به.
بسم الله الرحمـن الرحيم
نزلت هذه السورة الكريمة لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم, من الحديبية في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة, حين صده المشركون عن الوصول إلى المسجد الحرام فيقضي عمرته فيه, وحالوا بينه وبين ذلك ثم مالوا إلى المصالحة والمهادنة, وأن يرجع عامه هذا ثم يأتي من قابل, فأجابهم إلى ذلك على تكره من جماعة من الصحابة, منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما سيأتي تفصيله في موضعه من تفسير هذه السورة إن شاء الله تعالى, فلما نحر هديه حيث أحصر ورجع أنزل الله عز وجل هذه السورة من أمره وأمرهم, وجعل ذلك الصلح فتحاً باعتبار ما فيه من المصلحة وما آل الأمر إليه, كما روى ابن مسعود رضي الله عنه وغيره أنه قال: إنكم تعدون الفتح فتح مكة ونحن نعد الفتح صلح الحديبية, وقال الأعمش عن أبي سفيان عن جابر رضي الله عنه قال: ما كنا نعد الفتح إلا يوم الحديبة, وقال البخاري: حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحاً, ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية, كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة. والحديبية بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة, فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتانا فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد, ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركائبنا.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو نوح, حدثنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قال: فسألته عن شيء ثلاث مرات فلم يرد علي, قال فقلت في نفسي: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب ألححت كررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات فلم يرد عليك ؟ قال: فركبت راحلتي فحركت بعيري فتقدمت مخافة أن يكون نزل في شيء, قال: فإذا أنا بمناد يا عمر, قال: فرجعت وأنا أظن أنه نزل في شيء قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم "نزل علي البارحة سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً* ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر" " ورواه البخاري والترمذي والنسائي من طرق عن مالك رحمه الله, وقال علي بن المديني هذا إسناد مدني جيد لم نجده إلا عندهم, وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, حدثنا معمر عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم "ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر" مرجعه من الحديبية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد أنزلت علي الليلة آية أحب إلي مما على الأرض" ثم قرأها عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هنيئاً مريئاً يا نبي الله لقد بين الله عز وجل ما يفعل بك فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت عليه صلى الله عليه وسلم " ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما " أخرجاه في الصحيحين من رواية قتادة به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى, حدثنا مجمع بن يعقوب قال: سمعت أبي يحدث عن عمه عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري, عن عمه مجمع بن حارثة الأنصاري رضي الله عنه, وكان أحد القراء الذين قرأوا القرآن قال: شهدنا الحديبية فلما انصرفنا عنها إذا الناس ينفرون الأباعر فقال الناس بعضهم لبعض: ما للناس ؟ قالوا: أوحي إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجنا مع الناس نوجف فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته عند كراع الغميم, فاجتمع الناس عليه فقرأ عليهم "إنا فتحنا لك فتحاً مبينا" قال: فقال: رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي رسول الله أو فتح هو ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "إي والذي نفس محمد بيده إنه لفتح" فقسمت خيبر على أهل الحديبية لم يدخل معهم فيها أحد إلا من شهد الحديبية فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سهماً. وكان الجيش ألفاً وخمسمائة منهم ثلثمائة فارس أعطى الفارس سهمين وأعطى الراجل سهماً ورواه أبو داود في الجهاد عن محمد بن عيسى عن مجمع بن يعقوب به.
وقال ابن جرير حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع, حدثنا أبو بحر, حدثنا شعبة, حدثنا جامع بن شداد عن عبدالرحمن بن أبي علقمة قال: سمعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: لما أقبلنا من الحديبية عرسنا فنمنا فلم نستيقظ إلا والشمس قد طلعت, فاستيقظنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائم قال: فقلنا أيقظوه فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "افعلوا ما كنتم تفعلون وكذلك يفعل من نام أو نسي" قال: وفقدنا ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبناها فوجدناها قد تعلق خطامها بشجرة, فأتيته بها فركبها فبينا نحن نسير إذ أتاه الوحي قال: وكان إذا أتاه الوحي اشتد عليه, فلما سري عنه أخبرنا أنه أنزل عليه "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً" وقد رواه أحمد وأبو داود والنسائي من غير وجه عن جامع بن شداد به. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن, حدثنا سفيان عن زياد بن علاقة قال: سمعت المغيرة بن شعبة يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ترم قدماه فقيل له أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم "أفلا أكون عبداً شكوراً ؟" أخرجاه وبقية الجماعة إلا أبا داود من حديث زياد به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا هارون بن معروف, حدثنا ابن وهب, حدثني أبو صخر عن ابن قسيط عن ابن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام حتى تتفطر رجلاه, فقالت له عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم لك من ذنبك وما تأخر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة أفلا أكون عبداً شكوراً". أخرجه مسلم في الصحيح من رواية عبد الله بن وهب به. وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا عبد الله بن عوف الخراز وكان ثقة بمكة حدثنا محمد بن بشر حدثنا مسعر عن قتادة عن أنس قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه ـ أو قال ساقاه ـ فقيل له أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً" غريب من هذا الوجه فقوله: "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً" أي بيناً وظاهراً والمراد به صلح الحديبية, فإنه حصل بسببه خير جزيل, وآمن الناس واجتمع بعضهم ببعض, وتكلم المؤمن مع الكافر وانتشر العلم النافع والإيمان.
وقوله تعالى: "ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر" هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم التي لا يشاركه فيها غيره, وليس في حديث صحيح في ثواب الأعمال لغيره غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, وهذا فيه تشريف عظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو صلى الله عليه وسلم في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة التي لم ينلها بشر سواه لا من الأولين ولا من الاخرين, وهو صلى الله عليه وسلم أكمل البشر على الإطلاق وسيدهم في الدنيا والاخرة, ولما كان أطوع خلق الله تعالى لله وأشدهم تعظيماً لأوامره ونواهيه قال حين بركت به الناقة: "حبسها حابس الفيل" ثم قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم شيئاً يعظمون به حرمات الله إلا أجبتهم إليها" فلما أطاع الله في ذلك وأجاب إلى الصلح قال الله تعالى له: "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك" أي في الدنيا والاخرة "ويهديك صراطاً مستقيماً" أي بما يشرعه لك من الشرع العظيم والدين القويم "وينصرك الله نصراً عزيزاً" أي بسبب خضوعك لأمر الله عز وجل يرفعك الله وينصرك على أعدائك كما جاء في الحديث الصحيح "وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً. وما تواضع أحد لله عز وجل إلا رفعه الله تعالى" وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ما عاقبت أحداً عصى الله تعالى فيك بمثل أن تطيع الله تبارك وتعالى فيه.
هي تسع وعشرون آية، وهي مدنية
قال القرطبي: بالإجماع. وقد أخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة الفتح بالمدينة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج ابن إسحاق والحاكم وصححه البيهقي في الدلائل عن المسور بن مخرمة ومروان قالا: نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها وهذا لا ينافي الإجماع على كونها مدنية، لأن المراد بالسورة المدنية النازلة بعد الهجرة من مكة. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن مغفل قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في مسيره سورة الفتح على راحلته فرجع فيها. وفي الصحيحين عن زيد بن أسلم عن أبيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلاً، فسأله عمر عن شيء فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر بن الخطاب: هلكت أم عمر نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك، فقال عمر: فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن، فما نشبت أن سمعت صارخاً يصرخ بي، فقلت: لقد خشيت أن يكون قد نزل في قرآن، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، فقال: لقد أنزلت علي سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، ثم قرأ "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً"" وفي صحيح مسلم عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم قال: لما نزلت "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً" الآية إلى قوله: "فوزاً عظيماً" مرجعه من الحديبية وهم مخالطهم الحزن والكآبة، وقد نحروا الهدي بالحديبية فقال: "لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا جميعها".
قوله: 1- "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً" اختلف في تعيين هذا الفتح، فقال الأكثر: هو صلح الحديبية، والصلح قد يسمى فتحاً. قال الفراء: والفتح قد يكون صلحاً، ومعنى الفتح في اللغة: فتح المنغلق، والصلح الذي كان مع المشركين بالحديبية كان مسدوداً متعذراً حتى فتحه الله. قال الزهري: لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية، وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين، فسمعوا كلامهم، فتمكن الإسلام في قلوبهم، وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير وكثر بهم سواد الإسلام. قال الشعبي: لقد أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية ما لم يصب في غزوة، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبويع بيعة الرضوان، وأطعموا نخل خيبر، وبلغ الهدي محله، وظهرت الروم على فارس، ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس. وقال قوم: إنه فتح مكة. وقال آخرون: إنه فتح خيبر. والأول أرجح، ويؤيده ما ذكرناه قبل هذا من أن السورة أنزلت في شأن الحديبية. وقيل هو جميع ما فتح الله لرسوله من الفتوح، وقيل هو ما فتح له من النبوة والدعوة إلى الإسلام، وقيل فتح الروم، وقيل المراد بالفتح في هذه الآية الحكم والقضاء، كما في قوله: "افتح بيننا وبين قومنا بالحق" فكأنه قال: إنا قضينا لك قضاء مبيناً: أي ظاهراً واضحاً مكشوفاً.
مدنية، أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي ، أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد السرخسي ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فسأله عمر عن شيء فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر: ثكلتك أمك يا عمر نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، كل ذلك لا يجيبك، قال عمر فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس، وخشيت أن ينزل في قرآن، فما لبثت أن سمعت صارخا يصرخ بي، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، فقال: لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ، ثم قرأ: " إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر "".
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو عمر بكر بن محمد المزني ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله حفيد العباس بن حكزة، حدثنا الحسين بن الفضل البجلي ، حدثنا عفان ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، حدثنا أنس قال: " نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً " إلى آخر الآية، مرجعه من الحديبية وأصحابه مخالطهم الحزن والكآبة، فقال: نزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا جميعاً، فلما تلاها نبي الله صلى الله عليه وسلم قال رجل من القوم: هنيئاً مريئاً قد بين الله لك ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فأنزل الله الآية التي بعدها: " ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار "، حتى ختم الآية".
1. بسم الله الرحمن الرحيم، " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً "، اختلفوا في هذا الفتح: روي عن أبي جعفر الرازي عن قتادة عن أنس: أنه فتح مكة، وقال مجاهد : فتح خيبر.
والأكثرون على أنه صلح الحديبية.
ومعنى الفتح فتح المنغلق، والصلح مع المشركين بالحديبية كان متعذراً حتى فتحه الله عز وجل. ورواه شعبة عن قتادة عن أنس: " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً "، قال: الحديبية.
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان، يوم الحديبية كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة، والحديبية بئر، فنزحناها فلم نترك فيها قطرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها، ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها: غير بعيد، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا.
وقال الشعبي في قوله: (( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ))، قال: فتح الحديبية، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأطعموا نخل خيبر، وبلغ الهدي محله، وظهرت الروم على فارس، ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس.
قال الزهري : لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية، وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم، أسلم في ثلاث سنين خلق كثير، وكثر بهم سواد الإسلام.
قوله عز وجل: " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً "، أي قضينا لك قضاءً بيناً. وقال الضحاك : إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً بغير قتال، وكان الصلح من الفتح.
1-" إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً " وعد بفتح مكة ، والتعبير عنه بالماضي لتحققه أو بما اتفق له في تلك السنة كفتح خيبر وفدك ، أو إخبار عن صلح الحديبية وإنما سماه فتحاً لأنه كان بعد ظهوره على المشركين حتى سألوا الصلح وتسبب لفتح مكة ،وفرغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم لسائر العرب فغزاهم وفتح مواضع و أدخل في الإسلام خلقاً عظيماً ، وظهر له في الحديبية آية عظيمة وهي "أنه نزح ماؤها بالكلية فتمضمض ثم مجه فيها فدرت بالماء حتى شرب جميع من كان معه " ، أو فتح الروم فإنهم غلبوا الفرس في تلك السنة .وقد عرفت كونه فتحاً للرسول عليه الصلاة والسلام في سورة الروم : وقيل الفتح بمعنى القضاء أي قضينا لك أن تدخل مكة من قابل .
Surah 48. Al-Fat-h
1. Lo! We have given thee (O Muhammad) a signal victory,
SURA 48: FAT-H
1 - Verily We have granted thee a manifest Victory: