[محمد : 31] وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ
31 - (ولنبلونكم) نختبركم بالجهاد وغيره (حتى نعلم) علم ظهور (المجاهدين منكم والصابرين) في الجهاد وغيره (ونبلوا) نظهر (أخباركم) من طاعتكم وعصيانكم في الجهاد وغيره بالياء والنون في الافعال الثلاثة
يقول تعالى ذكره لأهل الإيمان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولنبلونكم " أيها المؤمنون بالقتل ، وجهاد أعداء الله " حتى نعلم المجاهدين منكم " يقول : حتى يعلم حزبي وأوليائي أهل الجهاد في الله منكم ، وأهل الصبر على قتال أعدائه فيظهر ذلك لكم ، ويعرف ذوو البصائر منكم في دينه من ذوي الشك والحيرة فيه وأهل الإيمان من أهل النفاق ، ونبلو أخباركم فنعرف الصادق منكم من الكاذب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله " حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين " وقوله ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ) ونحو هذا قال : أخبر الله سبحانه المؤمنين أن الدنيا دار بلاء ، وأنه مبتليهم فيها ، وأمرهم بالصبر ، وبشرهم فقال : ( وبشر الصابرين ) ثم أخبرهم أنه هكذا فعل بأنبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم ، فقال: ( مستهم البأساء و الضراء وزلزلوا ) فالبأساء : الفقر ، والضراء : السقم ، وزلزلوا بالفتن وأذى الناس إياهم .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين " قال : نختبركم ، البلوى : الاختبار . وقرأ ( ألم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) قال : لا يختبرون (ولقد فتنا الذين من قبلهم ) ...الآية .
واختلفت القراء في قوله " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم " فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار بالنون نبولو و نعلم ، ونبلو على وجه الخبر من الله جل جلاله عن نفسه ، سوى عاصم فإنه قرأ ذلك بالياء والنون . والقراءة الأولى هي قراءة عندنا لإجماع الحجة من القراء عليها ، وإن كان للأخرى وجه صحيح .
قوله تعالى : " ولنبلونكم " أي نتعبدكم بالشرائع وإن علمنا عواقب الأمور وقيل : لنعاملنكم معاملة المختبرين ، " حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين " عليه ، قال ابن عباس : ( حتى نعلم ) حتى نميز ، وقال علي رضي الله عنه ، ( حتى نعم ) حتى نرى ، وقد مضى في البقرة ، وقراءة العامة بالنون في ( نبلونكم ) و ( نعلم ) و ( نبلو ) وقرأ أبو بكر عن عاصم بالياء فيهن ، وروى رويس عن يعقوب إسكان الواو من ( نبلو ) على القطع مما قبل ، ونصب الباقون رداً على قوله : ( حتى نعلم ) وهذا العلم هو العلم الذي يقع به الجزاء ، لأنه إنما يجازيهم بأعمالهم لا بعلمه القديم عليهم ، فتأويله : حتى نعلم المجاهدين علم شهادة ، لأنهم إذا أمروا بالعمل يشهد منهم ما عملوا ، فالجزاء بالثواب والعقاب يقع على علم الشهادة ، " ونبلو أخباركم " نختبرها ونظهرها ، قال إبراهيم بن الأشعث : كان الفضيل بن عياض ، إذا قرأ هذه الآية بكى ، وقال : اللهم لا تبتلينا فإنك إذا بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا .
يقول تعالى: " أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم " أي أيعتقد المنافقون أن الله لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين, بل سيوضح أمرهم ويجليه حتى يفهمهم ذوو البصائر, وقد أنزل الله تعالى في ذلك سورة براءة فبين فيها فضائحهم, وما يعتمدونه من الأفعال الدالة على نفاقهم, ولهذا كانت تسمى الفاضحة. والأضغان: جمع ضغن وهو ما في النفوس من الحسد والحقد للإسلام وأهله والقائمين بنصره. وقوله تعالى: " ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم " يقول عز وجل ولو نشاء يا محمد لأريناك أشخاصهم فعرفتهم عياناً, ولكن لم يفعل تعالى ذلك في جميع المنافقين ستراً منه على خلقه, وحملاً للأمور على ظاهر السلامة ورداً للسرائر إلى عالمها "ولتعرفنهم في لحن القول" أي فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم يفهم المتكلم من أي الحزبين هو بمعاني كلامه وفحواه, وهو المراد من لحن القول كما قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه.
وفي الحديث "ما أسر أحد سريرة إلا كساه الله تعالى جلبابها إن خيراً فخير وإن شراً فشر" وقد ذكرنا ما يستدل به على نفاق الرجل وتكلمنا على نفاق العمل والاعتقاد في أول شرح البخاري بما أغنى عن إعادته ههنا, وقد ورد في الحديث تعيين جماعة من المنافقين. قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا سفيان عن سلمة عن عياض بن عياض عن أبيه عن أبي مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: "إن منكم منافقين فمن سميت فليقم ـ ثم قال ـ قم يا فلان, قم يا فلان قم يا فلان ـ حتى سمى ستة وثلاثين رجلاً ثم قال ـ إن فيكم أو منكم ـ منافقين فاتقوا الله" قال فمر عمر رضي الله عنه برجل ممن سمى مقنع قد كان يعرفه فقال: مالك ؟ فحدثه بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بعداً لك سائر اليوم. وقوله عز وجل: "ولنبلونكم" أي لنختبرنكم بالأوامر والنواهي "حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم" وليس في تقدم علم الله تعالى بما هو كائن أنه سيكون شك ولا ريب, فالمراد حتى نعلم وقوعه ولهذا يقول ابن عباس رضي الله عنهما في مثل هذا: إلا لنعلم أي لنرى.
31- "ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين" أي لنعاملنكم معاملة المختبر، وذلك بأن نأمركم بالجهاد حتى نعلم من امتثل الأمر بالجهاد وصبر على دينه ومشاق ما كلف به. قرأ الجمهور الأفعال الثلاثة بالنون، وقرأ أبو بكر عن عاصم بالتحتية فيها كلها، ومعنى "ونبلو أخباركم" نظهرها ونكشفها امتحاناً لكم ليظهر للناس من أطاع أمره الله به، ومن عصى، ومن لم يتمثل. وقرأ الجمهور "ونبلو" بنصب الواو عطفاً على قوله "حتى نعلم" وروى ورش عن يعقوب إسكانها على القطع عما قبله.
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم بحقو الرحمن، فقال مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم أترضي أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت بلى. قال: فذلك لك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأوا إن شئتم "فهل عسيتم" الآية إلى قوله "أم على قلوب أقفالها"" والأحاديث في صلة الرحم كثيرة جداً. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "إن الذين ارتدوا على أدبارهم" قال: هم أهل النفاق. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: "أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم" قال: أعمالهم خبثهم والحسد الذي في قلوبهم، ثم دل الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بعد على المنافقين فكان يدعو باسم الرجل من أهل النفاق. وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري في قوله: "ولتعرفنهم في لحن القول" قال: ببغضهم علي بن أبي طالب.
31. " ولنبلونكم "، ولنعاملنكم معاملة المختبر بأن نأمركم بالجهاد والقتال، " حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين "، أي: علم الوجود، يريد: حتى يتبين المجاهد والصابر على دينه من غيره، " ونبلو أخباركم "، أي نظهرها ونكشفها بإباء من يأبى القتال، ولا يصبر على الجهاد.
وقرأ أبو بكر عن عاصم: ((وليبلونكم حتى يعلم))، ويبلو بالياء فيهن، لقوله تعالى: [" والله يعلم أعمالكم "، وقرأ الآخرون بالنون فيهن، لقوله تعالى] ((ولو نشاء لأريناكهم))، وقرأ يعقوب : ((ونبلوا)) ساكنة الواو، رداً على قوله: "ولنبلونكم" وقرأ الآخرون بالفتح رداً على قوله: "حتى نعلم".
31-" ولنبلونكم " بالأمر بالجهاد وسائر التكاليف الشاقة . " حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين " على مشاقه " ونبلو أخباركم " ما يخبر به عن أعمالكم فيظهر حسنها وقبحها ، أو أخبارهم عن إيمانهم وموالاتهم المؤمنين في صدقها وكذبها . وقرأ أبو بكر الأفعال الثلاثة بالياء لتوافق ما قبلها ، وعن يعقوب ونبلو بسكون الواو على تقدير ونحن نبلو .
31. And verily We shall try you till We know those of you who strive hard (for the cause of Allah) and the steadfast, and till We test your record.
31 - And We shall try you until We test those among you who strive their utmost and persevere in patience; and We shall try your reported (mettle).