[محمد : 29] أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ
29 - (أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم) يظهر أحقادهم على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين
يقول تعالى ذكره : أحسب هؤلاء المنافقون الذين في قلوبهم شك في دينهم ، وضعف في يقينهم ، فهم حيارى في معرفة الحق أن لن يخرج الله في قلوبهم من الأضغان على المؤمنين ، فيبدله لهم ويظهره ، حتى يعرفوا نفاقهم ، وحيرتهم في دينهم " ولو نشاء لأريناكهم " يقول تعالى ذكره : ولو نشاء يا محمد لعرفناك هؤلاء المنافقين حتى تعرفهم ، من قول القائل : سأريك ما أصنع بمعنى سأعلمك .
وقوله " فلعرفتهم بسيماهم " يقول : فلتعرفنهم بعلامات النفاق الظاهرة منهم في فحوى كلامهم ، وظاهر أفعالهم . ثم إن الله تعالى ذكره عرفه إياهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال: ثني : عمي قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم " ...إلى آخر الآية ، قال : هم أهل النفاق ، وقد عرفه إياهم في براءة فقال : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره ) وقال : ( فقل لن تخوجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدواً ) .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال سمعت الضحاك يقول في قوله " أم حسب الذين في قلوبهم مرض " ...الآية ، هم أهل النفاق " فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول " فعرفه الله إياهم في سورة براءة فقال : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ) وقال : ( فقل لهم لن تنفروا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدواً ) حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم " قال : هؤلاء المنافقون ، قال : والذي أسروا من النفاق هو الكفر .
قوله تعالى : " أم حسب الذين في قلوبهم مرض " نفاق وشك ، يعني المنافقين " أن لن يخرج الله أضغانهم " الأضغان ما يضمر من المكروه ، واختلف في معناه ، فقال السدي : غشهم ، وقال ابن عباس : حسدهم ، وقال قطرب : عدوانهم ، وأنشد قول الشاعر :
قل لابن هند ما أردت بمنطق ساء الصديق وشيد الأضغانا
وقيل : أحقادهم ، واحدها ضغن قال :
وذي ضغن كففت النفس عنه
وقد تقدم ، وقال عمرو بن كلثوم :
وإن الضغن بعد الضغن يفشو عليك ويخرج الداء الدفينا
قال الجوهري : الضغن والضغينة : الحقد ، وقد ضغن عليه ( بالكسر ) ضغناً ، وتضاغن القوم واضطغنوا : أبطنوا على الأحقاد ، واضطغنت الصبي إذا أخذته تحت حضنك ، وأنشد الأحمر :
كأنه مضطغن صبيا
أي حامله في حجره ، وقال ابن مقبل :
إذا اضطغنت سلاحي عند مغرضها ومرفق كرئاس السيف إذ شسفا
وفرس ضاغن : لا يعطي ما عنده من الجري إلا بالضرب ، والمعنى : أم حسبوا أن لن يظهر الله عداوتهم وحقدهم لأهل الإسلام .
يقول تعالى: " أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم " أي أيعتقد المنافقون أن الله لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين, بل سيوضح أمرهم ويجليه حتى يفهمهم ذوو البصائر, وقد أنزل الله تعالى في ذلك سورة براءة فبين فيها فضائحهم, وما يعتمدونه من الأفعال الدالة على نفاقهم, ولهذا كانت تسمى الفاضحة. والأضغان: جمع ضغن وهو ما في النفوس من الحسد والحقد للإسلام وأهله والقائمين بنصره. وقوله تعالى: " ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم " يقول عز وجل ولو نشاء يا محمد لأريناك أشخاصهم فعرفتهم عياناً, ولكن لم يفعل تعالى ذلك في جميع المنافقين ستراً منه على خلقه, وحملاً للأمور على ظاهر السلامة ورداً للسرائر إلى عالمها "ولتعرفنهم في لحن القول" أي فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم يفهم المتكلم من أي الحزبين هو بمعاني كلامه وفحواه, وهو المراد من لحن القول كما قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه.
وفي الحديث "ما أسر أحد سريرة إلا كساه الله تعالى جلبابها إن خيراً فخير وإن شراً فشر" وقد ذكرنا ما يستدل به على نفاق الرجل وتكلمنا على نفاق العمل والاعتقاد في أول شرح البخاري بما أغنى عن إعادته ههنا, وقد ورد في الحديث تعيين جماعة من المنافقين. قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا سفيان عن سلمة عن عياض بن عياض عن أبيه عن أبي مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: "إن منكم منافقين فمن سميت فليقم ـ ثم قال ـ قم يا فلان, قم يا فلان قم يا فلان ـ حتى سمى ستة وثلاثين رجلاً ثم قال ـ إن فيكم أو منكم ـ منافقين فاتقوا الله" قال فمر عمر رضي الله عنه برجل ممن سمى مقنع قد كان يعرفه فقال: مالك ؟ فحدثه بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بعداً لك سائر اليوم. وقوله عز وجل: "ولنبلونكم" أي لنختبرنكم بالأوامر والنواهي "حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم" وليس في تقدم علم الله تعالى بما هو كائن أنه سيكون شك ولا ريب, فالمراد حتى نعلم وقوعه ولهذا يقول ابن عباس رضي الله عنهما في مثل هذا: إلا لنعلم أي لنرى.
29- "أم حسب الذين في قلوبهم مرض" يعني المنافقين المذكورين سابقاً، وأم هي المنقطعة: أي بل أحسب المنافقون "أن لن يخرج الله أضغانهم" الإخراج بمعني الإظهار، والأضغان جمع ضغن، وهو ما يضمر من المكروه. واختلف في معناه، فقيل هو الغش، وقيل الحسد، وقيل الحقد. قال الجوهري: الضغن والضغينة الحقد. وقال قطرب: هو في الآية العداوة، وأن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر.
29. " أم حسب الذين في قلوبهم مرض "، يعني المنافقين، " أن لن يخرج الله أضغانهم "، لن يظهر أحقادهم على المؤمنين فيبديها حتى يعرفوا نفاقهم، واحدها: ((ضغن))، قال ابن عباس: حسدهم.
29-" أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله " أن لن يبرز الله لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين . " أضغانهم " أحقادهم .
29. Or do those in whose hearts is a disease deem that Allah will not bring to light their (secret) hates?
29 - Or do those in whose hearts is a disease, think that God will not bring to light all their rancour?