[الدخان : 49] ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ
49 - ويقال له (ذق) أي العذاب (إنك أنت العزيز الكريم) بزعمك وقولك ما بين جبليها أعز وأكرم مني
وأخرج الأموي في مغازيه عن عكرمة قال لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جهل فقال ان الله أمرني أن أقول لك أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى قال فنزع ثوبه من يده فقال ما تستطيع لي أنت ولا صاحبك من شيء لقد علمت أني أمنع أهل بطحاء وانا العزيز الكريم فقتله الله يوم بدر وأذله وعيره بكلمته ونزل فيه ذق إنك انت العزيز الكريم وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه
يقول تعالى ذكره : يقال لهذا الأثيم الشقي : ذق هذا العذاب الذي تعذب به اليوم " إنك أنت العزيز " في قومك " الكريم " عليهم .
وذكر أن هذه الآيات نزلت في أبي جهل بن هشام .
ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم " نزلت في عدو الله أبي جهل " لقي النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخذه فهزه ، ثم قال : أولى لك يا أبا جهل فأولى ، ثم أولى لك فأولى ، ذق إنك أنت العزيز الكريم ، وذلك أنه قال : أيوعدني محمد ، والله لأنا أعز من مشى بين جبليها " . وفيه نزلت " ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً " [ الإنسان : 24 ] وفيه نزلت " كلا لا تطعه واسجد واقترب " [ العلق : 19 ] وقال قتادة : نزلت في أبي جهل وأصحابه الذين قتل الله تبارك وتعالى يوم بدر " ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار " [ إبراهيم : 28 ] .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : نزلت في أبي جهل " خذوه فاعتلوه " قال قتادة : قال أبو جهل : ما بين جبليها رجل أعز ولا أكرم مني ، فقال الله عز وجل : " ذق إنك أنت العزيز الكريم " .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم " قال : هذا لأبي جهل .
فإن قال قائل : وكيف قيل وهو يهان بالعذاب الذي ذكره الله ، ويذل بالعتل إلى سواء الجحيم : إنك أنت العزيز الكريم ؟ قيل : إن قوله : " إنك أنت العزيز الكريم " غير وصف من قائل ذلك له بالعزة والكرم ، ولكنه تقريم منه له بما كان يصف به نفسه في الدنيا ، وتوبيخ له بذلك على وجه الحكاية ، لأنه كان في الدنيا يقول : إنك أنت العزيز الكريم ، فقيل له في الآخرة ، إذ عذب بما عذب به في النار : ذق هذا الهوان اليوم ، فإنك كنت تزعم أنك أنت العزيز الكريم ، وإنك أنت الذليل المهين ، فأين الذي كنت تقول وتدعي من العز والكرم ، هلا تمتنع من العذاب بعزتك .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا صفوان بن عيسى ، قال : ثنا ابن عجلان عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال كعب : لله ثلاثة أثواب : اتزر بالعز ، وتسربل الرحمة ، وارتدى الكبرياء تعالى ذكره ، فمن تعزز بغير ما أعزه الله فذاك الذي يقال : ذق إنك أنت العزيز الكريم ، ومن رحم الناس فذاك الذي سربل الله سرباله الذي ينبغي له ومن تكبر فذاك الذي نازع الله رداءه إن الله تعالى ذكره يقول : < لا ينبغي لمن نازعني ردائي أن أدخله الجنة > جل وعز . وأجمعت قراء الأمصار جميعاً على كسر الألف من قوله : " ذق إنك " على وجه الابتداء . وحكاية قول هذا القائل : إني أنا العزيز الكريم . وقرأ ذلك بعض المتأخرين < ذق أنك > بفتح الألف على إعمال قوله : " ذق " في قوله : < أنك > كأن معنى الكلام عنده : ذق هذا القول الذي قلته في الدنيا .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا كسر الألف من " إنك " على المعنى الذي ذكرت لقارئه ، لإجماع الحجة من القراء عليه ، وشذوذ ما خالفه ، وكفى دليلاً على خطأ قراءة خلافها ، ما مضت عليه الأئمة من المتقدمين والمتأخرين ، مع بعدها من الصحة في المعنى وفراقها تأويل أهل التأويل .
قوله تعالى : " ذق إنك أنت العزيز الكريم " قال ابن الأنباري : أجمعت العوام على كسر ( إن ) وروي عن الحسن عن علي رحمه الله ( ذق أنك ) بفتح ( أن ) وبها قرأ الكسائي ، فمن كسر ( إن ) وقف على ( ذق ) ومن فتحها لم يقف على ( ذق ) ، لأن المعنى ذق لأنك وبأنك أنت العزيز الكريم ، قال قتادة : نزلت في أبي جهل وكان قد قال ما فيها أعز مني ولا أكرم ، فلذلك قيل له ، ( ذق إنك أنت العزيز الكريم ) وقال عكرمة : " التقى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو جهل فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله أمرني أن أقول لك أولى لك فأولى ، فقال : بأي شي تهددني ! والله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئاً ، إني لمن أعز هذا الوادي وأكرمه على قومه ، فقتله الله يوم بدر وأذله " ونزلت هذه الآية ، أي يقول له الملك : ذق إنك أنت العزيز الكريم بزعمك ، وقيل : هو على معنى الاسخفاف والتوبيخ والاستهزاء ، والإهانة والتنقيص ، أي قال له : إنك أنت الذليل المهان ، وهو كما قال قوم شعيب لشعيب : " إنك لأنت الحليم الرشيد " [ هود : 87 ] ، يعنون السفيه الجاهل في أحد التأويلات على ما تقدم ، وهذا قول سعيد بن جبير .
يقول تعالى مخبراً عما يعذب به الكافرين الجاحدين للقائه: " إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم " الأثيم أي في قوله وفعله, وهو الكافر, وذكر غير واحد أنه أبو جهل, ولا شك في دخوله في هذه الاية, ولكن ليست خاصة به. قال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار, حدثنا عبد الرحمن, حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث أن أبا الدرداء كان يقرىء رجلاً " إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم " فقال: طعام اليتيم, فقال أبو الدرداء رضي الله عنه: قل إن شجرة الزقوم طعام الفاجر أي ليس له طعام من غيرها, قال مجاهد: ولو وقعت قطرة منها في الأرض لأفسدت على أهل الأرض معيشتهم, وقد تقدم نحوه مرفوعاً, وقوله: "كالمهل" قالوا: كعكر الزيت " يغلي في البطون * كغلي الحميم " أي من حرارتها ورداءتها, وقوله: "خذوه" أي الكافر, وقد ورد أنه تعالى إذا قال للزبانية خذوه ابتدره سبعون ألفاً منهم, وقوله: "فاعتلوه" أي سوقوه سحباً ودفعاً في ظهره, قال مجاهد "خذوه فاعتلوه" أي خذوه فادفعوه, وقال الفرزدق:
ليس الكرام بناحليك أباهم حتى ترد إلى عطية تعتل
"إلى سواء الجحيم" أي وسطها "ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم" كقوله عز وجل: " يصب من فوق رؤوسهم الحميم * يصهر به ما في بطونهم والجلود " وقد تقدم أن الملك يضربه بمقمعة من حديد, فتفتح دماغه ثم يصب الحميم على رأسه فينزل في بدنه, فيسلت ما في بطنه من أمعائه حتى تمرق من كعبيه, أعاذنا الله تعالى من ذلك. وقوله تعالى: "ذق إنك أنت العزيز الكريم" أي قولوا له ذلك على وجه التهكم والتوبيخ, وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما: أي لست بعزيز ولا كريم. وقد قال الأموي في مغازيه: حدثنا أسباط بن محمد, حدثنا أبو بكر الهذلي عن عكرمة قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جهل لعنه الله فقال: "إن الله تعالى أمرني أن أقول لك, أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى" قال: فنزع ثوبه من يده وقال: ما تستطيع لي أنت ولا صاحبك من شيء, ولقد علمت أني أمنع أهل البطحاء وأنا العزيز الكريم, قال فقتله الله يوم بدر وأذله وعيره بكلمته وأنزل: "ذق إنك أنت العزيز الكريم". وقوله عز وجل: "إن هذا ما كنتم به تمترون" كقوله تعالى: " يوم يدعون إلى نار جهنم دعا * هذه النار التي كنتم بها تكذبون * أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون " ولهذا قال تعالى ههنا: "إن هذا ما كنتم به تمترون".
49- "ذق إنك أنت العزيز الكريم" أي وقولوا له تهكماً وتقريعاً وتوبيخاً: ذق العذاب إنك أنت العزيز الكريم. وقيل إن أبا جهل كان يزعم أنه أعز أهل الوادي وأكرمهم، فيقولون له: ذق العذاب أيها المتعزز المتكرم في زعمك وفيما كنت تقوله. قرأ الجمهور "إنك" بكسر الهمزة، وقرأ الكسائي وروي ذلك عن علي بفتحها أي لأنك. قال الفراء: أي بهذا القول الذي قلته في الدنيا.
49. ثم يقال له: " ذق "، هذا العذاب، " إنك "، قرأ الكسائي ، ((أنك)) بفتح الألف، أي لأنك كنت تقول: أنا العزيز، وقرأ الآخرون بكسرها على الابتداء، " إنك أنت العزيز الكريم "، عند قومك بزعمك، وذلك أن أبا جهل كان يقول: أنا أعز أهل الوادي وأكرمهم، فيقول له هذا خزنة النار، على طريق الاستحقار والتوبيخ.
49-" ذق إنك أنت العزيز الكريم " أي وقولوا له ذلك استهزاء به وتفريعاً على ما كان يزعمه ، وقرأ الكسائي أنك بالفتح أي ذق لأنك أو " عذاب " " أنك " .
49. (Saying): Taste! Lo! thou wast forsooth the mighty, the noble!
49 - Taste thou (this)! Truly wast thou mighty, full of honour!