[الزخرف : 88] وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ
88 - (وقيله) أي قول محمد النبي ونصبه بفعله المقدر أي وقال (يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون)
وقوله : " وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون " اختلفت القراء في قراءة قوله : " وقيله " فقرأته عامة قراء المدينة ومكة والبصرة < وقيله > بالنصب . وإذا قرىء كذلك ذلك ، كان له وجهان في التأويل : أحدهما العطف على قوله : " أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم " ، ونسمع قيله يا رب . والثاني : أن يضمر له ناصب ، فيكون معناه حينئذ : وقال قوله : " يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون " وشكا محمد شكواه إلى ربه . وقرأته عامة قراء الكوفة " وقيله " بالخفض على معنى : وعنده علم الساعة ، علم قيله .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار صحيحتا المعنى فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . فتأويل الكلام إذن : وقال محمد قيله شاكياً إلى ربه تبارك وتعالى قومه الذين كذبوه ، وما يلقى منهم : يا رب إن هؤلاء الذين أمرتني بإنذارهم وأرسلتني إليهم لدعائهم إليك ، قوم لا يؤمنون .
كما حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون " قال : فأبر الله عز وجل قول محمد صلى الله عليه وسلم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون " قال : هذا قول نبيكم عليه الصلاة والسلام يشكو قومه إلى ربه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " وقيله يا رب " قال : هو قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن هؤلاء قوم لا يؤمنون " .
قوله تعالى : " وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون "
في ( قيله ) ثلاث قراءات : النصب ، والجر ، والرفع ، فأما الجر فهي قراءة عاصم و حمزة وبقية السبعة بالنصب ، وأما الرفع فهي قراءة الأعرج و قتادة و ابن هرمز و مسلم بن جندب ، فمن جر حمله على معنى : وعنده علم الساعة وعلم قيله ، ومن نصب فعلى معنى : وعنده علم الساعة ويعلم قيله ، وهذا اختيار الزجاج ، وقال الفراء و الأخفش : يجوز أن يكون " وقيله " عظفاً على قوله : " أنا لا نسمع سرهم ونجواهم " [ الزخرف : 80 ] ، قال ابن الأنباري : سألت أبا العباس محمد بن يزيد المبرد بأي شيء تنصب القيل ؟ فقال : أنصبه على ( وعنده علم الساعة ويعلم قيله ) فمن هذا الوجه لا يحسن الوقف على ( ترجعون ) ولا على ( يعلمون ) ويحسن الوقف على ( يكتبون ) وأجاز الفراء و الأخفش أن ينصب القيل على معنى : لا نسمع سرهم ونجواهم وقيله ، كما ذكرنا عنهما ، فمن هذا الوجه لا يحسن الوقف على ( يكتبون ) وأجاز الفراء و الأخفش أيضاً ، أن ينصب على المصدر ، كأنه قال : وقال قيله ، وشكا شكواه إلى الله عز وجل كما قال كعب بن زهير :
تمشي الوشاة جنابيها وقيلهم إنك يا بن أبي سلمى لمقتول
أراد : ويقولون قيلهم : ومن رفع ( قيله ) فالتقدير : وعنده قيله ، أو قيله مسموع ، أو قيله هذا القول : الزمخشري : والذي قالوه ليس بقوي في المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضاً ومع تنافر النظم ، وأقوى من ذلك وأوجه أن يكون الجر والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه ، والرفع على قولهم : أيمن الله وأمانة الله ويمين الله ولعمرك ويكون قوله : " إن هؤلاء قوم لا يؤمنون " جواب القسم ، كأنه قال : وأقسم بقيله يا رب ، أو قيله يا رب قسمي ، إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ، وقال ابن الأنباري : ويجوز في العربية ( وقيله ) بالرفع ، على أن ترفعه بإن هؤلاء قوم لا يؤمنون ، المهدوي : أو يكون على تقدير وقيله قيله يا رب ، فحذف قيله الثاني الذي هو خبر ، وموضع ( يا رب ) نصب بالخبر المضمر ، ولا يمتنع ذلك من حيث امتنع حذف بعض الموصول وبقي بعضه ، لأن حذف القول قد كثر حتى صار بمنزلة المذكور ، والهاء في ( قيله ) لعيسى ، وقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقد جرى ذكره إذ قال : " قل إن كان للرحمن ولد " [ الزخرف : 81 ] ، وقرأ أبو قلابة ( يا رب ) بفتح الباء ، والقيل مصدر كالقول ، ومنه الخبر : " نهى عن قيل وقال " ، ويقال : قلت قولاً وقيلاً وقالاً ، وفي النساء : " ومن أصدق من الله قيلا " [ النساء : 122 ] .
يقول تعالى: "قل" يا محمد "إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين" أي لو فرض هذا لعبدته على ذلك, لأني عبد من عبيده مطيع لجميع ما يأمرني به ليس عندي استكبار ولا إباء عن عبادته, فلو فرض هذا لكان هذا, ولكن هذا ممتنع في حقه تعالى والشرط لا يلزم منه الوقوع ولا الجواز أيضاً كما قال عز وجل: "لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار" وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: "فأنا أول العابدين" أي الانفين, ومنهم سفيان الثوري والبخاري, حكاه فقال ويقال أول العابدين الجاحدين من عبد يعبد, وذكر ابن جرير لهذا القول من الشواهد ما رواه عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب, حدثني ابن أبي ذئب عن أبي قسيط عن بعجة بن زيد الجهني أن امرأة منهم دخلت على زوجها وهو رجل منهم أيضاً, فولدت له في ستة أشهر فذكر ذلك زوجها لعثمان بن عفان رضي الله عنه, فأمر بها أن ترجم, فدخل عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: إن الله تعالى يقول في كتابه "وحمله وفصاله ثلاثون شهراً" وقال عز وجل: "وفصاله في عامين" قال: فو الله ما عبد عثمان رضي الله عنه أن بعث إليها ترد, قال يونس: قال ابن وهب: عبد استنكف. وقال الشاعر:
متى ما يشأ ذو الود يصرم خليله ويعبد عليه لا محالة ظالما
وهذا القول فيه نظر لأنه كيف يلتئم مع الشرط فيكون تقديره إن كان هذا فأنا ممتنع منه ؟ هذا فيه نظر فليتأمل اللهم إلا أن يقال: أن إن ليست شرطاً وإنما هي نافية, كما قال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: "قل إن كان للرحمن ولد" يقول: لم يكن للرحمن ولد, فأنا أول الشاهدين. وقال قتادة هي كلمة من كلام العرب "إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين" أي إن ذلك لم يكن فلا ينبغي, وقال أبو صخر "قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين" أي فأنا أول من عبده بأن لا ولد له, وأول من وحده, وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم, وقال مجاهد "فأنا أول العابدين" أي أول من عبده ووحده وكذبكم, وقال البخاري "فأنا أول العابدين" الانفين وهما لغتان رجل عابد وعبد, والأول أقرب على أنه شرط وجزاء ولكن هو ممتنع, وقال السدي "قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين" يقول : لو كان له ولد كنت أول من عبده بأن له ولداً ولكن لا ولد له, وهو اختيار ابن جرير ورد قول من زعم أن إن نافية. ولهذا قال تعالى: "سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون" أي تعالى وتقدس وتنزه خالق الأشياء عن أن يكون له ولد فإنه فرد أحد صمد, لا نظير له ولا كفء له فلا ولد له.
وقوله تعالى: "فذرهم يخوضوا" أي في جهلهم وضلالهم "ويلعبوا" في دنياهم "حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون" وهو يوم القيامة أي فسوف يعلمون كيف يكون مصيرهم ومآلهم وحالهم في ذلك اليوم قوله تبارك وتعالى: "وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله" أي هو إله من في السماء وإله من في الأرض يعبده أهلها وكلهم خاضعون له أذلاء بين يديه "وهو الحكيم العليم" وهذه الاية كقوله سبحانه وتعالى: "وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون" أي هو المدعو الله في السموات والأرض "وتبارك الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما" أي هو خالقها ومالكها, والمتصرف فيها بلا مدافعة ولا ممانعة, فسبحانه وتعالى عن الولد وتبارك, أي استقر له السلامة من العيوب والنقائص, لأنه الرب العلي العظيم المالك للأشياء الذي بيده أزمة الأمور نقضاً وإبراماً. "وعنده علم الساعة" أي لا يجليها لوقتها إلا هو "وإليه ترجعون" أي فيجازي كلاً بعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر. ثم قال تعالى: "ولا يملك الذين يدعون من دونه" أي من الأصنام والأوثان "الشفاعة" أي لا يقدرون على الشفاعة لهم "إلا من شهد بالحق وهم يعلمون" هذا استثناء منقطع. أي لكن من شهد بالحق على بصيرة وعلم, فإنه تنفع شفاعته عنده بإذنه له. ثم قال عز وجل: "ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون" أي ولئن سألت هؤلاء المشركين بالله العابدين معه غيره "من خلقهم ليقولن الله" أي هم يعترفون أنه الخالق للأشياء جميعها وحده لا شريك له في ذلك, ومع هذا يعبدون معه غيره ممن لا يملك شيئاً ولا يقدر على شيء, فهم في ذلك في غاية الجهل والسفاهة وسخافة العقل. ولهذا قال تعالى: "فأنى يؤفكون".
وقوله جل وعلا: "وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون" أي وقال محمد صلى الله عليه وسلم, قيله أي شكا إلى ربه شكواه من قومه الذين كذبوه فقال يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون, كما أخبر تعالى في الاية الأخرى: "وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً" وهذا الذي قلناه هو قول ابن مسعود رضي الله عنه ومجاهد وقتادة, وعليه فسر ابن جرير, قال البخاري: وقرأ عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه "وقال الرسول يا رب" وقال مجاهد في قوله: " وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون " قال يؤثر الله عز وجل قول محمد صلى الله عليه وسلم. وقال قتادة: هو قول نبيكم صلى الله عليه وسلم يشكو قومه إلى ربه عز وجل. ثم حكى ابن جرير في قوله تعالى: "وقيله يا رب" قراءتين إحداهما النصب, ولها توجيهان: أحدهما أنه معطوف على قوله تبارك وتعالى: "نسمع سرهم ونجواهم" والثاني أن يقدر فعل وقال قيله, والثانية الخفض وقيله عطفاً على قوله: "وعنده علم الساعة" وتقديره وعلم قيله. وقوله تعالى: "فاصفح عنهم" أي المشركين "وقل سلام" أي لا تجاوبهم بمثل ما يخاطبونك به من الكلام السيء, ولكن تألفهم واصفح عنهم فعلاً وقولاً "فسوف يعلمون" هذا تهديد من الله تعالى لهم, ولهذا أحل بهم بأسه الذي لا يرد وأعلى دينه وكلمته, وشرع بعد ذلك الجهاد والجلاد حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً, وانتشر الإسلام في المشارق والمغارب والله أعلم. آخر تفسير سورة الزخرف.
قرأ الجمهور 88- "وقيله" بالنصب عطفاً على محل الساعة، كأنه قيل: إنه يعلم الساعة ويعلم قيله أو عطفاً على سرهم ونجواهم: أي يعلم سرهم ونجواهم ويعلم قيله، أو عطفاً على مفعول يكتبون المحذوف: أي يكتبون ذلك ويكتبون قيله، أو عطفاً على مفعول يعلمون المحذوف: أي يعلمون ذلك ويعلمون قيله أو هي مصدر: أي قال قيله، أو منصوب بإضمار فعل: أي الله يعلم قيل رسوله، أو هو معطوف على محل بالحق: أي شهد بالحق وبقيله، أو منصوب على حذف حرف القسم. ومن المجوزين للوجه الأول المبرد وابن الأنباري، ومن المجوزين للثاني الفراء والأخفش، ومن المجوزين للنصب على المصدرية الفراء والأخفش أيضاً. وقرأ حمزة وعاصم "وقيله ي" بالجر عطفاً على لفظ الساعة: أي وعنده علم الساعة وعلم قيله، والقول والقال والقيل بمعنى واحد، أو على أن الواو للقسم، وقرأ قتادة ومجاهد والحسن وأبو قلابة والأعرج وابن هرمز ومسلم بن جندب وقيله بالرفع عطفاً على علم الساعة: أي وعنده علم الساعة وعنده قيله، أو على الابتداء، وخبره الجملة المذكورة بعده، أو خبره محذوف تقديره وقيله كيت وكيت، أو وقيله مسموع. قال أبو عبيد: يقال قلت قولاً وقيلاً وقالاً، والضمير في وقيله راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال قتادة: هذا نبيكم يشكو قومه إلى ربه، وقيل: الضمير عائد إلى المسيح، وعلى الوجهين فالمعنى: أنه قال منادياً لربه "يا رب إن هؤلاء" الذين أرسلتني إليهم " قوم لا يؤمنون ".
88. " وقيله يا رب "، يعني قول محمد صلى الله عليه وسلم شاكياً إلى ربه: يارب، " إن هؤلاء قوم لا يؤمنون "، قرأ عاصم و حمزة ((وقيله)) بجر اللام والهاء، على مهنى: وعنده علم الساعة وعلم قيله يارب، وقرأ الآخرون بالنصب، وله وجهان: أحدهما معناه: أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم وقيله يارب، والثاني: وقال قيله.
88-" وقيله " وقول الرسول ونصبه للعطف على سرهم ، أو على محل الساعة أو لإضمار فعله أي وقال " قيله " . وجره عاصم و حمزة عطفاً على " الساعة " ، وقرئ بالرفع على أنه مبتدأ خبره . " يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون " أو معطوف على " علم الساعة " بتقدير مضاف . وقيل هو قسم منصوب بحذف الجار أو المجرور بإضماره ، أو مرفوع بتقدير " وقيله يا رب " قسمي ، و " إن هؤلاء " جوابه .
88. And he saith: O my Lord! Lo! those are a folk who believe not.
88 - (God has knowledge) of the (Prophet's) cry, O my Lord! Truly these are a people who will not believe!