[الزخرف : 79] أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ
79 - (أم أبرموا) أي كفار مكة احكموا (أمرا) في كيد محمد النبي (فإنا مبرمون) محكمون كيدنا في إهلاكهم
يقول تعالى ذكره : أم أبرم هؤلاء المشركون من قريش أمراً فأحكموه ، يكيدون به الحق الذي جئناهم به ، فإنا محكمون لهم ما يخزيهم ، ويذلهم من النكال .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : " أم أبرموا أمراً فإنا مبرمون " قال : مجمعون : إن كادوا شراً كدنا مثله .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : " أم أبرموا أمراً فإنا مبرمون " قال : أم أجمعوا أمراً فإنا مجمعون .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " أم أبرموا أمراً فإنا مبرمون " قال : أم أحكموا أمراً فإنا محكمون لأمرنا .
قوله تعالى : " أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون "
قال مقاتل : نزلت في تدبيرهم المكر بالنبي صلى الله عليه وسلم في دار الندوة ، حين استقر أمرهم على ما أشار به أبو جهل عليهم أن يبرز من كل قبيلة رجل ليشتركوا في قتله فتضعف المطالبة بدمه ، فنزلت هذه الآية ، وقتل الله جميعهم ببدر ، ( أبرموا ) أحكموا ، والإبرام الإحكام ، أبرمت الشيء أحكمته ، وأبرم القتال إذا أحكم الفتل ، وهو الفتل الثاني ، والأول سحيل ، كما قال :
.........من سحيل ومبرم
فالمعنى : أم أحكموا كيداً فإنا محكمون لهم كيداً ، قاله ابن زيد و مجاهد و قتادة : أم أجمعوا على التكذيب فإنا مجمعون على الجزاء بالبعث ، الكلبي : أم قضوا أمراً فإنا قاضون عليهم بالعذاب ، وأم بمعنى بل ، وقيل : ( أم أبرموا ) عطف على قوله : " أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون " [ الزخرف : 45 ] ، وقيل : أي ولقد جئناكم بالحق فلم تسمعوا ، أم سمعوا فأعرضوا لأنهم في أنفسهم أبرموا أمراً آمنوا به العقاب .
لما ذكر تعالى حال السعداء ثنى بذكر الأشقياء فقال: "إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون * لا يفتر عنهم" أي ساعة واحدة " وهم فيه مبلسون " أي آيسون من كل خير. "وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين" أي بأعمالهم السيئة بعد قيام الحجة عليهم. وإرسال الرسل إليهم, فكذبوا وعصوا فجوزوا بذلك جزاء وفاقاً وما ربك بظلام للعبيد. "ونادوا يا مالك" وهو خازن النار. قال البخاري: حدثنا حجاج بن منهال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر "ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك" أي يقبض أرواحنا فيريحنا مما نحن فيه فإنهم كما قال تعالى: "لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها" وقال عز وجل: "ويتجنبها الأشقى * الذي يصلى النار الكبرى * ثم لا يموت فيها ولا يحيا" فلما سألوا أن يموتوا أجابهم مالك "قال إنكم ماكثون" قال ابن عباس: مكث ألف سنة ثم قال: إنكم ماكثون رواه ابن أبي حاتم أي لا خروج لكم منها ولا محيد لكم عنها ثم ذكر سبب شقوتهم, وهو مخالفتهم للحق ومعاندتهم له فقال: "لقد جئناكم بالحق" أي بيناه لكم ووضحناه وفسرناه "ولكن أكثركم للحق كارهون" أي ولكن كانت سجاياكم لا تقبله ولا تقبل عليه, وإنما تنقاد للباطل وتعظمه, وتصد عن الحق وتأباه وتبغض أهله, فعودوا على أنفسكم بالملامة. واندموا حيث لا تنفعكم الندامة, ثم قال تبارك وتعالى: "أم أبرموا أمراً فإنا مبرمون" قال مجاهد: أرادوا كيد شر, فكدناهم وهذا الذي قاله مجاهد كما قال تعالى: "ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون" وذلك لأن المشركين كانوا يتحيلون في رد الحق بالباطل بحيل ومكر يسلكونه, فكادهم الله تعالى ورد وبال ذلك عليهم, ولهذا قال: "أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم" أي سرهم وعلانيتهم "بلى ورسلنا لديهم يكتبون" أي نحن نعلم ما هم عليه والملائكة أيضاً يكتبون أعمالهم صغيرها وكبيرها.
79- "أم أبرموا أمراً فإنا مبرمون" أم هي المنقطعة التي بمعنى بل والهمزة: أي بل أبرموا أمراً. وفي ذلك انتقال من توجع أهل النار إلى حكاية ما يقع من هؤلاء، والإبرام: الإتقان والإحكام، يقال أبرمت الشيء: أحكمته وأتقنته، وأبرم الحبل: إذا أحكم فتله، والمعنى: بل أحكموا كيداً للنبي صلى الله عليه وسلم فإنا محكمون لهم كيداً قاله مجاهد وقتادة وابن زيد، ومثل هذا قوله تعالى: "أم يريدون كيداً فالذين كفروا هم المكيدون" وقيل المعنى: أم قضوا أمراً فإنا قاضون عليهم أمرنا بالعذاب.
79. " أم أبرموا "، أم أحكموا، " أمراً "، في المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم، " فإنا مبرمون "، محكمون أمراً في مجازاتهم، قال مجاهد : إن كادوا شراً كدتهم مثله.
79-" أم أبرموا أمراً " في تكذيب الحق ورده ولم يقتصروا على كراهته . " فإنا مبرمون " أمراً في مجازاتهم والعدول عن الخطاب للإشعار بأن ذلك أسوأ من كراهتهم ، أو أم أحكم المشركون أمراً من كيدهم بالرسول " فإنا مبرمون " كيدنا بهم ، ويؤيده قوله :
79. Or do they determine any thing (against the Prophet)? Lo! We (also) are determining.
79 - What! Have they settled some Plan (among themselves)? But it is We Who settle things.