[الزخرف : 70] ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ
70 - (ادخلوا الجنة أنتم) مبتدأ (وأزواجكم) زوجاتكم (تحبرون) تسرون وتكرمون خبر المبتدأ
وقوله : " ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون " يقول جل ثناؤه : ادخلوا الجنة أنتم أيها المؤمنون وأزواجكم مغبوطين بكرامة الله ، مسرورين بما أعطاكم اليوم ربكم .
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " تحبرون " وقد ذكرنا ما قد قيل في ذلك فيما مضى ، وبينا الصحيح من القول فيه عندنا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، غير أنا نذكر بعض ما لم يذكر هنالك من أقوال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون " : أي تنعمون .
حدثنا ا بن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : " تحبرون " قال : تنعمون .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله : " تحبرون " قال : تكرمون .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " أنتم وأزواجكم تحبرون " قال : تنعمون .
قوله تعالى : " ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون "
وقرأ أبو بكر و زر بن حبيش ( يا عبادي ) بفتح الياء وإثباتها في الحالين ، ولذلك أثبتها نافع و ابن عامر و رويس ساكنة في الحالين ، وحذفها الباقون في الحالين ، لأنها وقعت مثبتة في مصاحف أهل الشام والمدينة لا غير . " ادخلوا الجنة " أي يقال لهم ادخلوا الجنة ، أو يا عبادي الذين آمنوا ادخلوا الجنة ، " أنتم وأزواجكم " المسلمات في الدنيا ، وقيل : قرناؤكم من المؤمنين ، وقيل : زوجاتكم من الحور العين ، " تحبرون " تكرمون ، قاله ابن عباس والكرامة في المنزلة الحسن تفرحون ، والفرح في القلب ، قتادة : ينعمون ، والنعيم في البدن ، مجاهد : تسرون ، والسرور في العين ، ابن أبي نجيح ، تعجبون ، والعجب هاهنا درك ما يستطرف ، يحيى بن أبي كثير : هو التلذذ بالسماع ، وقد مضى هذا في (( الروم )) .
يقول تعالى: هل ينتظر هؤلاء المشركون المكذبون للرسل "إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون" أي فإنها كائنة لا محالة وواقعة, وهؤلاء غافلون عنها غير مستعدين فإذا جاءت إنما تجيء وهم لا يشعرون بها فحينئذ يندمون كل الندم حيث لا ينفعهم ولا يدفع عنهم, وقوله تعالى: "الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين" أي كل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة, إلا ما كان لله عز وجل فإنه دائم بدوامه, وهذا كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقومه: " إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ".
وقال عبد الرزاق: أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه "الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين" قال: خليلان مؤمنان وخليلان كافران, فتوفي أحد المؤمنين وبشر بالجنة, فذكر خليله فقال: اللهم إن فلاناً خليلي كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر, وينبئني أني ملاقيك, اللهم فلا تضله بعدي حتى تريه مثلما أريتني, وترضى عنه كما رضيت عني, فيقال له اذهب فلو تعلم ماله عندي لضحكت كثيراً وبكيت قليلاً قال: ثم يموت الاخر فتجتمع أرواحهما فيقال: ليثن أحدكما على صاحبه فيقول كل واحد منهما لصاحبه: نعم الأخ ونعم الصاحب ونعم الخليل. وإذا مات أحد الكافرين وبشر بالنار ذكر خليله فيقول: اللهم إن خليلي فلاناً كان يأمرني بمعصيتك ومعصية رسولك. ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير, ويخبرني أني غير ملاقيك. اللهم فلا تهده بعدي حتى تريه مثل ما أريتني وتسخط عليه كما سخطت علي. قال: فيموت الكافر الاخر فيجمع بين أرواحهما فيقال: ليثن كل واحد منكما على صاحبه فيقول كل واحد منهما لصاحبه: بئس الأخ وبئس الصاحب وبئس الخليل! رواه ابن أبي حاتم, وقال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة: صارت كل خلة عداوة يوم القيامة إلا المتقين, وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة هشام بن أحمد عن هشام بن عبد الله بن كثير, حدثنا أبو جعفر محمد بن الخضر بالرقة عن معافي, حدثنا حكيم بن نافع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن رجلين تحابا في الله أحدهما بالمشرق والاخر بالمغرب لجمع الله تعالى بينهما يوم القيامة يقول هذا الذي أحببته في".
وقوله تبارك وتعالى: " يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون " ثم بشرهم فقال: "الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين" أي آمنت قلوبهم وبواطنهم وانقادت لشرع الله جوارحهم وظواهرهم, قال المعتمر بن سليمان عن أبيه: إذا كان يوم القيامة فإن الناس حين يبعثون لا يبقى أحد منهم إلا فزع فينادي مناد "يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون" فيرجوها الناس كلهم, قال: فيتبعها "الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين" قال: فييأس الناس منها غير المؤمنين. "ادخلوا الجنة" أي يقال لهم ادخلوا الجنة "أنتم وأزواجكم" أي نظراؤكم "تحبرون" أي تتنعمون وتسعدون وقد تقدم في سورة الروم. "يطاف عليهم بصحاف من ذهب" أي زبادي آنية الطعام "وأكواب" وهي آنية الشراب أي من ذهب لا خراطيم لها ولا عرى " وفيها ما تشتهيه الأنفس " وقرأ بعضهم تشتهيه الأنفس "وتلذ الأعين" أي طيب الطعام والريح وحسن المنظر. قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر, أخبرني إسماعيل بن أبي سعيد قال: إن عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أدنى أهل الجنة منزلة وأسفلهم درجة لرجل لا يدخل الجنة بعده أحد, يفسح له في بصره مسيرة مائة عام في قصور من ذهب وخيام من لؤلؤ ليس فيها موضع شبر إلا معمور يغدى عليه ويراح بسبعين ألف صحفة من ذهب, ليس فيها صحفة إلا فيها لون ليس في الأخرى مثله, شهوته في آخرها كشهوته في أولها, ولو نزل به جميع أهل الأرض لوسع عليهم مما أعطي لا ينقص ذلك مما أوتي شيئاً".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد, حدثنا عمرو بن سواد السرحي, حدثني عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة عن عقيل بن خالد عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا أمامة رضي الله عنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم وذكر الجنة فقال: "والذي نفس محمد بيده, ليأخذن أحدكم اللقمة فيجعلها في فيه, ثم يخطر على باله طعام آخر فيتحول الطعام الذي في فيه على الذي اشتهى" ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون" وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن هو ابن موسى حدثنا سكين بن عبد العزيز, حدثنا الأشعث الضرير عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أدنى أهل الجنة منزلة من له لسبع درجات وهو على السادسة وفوقه السابعة, وإن له ثلثمائة خادم ويغدى عليه ويراح كل يوم بثلثمائة صحفة ـ ولا أعلمه إلا قال من ذهب في كل صحفة لون ليس في الأخرى, وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره, ومن الأشربة ثلثمائة إناء في كل إناء لون ليس في الاخر, وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره, وإنه ليقول يا رب لو أذنت لي لأطعمت أهل الجنة وسقيتهم لم ينقص مما عندي شيء, وإن له من الحور العين لاثنين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا, وإن الواحدة منهن لتأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض" وقوله تعالى: "وأنتم فيها" أي في الجنة "خالدون" أي لا تخرجون منها ولا تبغون عنها حولاً.
ثم قيل لهم على وجه التفضل والامتنان "وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون" أي أعمالكم الصالحة كانت سبباً لشمول رحمة الله إياكم, فإنه لا يدخل أحداً عمله الجنة, ولكن برحمة الله وفضله, وإنما الدرجات ينال تفاوتها بحسب الأعمال الصالحات قال ابن أبي حاتم: حدثنا الفضل بن شاذان المقري, حدثنا يوسف بن يعقوب يعني الصفار, حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أهل النار يرى منزله من الجنة, فيكون له حسرة فيقول "لو أن الله هداني لكنت من المتقين" وكل أهل الجنة يرى منزله من النار فيقول "وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله" فيكون له شكراً" قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار, فالكافر يرث المؤمن منزله من النار. والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنة. وذلك قوله تعالى "وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون" وقوله تعالى: "لكم فيها فاكهة كثيرة" أي من جميع الأنواع "منها تأكلون" أي مهما اخترتم وأردتم. ولما ذكر الطعام والشراب ذكر بعده الفاكهة لتتم النعمة والغبطة, والله تعالى أعلم.
70- "ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم" المراد بالأزواج نساؤهم المؤمنات، وقيل قرناؤهم من المؤمنين، وقيل زوجاتهم من الحور العين "تحبرون" تكرمون، وقيل تنعمون، وقيل تفرحون، وقيل تسرون، وقيل تعجبون، وقيل تلذذون بالسماع، والأولى تفسير ذلك بالفرح والسرور الناشئين عن الكرامة والنعمة.
70. " ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون "، تسرون وتنعمون.
70-" ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم " نساؤكم المؤمنات . " تحبرون " تسرون سروراً يظهر حباره أي أثره على وجوهكم ، أو تزينون من الحبر وهو حسن الهيئة أو تكرمون إكراماً يبالغ فيه ، والحبرة المبالغة فيما وصف بجميل .
70. Enter the Garden, ye and your wives, to be made glad.
70 - Enter ye the Garden, ye and your wives, in (beauty and) rejoicing.