[الشوري : 48] فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ
48 - (فإن أعرضوا) عن الاجابة (فما أرسلناك عليهم حفيظا) تحفظ أعمالهم بأن توافق المطلوب منهم (إن) ما (عليك إلا البلاغ) وهذا قبل الأمر بالجهاد (وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة) نعمة كالغنى والصحة (فرح بها وإن تصبهم) الضمير للإنسان باعتبار الجنس (سيئة) بلاء (بما قدمت أيديهم) أي قدموه وعبر بالأيدي لأن أكثر الأفعال تزاول بها (فإن الإنسان كفور) للنعمة
يقول تعالى ذكره : فإن أعرض هؤلاء المشركون يا محمد عما أتيتهم به من الحق ، ودعوتهم اليه من الرشد ، فلم يستجيبوا لك ، وأبوا قبوله منك ، فدعهم ، فإنا لن نرسلك لهم رقيباً عليهم ، تحفظ عليهم أعمالهم وتحصيها " إن عليك إلا البلاغ " يقول : ما عليك يا محمد إلا أن تبلغهم ما أرسلناك به إليهم من الرسالة ، فإذا بلغتهم ذلك ، فقد قضيت ما عليك " وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها " يقول تعالى ذكره ، فإنا إذا أغنينا ابن آدم فأعطيناه من عندنا سعة ، وذلك هو الرحمة التي ذكرها جل ثناؤه ، فرح بها : يقول:سر بما أعطيناه من الغنى ، ورزقناه من الغنى وكثرة المال ، " وإن تصبهم سيئة " يقول : وإن تصبهم فاقة وفقر وضيق عيش ، " بما قدمت أيديهم " يقول : بما أسلفت من معصية الله عقوبة له على معصيته إياه ، جحد نعمة الله ، وأيس من الخبر " فإن الإنسان كفور " يقول تعالى ذكره : فإن الانسان ، جحود نعم ربه ، يعدد المصائب ، ويجحد النعم ، وإنما قال : " وإن تصبهم سيئة " فأخرج الهاء والميم مخرج كناية جمع الذكور ، وقد ذكر الانسان قبل ذلك بمعنى الواحد ، لأنه بمعنى الجمع .
قوله تعالى : " فإن أعرضوا " أي عن الإيمان " فما أرسلناك عليهم حفيظا " أي حافظاً لأعمالهم حتى تحاسبهم عليها ، وقيل : موكلاً بهم لا تفارقهم دون أن يؤمنوا ، أي ليس لك إكراههم على الإيمان ، " إن عليك إلا البلاغ " وقيل : نسخ هذه بآية القتال " وإنا إذا أذقنا الإنسان " الكافر ، " منا رحمة " رخاء وصحة ، " فرح بها " بطربها ، " وإن تصبهم سيئة " بلاء وشدة ، " بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور " أي لما تقدم من النعمة فيعدد المصائب وينسى النعم .
لما ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة من الأهوال والأمور العظام الهائلة, حذر منه وأمر بالاستعداد له, فقال: "استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله" أي إذا أمر بكونه فإنه كلمح البصر يكون, وليس له دافع ولا مانع. وقوله عز وجل: "ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير" أي ليس لكم حصن تتحصنون فيه ولا مكان يستركم وتتنكرون فيه فتغيبون عن بصره تبارك وتعالى, بل هو محيط بكم بعلمه وبصره وقدرته, فلا ملجأ منه إلا إليه "يقول الإنسان يومئذ أين المفر * كلا لا وزر * إلى ربك يومئذ المستقر" وقوله تعالى: "فإن أعرضوا" يعني المشركين "فما أرسلناك عليهم حفيظاً" أي لست عليهم بمسيطر, وقال عز وجل: "ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء" وقال تعالى: "فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب" وقال جل وعلا ههنا: "إن عليك إلا البلاغ" أي إنما كلفناك أن تبلغهم رسالة الله إليهم.
ثم قال تبارك وتعالى: "وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها" أي إذا أصابه رخاء ونعمة فرح بذلك "وإن تصبهم" يعني الناس "سيئة" أي جدب وبلاء وشدة "فإن الإنسان كفور" أي يجحد ما تقدم من النعم ولا يعرف إلا الساعة الراهنة, فإن أصابته نعمة أشر وبطر, وإن أصابته محنة يئس وقنط, كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: "يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار" فقالت امرأة: ولم يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "لأنكن تكثرن الشكاية وتكفرن العشير, لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم تركت يوماً, قالت: ما رأيت منك خيراً قط" وهذا حال أكثر النساء, إلا من هداه الله تعالى وألهمه رشده, وكان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات, فالمؤمن كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له, وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له, وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن".
48- "فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً" أي حافظاً تحفظ أعمالهم حتى تحاسبهم عليها، ولا موكلاً بهم رقيباً عليهم "إن عليك إلا البلاغ" أي ما عليك إلا البلاغ لما أمرت بإبلاغه، وليس عليك غير ذلك، وهذا منسوخ بآية السيف "وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها" أي إذا أعطيناه رخاءً وصحة وغنى وفرح بها بطراً، والمراد بالإنسان الجنس، ولهذا قال: "وإن تصبهم سيئة" أي بلاء وشدة ومرض "بما قدمت أيديهم" من الذنوب "فإن الإنسان كفور" أي كثير الكفر لما أنعم به عليه من نعمه، غير شكور له عليها، وهذا باعتبار غالب جنس الإنسان.
48. " فإن أعرضوا "، عن الإجابة، " فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك "، ما عليك، " إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة "، قال ابن عباس: يعني الغنى والصحة. " فرح بها وإن تصبهم سيئة "، قحط، " بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور "، أي: لما تقدم من نعمة الله عليه ينسى ويجحد بأول شدة جميع ما سلف من النعم.
48-" فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً " رقيباً أو محاسباً . " إن عليك إلا البلاغ " وقد بلغت . " و إنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها " أراد بالإنسان الجنس لقوله : " وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور " بليغ الكفران ينسى النعمة رأساً ويذكر البلية ويعظمها ولا يتأمل سببها ،وهدا وإن اختص بالمجرمين جاز إسناده إلى الجنس لغلبتهم واندراجهم فيه . وتصدير الشرطية الأولى بـ" إذا " والثانية بـ" إن " لأن إذاقة النعمة محققة من حيث أنها عادة مقتضاة بالذات بخلاف إصابة البلية ، وإقامة علة الجزاء مقامه ووضع الظاهر موضع المضمر في الثانية للدلالة على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعمة .
48. But if they are averse, We have not sent thee as a warder over them. Thine is only to convey (the message). And lo! when We cause man to taste of mercy from Us he exulteth therefor. And if some evil striketh them because of that which their own hands have sent before, then lo! man is an ingrate.
48 - If then they turn away, We have not sent thee as a guard over them. Thy duty is but to convey (the Message). And truly, when We give man a taste of a Mercy from ourselves, he doth exult thereat, but when some ill happens to him, on account of the deeds which his hands have sent forth, truly then is man ungrateful!