[الشوري : 31] وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
31 - (وما أنتم) يا مشركون (بمعجزين) الله هربا (في الأرض) فتفوتوه (وما لكم من دون الله) غيره (من ولي ولا نصير) يدفع عذابه عنكم
وقوله : " وما أنتم بمعجزين في الأرض " يقول : وما أنتم أيها الناس بمفيتي ربكم بأنفسكم إذا أراد عقوبتكم على ذنوبكم التي أذنبتموها ، ومعصيتكم إياه التي ركبتموها هرباً في الأرض ، فمعجزيه ، حتى لا يقدر عليكم ، ولكنكم حيث كنتم في سلطانه وقبضته ، جارية فيكم مشيئته " وما لكم من دون الله من ولي " يليكم بالدفاع عنكم إذا أراد عقوبتكم على معصيتكم إياه " ولا نصير " يقول : ولا لكم من دونه نصير ينصركم إذا عاقبكم ، فينتصر لكم منه ، فاحذروا أيها الناس معاصيه ، واتقوه أن تخالفوه فيما أمركم أو نهاكم ، فإنه لا دافع لعقوبته عمن أحلها به .
" وما أنتم بمعجزين في الأرض " أي بفائتين الله ، أي لن تعجزوه ولن تفوتوه " وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير " تقدم في غير موضع .
يقول تعالى: "ومن آياته" الدالة على عظمته وقدرته العظيمة وسلطانه القاهر "خلق السموات والأرض وما بث فيهما" أي ذرأ فيهما في السموات والأرض "من دابة" وهذا يشمل الملائكة والإنس والجن وسائر الحيوانات على اختلاف أشكالهم وألوانهم ولغاتهم وطباعهم وأجناسهم وأنواعهم وقد فرقهم في أرجاء أقطار السموات والأرض "وهو" مع هذا كله "على جمعهم إذا يشاء قدير" أي يوم القيامة يجمع الأولين والاخرين وسائرالخلائق في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر فيحكم فيهم بحكمه العدل الحق.
وقوله عز وجل: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" أي مهما أصابكم أيها الناس من المصائب فإنما هي عن سيئات تقدمت لكم "ويعفو عن كثير" أي من السيئات فلا يجازيكم عليها بل يعفو عنها "ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة" وفي الحديث الصحيح "والذي نفسي بيده ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن إلا كفر الله عنه بها من خطاياه حتى الشوكة يشاكها". وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم, حدثنا ابن علية, حدثنا أيوب قال: قرأت في كتاب أبي قلابة قال نزلت "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" وأبو بكر رضي الله عنه يأكل فأمسك وقال: يا رسول الله إني أرى ما عملت من خير وشر, فقال: "أرأيت ما رأيت مما تكره, فهو من مثاقيل ذر الشر وتدخر مثاقيل الخير حتى تعطاه يوم القيامة" وقال: قال أبو إدريس: فإني أرى مصداقها في كتاب الله تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" ثم رواه من وجه آخر عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه قال والأول أصح.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع, حدثنا مروان بن معاوية الفزاري, حدثنا الأزهر بن راشد الكاهلي عن الخضر بن القواس البجلي عن أبي سخيلة عن علي رضي الله عنه قال: ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله عز وجل, وحدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير, وسأفسرها لك يا علي: ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم والله تعالى أحلم من أن يثني عليه العقوبة في الاخرة وما عفا الله عنه في الدنيا فالله تعالى أكرم من أن يعود بعد عفوه" وكذا رواه الإمام أحمد عن مروان بن معاوية وعبدة عن أبي سخيلة قال: قال علي رضي الله عنه فذكر نحوه مرفوعاً.
ثم روى ابن أبي حاتم نحوه من وجه آخر موقوفاً فقال: حدثنا أبي, حدثنا منصور بن أبي مزاحم, حدثنا أبو سعيد بن أبي الوضاح عن أبي الحسن عن أبي جحيفة قال دخلت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: ألا أحدثكم بحديث ينبغي لكل مؤمن أن يعيه ؟ قال: فسألناه فتلا هذه الاية "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" قال ما عاقب الله تعالى به في الدنيا فالله أحلم من أن يثني عليه بالعقوبة يوم القيامة وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أكرم من أن يعود عفوه يوم القيامة. وقال الإمام أحمد: حدثنا يعلى بن عبيد, حدثنا طلحة يعني ابن يحيى عن أبي بردة عن معاوية هو ابن أبي سفيان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من شيء يصيب المؤمن في جسده يؤذيه إلا كفر الله تعالى عنه به من سيئاته " وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا حسين عن زائدة عن ليث عن مجاهد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له ما يكفرها ابتلاه الله تعالى بالحزن ليكفرها".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي, حدثنا أبو أسامة عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن هو البصري قال في قوله تبارك وتعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" قال لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفس محمد بيده ما من خدش عود ولا اختلاج عرق ولا عثرة قدم إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر". وقال أيضاً: حدثنا أبي, حدثنا عمر بن علي, حدثنا هشيم عن منصور عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: دخل عليه بعض أصحابه وقد كان ابتلي في جسده فقال له بعضهم إنا لنبأس لك لما نرى فيك, قال فلا تبتئس بما ترى فإن ما ترى بذنب وما يعفو الله عنه أكثر ثم تلا هذه الاية "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير".
وحدثنا أبي, حدثنا يحيى بن الحميد الحماني, حدثنا جرير عن أبي البلاد قال: قلت للعلاء بن بدر "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" وقد ذهب بصري وأنا غلام ؟ قال فبذنوب والديك. وحدثنا أبي, حدثنا علي بن محمد الطنافسي, حدثنا وكيع عن عبد العزيز بن أبي داود عن الضحاك قال: ما نعلم أحداً حفظ القرآن ثم نسيه إلا بذنب ثم قرأ الضحاك "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" ثم يقول الضحاك: وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن.
31- "وما أنتم بمعجزين في الأرض" أي بفائتين عليه هرباً في الأرض ولا في السماء لو كانوا فيها بل ما قضاه عليهم من المصائب واقع عليهم نازل بهم "وما لكم من دون الله من ولي" يواليكم فيمنع عنكم ما قضاه الله "ولا نصير" ينصركم من عذاب الله في الدنيا ولا في الآخرة.
31. " وما أنتم بمعجزين "، بفاتنين، " في الأرض "، هرباً يعني لا تعجزونني حيث ما كنتم ولا تسبقونني، " وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ".
31-" وما أنتم بمعجزين في الأرض " فائتين ما قضى عليكم من المصائب . " وما لكم من دون الله من ولي " يحرصكم عنها . " ولا نصير " يدفعها عنكم .
31. Ye cannot escape in the earth, for beside Allah ye have no protecting friend nor any helper.
31 - Nor can ye frustrate (aught), (fleeing) through the earth; nor have ye, besides God any one to protect or to help.