[الشوري : 25] وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ
25 - (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) منهم (ويعفو عن السيئات) المتاب عنها (ويعلم ما تفعلون) بالياء والتاء
يقول تعالى ذكره : والله الذي يقبل مراجعة العبد إذا رجع إلى توحيد الله وطاعته من بعد كفره " ويعفو عن السيئات " يقول : ويعفو أن يعاقبه على سيئاته من الأعمال ، وعلى معاصيه التي تاب منها " ويعلم ما تفعلون " اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة < يفعلون > بالياء ، بمعنى : ويعلم ما يفعل عباده ، وقرأته عامة قراء الكوفة " تفعلون " بالتاء على وجه الخطاب .
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قرآتان مشهورتان في قرأة الأمصار متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القاريء فمصيب ، غير أن الياء أعجب إلي ، لأن الكلام من قبل ذلك جرى على الخبر ، وذلك قوله " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده " ويعني جل ثناؤه بقوله : " ويعلم ما تفعلون " ويعلم ربكم أيها الناس ما تفعلون من خير وشر ، لا يخفى عليه من ذلك شيء ، وهو مجازيكم على كل ذلك جزاءه فاتقوا الله في أنفسكم ، واحذروا أن تركبوا ما تستحقون به منه العقوبة .
حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : أخبرنا إسحاق بن يوسف ، عن شريك عن إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم النخعي ، عن همام بن الحارث ، قال : أتينا عبد الله نسأله عن هذه الآية " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون " قال : فوجدنا عنده أناساً أو رجالاً يسألونه عن رجل أصاب من امرأة حراماً ، ثم تزوجها ، فتلا هذه الآية " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون " .
قوله تعالى : " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده " قال ابن عباس : لما نزل قوله تعالى " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " قال قوم في نفوسهم : ما يريد إلا أن يحثنا على أقاربه من بعده ، فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنهم قد اتهموه فأنزل : " أم يقولون افترى على الله كذبا " الآية ، فقال القوم : يا رسول الله ، فإنا نشهد أنك صادق ونتوب ، فنزلت : " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده " قال ابن عباس : أي عن أوليائه وأهل طاعته ، والآية عامة ، وقد مضى الكلام في معنى التوبة وأحكامها ، ومضى هذا اللفظ في (( براءة )) ، " ويعفو عن السيئات " أي عن الشرك قبل الإسلام : " ويعلم ما تفعلون " أي من الخير والشر وقرأ حمزة و الكسائي و حفص و خلف بالتاء على الخطاب ، وهي قراءة ابن مسعود وأصحابه ، والباقون بالياء على الخبر ، واختاره أبو عبيد و أبو حاتم ، لأنه بين خبرين : الأول (( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده )) والثاني (( ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات )) .
يقول تعالى ممتناً على عباده بقبول توبتهم إليه إذا تابوا ورجعوا إليه أنه من كرمه وحلمه أن يعفو ويصفح ويستر ويغفر, وكقوله عز وجل: "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً" وقد ثبت في صحيح مسلم رحمة الله عليه, حيث قال: حدثنا محمد بن الصباح وزهير بن حرب قالا: حدثنا عمر بن يونس, حدثنا عكرمة بن عمار, حدثنا إسحاق بن أبي طلحة, حدثني أنس بن مالك, وهو عمه رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله تعالى أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كانت راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته, فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده, فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك ـ أخطأ من شدة الفرح". وقد ثبت أيضاً في الصحيح من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نحوه.
وقال عبد الرزاق عن معمر, عن الزهري في قوله تعالى: "وهو الذي يقبل التوبة عن عباده" إن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته في المكان يخاف أن يقتله فيه العطش" وقال همام بن الحارث: سئل ابن مسعود رضي الله عنه عن الرجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها ؟ قال: لا بأس به, وقرأ "وهو الذي يقبل التوبة عن عباده" الاية, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث شريح القاضي عن إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم النخعي, عن همام فذكره, وقوله عز وجل: "ويعفو عن السيئات" أي يقبل التوبة في المستقبل, ويعفو عن السيئات في الماضي "ويعلم ما تفعلون" أي هو عالم بجميع ما فعلتم وصنعتم وقلتم ومع هذا يتوب على من تاب إليه.
وقوله تعالى: "ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات" قال السدي: يعني يستجيب لهم, وكذا قال ابن جرير: معناه يستجيب لهم الدعاء لأنفسهم ولأصحابهم وإخوانهم, وحكاه عن بعض النحاة, وأنه جعلها كقوله عز وجل: "فاستجاب لهم ربهم" ثم روى هو وابن أبي حاتم من حديث الأعمش عن شقيق بن سلمة, عن سلمة بن سبرة قال: خطبنا معاذ رضي الله عنه بالشام, فقال: أنتم المؤمنون وأنتم أهل الجنة, والله إني لأرجو أن يدخل الله تعالى من تسبون من فارس والروم الجنة وذلك بأن أحدكم إذا عمل له ـ يعني أحدهم عملاً قال: أحسنت رحمك الله, أحسنت بارك الله فيك ثم قرأ "ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله".
وحكى ابن جرير عن بعض أهل العربية أنه جعل قوله: "الذين يستمعون القول" أي هم الذين يستجيبون للحق ويتبعونه كقوله تبارك وتعالى: " إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله " والمعنى الأول أظهر لقوله تعالى: "ويزيدهم من فضله" أي يستجيب دعاءهم فوق ذلك. ولهذا قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا محمد بن المصفى, حدثنا بقية, حدثنا إسماعيل بن عبد الله الكندي, حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: "ويزيدهم من فضله" قال "الشفاعة لمن وجبت له النار ممن صنع إليهم معروفاً في الدنيا" وقال قتادة عن إبراهيم النخعي اللخمي في قوله عز وجل: "ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات" قال: يشفعون في إخوانهم "ويزيدهم من فضله" قال: يشفعون في إخوان إخوانهم. وقوله عز وجل "والكافرون لهم عذاب شديد" لما ذكر المؤمنين ومالهم من الثواب الجزيل ذكر الكافرين ومالهم عنده يوم القيامة من العذاب الشديد الموجع المؤلم يوم معادهم وحسابهم.
وقوله تعالى: "ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض" أي لو أعطاهم فوق حاجتهم من الرزق لحملهم ذلك على البغي والطغيان من بعضهم على بعض أشراً وبطراً.
وقال قتادة: كان يقال خير العيش ما لا يلهيك ولا يطغيك, وذكر قتادة "إنما أخاف عليكم ما يخرج الله تعالى من زهرة الحياة الدنيا" وسؤال السائل: أيأتي الخير بالشر ؟ الحديث. وقوله عز وجل: "ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير" أي ولكن يرزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم وهو أعلم بذلك فيغني من يستحق الغنى ويفقر من يستحق الفقر كما جاء في الحديث المروي "إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه".
وقوله تعالى: "وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا" أي من بعد إياس الناس من نزول المطر ينزله عليهم في وقت حاجتهم وفقرهم إليه كقوله عز وجل: "وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين" وقوله جل جلاله: "وينشر رحمته" أي يعم بها الوجود على أهل ذلك القطر وتلك الناحية. قال قتادة: ذكر لنا أن رجلاً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين قحط المطر وقنط الناس. فقال عمر رضي الله عنه: مطرتم ثم قرأ "وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد" أي هو المتصرف لخلقه بما ينفعهم في دنياهم وأخراهم وهو المحمود العاقبة في جميع ما يقدره ويفعله.
25- "وهو الذي يقبل التوبة عن عباده" أي يقبل من المذنبين من عباده توبتهم إليه مما عملوا من المعاصي واقترفوا من السيئات، والتوبة الندم على المعصية والعزم على عدم المعاودة لها. وقيل يقبل التوبة عن أوليائه وأهل طاعته. والأول أولى، فإن التوبة مقبولة من جميع العباد مسلمهم وكافرهم إذا كانت صحيحة صادرة عن خلوص نية وعزيمة صحيحة "ويعفو عن السيئات" على العموم لمن تاب عن سيئته "ويعلم ما تفعلون" من خير وشر فيجازي كلاً بما يستحقه. قرأ حمزة والكسائي وحفص وخلف "تفعلون" بالفوقية على الخطاب. وقرأ الباقون بالتحتية على الخبر، واختار القراءة الثانية أبو عبيد وأبو حاتم لأن هذا الفعل وقع بين خبرين.
25. " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده "، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد أولياؤه وأهل طاعته، قيل التوبة ترك المعاصي نية وفعلاً، والإقبال على الطاعة نيةً وفعلاً، قال سهل بن عبد الله: التوبة الانتقال من الأحوال المذمومة إلى الأفعال المحمودة. " ويعفو عن السيئات "، إذا تابوا.
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور محمد بن سمعان ، حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، أخبرنا حميد بن زنجويه ، حدثنا يحيى بن حماد ، حدثنا أبو عوانة عن سليمان عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن الحارث بن سويد قال: دخلت على عبد الله أعوده، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لله أفرح بتوبة عبده من رجل، أظنه قال: [في برية] مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنزل فنام فاستيقظ وقد ضلت راحلته، فطاف عليها حتى أدركه العطش، فقال: أرجع إلى حيث كانت راحلتي فأموت عليه، فرجع فأغفى فاستيقظ فإذ هو بها عنده عليها طعامه وشرابه ".
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن الصباح و وزهير بن حرب قالا: حدثنا عمر بن يونس، حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثنا إسحاق بن أبي طلحة ، حدثني أنس بن مالك وهو عمه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح ".
" ويعفو عن السيئات " فيمحوها إذا تابوا. " ويعلم ما تفعلون "، قرأ حمزة و الكسائي وحفص ((تفعلون)) بالتاء، وقالوا: هو خطاب للمشركين، وقرأ الآخرون بالياء لأنه بين خبرين عن قوم، فقال: قبله عن عباده، وبعده ويزيدهم من فضله.
25-" وهو الذي يقبل التوبة عن عباده " بالتجاوز عما تابوا عنه ، والقبول يعدي إلى مفعول ثان بمن وعن لتضمنه معنى الأخذ والإبانة ، وقد عرفت حقيقة التوبة . وعن علي رضي الله تعالى عنه : هي اسم يقع على ستة معان : على الماضي من الذنوب الندامة ، ولتضييع الفرائض الإعادة ،ورد المظالم وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية وإذاقتها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية ، والبكاء بدل كل ضحك ضحكته . " ويعفو عن السيئات " صغيرها وكبيرها لمن يشاء . " ويعلم ما تفعلون " فيجازي ويتجاوز عن إتقان وحكمة ، وقرأ الكوفيون غير أبي بكر ما تفعلون بالتاء .
25. And He it is Who accepteth repentance from his bondmen, and pardoneth the evil deeds, and knoweth what ye do.
25 - He is the One that accepts repentance from His Servants and forgives sins and He knows all that ye do.