[الشوري : 20] مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ
20 - (من كان يريد) بعمله (حرث الآخرة) أي كسبها وهو الثواب (نزد له في حرثه) بالتضعيف فيه الحسنة إلى العشرة وأكثر (ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها) بلا تضعيف ما قسم له (وما له في الآخرة من نصيب)
" من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه " يقول تعالى ذكره : من كان يريد بعمله الآخرة نزد له في حرثه : يقول : نزد له في عمله الحسن ، فنجعل له بالواحدة عشراً ، إلى ما شاء ربنا من الزيادة " ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها " يقول : وما كان يريد بعمله الدنيا ولها يسعى لا للآخرة ، نؤته منها ما قسمنا له منها " وما له في الآخرة من نصيب " يقول : وليس لمن طلب بعمله الدنيا ، ولم يرد الله به في ثواب الله لأهل الأعمال التي أرادوه بأعمالهم في الدنيا حظ .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه " ... إلى " وما له في الآخرة من نصيب " قال : يقول : من كان إنما يعمل للدنيا نؤته منها .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا " ... الآية ، يقول : من آثر دنياه على آخرته لم نجعل له نصيباً في الآخرة إلا النار ، ولم نزده بذلك من الدنيا شيئاً إلا رزقاً قد فرغ منه وقسم له .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه " قال : من كان يريد الآخرة وعملها نزد له في عمله " ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها " ... إلى آخر الآية ، قال : من أراد الدنيا وعملها آتيناه منها، ولم نجعل له في الآخرة من نصيب الحرث العمل ، من عمل للآخرة أعطاه الله ، ومن عمل للدنيا أعطاه الله .
حدثني محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قوله : " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه " قال : من كان يريد عمل الآخرة نزد له في عمله .
وقوله : " وما له في الآخرة من نصيب " قال : للكافر عذاب أليم .
قوله تعالى : " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه " الحرث العمل والكسب ، ومنه قول عبد الله بن عمر : أحرث لدنياك كأنك تعيش أبداً وأعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ، ومنه سمي الرجل حارثاً ، والمعنى : أي من طلب بما رزقناه حرثاً لآخرته ، فأدى حقوق الله وأنفق في إعزاز الدين ، فإنما نعطيه ثواب ذلك للواحد عشراً إلى سبعمائة فأكثر ، " ومن كان يريد حرث الدنيا " أي طلب بالمال الذي آتاه الله رياسة الدنيا والتوصل إلى المحظورات ، فإنا لا نحرمه الرزق أصلاً ، ولكن لا حظ له في الآخرة من ماله ، قال الله تعالى : " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا " [ الإسراء : 18 - 19 ] ، وقيل : (( نزد له في حرثه )) نوفقه للعبادة ونسهلها عليه ، وقيل : حرث الآخرة الطاعة ، أي من أطاع فله الثواب ، قيل : (( نزد له في حرثه )) أي نعطه الدنيا مع الآخرة ، وقيل : الآية في الغزو ، أي من أراد بغزوه الآخرة أوتي الثواب ، ومن أراد بغزوه الغنيمة أوتي منها قال القشيري : والظاهر أن الآية في الكافر ، يوسع له في الدنيا ، أي لا ينبغي له أن يغتر بذلك لأن الدنيا لا تبقى ، وقال قتادة : إن الله يعطي على نية الآخرة ما شاء من أمر الدنيا ، ولا يعطي على نية الدنيا إلا الدنيا ، ما كتبنا له ومن آثر دنياه على آخرته لم نجعل له نصيباً في الآخرة إلا النار ولم يصب من الدنيا إلى رزقاً قد قسمناه له لا بد أن كان يؤتاه مع إيثار أو غير إيثار ، وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : وقوله عز وجل : " من كان يريد حرث الآخرة " من كان من الأبرار يريد عمله الصالح ثواب الآخرة (( نزد له في حرثه )) أي في حسناته ، (( ومن كان يريد حرث الدنيا )) أي من كان من الفجار يريد بعمله الحسن الدنيا (( نؤته منها )) ثم نسخ ذلك في سبحانه : " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد " [ الإسراء : 18 ] ، والصواب أن هذا ليس بنسخ ، لأن هذا خبر والأشياء كلها بإرادة الهل عز وجل ، ألا ترى أنه قد صح : " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت " ، وقد قال قتادة ما تقدم ذكره ، وهو يبين لك أن لا نسخ ، وقد ذكرنا في (( هود )) أن هذا من باب المطلق والمقيد ، وأن النسخ لا يدخل في الأخبار ، والله المستعان .
مسألة : هذه الآية تبطل مذهب أبي حنيفة في قوله : إنه من توضأ تبرداً أنه يجزيه عن فريضة الوضوء الموظف عليه ، فإن فريضة الوضوء من حرث الآخرة والتبرد من حرث الدنيا ، فلا يدخل أحدهما على الآخر ، ولا تجزي نيته عنه بظاهر هذه الآية ، قاله ابن العربي .
يقول تعالى مخبراً عن لطفه بخلقه في رزقه إياهم عن آخرهم لا ينسى أحداً منهم, سواء في رزقه البر والفاجر, كقوله عز وجل: "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين" ولها نظائر كثيرة, وقوله جل وعلا: "يرزق من يشاء" أي يوسع على من يشاء "وهو القوي العزيز" أي لا يعجزه شيء ثم قال عز وجل: " من كان يريد حرث الآخرة " أي عمل الاخرة "نزد له في حرثه" أي نقويه ونعينه على ما هو بصدده ونكثر نماءه ونجزيه بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما يشاء الله " ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب " أي ومن كان إنما سعيه ليحصل له شيء من الدنيا وليس له إلى الاخرة هم البتة بالكلية حرمه الله الاخرة والدنيا إن شاء أعطاه منها وإن لم يشأ لم يحصل لا هذه ولا هذه, وفاز الساعي بهذه النية بالصفقة الخاسرة في الدنيا والاخرة, والدليل على هذا أن هذه الاية ههنا مقيدة بالاية التي في سبحان وهي قوله تبارك وتعالى: " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا * كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا * انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ".
وقال الثوري عن مغيرة عن أبي العالية عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الاخرة للدنيا لم يكن له في الاخرة من نصيب" وقوله جل وعلا: "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله" أي هم لا يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس من تحريم ما حرموا عليهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام, وتحليل أكل الميتة والدم والقمار إلى نحو ذلك من الضلالات والجهالة الباطلة التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم من التحليل والتحريم والعبادات الباطلة والأقوال الفاسدة وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت عمرو بن لحي بن قمعة يجر قصبه في النار" لأنه أول من سيب السوائب, وكان هذا الرجل أحد ملوك خزاعة وهو أول من فعل هذه الأشياء وهو الذي حمل قريشاً على عبادة الأصنام لعنه الله وقبحه ولهذا قال تعالى: "ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم" أي لعوجلوا بالعقوبة لولا ما تقدم من الإنظار إلى يوم المعاد "وإن الظالمين لهم عذاب أليم" أي شديد موجع في جهنم وبئس المصير.
ثم قال تعالى: "ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا" أي في عرصات القيامة "وهو واقع بهم" أي الذي يخافون منه واقع بهم لا محالة هذا حالهم يوم معادهم وهم في هذا الخوف والوجل " والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤون عند ربهم " فأين هذا من هذا ؟ أي أين من هو في العرصات في الذل والهوان والخوف المحقق عليه بظلمه ممن هو في روضات الجنات فيما يشاء من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومناظر ومناكح وملاذ مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. قال الحسن بن عرفة: حدثنا عمرو بن عبد الرحمن الابار, حدثنا محمد بن سعد الأنصاري عن أبي طيبة قال إن الشرب من أهل الجنة لتظلهم السحابة فتقول ما أمطركم ؟ قال فما يدعو داع من القوم بشيء إلا أمطرتهم حتى إن القائل منهم ليقول أمطرينا كواعب أتراباً. ورواه ابن جرير عن الحسن بن عرفة به, ولهذا قال تعالى: "ذلك هو الفضل الكبير" أي الفوز العظيم والنعمة التامة السابغة الشاملة العامة.
20- "من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه" الحرث في اللغة: الكسب، يقال هو يحرث لعياله ويحترث: أي يكتسب. ومنه سمي الرجل حارثاً، وأصل معنى الحرث: إلقاء البذر في الأرض، فأطلق على ثمرات الأعمال وفوائدها بطريق الاستعارة: والمعنى: من كان يريد أعماله وكسبه ثواب الآخرة يضاعف الله له ذلك الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف. وقيل: معناه يزيد في توفيقه وإعانته وتسهيل سبل الخير له "ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها" أي من كان يريد بأعماله وكسبه ثواب الدنيا وهو متاعها، وما يرزق الله به عباده منها نعطه منها ما قضت به مشيئتنا وقسم له في قضائنا. قال قتادة أيضاً: إن الله يعطي على نية الآخرة ما شاء من أمر الدنيا، ولا يعطي على نية الدنيا إلا الدنيا قال القشيري: والظاهر أن الآية في الكافر، وهو تخصيص بغير مخصص. ثم بين سبحانه أن هذا الذي يريد بعمله الدنيا لا نصيب له في الآخرة فقال: "وما له في الآخرة من نصيب" لأنه لم يعمل للآخرة فلا نصيب له فيها، وقد تقدم تفسير هذه الآية في سورة الإسراء.
20. " من كان يريد حرث الآخرة "، الحرث في اللغة: الكسب، يعني: من كان يريد بعمله الآخرة، " نزد له في حرثه "، بالتضعيف بالواحد عشرة إلى ما شاء الله من الزيادة، " ومن كان يريد حرث الدنيا "، يريد بعمله الدنيا، " نؤته منها "، قال قتادة : أي: نؤته بقدر ما قسم الله له، كما قال: " عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد " (الإسراء-18). " وما له في الآخرة من نصيب "، لأنه لم يعمل للآخرة.
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أخبرنا أبو طاهر الزيادي ، أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال ، حدثنا أبو الأزهر أحمد بن منيع العبدي ، حدثنا محمد بن يوسف الفريابي ، حدثنا سفيان عن المغيرة عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب ".
20-" من كان يريد حرث الآخرة " ثوابها شبهه بالزرع من حيث أنه فائدة تحصل بعمل ولذلك قيل : الدنيا مزرعة الآخرة ، والحرث في الأصل إلقاء البذر في الأرض ويقال للزرع الحاصل منه ، " نزد له في حرثه " فنعطه بالواحد عشراً إلى سبعمائة فما فوقها . " من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها " شيئاً منها على ما قسمنا له . " وما له في الآخرة من نصيب " إذ " الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى " .
20. Whoso desireth the harvest of the Hereafter, We give him increase in its harvest. And Whoso desireth the harvest of the world, We give him thereof, and he hath no portion in the Hereafter.
20 - To any that desires the tilth of the Hereafter, we give increase in his tilth; and to any that desires the tilth of this world, We grant somewhat thereof, but he has no share or lot in the Hereafter.