[فصلت : 52] قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
52 - (قل أرأيتم إن كان) القرآن (من عند الله) كما قال النبي (ثم كفرتم به من) لا أحد (أضل ممن هو في شقاق) خلاف (بعيد) عن الحق أوقع هذا موقع منكم بيانا لحالهم
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم " قل " يا محمد للمكذبين بما جئتهم به من عند ربك من هذا القرآن " أرأيتم " أيها القوم " إن كان " هذا الذي تكذبون به " من عند الله ثم كفرتم به " ألستم في فراق للحق وبعد من الصواب ؟ فجعل مكان التفريق الخبر ، فقال : " من أضل ممن هو في شقاق بعيد " إذ كان مفهوماً معناه .
وقوله : " من أضل ممن هو في شقاق بعيد " يقول : قل لهم من أشد ذهاباً عن قصد السبيل ، وأسلك لغير طريق الصواب ، ممن هو في فراق لأمر الله وخوف له ، بعيد من الرشاد .
قوله تعالى : " قل أرأيتم " أي قل لهم يا محمد ( أرأيتم ) يا معشر المشركيهن " إن كان " هذا القرآن " من عند الله ثم كفرتم به من أضل " أي فأي الناس أضل ، أي لا أحد أضل منكم لفرط شقاقكم وعداوتكم . وقيل : " إن كان من عند الله " يرجع إلى الكتاب المذكور في قوله : ( آتينا موسى الكتاب ) والأأول أظهر وهو قول ابن عباس .
يقول تعالى: "قل" يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بالقرآن "أرأيتم إن كان" هذا القرآن "من عند الله ثم كفرتم به ؟" أي كيف ترون حالكم عند الذي أنزله على رسوله ؟ ولهذا قال عز وجل: " من أضل ممن هو في شقاق بعيد " أي في كفر و عناد ومشاقة للحق و مسلك بعيد من الهدى ثم قال جل جلاله: " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم " أي سنظهر لهم دلالاتنا وحججنا على كون القرآن حقاً منزلا من عند الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلائل خارجية " في الآفاق " من الفتوحات وظهور الإسلام على الأقاليم وسائر الأديان قال مجاهد والحسن والسدي: ودلائل في أنفسهم قالوا: وقعة بدر وفتح مكة ونحو ذلك من الوقائع التي حلت بهم نصر الله فيها محمداً صلى الله عليه وسلم وصحبه وخذل فيها الباطل وحزبه ويحتمل أن يكون المراد من ذلك ما الإنسان مركب منه وفيه وعليه من المواد والأخلاط والهيئات العجيبة كما هو مبسوط في علم التشريح الدال على حكمة الصانع تبارك وتعالى وكذلك ما هو مجبول عليه من الأخلاق المتباينة من حسن وقبح وغير ذلك وما هو متصرف فيه تحت الأقدار التي لا يقدر بحوله وقوته وحيله وحذره أن يجوزها ولا يتعداها كما أنشده ابن أبي الدنيا في كتابه التفكر والاعتبار عن شيخه أبي جعفر القرشي حيث قال وأحسن المقال:
وإذا نظرت تريد معتبـــــــــرا فانظر إليك ففيك معتبــــر
أنت الذي تمسي وتصبح في الدنيا وكــــل أموره عبــــر
أنت المصرف كان في صغر ثم استقل بشخصك الكـبر
أنت الذي تنعاه خلقتـــــــــــه ينعاه منه الشعــر والبـشر
أنت الذي تعطي وتسلــب لا ينجيه من أن يسلب الحذر
أنت الذي لا شيء منـه لهو أحق منه بما لـــــه القــــدر
وقوله تعالى: " حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد " أي كفى بالله شهيداً على أفعال عباده وأقوالهم وهو يشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم صادق فيما أخبر به عنه كما قال: "لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه" الاية. وقوله تعالى: "ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم" أي في شك من قيام الساعة ولهذا لا يتفكرون فيه ولا يعملون له ولا يحذرون منه بل هو عندهم هدر لا يعبأون به وهو كائن لا محالة وواقع لا ريب فيه قال ابن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا خلف بن تميم حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سعيد الأنصاري قال: إن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس فإني لم أجمعكم لأمر أحدثه فيكم, ولكن فكرت في هذا الأمر الذي أنتم إليه صائرون فعلمت أن المصدق بهذا الأمر أحمق والمكذب به هالك, ثم نزل. ومعنى قوله رضي الله عنه إن المصدق به أحمق أي لأنه لا يعمل له عمل مثله ولا يحذر منه ولا يخالف من هوله وهو ذلك مصدق به موقن بوقوعه وهو مع ذلك يتمادى في لعبه وغفلته وشهواته وذنوبه فهو أحمق بهذا الاعتبار والأحمق في اللغة ضعيف العقل, وقوله والمكذب به هالك هذا واضح, والله أعلم. ثم قال تعالى مقرراً أنه على كل شيء قدير وبكل شيء محيط وإقامة الساعة لديه يسير سهل عليه تبارك وتعالى: "ألا إنه بكل شيء محيط" أي المخلوقات كلها تحت قهره وفي قبضته وتحت طي علمه وهو المتصرف فيها كلها بحكمه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن لا إله إلا هو.
ثم رجع سبحانه إلى مخاطبة الكفار ومحاجتهم فقال 52- "قل أرأيتم" أي أخبروني "إن كان من عند الله" أي القرآن "ثم كفرتم به" أي كذبتم به ولم تقبلوه ولا عملتم بما فيه "من أضل ممن هو في شقاق بعيد" أي لا أحد أضل منكم لفرط شقاوتكم وشدة عداوتكم، والأصل أي شيء أضل منكم، فوضع "من هو في شقاق" موضع الضمير لبيان حالهم في المشاقة، وأنها السبب الأعظم في ضلالهم.
52. " قل أرأيتم إن كان "، هذا القرآن، " من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد "، خلاف للحق بعيد عنه، أي: فلا أحد أضل منكم.
52-" قل أرأيتم " أخبروني . " إن كان " أي القرآن . " من عند الله ثم كفرتم به " من غير نظر وإتباع دليل . " من أضل ممن هو في شقاق بعيد " أي من أضل منكم ، فوضع الموصول موضع الضمير شرحاً لحالهم وتعليلاً لمزيد ضلالهم .
52. Bethink you: If it is from Allah and ye reject it Who is further astray than one who is at open feud (with Allah)?
52 - Say: See ye if the (Revelation) is (really) from God, and yet do ye reject it? Who is more astray than one who is in a schism far (from any purpose)?