[فصلت : 10] وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ
10 - (وجعل) مستأنف ولا يجوز عطفه على صلة الذي للفاصل الأجنبي (فيها رواسي) جبالا ثوابت (من فوقها وبارك فيها) بكثرة المياه والزروع والضروع (وقدر) قسم (فيها أقواتها) للناس والبهائم (في) تمام (أربعة أيام) أي الجعل وما ذكر معه في يوم الثلاثاء والأربعاء (سواء) منصوب على المصدر أي استوت الأربعة استواء لا تزيد ولا تنقص (للسائلين) عم خلق الأرض بما فيها
يقول تعالى ذكره : وجعل في الأرض التي خلق في يومين جبالاً رواسي ، وهي الثوابت في الأرض " من فوقها " ، يعني : من فوق الأرض على ظهرها .
وقوله : " وبارك فيها " يقول : وبارك في الأرض فجعلها دائمة الخير لأهلها .
وقد ذكر عن السدي في ذلك ما :
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي : " وبارك فيها " قال : أنبت شجرها . " وقدر فيها أقواتها " :
اختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم : وقدر فيها أقوات أهلها بمعنى أرزاقهم ومعايشهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن " وقدر فيها أقواتها " قال : أرزاقها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ،في قوله الله " وقدر فيها أقواتها " قال : قدر فيها أرزاق العباد ، ذات الأقوات .
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " وقدر فيها أقواتها " يقول : أقواتها لأهلها .
وقال آخرون : بل معناه : وقدر فيها ما يصلحها .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي بن سهل ، قال : ثنا الوليد بن مسلم ، عن خليد بن دعلج ، عن قتادة ، قوله : " وقدر فيها أقواتها " قال : صلاحها .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وقدر فيها جبالها وأنهارها وأشجارها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وقدر فيها أقواتها " : خلق فيها جبالها وأنهارها وبحارها وشجرها ، وساكنها من الدواب كلها .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " وقدر فيها أقواتها " قال : جبالها ودوابها وأنهارها وبحارها .
وقال آخرون : بل معنى ذلك وقدر فيها أقواتها من المطر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " وقدر فيها أقواتها " قال : من المطر .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وقدر في كل بلدة منها ما لم يجعله في الآخر منها لمعاش بعضهم من بعض بالتجارة من بلدة إلى بلدة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني الحسين بن محمد الذارع ، قال : ثنا أبو محصن ، قال : ثنا حسين ، عن عكرمة في قوله : " وقدر فيها أقواتها " قال : اليماني باليمن ، والسابري بسابور .
حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : ثنا أبو محصن عن حصين ، قال : قال عكرمة " وقدر فيها أقواتها " اليمانية باليمن ، والسابرية بسابور ، وأشباه هذا .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت حصيناً عن عكرمة في قوله : " وقدر فيها أقواتها " قال : في كل أرض قوت لا يصلح في غيرها ، اليماني باليمن ، والسابري بسابور .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين عن عكرمة في قوله : " وقدر فيها أقواتها " قال : البلد يكون فيه القوت أو الشيء لا يكون لغيره الا ترى أن السابري إنما يكون بسابور ، وأن العصب إنما يكون باليمن ونحو ذلك .
حدثني إسماعيل بن سيف ، قال : ثنا ابن عبد الواحد بن زياد ، عن خصيف ، عن مجاهد ، في قوله : " وقدر فيها أقواتها " قال : السابري بسابور ، والطيالسة من الري .
حدثني إسماعيل ، قال : ثنا أبو النضر صاحب البصري ، قال : ثنا أبو عوانة ، عن مطرف ، عن الضحاك في قوله : " وقدر فيها أقواتها " قال : السابري بسابور ، والطيالسة من الري .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى أخبر أنه قدر في الأرض أقوات أهلها ، وذلك ما يقوتهم من الغذاء ، ويصلحهم من المعاش ، ولم يخصص جل ثناؤه بقوله : " وقدر فيها أقواتها " أنه قدر فيها قوتاً دون قوت ، بل عم الخبر عن تقديره فيها جميع الأقوات ، ومما يقوت أهلها ما لا يصلحهم غيره من الغذاء ، وذلك لا يكون إلا بالمطر والتصرف في البلاد لما خص به بعضاً دون بعض ، ومما أخرج من الجبال من الجواهر ، ومن البحر من المآكل والحلي ، ولا أقول في ذلك أصح مما قال جل ثناؤه : قدر في الأرض أقوات أهلها لما وصفنا من العلة .
وقال جل ثناؤه : " في أربعة أيام " لما ذكرنا قبل من الخبر الذي روينا عن ابن عباس ، " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فرغ من خلق الأرض وجميع أسبابها ومنافعها من الأشجار والماء والمدائن والعمران والخراب في أربعة أيام ، أولهن يوم الأحد ، وآخرهن يوم الأربعاء " .
حدثني موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قال : خلق الجبال فيها وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين ، في الثلاثاء والأربعاء .
وقال بعض نحويي البصرة : قال : خلق الأرض في يومين ، ثم قال في أربعة أيام ، لأنه يعني أن هذا مع الأول أربعة أيام ، كما تقول : تزوجت أمس امرأة ، واليوم ثنتين ، وإحداهما التي تزوجتها أمس .
وقوله : " سواء للسائلين " أختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : تأويله : سواء لمن سأل عن مبلغ الأجل الذي خلق الله فيه الأرض ، وجعل فيها الرواسي من فوقها والبركة ، وقدر فيها الأقوات بأهلها ، وجده كما أخبر الله أربعة أيام لا يزدن على ذلك ولا ينقصن منه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " سواء للسائلين " من سأل عن ذلك وجده ، كما قال الله .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " سواءً للسائلين " قال : من سأل فهو كما قال الله .
حدثنا موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " في أربعة أيام سواء للسائلين " يقول : من سأل فهكذا الأمر .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : سواء لمن سأل ربه شيئاً مما به الحاجة إليه من الرزق ، فإن الله قد قدر له من الأقوات في الأرض ، على قدر مسألة كل سائل منهم لو سأله لما نفذ من علمه فيهم قبل أن يخلقهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ابن زيد في قوله : " سواء للسائلين " قال : قدر ذلك على قدر مسائلهم ، يعلم ذلك أنهم لا يكونوا من مسائلهم شيء إلا شيء قد علمه قبل أن يكون .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار غير أبي جعفر و الحسن البصري " سواءً " بالنصب . وقرأه أبو جعفر القاريء < سواء > بالرفع . وقرأ الحسن < سواء > بالجر .
والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراء الأمصار ، وذلك قرآته بالنصب لإجماع الحجة من القراء عليه ، ولصحة معناه . وذلك أن معنى الكلام : وقدر فيها أقواتها سواء لسائليها على ما بهم إليه الحاجة ، وعلى ما يصلحهم .
وقد ذكر عن ابن مسعود أنه كان يقرأ ذلك < وقسم فيها أقواتها > .
وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب سواءً ، فقال بعض نحويي البصرة : من نصبه جعله مصدراً ، كأنه قال : استواء . قال : وقد قريء بالجر وجعل إسماً للمستويات : أي في أربعة أيام تامة . وقال : بعض نحويي الكوفة : من خفض سواء جعلها من نعت الأيام ، وإن شئت من نعت الأربعة ، ومن نصبها جعلها متصلة بالأقوات . قال : وقد ترفع كأنه ابتداء ، كأنه قال : ذلك < سواء للسائلين > ، يقول : لمن أراد علمه .
والصواب من القول في ذلك أن يكون نصبه إذا نصب حالاً من الأقوات ، إذا كانت سواء قد شبهت بالأسماء النكرة ، فقيل : مررت بقوم سواء ، فصارت تتبع النكرات ، وإذا تبعت النكرات انقطعت من المعارف فنصبت ، فقيل : مررت بإخوتك سواءً ، وقد يجوز أن يكون إذا لم يدخلها تثنية ولا جمع أن تشبه بالمصادر . وأما إذا رفعت ، فإنما ترفع ابتداء بضمير ذلك ونحوه . وإذا جرت فعلى الإتباع للأيام أو للأربعة .
قوله تعالى : " وجعل فيها " أي في الأرض . " رواسي من فوقها " يعني الجبال . وقال وهب : لما خلق الله الأرض مادت على وجه الماء ،فقال لجبريل : ثبتها يا جبريل . فنزل فأمسكها فغلبته الرياح ، قال يا رب أنت أعلم لقد غلبت فيها فثبتها بالجبال وأرساها " وبارك فيها " بما خلق فيها من المنافع . قال السدي : أنبت فيها شجرها . " وقدر فيها أقواتها " قال السدي و الحسن : أرزاق أهلها ومصالحهم . وقال قتادة و مجاهد : خلق فيها أنهارها وأشجارها ودوابها في يوم الثلاثاء والأربعاء . وقال عكرمة و الضحاك : معنى ( قدر فيها أقواتها ) أي أرزاق أهلها وما يصلح لمعايشهم من التجارات والأشجار والمنافع في كل بلدة مالم يجعله في الأخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة والأسفار من بلد إلي بلد . قال عكرمة : حتى أنه في بعض البلاد ليتبايعون الذهب بالملح مثلاً بمثل . وقال مجاهد و الضحاك : السابري من سابور ، والطيالسة من الري ، والحبر اليمانية من اليمن . " في أربعة أيام " يعني في تتمة أربعة أيام . ومثاله قول القائل : خرجت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام ، وإلى الكوفة في خمسة عشر يوماً ، أي في تتمة خمسة عشر يوماً . قال معناه ابن الأنباري وغيره . " سواء للسائلين " قال الحسن : المعنى في أربعة أيام مستوية تامة . الفراء في الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى : وقدر فيها أقواتها سواء للمحتاجين . واختياره الطبري وقرأ الحسن البصري و يعقوب الحضرمي ( سواء للسائلين ) بالجرر . وعن ابن القعقاع ( سواء ) بالرفع ، فالنصب على المصدر و( سواء ) بمعنى استواء أي استوت استواء . وقيل : على الحال والقطع، والجر على النعت لأيام أو لأربعة أي ( في أربعة أيام ) مستوية تامة . والرفع على الابتداء والخبر ( لسائلين ) أو على تقدير هذه ( سواء للسائلين ) . وقال أهل المعاني : معنى ( سواء للسائلين ) ولغير السائلين ، أي خلق الأرض وما فيها لمن سأل ولمن لم يسأل ، ويعطي من سأل ومن لا يسأل .
هذا إنكار من الله تعالى على المشركين الذين عبدوا معه غيره وهو الخالق لكل شيء القاهر لكل شيء المقتدر على كل شيء فقال: " قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا " أي نظراء وأمثالاً تعبدونها معه "ذلك رب العالمين" أي الخالق للأشياء هو رب العالمين كلهم. وهذا المكان فيه تفصيل لقوله تعالى: "خلق السموات والأرض في ستة أيام" ففصل ههنا ما يختص بالأرض مما اختص بالسماء فذكر أنه خلق الأرض أولاً لأنها كالأساس والأصل أن يبدأ بالأساس ثم بعده بالسقف كما قال عز وجل: " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات " الاية فأما قوله تعالى: "أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها * والأرض بعد ذلك دحاها * أخرج منها ماءها ومرعاها * والجبال أرساها * متاعاً لكم ولأنعامكم" ففي هذ الاية أن دحي الأرض كان بعد خلق السماء, فأما خلق الأرض فقبل خلق السماء بالنص وبهذا أجاب ابن عباس رضي الله عنه فيما ذكره البخاري عند تفسير هذه الاية من صحيحه فإنه قال: وقال المنهال عن سعيد بن جبير قال: قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما إني لأجد في القرآن أشياء تختلف علي, قال: "فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون" "وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون" "ولا يكتمون الله حديثاً" "والله ربنا ما كنا مشركين" فقد كتموا في هذه الاية وقال تعالى: " أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها * والأرض بعد ذلك دحاها " فذكر خلق السماء قبل الأرض ثم قال تعالى: " قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين " إلى قوله " طائعين " فذكر في هذه خلق الأرض قبل خلق السماء قال: "وكان الله غفوراً رحيماً" "عزيزاً حكيماً" "سميعاً بصيراً" فكأنه كان ثم مضى فقال ابن عباس رضي الله عنهما "فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون" في النفخة الأولى, ثم نفخ في الصور "فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله" فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون بينهم في النفخة الأخرى "وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون" وأما قوله: "والله ربنا ما كنا مشركين" "ولا يكتمون الله حديثاً" فإن الله تعالى يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم فيقول المشركون تعالوا نقول لم نكن مشركين فيختم على أفواههم فتنطق أيديهم فعند ذلك يعرف أن الله تعالى لا يكتم حديثاً, وعنده "يود الذين كفروا" الاية, وخلق الأرض في يومين ثم خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ثم دحى الأرض ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى وخلق الجبال والرمال والجماد والاكام وما بينهما في يومين آخرين فذلك قوله تعالى دحاها وقوله: "خلق الأرض في يومين" فخلق الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام وخلق السموات في يومين "وكان الله غفوراً رحيماً" سمى نفسه بذلك وذلك قوله أي لم يزل كذلك فإن الله تعالى لم يرد شيئاً إلا أصاب به الذي أراد فلا يختلفن عليك القرآن فإن كلاً من عند الله عز وجل. قال البخاري حدثنيه يوسف بن عدي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال هو ابن عمرو بالحديث. وقوله: "خلق الأرض في يومين" يعني يوم الأحد ويوم الإثنين "وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها" أي جعلها مباركة قابلة للخير والبذر والغراس وقدر فيها أقواتها وهو ما تحتاج أهلها إليه من الأرزاق والأماكن التي تزرع وتغرس يعني يوم الثلاثاء والأربعاء فهما مع اليومين السابقين أربعة ولهذا قال: "في أربعة أيام سواء للسائلين" أي لمن أراد السؤال عن ذلك ليعلمه وقال عكرمة ومجاهد في قوله عز وجل: "وقدر فيها أقواتها" جعل في كل أرض ما لا يصلح في غيرها ومنه العصب باليمن والسابوري بسابور والطيالسة بالري وقال ابن عباس وقتادة والسدي في قوله تعالى: "سواء للسائلين" أي لمن أراد السؤال عن ذلك وقال ابن زيد معناه وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين أي على وفق مراده من له حاجة إلى رزق أو حاجة فإن الله تعالى قدر له ما هو محتاج إليه وهذا القول يشبه ما ذكروه في قوله تعالى: "وآتاكم من كل ما سألتموه" والله أعلم وقوله تبارك وتعالى: "ثم استوى إلى السماء وهي دخان" وهو بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت الأرض "فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً" أي استجيبا لأمري وانفعلا لفعلي طائعتين أو مكرهتين قال الثوري عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى: "فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً" قال: قال الله تبارك وتعالى للسموات أطلعي شمسي وقمري والنجوم وقال للأرض شققي أنهارك وأخرجي ثمارك "قالتا أتينا طائعين" واختاره ابن جرير رحمه الله قالتا أتينا طائعين أي بل نستجيب لك مطيعين بما فينا مما تريد خلقه من الملائكة والجن والإنس جميعاً مطيعين لك, حكاه ابن جرير عن بعض أهل العربية قال وقيل تنزيلاً لهن معاملة من يعقل بكلامهما وقيل إن المتكلم من الأرض بذلك هو مكان الكعبة ومن السماء ما يسامته منها والله أعلم وقال الحسن البصري لو أبيا عليه أمره عليه لعذبهما عذاباً يجدان ألمه رواه ابن أبي حاتم " فقضاهن سبع سماوات في يومين " أي ففرغ من تسويتهن سبع سموات في يومين أي آخرين وهما يوم الخميس ويوم الجمعة "وأوحى في كل سماء أمرها" أي ورتب مقرراً في كل سماء ما تحتاج إليه من الملائكة وما فيها من الأشياء التي لا يعلمها إلا هو "وزينا السماء الدنيا بمصابيح" وهي الكواكب المنيرة المشرقة على أهل الأرض "وحفظاً" أي حرساً من الشياطين أن تستمع إلى الملأ الأعلى "ذلك تقدير العزيز العليم" أي العزيز الذي قد عز كل شيء فغلبه وقهره العليم بجميع حركات المخلوقات وسكناتهم قال ابن جرير حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي سعيد البقال عن عكرمة عن ابن عباس قال هناد: قرأت سائر الحديث أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن خلق السموات والأرض فقال صلى الله عليه وسلم: "خلق الله تعالى الأرض يوم الأحد ويوم الإثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران فهذه أربعة " قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين " لمن سأله قال وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه وفي الثانية ألقى الافة على كل شيء مما ينتفع به الناس وفي الثالثة آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة" ثم قالت اليهود ثم ماذا يا محمد قال "ثم استوى على العرش" قالوا قد أصبت لو أتممت, قالوا ثم استراح, فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً فنزل "ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب * فاصبر على ما يقولون" هذا الحديث فيه غرابة فأما حديث ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: "خلق الله التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة فيما بين العصر إلى الليل" فقد رواه مسلم والنسائي في كتابيهما من حديث ابن جريج به وهو من غرائب الصحيح وقد علله البخاري في التاريخ فقال رواه بعضهم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن كعب الأحبار وهو الأصح.
10- وقوله: "وجعل فيها رواسي" معطوف على خلق: أي كيف تكفرون بالذي خلق الأرض وجعل فيها رواسي: أي جبالاً ثوابت من فوقها، وقيل جملة وجعل فيها رواسي مستأنفة غير معطوفة على خلق لوقوع الفصل بينهما بالأجنبي. والأول أولى لأن الجملة الفاصلة هي مقررة لمضمون ما قبلها فكانت بمنزلة التأكيد، ومعنى "من فوقها" أنها مرتفعة عليها لأنها من أجزاء الأرض، وإنما خالفتها باعتبار الارتفاع، فكانت من هذه الحيثية كالمغايرة لها "وبارك فيها" أي جعلها مباركة كثيرة الخير بما خلق فيها من المنافع للعباد. قال السدي: أنبت فيها شجرها "وقدر فيها أقواتها" قال قتادة ومجاهد: خلق فيها أنهارها وأشجارها ودوابها، وقال الحسن وعكرمة والضحاك: قدر فيها أرزاق أهلها وما يصلح لمعايشهم من التجارات والأشجار والمنافع، جعل في كل بلد ما لم يجعله في الأخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة والأسفار من بلد إلى بلد، ومعنى "في أربعة أيام" أي في تتمة أربعة أيام باليومين المتقدمين. قاله الزجاج وغيره. قال ابن الأنباري: ومثاله قول القائل خرجت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام وإلى الكوفة في خمسة عشر يوماً: أي في تتمة خمسة عشر يوماً، فيكون المعنى أن حصول جميع ما تقدم من خلق الأرض وما بعدها في أربعة أيام. وانتاب "سواء" وقرأ زيد بن علي وابن أبي إسحاق وعيسى ويعقوب وعمرو بن عبيد بخفضه على أنه سفة لأيام. وقرأ أبو جعفر برفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف. قال الحسن: المعنى في أربعة أيام مستوية تامة، وقوله: "للسائلين" متعلق بسواء: أي مستويات للسائلين، أو بمحذوف كأنه قيل هذا الحصر للسائلين في كم خلقت الأرض وما فيها؟ أو متعلق بقدر: أي قدر فيها أقواتها لأجل الطالبين المحتاجين إليها. قال الفراء: في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: وقدر فيها أقواتها سواء للمحتاجين في أربعة أيام واختار هذا ابن جرير.
10. " وجعل فيها "، أي: في الأرض، " رواسي "، جبالاً ثوابت، " من فوقها "، من فوق الأرض، " وبارك فيها "، أي: في الأرض، بما خلق فيها من البحار والأنهار والأشجار والثمار، " وقدر فيها أقواتها "، قال الحسن و مقاتل : قسم في الأرض أرزاق العباد والبهائم. وقال عكرمة و الضحاك : قدر في كل بلدة مالم يجعله في الأخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة من بلد إلى بلد. قال الكلبي : قدر الخبز لأهل قطر، والذرة لأهل قطر، والسمك لأهل قطر، وكذلك أقواتها.
" في أربعة أيام "، يريد خلق ما في الأرض، وقدر الأقوات في يومين يوم الثلاثاء والأربعاء فهما مع الأحد والاثنين أربعة أيام، رد الآخر على الأول في الذكر، كما تقول: تزوجت أمس امرأة واليوم ثنتين، وإحداهما هي التي تزوجتها بالأمس، " سواءً للسائلين "، قرأ أبو جعفر ((سواء)) رفع على الابتداء، أي: هي سواء، [وقرأ يعقوب بالجر علة نعت قوله: ((في أربعة أيام))، وقرأ الآخرون ((سواء))] نصب على المصدر، أي: استوت سواء أي: استواءً، ومعناه سواء للسائلين عن ذلك. قال قتادة و السدي : من سأل عنه فهكذا الأمر سواء لا زيادة ولا نقصان جواباً لمن سأل: في كم خلقت الأرض والأقوات؟
10-" وجعل فيها رواسي " استئناف غير معطوف على " خلق " للفصل بما هو خارج عن الصلة . " من فوقها " مرتفعة عليها ليظهر ما فيها من وجوه الاستبصار وتكون منافعها معرضة للطلاب . " وبارك فيها " وأكثر خيرها بأن خلق فيها أنواع النبات والحيوان . " وقدر فيها أقواتها " أقوات أهلها بأن عين لكل نوع ما يصلحه ويعيش به ، أو أقواتاً تنشأ منها بأن خص حدوث كل قوت بقطر من أقطارها ، وقرئ وقسم فيها أقواتها . " في أربعة أيام " في تتمة أربعة أيام كقولك : سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام ، وإلى الكوفة في خمسة عشر يوماً . ولعله قال ذلك ولم يقل في يومين للإشعار باتصالهما باليومين الأولين . والتصريح على الفذلكة . " سواء " أي استوت سواء بمعنى أستواء ، والجملة صفة أيام ويدل عليه قراءة يعقوب بالجر . وقيل حال من الضمير في أقواتها أو فيها ، وقرئ بالرفع على هي سواء " للسائلين " متعلق بمحذوف تقديره هذا الحصر للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها ، أو بقدر فيها الأقوات للطالبين لها .
10. He placed therein firm hills rising above it, and blessed it and measured therein its sustenance in four Days, alike for (all) who ask;
10 - He set on the (earth), mountains standing firm, high above it, and bestowed blessings on the earth, and measured therein all things to give them nourishment in due proportion, in four Days, in accordance with (the needs of) those who seek (sustenance).