[غافر : 31] مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ
31 - (مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم) مثل بدل من مثل قبله أي مثل جزاء من كفر عادة قبلكم من تعذيبهم في الدنيا (وما الله يريد ظلما للعباد)
وقومه " مثل دأب قوم نوح " يقول : يفعل ذلك بكم فيهلككم مثل سنته في قوم نوح وعاد وثمود وفعله بهم . وقد بينا معنى الدأب فيما مضى بشواهده ، المغنية عن إعادته ، مع ذكر أقوال أهل التأويل فيه .
وقد حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس " مثل دأب قوم نوح " يقول : مثل حال .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " مثل دأب قوم نوح " قال : مثل ما أصابهم .
وقوله : " والذين من بعدهم " يعني قوم إبراهيم ، وقوم لوط ، وهم أيضاً من الأحزاب .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " والذين من بعدهم " قال : هم الأحزاب .
وقوله : " وما الله يريد ظلماً للعباد " يقول تعالى ذكره مخبراً عن قيل المؤمن من آل فرعون لفرعون وملئه : وما أهلك الله هذه الأحزاب من هذه الأمم ظلماً منه لهم بغير جرم اجترموه بينهم وبينه ، لأنه لا يريد ظلم عباده ، ولا يشاؤه ، ولكنه أهلكهم بإجرامهم وكفرهم به ، وخلافهم أمره .
قوله تعالى : " يوم تولون مدبرين " على لبدل من ( يوم التناد ) " ومن يضلل الله فما له من هاد " أي من خلق الله في قلبه الضلال فلا هادي له . وفي قائله قولان : أحدهما موسى . والثاني مؤمن آل فرعون وهو الأظهر . والله أعلم .
هذا إخبار من الله عز وجل عن هذا الرجل الصالح مؤمن آل فرعون أنه حذر قومه بأس الله تعالى في الدنيا والاخرة فقال: "يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب" أي الذين كذبوا رسل الله في قديم الدهر كقوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم من الأمم المكذبة كيف حل بهم بأس الله وما رده عنهم راد ولا صده عنهم صاد "وما الله يريد ظلماً للعباد" أي إنما أهلكهم الله تعالى بذنوبهم وتكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره فأنفذ فيهم قدره ثم قال: "ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد" يعني يوم القيامة وسمي بذلك, قال بعضهم لما جاء في حديث الصور أن الأرض إذا زلزلت وانشقت من قطر إلى قطر وماجت وارتجت فنظر الناس إلى ذلك ذهبوا هاربين ينادي بعضهم بعضاً وقال آخرون منهم الضحاك بل ذلك إذا جيء بجنهم ذهب الناس هراباً منهم فتتلقاهم الملائكة فتردهم إلى مقام المحشر وهو قوله تعالى: "والملك على أرجائها" وقوله: "يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان" وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه والحسن والضحاك أنهم قرأوا يوم التناد بتشديد الدال من ند البعير إذا شرد وذهب وقيل لأن الميزان عنده ملك إذا وزن عمل العبد فرجح نادى بأعلى صوته ألا قد سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً, وإن خف عمله نادى ألا قد شقي فلان بن فلان وقال قتادة: ينادي كل قوم بأعمالهم, ينادي أهل الجنة أهل الجنة وأهل النار أهل النار, وقيل سمي بذلك لمناداة أهل الجنة أهل النار "أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً ؟ قالوا نعم" ومناداة أهل النار أهل الجنة "أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين" ولمناداة أصحاب الأعراف أهل الجنة وأهل النار كما هو مذكور في سورة الأعراف, واختار البغوي وغيره أنه سمي بذلك لمجموع ذلك وهو قول حسن جيد, والله أعلم وقوله تعالى: "يوم تولون مدبرين" أي ذاهبين هاربين " كلا لا وزر * إلى ربك يومئذ المستقر " ولهذا قال عز وجل: "ما لكم من الله من عاصم" أي لا مانع يمنعكم من بأس الله وعذابه "ومن يضلل الله فما له من هاد" أي من أضله الله فلا هادي له غيره. وقوله تبارك وتعالى: "ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات" يعني أهل مصر وقد بعث الله فيهم رسولاً من قبل موسى عليه الصلاة والسلام وهو يوسف عليه الصلاة والسلام كان عزيز أهل مصر وكان رسولاً يدعو إلى الله تعالى أمته بالقسط فما أطاعوه تلك الطاعة إلا بمجرد الوزارة والجاه الدنيوي ولهذا قال تعالى: "فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً" أي يئستم فقلتم طامعين: "لن يبعث الله من بعده رسولاً" وذلك لكفرهم وتكذيبهم "كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب" أي كحالكم هذا يكون حال من يضله الله لإسرافه في أفعاله وارتياب قلبه, ثم قال عز وجل: "الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم" أي الذين يدفعون الحق بالباطل ويجادلون بالحجج بغير دليل وحجة معهم من الله تعالى فإن الله عز وجل يمقت على ذلك أشد المقت ولهذا قال تعالى: "كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا" أي والمؤمنون أيضاً يبغضون من تكون هذه صفته فإن من كانت هذه صفته يطبع الله على قلبه فلا يعرف بعد ذلك معروفاً ولا ينكر منكراً ولهذا قال تبارك وتعالى: "كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر" أي على اتباع الحق "جبار" وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة وحكي عن الشعبي أنهما قالا: لا يكون الإنسان جباراً حتى يقتل نفسين وقال أبو عمران الجوني وقتادة: آية الجبابرة القتل بغير حق, والله تعالى أعلم.
ثم فسر الأحزاب فقال: 31- " مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم " أي مثل حالهم في العذاب، أو مثل عادتهم في الإقامة على التكذيب، أو مثل جزاء ما كانوا عليه من الكفر والتكذيب "وما الله يريد ظلماً للعباد" أي لا يعذبهم بغير ذنب، ونفي الإرادة للظلم يستلزم نفي الظلم بفحوى الخطاب.
31. " مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم "، أي: مثل عادتهم في الإقامة على التكذيب حتى أتاهم العذاب، " وما الله يريد ظلماً للعباد "، أي: لا يهلكهم قبل اتخاذ الحجة عليهم.
31-" مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود " مثل جزاء ما كانوا عليه دائباً من الكفر وإيذاء الرسل " والذين من بعدهم " كقوم لوط " وما الله يريد ظلماً للعباد " فلا يعاقبهم بغير ذنب ولا يخلي الظالم منهم بغير انتقام ، وهو أبلغ من قوله تعالى : " وما ربك بظلام للعبيد " من حيث أن المنفي فيه حدوث تعلق إرادته بالظلم .
31. A plight like that of Noah's folk, and Aad and Thamud, and those after them, and Allah willeth no injustice for (His) slaves.
31 - Something like the fate of the people of Noah, the Ad, and the Thamud, and those who came after wishes injustice to His Servants.