[غافر : 16] يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ
16 - (يوم هم بارزون) خارجون من قبورهم (لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم) يقوله تعالى ويجيب نفسه (لله الواحد القهار) لخلقه
وقوله : " يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء " يعني بقوله " يوم هم بارزون " يعني المنذرين الذين أرسل الله إليهم رسله لينذرهم وهم ظاهرون يعني للناظرين لا يحول بينهم وبينهم جبل ولا شجرة ، ولا يستر بعضهم عن بعض ساتر ، ولكنهم بقاع صفصف لا أمت فيه ولا عوج . و < هم > من قوله : " يوم هم " في موضع رفع بما بعده ، كقول القائل : فعلت ذلك يوم الحجاج أمير .
واختلفت أهل العربية في العلة التي من أجلها لم تخفض هم بيوم وقد أضيف إليه ، فقال بعض نحويي البصرة : أضاف يوم إلى هم في المعنى ، فلذلك لا ينون اليوم ، كما قال " يوم هم على النار يفتنون " [ الذاريات : 13 ] وقال : " هذا يوم لا ينطقون " [ المرسلات : 35 ] ومعناه : هذا يوم فتنتهم ولكن لما ابتدأ بالإسم وبنى عليه لم يقدر على جره ، وكان الإضافة في المعنى إلى الفتنة ، وهذا إنما يكون إذا كان اليوم في معنى إذ ، وإلا فهو قبيح ، ألا ترى أنك تقول : ليتك زمن زيد أمير : أي إذ زيد أمير ، ولو قلت : القاك زمن زيد أمير لم يحسن ، وقال غيره : معنى ذلك : إن الأوقات جعلت بمعنى إذ وإذا ، فلذلك بقيت على نصبها في الرفع والخفض والنصب ، فقال : " ومن خزي يومئذ " [ هود : 66 ] فنصبوا ، والموضع خفض ، وذلك دليل على أنه جعل موضع الاداة ، ويجوز أن يعرب بوجوه الإعراب ، لأنه ظهر ظهور الأسماء ، ألا ترى أنه لا يعود عليه العائد كما يعود على الأسماء ، فإنه عاد العائد نون وأعرب ولم يضف ، فقيل : أعجبني يوم فيه تقول لما لم تخرج من معنى الأداة وعاد عليه الذكر صار إسماً صحيحاً . قال : وجائز في إذ أن تقول : أتيتك إذ تقوم ، كما تقول : أتيتك يوم يجلس القاضي ، فيكون زمناً معلوماً ، فأما أتيتك يوم تقوم فلا مؤنة فيه ، وهو جائز عن جميعهم ، وقال : وهذه التي تسمى إضافة غير محضة .
والصواب من القول عندي في ذلك ، أن نصب يوم وسائر الأزمنة في مثل هذا الموضع نظير نصب الأدوات لوقوعها مواقعها ، وإذا أعربت وجوه الإعراب ، فلأنها ظهرت ظهور الأسماء ، فعوملت معاملتها .
وقوله : " لا يخفى على الله منهم " أي ولا من أعمالهم التي عملوها في الدنيا " شيء " .
وكان قتادة يقول في ذلك ما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء " ولكنهم برزوا له يوم القيامة ، فلا يستترون بجبل ولا مدر .
وقوله : " لمن الملك اليوم " ؟ يعني بذلك : يقول الرب : لمن الملك اليوم ، وترك ذكر يقول استغناء بدلالة الكلام عليه وقوله : "لله الواحد القهار " . وقد ذكرنا الرواية الواردة في ذلك فيما مضى قبل ومعنى الكلام : يقول الرب : لمن السلطان اليوم ؟ وذلك يوم القيامة ، فيجيب نفسه فيقول : " لله الواحد " الذي لا مثل له ولا شبيه " القهار " لكل شيء سواه بقدرته ، الغالب بعزته .
قوله تعالى : "يوم هم بارزون " يكون بدلاً من يوم الأول . وقيل : ( هم ) في موضع رفع بالابتداء و( بارزون ) خبره والجملة في موضع خفض بالإضافة ، فلذلك حذف التنوين من ( يوم ) وإنما يكون هذا عند سيبويه كان الظرف بمعنى إذ ، تقول لقيتك يوم زيد أمير . فإن كان بمعنى إذا لم يجز نحو أنا ألقاك يوم زيد أمير . ومعنى : ( بارزون ) خارجون من قبورهم لا يسترهم شيء ، لأن الأرض يومئذ قاع صفصف لا عوج فيها ولا أمتاً على ما تقدم في ( طه ) بيانه . " لا يخفى على الله منهم شيء " قيل : إن هذا هو العالم في ( يوم هم بارزون ) أي لا يخفى عليه شيء منهم ومن أعمالهم ( يوم هم بارزون ) . " لمن الملك اليوم " وذلك عند فناء الخلق . وقال الحسن هو السائل تعالى وهو الجيب ، لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه فيجيب نفسه سبحانه فيقول : " لله الواحد القهار " النحاس : وأصح ما قيل فيه ما رواه أبو وائل عن ابن مسعود قال : يحشر الناس على أرض بيضاء مثل الفضة لم يعص الله جل وعز عليها ،فيؤمر مناد بنادي ( لمن الملك اليوم ) فيول العباد مؤمنهم وكافرهم ( لله الواحد القهار ) فيقول المؤمنون هذا الجواب سروراً وتلذذاً ، ويقوله الكافرون غماً وانقياداً وخضوعاً . فأما أن يكون هذا والخلق غيرموجودين فبعد ، لأنه لا فائدة فيه ، والقول صحيح عن ابن مسعود وليس هو ما يؤخذ بالقياس ولا بالتأويل . قلت : والقول الأول ظاهر ، لأن المقصود إضهار انفراده تعالى بالملك عند انقطاع دعاوى المدعين وانتساب المنتسبين ، إذ هد ضهب كل ملك وملكه ومتكبر وملكه وانقطعت نسبهم ودعاويهم ، ودل على هذا قوله الحق عند قبض الأرض والأرواح وطي السماء : ( أنا الملك أين ملوك الأرض ) كما تقدم في حديث أبي هريررة وفي حديث أبن عمر : ثم يطوي الأرض بشماله والسموات بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك أين الجبارون أين المكبرون . وعنه قوله سبحانه : " لمن الملك اليوم " هو انقطاع زمن الدناي وبعده يكون البعث والنشر . وقال محمد بن كعب قوله سبحانه : " لمن الملك اليوم " يكون بين النفختين حين فني الخلائق وبقي الخالق فلا يرى غير نفسه ملكاً ولا مملوكاً فيقول : ( لمن الملك اليوم ) فلا يجيبه أحد ،لأن الخلق أموات فيجي بنفسه فيقول : " لله الواحد القهار " لأنه بقي وحده وقهر خلقه . وقيل : إنه ينادي مناد فيقول : ( لمن الملك اليوم ) فيجيبه أهل الجنة : " لله الواحد القهار " فالله أعلم . ذكره الزمخشري .
يقول تعالى مخبراً عن عظمته وكبريائه وارتفاع عرشه العظيم العالي على جميع مخلوقاته كالسقف لها كما قال تعالى: " من الله ذي المعارج * تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان أن هذه مسافة ما بين العرش إلى الأرض السابعة في قول جماعة من السلف والخلف وهو الأرجح إن شاء الله وقد ذكر غير واحد أن العرش من ياقوتة حمراء اتساع ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة. وارتفاعه عن الأرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة وقد تقدم في حديث الأوعال ما يدل على ارتفاعه عن السموات السبع بشيء عظيم. وقوله تعالى: "يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده" كقوله جلت عظمته: "ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون" وكقوله تعالى: "وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين" ولهذا قال عز وجل: "لينذر يوم التلاق" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يوم التلاق اسم من أسماء يوم القيامة حذر الله منه عباده, وقال ابن جريج قال ابن عباس رضي الله عنهما يلتقي فيه آدم وآخر ولده وقال ابن زيد يلتقي فيه العباد. وقال قتادة والسدي وبلال بن سعد وسفيان بن عيينة يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض والخالق والخلق, وقال ميمون بن مهران يلتقي الظالم والمظلوم, وقد يقال إن يوم التلاق يشمل هذا كله ويشمل أن كل عامل سيلقى ما عمله من خير وشر كما قاله آخرون.
وقوله جل جلاله: "يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء" أي ظاهرون بادون كلهم لا شيء يكنهم ولا يظلهم ولا يسترهم ولهذا قال: "يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء" أي الجميع في علمه على السواء. وقوله تبارك وتعالى: "لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار" قد تقدم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه تعالى يطوي السموات والأرض بيده ثم يقول أنا الملك أنا الجبار أنا المتكبر, أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ وفي حديث الصور أنه عز وجل إذا قبض أرواح جميع خلقه فلم يبق سواه وحده لا شريك له حينئذ يقول لمن الملك اليوم ؟ ثلاث مرات ثم يجيب نفسه قائلاً "لله الواحد القهار" أي الذي هو وحده قد قهر كل شيء وغلبه. وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن غالب الدقاق حدثنا عبيد بن عبيدة حدثنا معتمر عن أبيه حدثنا أبو نضرة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ينادي مناد بين يدي الساعة يا أيها الناس أتتكم الساعة فيسمعها الأحياء والأموات قال وينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا ويقول: " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ". وقوله جلت عظمته: "اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب" يخبر تعالى عن عدله في حكمه بين خلقه أنه لا يظلم مثقال ذرة من خير ولا من شر بل يجزي بالحسنة عشر أمثالها وبالسيئة واحدة قال تبارك وتعالى: "لا ظلم اليوم" كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل أنه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ـ إلى أن قال ـ يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم ثم أوفيكم إياها, فمن وجد خيراً فليحمد الله تبارك وتعالى, ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" وقوله عز وجل: "إن الله سريع الحساب" أي يحاسب الخلائق كلهم كما يحاسب نفساً واحدة كما قال جل وعلا: "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة" وقال جل جلاله: "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر".
وقوله: 16- ‌"يوم هم بارزون" بدل من يوم التلاق. وقال ابن عطية: هو منتصب بقوله: " لا يخفى على الله " وقيل منتصب بإضمار اذكر، والأول أولى، ومعنى بارزون: خارجون من قبورهم لا يسترهم شيء، وجملة "لا يخفى على الله منهم شيء" مستأنفة مبينة لبروزهم ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من ضمير بارزون، ويجوز أن تكون خبراً ثانياً للمبتدأ: أي لا يخفى عليه سبحانه شيء منهم ولا من أعمالهم التي عملوها في الدنيا، وجملة "لمن الملك اليوم" مستأنفة جواب عن سؤال مقدر كأنه قيل: فماذا يقال لبروز الخلائق في ذلك اليوم؟ فقيل: يقال لمن الملك اليوم؟ قال المفسرون: إذا هلك كل من في السموات والأرض، فيقول الرب تبارك وتعالى: "لمن الملك اليوم" يعني يوم القيامة فلا يجيبه أحد فيجيب تعالى نفسه، وقول "لله الواحد القهار" قال الحسن: هو السائل تعالى، وهو المجيب حين لا أحد يجيبه فيجيب نفسه، وقيل إنه سبحانه يأمر منادياً ينادي بذلك، فيقول أهل المحشر مؤمنهم وكافرهم "لله الواحد القهار" وقيل إنه يجيب المنادي بهذا الجواب أهل الجنة دون أهل النار، وقيل هو حكاية لما ينطق به لسان الحال في ذلك اليوم لانقطاع دعاوي المبطلين، كما في قوله تعالى: " وما أدراك ما يوم الدين * ثم ما أدراك ما يوم الدين * يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ".
16. " يوم هم بارزون "، خارجون من قبورهم ظاهرون لا يسترهم شيء، " لا يخفى على الله منهم "، من أعمالهم وأحوالهم، " شيء "، يقول الله تعالى في ذلك اليوم بعد فناء الخلق: " لمن الملك اليوم "، فلا أحد يجيبه، فيجيب نفسه فيقول: " لله الواحد القهار "، الذي قهر الخلق بالموت.
16-" يوم هم بارزون " خارجون من قبورهم أو ظاهرون لا يسترهم شيء أو ظاهرة نفوسهم لا تحجبهم غواشي الأبدان ، أو أعمالهم وسرائرهم . " لا يخفى على الله منهم شيء " من أعيانهم وأعمالهم وأحوالهم ، وهو تقرير لقوله " هم بارزون " وإزاحة لنحو ما يتوهم في الدنيا " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " حكاية لما يسأل عنه في ذلك اليوم ولما يجاب به ، أو لما دل عليه ظاهر الحال فيه من زوال الأسباب وارتفاع الوسائط ، وأما حقيقة الحال فناطقه بذلك دائماً .
16. The day when they come forth, nothing of them being hidden from Allah. Whose is the sovereignty this day? It is Allah's, the One, the Almighty.
16 - The Day whereon they will (all) come forth: not a single thing concerning them is hidden from God. Whose will be the Dominion that Day? That of God, the One, the Irresistible!