[غافر : 15] رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ
15 - (رفيع الدرجات) أي الله عظيم الصفات أو رافع درجات المؤمنين في الجنة (ذو العرش) خالقه (يلقي الروح) الوحي (من أمره) أي قوله (على من يشاء من عباده لينذر) يخوف الملقى عليه الناس (يوم التلاق) بحذف الياء وإثباتها يوم القيامة لتلاقي لأهل السماء والأرض والعابد والمعبود والظالم والمظلوم فيه
يقول تعالى ذكره : هو رفيع الدرجات ، ورفع قوله : " رفيع الدرجات " على الإبتداء ، ولو جاء نصباً على الرد على قوله : فادعو الله ، كان صواباً " ذو العرش " يقول : ذو السرير المحيط بما دونه .
قوله : " يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده" يقول : ينزل الوحي من أمره على من يشاء من عباده .
وقد اختلف أهل التأويل في معنى الروح في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عني به الوحي .
ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " يلقي الروح من أمره " قال : الوحي من أمره .
وقال آخرون : عني به القرآن والكتاب .
ذكر من قال ذلك : حدثني هارون بن إدريس الأصم ، قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : " يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده " قال : يعني بالروح : الكتاب ينزله على من يشاء .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده " ، وقرأ " وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا " [ الشورى : 52 ] قال : هذا القرآن هو الروح ، أوحاه الله إلى جبريل ، وجبريل روح نزل به علىالنبي صلى الله عليه وسلم ، وقرأ " نزل به الروح الأمين " [ الشعراء : 193 ] قال : فالكتب التي أنزلها الله على أنبيائه هي الروح ، لينذر بها ما قال الله يوم التلاق ، " يوم يقوم الروح والملائكة صفاً " [ النبأ : 38 ] ، قال : الروح : القرآن ، كان أبي يقوله . قال ابن زيد : يقومون له صفاً بين السماء والأرض حين ينزل جل جلاله .
وقال آخرون : عني به النبوة .
ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قول الله : " يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده " قال : النبوة على من يشاء . وهذه الأقوال متقاربات المعاني ، وإن اختلفت ألفاظ أصحابها بها .
وقوله " لينذر يوم التلاق " يقول : لينذر من يلقي الروح عليه من عباده من أمر الله بإنذاره من خلقه عذاب يوم تلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض ، وهو يوم التلاق ، وذلك يوم القيامة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، قوله : " يوم التلاق " من أسماء يوم القيامة ، عظمة الله وحذره عباده .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " يوم التلاق " : يوم تلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض ، والخالق والخلق .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " يوم التلاق " تلتقي أهل السماء وأهل الأرض .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد " يوم التلاق " قال : يوم القيامة . قال : يوم تتلاقى العباد .
قوله تعالى : " رفيع الدرجات ذو العرش " ( ذو العرش ) على إضمار مبتدأ . قال الأخفش : ويجوز نصبه على لمدح . ومعنى ( رفيع الدرجات ) أي رفيع الصفات . وقال ابن عباس و الكلبي و سعيد بن جبير : رفيع السموات والسبع . وقال سحيى بن سلام : هو رفعة أوليائه في الجنة فـ( رفيع ) على هذا بمعنى رافع فعيل بمعنى فاعل . وهو على القول الأول من صفات الذاب ، ومعناه الذي لا أرفع قدراً منه ، وهوالمستحق لدرجات المدح والثناء ، وهي أصنافها وأبوابها لا مستحق لها غيره ، قاله الحليمي . وقد ذكرناه في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى والحد لله . ( ذو العرش ) أي خالقه ومالكه لا أنه محتاح إليه . وقيل : هو من قولهم : ثل عرش فلان أي زال ملكه وعزه ، فهو سبحانه " ذو العرش " بمعنى ثبوت ملكه وسلطانه وقد بيناه في الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى . " يلقي الروح " أي الوحي والنبوة ( على من يشاء من عباده ) ، وسمي ذلك روحاً لأن الناس يحيون به ، أي يحيون م نموت الكفر كما تحيا الأبدان بالأرواح . وقال ابن زيد : الروح القرآن ، قال الله تعالى : " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا " [ الشورى : 52] وقيل الروح جبريل ، قال الله تعالى : " نزل به الروح الأمين " " نزل به " [ الشعراء : 193] وقال : " قل نزله روح القدس من ربك بالحق " [النحل : 102] . " من أمره " أي من قوله . وقيل : من قضائه . وقيل ( من ) بمعنى الباء أي بأمره . " على من يشاء من عباده " وهم الأنبياء يشاء هو أن يكونوا أنبيءا وليس لأحد فيهم مشيئة . " لينذر يوم التلاق " أي إنما بيعث الرسول لإنذار يوم البعث . فقوله : " لينذر " يرجع إلى الرسول . وقيل : أي لينذر الله ببعثه الرسل إلى الخلا ئق ( يوم التلاق ) وقرأ ابن عباس و الحسن و ابن السميقع ( لينذر ) بالتاء خطاباًً للنبي عليه السلام . ( يوم التلاق ) قال ابن عباس و قتادة : يوم تلتقي أهل السماء وأهل الأرض . وقال قتادة أيضاً و أبو العالية و مقاتل : يلتقي فيه الخلق والخالق . وقيبل : العابدون والمعبودون . وقيل : الظالم والمظلوم . وقيل : يلقى : كل إنسان جزاء عمله . وقيل : يلتقي الأولون والآخرون على صعيد واحد ، روي معناه عن ابن عباس . وكله صحيح المعنى .
يقول تعالى مخبراً عن عظمته وكبريائه وارتفاع عرشه العظيم العالي على جميع مخلوقاته كالسقف لها كما قال تعالى: " من الله ذي المعارج * تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان أن هذه مسافة ما بين العرش إلى الأرض السابعة في قول جماعة من السلف والخلف وهو الأرجح إن شاء الله وقد ذكر غير واحد أن العرش من ياقوتة حمراء اتساع ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة. وارتفاعه عن الأرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة وقد تقدم في حديث الأوعال ما يدل على ارتفاعه عن السموات السبع بشيء عظيم. وقوله تعالى: "يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده" كقوله جلت عظمته: "ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون" وكقوله تعالى: "وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين" ولهذا قال عز وجل: "لينذر يوم التلاق" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يوم التلاق اسم من أسماء يوم القيامة حذر الله منه عباده, وقال ابن جريج قال ابن عباس رضي الله عنهما يلتقي فيه آدم وآخر ولده وقال ابن زيد يلتقي فيه العباد. وقال قتادة والسدي وبلال بن سعد وسفيان بن عيينة يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض والخالق والخلق, وقال ميمون بن مهران يلتقي الظالم والمظلوم, وقد يقال إن يوم التلاق يشمل هذا كله ويشمل أن كل عامل سيلقى ما عمله من خير وشر كما قاله آخرون.
وقوله جل جلاله: "يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء" أي ظاهرون بادون كلهم لا شيء يكنهم ولا يظلهم ولا يسترهم ولهذا قال: "يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء" أي الجميع في علمه على السواء. وقوله تبارك وتعالى: "لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار" قد تقدم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه تعالى يطوي السموات والأرض بيده ثم يقول أنا الملك أنا الجبار أنا المتكبر, أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ وفي حديث الصور أنه عز وجل إذا قبض أرواح جميع خلقه فلم يبق سواه وحده لا شريك له حينئذ يقول لمن الملك اليوم ؟ ثلاث مرات ثم يجيب نفسه قائلاً "لله الواحد القهار" أي الذي هو وحده قد قهر كل شيء وغلبه. وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن غالب الدقاق حدثنا عبيد بن عبيدة حدثنا معتمر عن أبيه حدثنا أبو نضرة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ينادي مناد بين يدي الساعة يا أيها الناس أتتكم الساعة فيسمعها الأحياء والأموات قال وينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا ويقول: " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ". وقوله جلت عظمته: "اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب" يخبر تعالى عن عدله في حكمه بين خلقه أنه لا يظلم مثقال ذرة من خير ولا من شر بل يجزي بالحسنة عشر أمثالها وبالسيئة واحدة قال تبارك وتعالى: "لا ظلم اليوم" كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل أنه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ـ إلى أن قال ـ يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم ثم أوفيكم إياها, فمن وجد خيراً فليحمد الله تبارك وتعالى, ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" وقوله عز وجل: "إن الله سريع الحساب" أي يحاسب الخلائق كلهم كما يحاسب نفساً واحدة كما قال جل وعلا: "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة" وقال جل جلاله: "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر".
15- "رفيع الدرجات" وارتفاع رفيع الدرجات على أنه خبر آخر على المبتدأ المتقدم: أي هو الذي يريكم آياته، وهو رفيع الدرجات، وكذلك "ذو العرش" خبر ثالث، ويجوز أن يكون رفيع الدرجات مبتدأ، وخبره ذو العرش، ويجوز أن يكونا خبرين لمبتدأ محذوف، ورفيع صفة مشبهة. والمعنى: رفيع الصفات، أو رفيع درجات ملائكته: أي معارجهم، أو رفيع درجات أنبيائه وأوليائه في الجنة. وقال الكلبي وسعيد بن جبير: رفيع السموات السبع، وعلى هذا الوجه يكون رفيع بمعنى رافع، ومعنى ذو العرش: مالكه وخالقه والمتصرف فيه، وذلك يقتضي علو شأنه وعظم سلطانه، ومن كان كذلك فهو الذي يحق له العبادة ويجب له الإخلاص، وجملة "يلقي الروح من أمره" في محل رفع على أنها خبر آخر للمبتدأ المتقدم أو للمقدر، ومعنى ذلك أنه سبحانه يلقي الوحي "على من يشاء من عباده"، وسمي الوحي روحاً، لأن الناس يحيون به من موت الكفر، كما تحيا الأبدان بالأرواح وقوله: "من أمره" متعلق بيلقي، ومن لابتداء الغاية، ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه حال من الروح، ومثل هذه الآية قوله تعالى: "وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا" وقيل الروح جبريل كما في قوله: " نزل به الروح الأمين * على قلبك " وقوله: "نزله روح القدس من ربك بالحق" وقوله "على من يشاء من عباده" هم الأنبياء، ومعنى "من أمره" من قضائه "لينذر يوم التلاق" قرأ الجمهور لينذر مبنياً للفاعل ونصب اليوم، والفاعل هو الله سبحانه أو الرسول أو من يشاء، والمنذر به محذوف تقديره: لينذر العذاب يوم التلاق. وقرأ أبي وجماعة كذلك إلا أنه رفع اليوم على الفاعلية مجازاً. وقرأ ابن عباس والحسن وابن السميفع لتنذر بالفوقية على أن الفاعل ضمير المخاطب وهو الرسول، أو ضمير يرجع إلى الروح لأنه يجوز تأنيثها. وقرأ اليماني لينذر على البناء للمفعول، ورفع يوم على النيابة، ومعنى "يوم التلاق" يوم يلتقي أهل السموات والأرض في المحشر، وبه قال قتادة. وقال أبو العالية ومقاتل: يوم يلتقي العابدون والمعبودون، وقيل الظالم والمظلوم، وقيل الأولون والآخرون، وقيل جزاء الأعمال والعاملون.
15. " رفيع الدرجات "، رافع درجاتالأنبياء والأولياء في الجنة، " ذو العرش "، خالقه ومالكه، " يلقي الروح "، ينزل الوحي، سماه روحاً لأنه تحيا به القلوب كما تحيا الأبدان بالأرواح، " من أمره "، قال ابن عباس: من قضائه. وقيل: من قوله. وقال مقاتل : بأمره. " على من يشاء من عباده لينذر "، أي: لينذر النبي بالوحي، " يوم التلاق "، وقرأ يعقوب بالتاءأي: لتنذر أنت يا محمد يوم التلاق، يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض. وقال قتادة و مقاتل : يلتقي فيه الخلق والخالق.
قال ابن زيد: يتلاقى العباد. وقال ميمون بن مهران: يلتقي الظالم والمظلوم والخصوم. وقيل: يلتقي العابدون والمعبودون. وقيل: يلتقي فيه المرء مع عمله.
15-" رفيع الدرجات ذو العرش " خبران آخران للدلالة على علو صمديته من حيث المعقول والمحسوس الدال على تفرده في الألوهية ،فإن من ارتفعت درجات كماله بحيث لا يظهر دونها كمال وكان العرش الذي هو أصل العالم الجسماني في قبضة قدرته لا يصح أن يشرك به ، وقيل الدرجات مراتب المخلوقات أو مصاعد الملائكة إلى العرش أو السموات أو درجات الثواب . وقرئ رفيع أيضاً بالنصب على المدح ." يلقي الروح من أمره " خبر رابع للدلالة على أن الروحانيات أيضاً مسخرات لأمره بإظهار آثارها وهو الوحي ، وتمهيد للنبوة بعد تقرير التوحيد والروح الوحي ومن أمره بيانه لأنه أمر بالخير أو مبدؤه والآمر هو الملك المبلغ " على من يشاء من عباده " يختار للنبوة ، وفيه دليل على أنها عطائية " لينذر " غاية الإلقاء والمستكن فيه لله ، أو لمن أو للروح واللام مع القرب تؤيد الثاني " يوم التلاق " يوم القيامة ، فإن فيه تتلاقى الأرواح والأجساد وأهل السماء والأرض أو المعبودون والعباد أو الأعمال والعمال .
15. The Exalter of Ranks, the Lord of the Throne. He casteth the Spirit of His command upon whom He will of His slaves, that He may warn of the Day of Meeting,
15 - Raised high above ranks (or degrees), (He is) the Lord of the Throne (of authority): by His Command doth He send the spirit (of inspiration) to any of His servants He pleases, that it may warn (men) of the Day of Mutual Meeting,